أجمع عدد من خبراء التكنولوجيا وأمن المعلومات أن طمع المستخدمين والسعى وراء جنى أرباح سريعة تسبب فى انتشار تطبيقات النصب الإلكترونى وظهور أشكال جديدة منها تتعلق بالإقراض المالى والتوقعات العكسية وغيرها.
وكان عدد من مستخدمى منصات التواصل الاجتماعى تداولوا عددا من المنشورات خلال الأيام الماضية تشير إلى تعرضهم لابتزاز من أشخاص يدعون أنهم تابعين لتطبيق متخصصة فى الإقراض المالى يسمى “مونى بوكس” كان المستخدمون قد سجلوا عليه، وآخرون يروجون للربح السريع عن تطبيق سوجو والذى يعتمد على أسلوب التوقعات العكسية.
وأكد عدد من خبراء التكنولوجيا والاتصالات أن حائط الصد الأول لتحجيم جرائم النصب والاحتيال الإلكترونى هو رفع مستوى المواطن البسيط، وذلك من خلال حملات توعية يتحمل تكلفتها مقدمو الخدمات مثل أورنج واتصالات وأيضا البنوك، مشددين على أهمية توجه الأفراد لعمل بلاغات فى مباحث الإنترنت فور تعرضهم لحالة نصب، خاصة أن هذه العصابات لا تكتفى بسرقة الأموال فقط، بل الخطر يمتد ليشمل سرقة كل البيانات الشخصية للمستخدم عن طريق اختراق أجهزته الشخصية.
حجازى: مصيدة للوقوع فى فخ غسيل الأموال
وقال الدكتور محمد حجازى، رئيس لجنة التشريعات والقوانين السابق بوزارة الاتصالات، استشارى تشريعات التحول الرقمى، إن تعامل الأفراد مع التطبيقات المشبوهة وغير المعترف بها من قبل الدولة المصرية يعرض المستخدمين للوقوع فى فخ جرائم غسيل الأموال، موضحا أن هذه البرامج تتم عليها عمليات تبادل مالى من جهات غير معروفة.
وأضاف حجازى أن النصب الرقمى هو عبارة عن محاولة إيهام الأشخاص بأنهم قادرون على الحصول على مكاسب مالية سريعة دون بذل أى مجهود، بينما يتمثل الهدف الأساسى فى سحب أموالهم أو الحصول على مزايا أخرى منهم، مشيرا إلى أن زيادة انتشار معدلات النصب الرقمى عبر الإنترنت خلال الآونة الأخيرة، يأتى مدفوعا بزيادة احتياج المواطنين مع صعوبة الأوضاع الاقتصادية.
وأوضح أن المجتمعات التى تزداد بها نسب البطالة والفقر هى الأعلى فى انتشار جرائم الاحتيال الإلكترونى، مؤكدا أهمية نشر التوعية المجتمعية بين كافة فئات المواطنين وتحذيرهم من خطورة الانجراف وراء الادعاءات المزيفة لمثل هذه التطبيقات.
ونصح الخبراء المستخدمين تجنب جميع التطبيقات غير المعروفة والمجهولة المصدر والتعامل من خلال القنوات الرسمية للقطاع المصرفى أو شركات التكنولوجيا المالية الشهيرة مثل فاليو.
وأشار إلى أن بعض العروض التى تقدمها هذه التطبيقات قد تكون بعيدة عن مبدأ الواقعية والموضوعية، مستشهدا بإحدى التطبيقات التى أعلنت عن فرص توظيف لمدة ساعة واحدة فقط مقابل 5 آلاف دولار الأمر الذى يثير شهية الكثيرين من الباحثين على المكسب السهل، أو على سبيل المثال إيهام العملاء بأن أموالهم يتم توظيفها فى شركات ومشروعات مقابل الحصول على نسبة معينة من الأرباح تختلف حسب حجم الأموال المستثمرة داخل التطبيق.
ورأى أن قانون العقوبات المصرى يتضمن كافة المواد اللازمة لردع عمليات الاحتيال المنفذة على أرض الواقع أو الفضاء الإلكترونى، موضحا أن قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية يهدف إلى جمع الأدلة الرقمية بطريقة ذات حجية قانونية أمام النيابة ومعاقبة الجناة من خلال تتبع العمليات المالية بين التطبيقات المختلفة ومحافظ البنوك.
ونصح المستخدمين بأهمية التعامل بحذر شديد مع تطبيقات المحمول والتأكد من مدى موثوقيتها، خاصة أن المشبوهة منها على حد قوله، لا تعمل على سرقة أموال المستخدمين فقط بل قد تعرض أمنهم وحياتهم للخطر من خلال سرقة البيانات والصور الشخصية الموجودة على أجهزتهم، والخضوع فى براثن الابتزاز الإلكترونى.
وقال الدكتور يسرى زكى، خبير أمن المعلومات، إن محتالى الويب يعتمدون بشكل أساسى ورئيسى على غريزة الطمع لدى ضحاياهم، وبالتالى يجب التوعية بخطورة تطبيقات النصب الإلكترونى.
زكى: يجب نشر التوعية المجتمعية.. والتشريعات فقط غير كافية
وأضاف زكى أن التوعية المجتمعية تتم عبر عدة جهات مختلفة، أولها الجهات الحكومية ووضع تشريعات رادعة، إضافة إلى الجهات شبه الرسمية مثل مشغلى شبكات المحمول الأربعة العاملة بالسوق المحلية، وأخيرا الجهات المنظمة على غرار هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات “إيتيدا” وهيئة الرقابة المالية، مؤكدًا أن التشريعات وحدها لا تكفى.
وشدد على أهمية أن تلعب البنوك دورا أساسيا فى نشر حملات التوعية بين عملائها، مؤكدا أهمية تطوير وتحسين الأدوات التكنولوجية المستخدمة من قبل مقدمى الخدمات لحماية بيانات عملائها وتساعد على تعزيز مستويات الأمن السيبرانى.
وأكد أهمية تجاوب المستخدم النهائى مع حملات التوعية وتنفيذ الخطوات اللازمة لحماية نفسه من الاختراق أو النصب الإلكترونى.
وأشار إلى أهمية الدور المنوط به وسائل الإعلام، سواء مرئى أو مسموع أو مقروء فى نشر التوعية بين المواطنين بالأمن الرقمى، والعمل كهمزة وصل بين مقدمى الخدمات المختلفين والمواطن العادى.
الحارثى: هذه الكيانات تتعاون مع عصابات وتشكيلات إجرامية من خارج مصر
وقال محمد الحارثى، الرئيس التنفيذى لشركة “سيميكولون” للحلول الرقمية، إن رفع الوعى المجتمعى هو حائط الصد الأول للحد من انتشار جرائم النصب الإلكترونى، لاسيما أن تتبع كل التطبيقات المشبوهة وسرعة إغلاقها مع القبض على الجناة عملية معقدة وصعبة للغاية لأنهم يتعاملون مع عصابات وتشكيلات إجرامية من خارج مصر.
وتابع الحارثى أن ظاهرة الاحتيال الإلكترونى هى مشكلة تواجه كل مستخدمى الإنترنت حول العالم وليس لها حلول ناجعة، فمع إغلاق تطبيق مشبوه يظهر على الفور آخر بديلا له ويقوم باستقطاب مستخدمين جدد، مشيرا إلى أن أى تعاملات مالية غير مصرفية فى شكل ألعاب أو مراهنات أو مشتريات افتراضية والحصول على نقاط رقمية وأرصدة وهمية فى محافظ إلكترونية.
وأوضح أن المحتالين فى عالم الويب يلجأون لاستقطاب أكبر عدد من المستخدمين عن طريق توزيع أرباح لهم لاستدراجهم والشعور بالأمان والاستثمار فى التطبيق بمبالغ مالية ضخمة، مستشهدا بمنصات الإقراض التى تعمل خارج المنظومة البنكية وانتشرت مؤخرا رغم أنها غير قانونية وغير مسجلة ولا تخضع لأى رقابة أو معايير.
ونصح المستخدمين بالتعامل مع التطبيقات البنكية المعروفة والرسمية فقط، إضافة إلى نظيراتها غير المصرفية الخاصة بالدفع الرقمى المرخصة من الرقابة المالية مثل فاليو والعلامات التجارية المشهورة الأخرى، مع تجنب غير المعروفة ومجهولة المصدر تماما التى تلجأ للتسويق الوهمى، خاصة أنها تدار بواسطة عصابات دولية من يدخل فى مصيدتها يفقد أمواله ويمكن أن يتعرض لاختراق كل أجهزته وتسريب كل بياناته وصوره.
وشدد على أهمية التوجه فورًا لمباحث الإنترنت، كونها الجهة المسؤولة عن الجرائم المعلوماتية، وعمل بلاغات بكل تفاصيل الواقعة بما يسهم فى سرعة ضبط وإحضار مرتكبيها، لافتًا إلى أنه حتى العصابات الدولية التى تعمل من خارج مصر يكون لها أذرع محلية تساعدهم فى تنفيذ عملياتهم المشبوهة.
واعتبر أن الضغوط الاقتصادية الحالية تعد سببا رئيسيا فى انتشار التطبيقات الوهمية التى تعد بفوائد بنسبة عالية.
وأكد أهمية تشديد الرقابة على المحافظ الإلكترونية سواء التابعة لجهات مصرفية أو غير مصرفية لتحليل سلوكيات التحويلات المالية حتى وإن كانت مبالغ بسيطة، مشيرًا إلى أهمية دور هيئة الرقابة المالية المسؤولة عن القطاع غير المصرفى مثل شركات التكنولوجيا المالية.
وطالب بتشديد العقوبات الرادعة على كل من يشارك فى الاحتيال الرقمى، على أن تشمل العقوبات كل من روج لهذه التطبيقات من خلال وسائل التواصل المختلفة لأنه مشارك فى الجريمة، واستحداث وحدات لمتابعة ورصد الشكاوى الخاصة بعمليات الاحتيال والتى تكتب وتنشر على السوشيال ميديا بدون بلاغات، ويكون دور هذه الوحدات تحليل الأنماط المختلفة لعمليات التطبيقات والمنصات غير المرخصة.
وأرجع اللواء محمود الرشيدى، مساعد وزير الداخلية الأسبق لأمن المعلومات، أسباب نجاح تطبيقات النصب الإلكترونى إلى عاملين: أولهما طمع المجنى عليهم فى الحصول على مكاسب مادية سريعة دون أى جهد أو تفكير منطقى عقلانى، أما السبب الآخر هو غياب الوعى التكنولوجى بالمخاطر والتهديدات الناجمة عن استخدامات الإنترنت ومواقع التواصل بطريقه غير آمنة ومشروعة.
وأكد الرشيدى أهمية تعظيم جهود الدولة ومنظمات المجتمع المدنى فى التصدى لمثل هذه الممارسات من خلال الاهتمام بمجالات التوعية التكنولوجية، لاسيما أنه من الضرورى إعداد أجيال مؤهلة لمواجهة هذه المخاطر من خلال تخصيص مادة داخل المناهج الدراسية تتعلق بمبادئ التوعية الرقمية والاستخدام الأمن والرشيد لشبكة الإنترنت ومواقع التواصل وكيفية حماية الأجهزة الإلكترونية من أى مخاطر محتملة.
الرشيدى: يجب دعم «مباحث الإنترنت» بمزيد من الكفاءات والموارد لمواجهتها
واعتبر أن خط الدفاع الأول فى مواجهة جرائم الإنترنت المعلوماتية هو محو الأمية الرقمية والتوعية بالتكنولوجيا ومخاطرها وكيفية تعظيم الاستفادة منها بالطريقة المثلى التى تخدم المجتمع، ناصحا أى مواطن يتعرض لأى جريمة على الإنترنت عدم مسح أو إلغاء نصوص أى دردشة أو بوستات متداولة مع الجناة عبر الإنترنت ومواقع التواصل، على أن يتوجه بسرعة تقديم بلاغ شخصى إلى مباحث الإنترنت التابعة لوزارة الداخلية وعرض كافة الأدلة الرقمية التى بحوزته.
ورأى أن ارتفاع نسب الجرائم الإلكترونية بات أمرا طبيعيا مع الزيادة المطردة فى استخدامات تطبيقات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، الأمر الذى سهل ارتكاب هذه النوعية من الجرائم بسرعة وبدون مواجهة مباشرة مع المجنى عليه، مدفوعين بإحساس أنهم بمنأى عن أعين الأجهزة الأمنية، ويصعب تتبعهم وضبطهم من خلال استخدام برامج وتطبيقات تخفى هويتهم على الإنترنت ومواقع التواصل.
وأكد أنه يوجد الكثير من القوانين الوضعية لمواجهة هذه النوعية من الجرائم منها العقوبات العامة والاتصالات والتوقيع الإلكترونى ومكافحة جرائم تقنية المعلومات وحماية البيانات الشخصية.
وأشاد بدور مباحث الإنترنت فى مواجهة كافة أنواع الاستخدام غير الآمن لشبكة الإنترنت ومواقع التواصل، حيث إنها تتلقى بلاغات المواطنين فى هذا الشأن وتقوم برصد وتتبع وضبط الجناة وتقديمهم للمحاكمة بعد اتخاذ كل الإجراءات الأمنية والقانونية واستخراج الأدلة الرقمية من مسرح الجريمة الافتراضى على شبكه الإنترنت ومواقع التواصل.
وأضاف أن مباحث الإنترنت تشارك أيضا فى حملات توعية المواطنين فى كل قطاعات الدولة، فضلا عن تعاونها مع أجهزة الأمن داخل مصر وخارجها لمكافحة تلك النوعية من الجرائم، والتنسيق مع أجهزة الأمن الدولية مثل الإنتربول.
وأكد أن مباحث الإنترنت تقوم بإعداد الدراسات الإحصائية بالاستخدامات التكنولوجية الحالية والجرائم المصاحبة واستنتاج أفضل أساليب الوقاية والمكافحة.
وشدد على ضرورة دعم مباحث الإنترنت بالمزيد من الإمكانات المادية والبشرية لمواجهة الزيادة الراهنة والمتوقعة فى جرائم الإنترنت.
