خواطر مواطن مهموم 307.. عالم في مفترق الطرق

السنوات المقبلة سنوات حرجة. لعدد من الفرقاء مصلحة مؤكدة فى تعجيل المواجهة الحاسمة أو لتدشين الجهد الكبير المحقق للغاية المرادة.

الكاتب توفيق اكليمندوس
Ad

السنوات المقبلة سنوات حرجة. لعدد من الفرقاء مصلحة مؤكدة فى تعجيل المواجهة الحاسمة أو لتدشين الجهد الكبير المحقق للغاية المرادة.

فى الولايات المتحدة رئيس يرى أن السياسة الخارجية لعبة صفرية إما سارقًا وإما مسروقًا، ولا يحب الإنفاق بدون عائد مادى ولا يحب الحروب، تحد من هذه الميول الرغبة فى عدم الظهور ضعيفا أو مترددا، ولكن سلوكه فى إدارة الملف الروسى أو فى إدارة المشهد فى المحيطين الهندى والصينى أو فى التعامل مع حلفاء واشنطن قد يدفع الكثيرين إلى اختبار نواياه بعمل تصعيدى قد لا يتخذ صورة حرب تقليدية.

ومما يزيد من احتمالات تصعيد كبير كون الغرب ليس جاهزا، أى وجود ما يدفع أعدائه الراغبين فى إعادة ترتيب النظام الدولى إلى المبادأة قبل أن يعد الغرب العدة. عدم جاهزية أوروبا واضحة، وقطعا الولايات المتحدة فى وضع أفضل بكثيرلا تصح المقارنة أصلا، ولكن الصناعات الحربية الأمريكية لم تعد بالقوة التى كانت عليها فى الحرب العالمية الثانية أو فى الحرب الباردة، والصين منافس أقوى بكثير من الاتحاد السوفيتى، ولكن هناك أسئلة مشروعة حول كفاءة قوات مسلحة لم تنخرط فى حرب منذ 45 سنة. ولا خبرة بحرية لها. وهناك أسئلة أخرى حول وضعها الجغرافى، هل هو ميزةهى أقرب للمسرح الرئيس من الولايات المتحدة، أم عيبهىمحاصرةبسلسلة من الجزر.

أود الإشارة إلى كونى لست متأكدا تماما مما سبق. المنطق الحاكم لما قلته هوأوروبا تقوى نفسها ومن الحكمة شروع موسكو فى تحقيق أهدافهاالسيطرة على أكبر نسبة ممكنة من شواطئ بحر قزوين والبحر الأسود وبحرى البلطيق وأزوف والبحر الأسود قبل أن تكون أوروبا جاهزة”. ولكننا نستطيع أن نتصور مسارا تزداد فيه أوروبا ضعفا يوما بعد يوم وليس قوة. الاحتقان الداخلى يزداد حدة بانتظام، الشعوب ليست متحمسة لحرب مع دولة بحجم روسيا، وليست متحمسة لإنفاق حربى يفرض تقليلا من الإنفاق على دولة الرفاه ويساهم فى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين. وننوه فى هذا الصدد إلى حرب هجينة شرسة تشنها روسيا ضد أوروبا منذ عقد، وإلى ممارسات خشنة أمريكية فى مجالى التبادل التجارى وجذب الاستثمارات، وننوه إلى التخلف التكنولوجى لأوروبا، ما زال الأوروبيون قادرين على الابتكار، ولكنهم لا ينجحون فى تحويل ابتكارهم إلى مشروع صناعى، باختصار قد ترى موسكو وبكين أن الأكثر حصافة هو الانتظار إلى أن تسقط الثمار دون الحاجة إلى هز الشجرة.

وفى المقابل هناك عوامل أخرى قد تدفع موسكو وبكين إلى الإسراع وربما إلى التسرع. الرئيس الروسى يرى أن مهمته المقدسةوهذا التعبير ليس مجازيا فهو يرى نفسه مكلفا بمهمة دينية سياسيةهىاستردادأكبر قدر من الأراضى التى استولى عليها بطرس الأكبر وكاترين العظمى، وتوحيدأكبر عدد من الأرثوذكس تحت راية موسكو، وهو يريد أن يضمن لنفسه مكانا مرموقا فى تاريخ حكام روسيا ومؤسسى إمبراطوريتها الاستعمارية، وهو يتقدم فى السن ويريد إتمام المهمة قبل أن يتوفاه الله، والبنية السكانية الروسية تتدهور باستمرار ومرشحة للمزيد منه. لن أعلق كثيرا على مشروعات موسكو وسأكتفى بالقول... لو كنت حاكمًا لبلد به هذه الموارد والمواهب وله هذه الأوراق لانتهجت نهجا مختلفا تماما.

والمشكلة السكانية التى تعانى منها الصين أشد جسامة، وحاكمها يتقدم فى السن، ولكن الصينيين بارعون براعة مذهلة فى التخطيط الطويل الأجل، انظروا كيف سيطروا على سوق المعادن الحرجة مثلا، ولهم تراث عريق فى فنون تركيع الخصوم دون إطلاق رصاصة واحدة. قالها دبلوماسى إندونيسى فى حوار مع موقع فورين بوليسى... للصين نزاعات مع كل دول جوارها ومع الولايات المتحدة... هل قتلت جنديا واحدا؟ المقارنة مع روسيا والولايات المتحدة مذهلة. أقولها ولست من أنصار النظام الصينى ولا أنسى ممارساته تجاه أبناء بعض أقاليمه.

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية