فى خطوة تعكس توجه الدولة لتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص فى مجال التنمية العمرانية، أعلن صندوق الإسكان الاجتماعى ودعم التمويل العقارى بالتعاون مع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، عن طرح قطعة أرض مميزة بمساحة 79 فدانًا بمنطقة التجمع السادس بمدينة القاهرة الجديدة، وذلك بنظام المشاركة الكاملة النقدية. ويُعد هذا الطرح من أبرز الفرص الاستثمارية المطروحة خلال الفترة الحالية، حيث يفتح الباب أمام المطورين العقاريين للمساهمة فى تنفيذ مشروعات عمرانية متكاملة تدعم خطط الدولة فى التوسع العمرانى وتلبية الطلب المتزايد على الوحدات السكنية والخدمية.
ويأتى هذا الطرح فى إطار استراتيجية الدولة الرامية إلى تعظيم الاستفادة من الأصول العقارية المملوكة لها، وتوفير موارد مالية إضافية تسهم فى دعم مشروعات الإسكان الاجتماعى والمتوسط ضمن المبادرة الرئاسية “سكن لكل المصريين”.
ويتضمن الطرح سداد 50 مليون جنيه كجدية حجز حتى 15 سبتمبر الحالى، إضافة إلى 200 مليون جنيه كدفعة مقدمة خلال 3 أشهر من اعتماد الترسية، الأمر الذى أثار ردود فعل واسعة بين المطورين والخبراء العقاريين.
فبينما اعتبره البعض فرصة استثمارية تعكس توجه الدولة نحو تعميق التعاون مع القطاع الخاص، رأى آخرون أن شروطه المالية المرتفعة تقصر المنافسة على شريحة محدودة من الشركات الكبرى، وتبتعد عن فكرة الشراكة الحقيقية التى كان يتطلع إليها السوق.
وقد أشادت أصوات عديدة بجدوى الطرح وقدرته على توفير عوائد كبيرة للصندوق، معتبرة أن العائد المتوقع قد يصل إلى مليارات الجنيهات، وهو ما يضمن استمرار الدولة فى دعم فئات محدودى ومتوسطى الدخل عبر بناء وحدات سكنية جديدة، كما اعتُبر الموقع المتميز للأرض المطروحة، والقريب من الطرق والمحاور الرئيسية مثل الطريق الدائرى وطريق القطامية–العين السخنة، نقطة جذب للمطورين الراغبين فى تنفيذ مجتمعات عمرانية متكاملة.
ومن ناحية أخرى، عبّر بعض المطورين عن تخوفه من اعتماد الصندوق الكامل على نظام المشاركة النقدية بنسبة %100، حيث اعتبر أن ذلك يضع أعباء مالية ضخمة على الشركات، ويقلل من فرص دخول المطورين المتوسطين أو الجدد وطالب بتبنى صيغ أكثر مرونة مثل المزج بين الحصة العينية والنقدية، وهو ما من شأنه أن يفتح الباب أمام شريحة أوسع من المطورين ويعزز مناخ المنافسة.
كذلك ألقى الطرح بظلاله على النقاش الدائر حول مفهوم الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص فى السوق العقارية المصرية فبينما تؤكد الدولة أن هذه الآلية تمثل وسيلة لتعظيم عوائدها المالية وتوجيهها إلى أهداف اجتماعية، يرى المطورون أن الشراكة ينبغى أن تتجاوز فكرة التمويل المباشر إلى مشاركة فعلية فى التطوير العمرانى للمجتمعات السكنية ومشروعات الإسكان الاجتماعى، بما يضمن تحقيق البعدين الاستثمارى والاجتماعى فى آن واحد.
ويُتوقع أن تشهد السوق خلال الفترة المقبلة مزيدًا من الطروحات المشابهة، فى ظل توجه الدولة نحو حسن استغلال أصولها العقارية وتوفير حلول تمويلية مستدامة لمشروعات الإسكان، إلا أن التحدى الحقيقى سيكمن فى كيفية صياغة نماذج شراكة متنوعة ومرنة تلبى احتياجات المطورين وتستجيب للتحديات الاقتصادية، وفى الوقت نفسه تحقق الأهداف القومية للدولة.
نموذج مختلف
أوضح المهندس فتح الله فوزى، نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين ورئيس لجنة التطوير العقارى والمقاولات، أن الطرح الاستثمارى الأخير لصندوق الإسكان الاجتماعى وهيئة المجتمعات العمرانية بمدينة القاهرة الجديدة يمثل نموذجًا مختلفًا عن الشراكات التى كان يتطلع إليها المطورون العقاريون.
ويرى فوزى فى تصريحات لـ “المال” أن الأرض المطروحة بمساحة 79 فدانًا فى منطقة التجمع السادس لا يمكن أن تكون مخصصة لإسكان اجتماعى، نظرًا لارتفاع قيمتها السوقية وموقعها المتميز الذى يزيد من تكلفة أى مشروع يُقام عليها، وبالتالى فإن الوحدات الناتجة ستكون موجهة لفئات الإسكان فوق المتوسط أو الفاخر، بعيدًا عن الفئة المستهدفة من مبادرة “سكن لكل المصريين”.
ولفت إلى أن المطورين كانوا ينتظرون آليات شراكة أكثر تنوعًا، تقوم على المزج بين الحصة العينية والنقدية، بما يسمح لهم بالمساهمة الفعلية فى تطوير مشروعات ذات بعد اجتماعى إلى جانب البعد الاستثمارى أما النموذج الحالى القائم على المشاركة النقدية بنسبة %100 فيضع أعباء مالية كبيرة على عاتق الشركات، ويجعل المنافسة محدودة على عدد قليل من الكيانات ذات الملاءة المالية العالية.
مشاركة حقيقية
فى تحليله لآلية الطرح، يؤكد فوزى أن الهدف الأساسى من هذه الخطوة يتمثل فى تحقيق عائد مالى يعزز قدرة صندوق الإسكان الاجتماعى على الاستمرار فى تنفيذ مشروعاته التنموية، وبخاصة بناء وحدات سكنية لمحدودى ومتوسطى الدخل فى المناطق ذات التكلفة الأقل. ويرى أن هذا الطرح لا يعنى بالضرورة تخصيص الأرض المطروحة بالقاهرة الجديدة لمشروعات الإسكان الاجتماعى، بل يُعد أداة تمويلية استراتيجية لتغطية التزامات الصندوق المستقبلية وضمان استدامة دوره فى تلبية احتياجات الشرائح الأكثر احتياجًا من المواطنين.
وشدد على أن هذا التوجه، رغم منطقيته من ناحية توفير التمويل، إلا أنه لا يعكس الصورة الكاملة للشراكة التى كان يطمح إليها القطاع الخاص مع الدولةـ فالمطورون يمتلكون الرغبة والخبرة فى المشاركة بمشروعات الإسكان الاجتماعى وتطوير المناطق العشوائية، لكنهم يحتاجون إلى صيغ أكثر مرونة تضمن مشاركة حقيقية تتقاسم المخاطر والعوائد بدلًا من الاعتماد على المشاركة النقدية.
وأكد نائب رئيس جمعية رجال الأعمال أن نجاح التعاون بين الدولة والمطورين العقاريين يتطلب آليات تحقق التوازن بين البعدين الاجتماعى والاستثمارى، بحيث تتحقق أهداف التنمية العمرانية المستدامة وتستفيد منها جميع الأطراف مشددًا على أن جمعية رجال الأعمال المصريين ستواصل من خلال لجنة التطوير العقارى والمقاولات مناقشة هذه الملفات مع الجهات المعنية للوصول إلى أنظمة شراكة أكثر توافقًا مع قدرات المطورين واحتياجات الدولة فى الوقت ذاته.
عرض جيد
قال الدكتور عبدالرحمن خليل، الخبير والمطور العقارى، إن الطرح الأخير يعد خطوة إيجابية تعكس توجهات رئاسية مباشرة نحو دعم مبادرة “سكن لكل المصريين”، مشيرًا إلى أن الشراكة أصبحت شعار المرحلة الحالية والمقبلة، سواء بين الحكومة والمطورين العقاريين أو بدخول استثمارات أجنبية فى شراكات جديدة.
وأوضح خليل أن الأرقام التى تضمنها الطرح منطقية للغاية إذا ما قورنت بحجم المشروع، قائلاً إن دفع 50 مليون جنيه كجدية، يعقبه 200 مليون جنيه خلال 3 أشهر، ليصل الإجمالى إلى 250 مليون جنيه، يظل مبلغًا مقبولًا فى مشروع قد تصل قيمته الاستثمارية إلى نحو 7 أو 9 مليارات جنيه.
وأشار إلى أن الدراسات والأبحاث ما زالت جارية لتحديد عدد الوحدات وأسعارها، لكنه يتوقع أن يتراوح عددها بين 3500 إلى 4000 وحدة سكنية، وهو ما يبرهن على أن نموذج الشراكة المطروح يمثل عرضًا جيدًا وفرصة حقيقية للمطورين الراغبين فى التعاون مع الدولة.
وأضاف خليل أن هذا النوع من المشروعات لا يناسب كل المطورين، إذ يعتمد على رؤية كل مطور وقدرته المالية والتنفيذية، موضحًا أن الرقم المطلوب ليس ضخمًا، ويمكن للمطورين المتوسطين المشاركة فيه، خاصة أن السوق تشهد مشروعات كبرى بعشرات ومئات المليارات مع شركات كبرى مدرجة بالبورصة.
ولفت إلى أن الدولة تعمل حاليًا على دفع التنمية العمرانية بكافة مستوياتها، مستهدفة مختلف الشرائح، لاسيما متوسطى الدخل الذين يمثلون محورًا أساسيًا ضمن مبادرة “سكن لكل المصريين”، مؤكدًا أن الطرح الجديد يعزز هذا الهدف.
وأكد أن المشروع المطروح على مساحة نحو 79 فدانًا لا يُعد ضخمًا بالقياس إلى المشروعات الكبرى، لكنه فى الوقت نفسه يمثل فرصة مهمة لمطور متوسط الحجم ليحقق مكاسب استثمارية، ويسهم فى الوقت ذاته فى تحقيق هدف مجتمعى يتمثل فى توفير سكن مناسب لشريحة مهمة من المصريين.
وشدد خليل على أن التنمية العمرانية يجب أن تتسم بالشمولية، بحيث تستهدف جميع الشرائح دون الاقتصار على الفئات الأعلى، موضحًا أن تنويع المنتجات العقارية بين الفاخرة والمتوسطة والمحدودة يحقق توازنًا فى السوق ويلبى احتياجات المجتمع.
المخاطر والعوائد
تحدثت عبير عصام الدين، رئيس مجلس إدارة شركة عمار العقارية، عن الطرح الأخير لصندوق الإسكان الاجتماعى بمدينة القاهرة الجديدة، مؤكدة أن نظام الشراكة النقدية الذى تم اعتماده لا يعكس ما كان يتطلع إليه المطورون العقاريون من شراكات حقيقية مع الصندوق.
وقالت إن القطاع العقارى كان ينتظر نماذج أكثر مرونة فى الشراكة، تجمع بين الحصة العينية والحصة النقدية، بحيث يتمكن المطور من استغلال قدراته فى التطوير والبناء إلى جانب ضخ السيولة المالية المتاحة لديه، موضحة أن الاعتماد الكامل على السداد النقدى يضع المطورين أمام التزامات مالية ضخمة قد تعرقل دخول الكثير منهم فى مثل هذه المشروعات.
وأشارت إلى أن اشتراط سداد 50 مليون جنيه كجدية حجز، ثم 200 مليون أخرى كدفعة مقدمة، يعنى أن المطور الراغب فى المنافسة يحتاج لسيولة تتجاوز 250 مليون جنيه فى فترة قصيرة جدًا، وهو ما لا يتوافر لدى غالبية الشركات العاملة بالسوق حاليًا، خاصة فى ظل التحديات الاقتصادية وارتفاع تكاليف التمويل، متسائلة: “مين من المطورين معاه سيولة 250 مليون جنيه يقدر يضخها فورًا فى مشروع واحد؟”.
وأوضحت رئيس مجلس إدارة “عمار العقارية” أن نظام المشاركة القائم على الحصة العينية والنقدية كان سيتيح فرصًا أوسع لدخول شريحة أكبر من المطورين، بما يحقق المنافسة ويعظم العائد على الدولة فى الوقت نفسه، مؤكدة أن الشراكة الحقيقية تعنى تقاسم المخاطر والعوائد معًا، وليس فقط تحويل العلاقة إلى سداد نقدى مباشر.
وأكدت أن السوق العقارية بحاجة إلى آليات متنوعة للطرح تناسب جميع الفئات من الشركات، سواء الكبيرة أو المتوسطة أو حتى الشركات الصاعدة، مشيرة إلى أن الاعتماد على نموذج واحد يضيق دائرة المنافسة ويحد من الابتكار فى تقديم المشروعات.
وأضافت: “نتمنى أن ينجح الطرح الحالى، لكن الأهم أن نشهد فى المرات المقبلة صيغًا أكثر تنوعًا فى أنظمة الشراكة، تعكس التوازن المطلوب بين قدرات المطورين واحتياجات الدولة”.
واعتبرت أن نجاح أى نظام للشراكة يتوقف على خلق معادلة عادلة بين الطرفين، تقوم على تمكين القطاع الخاص من استغلال خبراته وإمكانياته فى التطوير، مقابل استفادة الدولة من تحقيق عوائد مالية مستدامة وتمويل برامجها السكنية، لافتة إلى أن التجارب العالمية أثبتت أن التنوع فى أنظمة الشراكة يضمن الاستمرارية ويجذب استثمارات محلية وأجنبية جديدة.
واختتمت عصام الدين حديثها بالتأكيد على أن المطورين ينظرون بإيجابية إلى أى طرح يفتح الباب أمام التعاون مع صندوق الإسكان الاجتماعى، لكنهم فى الوقت نفسه ينتظرون من الدولة أن تقدم حلولًا أكثر مرونة، بما يضمن نجاح التجربة ويجعلها نموذجًا يحتذى به فى دعم التنمية العمرانية المستدامة.
تعاون أوسع
من جانبه ثمّن المهندس خالد السيوفى، العضو المنتدب لشركة «كونتكت» للتطوير العقارى، خطوة صندوق الإسكان الاجتماعى وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بطرح فرصة استثمارية كبرى بمدينة القاهرة الجديدة، مؤكدًا أن مثل هذه الطروحات تعكس رؤية الدولة فى تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وإدارة الأصول العقارية بطريقة تحقق أعلى استفادة ممكنة.
وقال إن هذه الخطوة تمثل نموذجًا واضحًا للتكامل بين الدولة والمطورين العقاريين، موضحًا أن هيئة المجتمعات العمرانية اعتادت أن تقدم مشروعات ذات قيمة مضافة للسوق، وأن هذا الطرح يفتح الباب لتعاون أوسع فى المستقبل.
وأضاف: “نتمنى أن تمتد الفكرة لتشمل شراكات مباشرة مع صندوق الإسكان الاجتماعى فى تطوير مشروعات الإسكان الاجتماعى، وكذلك فى رفع كفاءة المناطق العشوائية، وهو ما سيكون تحديًا كبيرًا للمطورين لكنه فى الوقت نفسه يمثل فرصة لإحداث تأثير مجتمعى حقيقى”.
وأوضح أن أهمية هذا النوع من الطروحات لا تقتصر فقط على كونها مشروعات استثمارية تستهدف تحقيق أرباح للمطورين، بل تمتد لتدعيم المبادرات الوطنية وعلى رأسها مبادرة “سكن لكل المصريين”، عبر توفير عوائد مالية إضافية للصندوق تمكنه من الاستمرار فى بناء وحدات سكنية لمحدودى ومتوسطى الدخل.
واعتبر أن نجاح مثل هذه المشروعات يخلق حلقة متكاملة بين البعدين الاستثمارى والاجتماعى، بما يضمن تحقيق قيمة مشتركة لجميع الأطراف.
وأشار العضو المنتدب لشركة «كونتكت» للتطوير العقارى إلى أن المشاركة المجتمعية لم تعد خيارًا أمام شركات التطوير العقارى، بل أصبحت جزءًا أصيلًا من مسؤوليتها تجاه دعم التنمية الشاملة.
وقال: “اليوم لم يعد المطور مجرد منفذ لمشروع استثمارى، بل أصبح شريكًا فى صياغة مستقبل المدن وتقديم حلول عمرانية تسهم فى تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين جودة الحياة للمواطنين”.
وأضاف السيوفى أن هذه التجربة، إذا ما تم تعميمها، ستسهم فى جذب استثمارات محلية وأجنبية جديدة إلى السوق المصرية، خاصة أن الشراكات مع الدولة تمنح المستثمرين الثقة والقدرة على إدارة المخاطر.
وأكد أن التوازن بين المردود الاقتصادى للمطور وبين الفوائد الاجتماعية للدولة يضمن استدامة هذه المشروعات ويدعم توجهات الحكومة نحو تنمية عمرانية متكاملة.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن القطاع العقارى يمتلك من الخبرات والقدرات ما يؤهله ليكون شريكًا حقيقيًا فى تنفيذ رؤية الدولة، مشددًا على أن ما تحتاجه المرحلة المقبلة هو المزيد من المرونة فى تصميم آليات الشراكة، بما يفتح الباب أمام كل فئات المطورين، ويجعل التنمية العمرانية المستدامة هدفًا مشتركًا تتحقق فيه مصالح الدولة والمجتمع والقطاع الخاص.
فتح الله فوزى: أداة تمويلية للصندوق لكنها تفتقر للتنوع
عبير عصام: غياب الحصة العينية يحرم الطبقة المتوسطة من نصيبها
خالد السيوفى: يعزز التكامل بين التنميتين الاجتماعية والاقتصادية
عبدالرحمن خليل: يعكس توجهات رئاسية ويمثل فرصة حقيقية للقطاع
