المنتجون الأوروبيون فى مواجهة تحدى المنافسة الصينية وضغوط الجمارك الأمريكية

كان الاتحاد الأوروبى أعلن عن خطة طموح لخفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بنسبة %55 للسيارات بحلول عام 2030، وصولاً إلى حظر كام

صناعة السيارات
Ad

فى تطور يبرز التحديات الكبيرة التى تواجه صناعة السيارات الأوروبية، أصدرت كبرى جمعيات صانعى السيارات وموردى المكونات فى الاتحاد الأوروبى تصريحات تحذر من أن الأهداف التى وضعها الاتحاد لخفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون من السيارات أصبحت غير قابلة للتنفيذ فى الوقت الحالي، ويأتى هذا الموقف فى وقت تشهد فيه الصناعة تحولات كبيرة، حيث تتزايد المنافسة من الشركات الصينية فى سوق السيارات الكهربائية، إضافة إلى التهديدات المتزايدة من الرسوم الجمركية الأمريكية، وهذا يضع أوروبا أمام معادلة صعبة تتطلب مراجعة شاملة لإستراتيجياتها الصناعية والبيئية.

تعهدات صعبة التنفيذ فى أسواق السيارات الأوروبية

كان الاتحاد الأوروبى أعلن عن خطة طموح لخفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بنسبة %55 للسيارات بحلول عام 2030، وصولاً إلى حظر كامل لمحركات الاحتراق الداخلى بحلول 2035، بما يشمل السيارات والشاحنات الخفيفة، إلا أن هذه الأهداف، التى كانت جزءا من “الخطة الخضراء”، باتت موضع جدل، خاصة بعد تأكيد شركات كبيرة مثل مرسيدس بنز وسكافلر أن تحقيق هذه الأهداف بالوتيرة والموارد الحالية أصبح أمرا صعبا.

وفى رسالة مشتركة وجهتها شركات السيارات إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أكد القادة التزامهم بالتحول إلى الحياد الكربونى بحلول عام 2050، لكنهم أقروا بأن الطريق أصبح أكثر تعقيدا بسبب التحديات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية المتزايدة.

البطاريات والبنية التحتية 

فى السوق المهددة

ومن أبرز العقبات التى تواجهها الصناعة الأوروبية، الاعتماد شبه الكامل على آسيا فى توريد البطاريات، وهى المكون الأساسى للسيارات الكهربائية، وهذا الاعتماد يعرض أوروبا لمنافسة شرسة من الصين وكوريا الجنوبية واليابان، التى تهيمن على سلاسل الإمداد العالمية وتوفر أسعارا تنافسية يصعب على الشركات الأوروبية مجاراتها، كما أن البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية فى أوروبا ما تزال غير متكاملة، مما يعوق تسريع التحول إلى السيارات عديمة الانبعاثات.

ومع تزايد الطموحات البيئية فى بروكسل، يواجه المستهلك الأوروبى صعوبة فى التكيف مع هذا التحول بسبب قلة محطات الشحن وارتفاع تكاليف الكهرباء والملكية.

إلى جانب الضغوط الداخلية، يعانى قطاع السيارات الأوروبى من التحديات التى تفرضها السياسة التجارية العالمية، فالولايات المتحدة تواصل فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات الأوروبية من السيارات وقطع الغيار، مما يهدد بتقليص القدرة التنافسية للشركات الأوروبية فى أسواقها الرئيسية.

فى المقابل، تواصل الصين تعزيز وجودها فى السوق الأوروبية من خلال شركات مثل BYD وSAIC، التى تقدم سيارات كهربائية بأسعار منافسة وجودة مقبولة، مما يجعلها جذابة لشرائح واسعة من المستهلكين، وهذا التباين يثير القلق بين قادة الاتحاد الأوروبى الذين يخشون من فقدان الشركات الأوروبية حصتها فى السوق لصالح منافسين مدعومين من حكوماتهم وقادرين على الوصول إلى المواد الخام بأسعار تفضيلية.

واقع القطاع: أرقام مقلقة وتباين فى الأداء

وتشير الإحصاءات إلى أن السيارات الكهربائية استحوذت على حوالى %15 من مبيعات السيارات الجديدة فى الاتحاد الأوروبي، بينما بلغت حصة الشاحنات الصغيرة الكهربائية %9 وعلى الرغم من هذا النمو الملحوظ مقارنة مع السنوات الماضية، فإن هذه الأرقام ما تزال بعيدة عن الأهداف الطموحة لعام 2030 و2035 إضافة إلى ذلك، أظهرت التحقيقات أن فرض غرامات وعقوبات على الشركات لم يسهم بشكل كبير فى تسريع التحول، بل أضاف أعباء مالية على الكيانات التى تعانى من ارتفاع تكاليف الإنتاج ونقص العمالة الماهرة.

إستراتيجيات جديدة 

لمواجهة التحديات

وفى مواجهة هذه التحديات، دعا القادة الأوروبيون إلى تبنى مزيج من التقنيات المتنوعة بدلاً من التركيز على السيارات الكهربائية فقط، ومن بين الحلول المطروحة، السيارات الهجينة القابلة للشحن، ومحركات الاحتراق الداخلى ذات الكفاءة العالية، بالإضافة إلى الهيدروجين والوقود منخفض الكربون. هذا الطرح يعكس رؤية أكثر مرونة لمستقبل صناعة السيارات، خصوصا فى ظل القلق المستمر حول استدامة سلاسل توريد البطاريات وإدارة النفايات.

انقسامات داخل

الاتحاد الأوروبي

على الصعيد السياسي، يواجه الاتحاد الأوروبى انقساما بشأن كيفية التعامل مع هذه التحديات، ففى مارس الماضي، وافقت المفوضية على منح شركات السيارات مهلة إضافية لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات لعام 2025، بينما تطالب بعض الكتل السياسية بإلغاء قرار حظر محركات الاحتراق الداخلى المقرر لعام 2035، وهذه الانقسامات تعكس التوترات بين الطموحات البيئية والواقع الاقتصادي، وبين ضرورة الحفاظ على التنافسية الصناعية وحماية الوظائف، مع الالتزام بتعهدات أوروبا الدولية لمكافحة التغير المناخي.

بين الاستدامة والتنافسية

ويكمن التحدى الأكبر فى تحقيق التوازن بين الاستدامة البيئية والتنافسية الاقتصادية، فبينما تلتزم أوروبا بأهداف مناخية طموحة، لا تتبع بقية القوى الاقتصادية الكبرى نفس النهج، فعلى سبيل المثال، تستمر الصين فى الاعتماد على الفحم لتوليد جزء كبير من طاقتها، بينما توازن الولايات المتحدة بين تشجيع التحول الطاقى وحماية صناعاتها المحلية من خلال الرسوم الجمركية العالية، وهذا التباين يضع أوروبا فى موقف صعب، حيث قد تجد نفسها فى مواجهة خطر فقدان قدرتها على المنافسة فى سوق السيارات العالمية.

مستقبل غامض وصراع وجودي

وسيكون الاجتماع المرتقب فى 12 سبتمبر المقبل بين رئيسة المفوضية الأوروبية وقادة قطاع السيارات نقطة حاسمة فى تحديد مسار الصناعة فى المرحلة المقبلة إذا تمسك الاتحاد الأوروبى بأهدافه البيئية الصارمة دون توفير الدعم الكافى للبنية التحتية وسلاسل الإمداد، قد تجد شركات السيارات الأوروبية نفسها فى مواجهة مصير مشابه لصناعات أخرى فقدت قدرتها على التنافس عالميا، أما إذا تم التوصل إلى حلول مرنة، فقد تتمكن الصناعة من اجتياز هذه المرحلة الانتقالية بأقل الخسائر.

تطورات جديدة 

فى قطاع السيارات

فى سياق متصل، استحوذت الشركة الأمريكية الناشئة Lyten على أصول مصنع البطاريات المنهار Northvolt فى السويد بهدف استئناف إنتاج بطاريات الكبريت-ليثيوم فى أوروبا بحلول عام 2028، فى محاولة لتقليص الاعتماد على آسيا، لكن الشكوك تحيط بقدرتها على الوفاء بالتزاماتها الإنتاجية، خاصة مع تراكم ديون Northvolt البالغة 8 مليارات دولار.

من جهة أخرى، أعلنت “بورشه” عن إلغاء مشروعها لإنتاج البطاريات داخليا “Cellforce”، بسبب ضعف الطلب العالمى على السيارات الكهربائية فى أسواق مثل الولايات المتحدة والصين، كما أعلنت شركة CATL الصينية عن خطط لإدخال تقنية تبادل البطاريات فى أوروبا بالتعاون مع Stellantis، فى خطوة لدعم التنقل المستدام.

وفى خطوة مثيرة، حققت سيارة YangWang U9 الصينية الجديدة رقما قياسيا لأقصى سرعة لسيارة كهربائية فى ألمانيا، مما يعكس قدرة الصين على المنافسة مع كبار صانعى السيارات الأوروبيين.

الخلاصة

إن قطاع السيارات الأوروبى يواجه تحولا تقنيا معقدا، حيث يسعى الاتحاد لتحقيق أهداف بيئية طموحة فى ظل التحديات الاقتصادية والاعتماد على تكنولوجيا خارجية، ومبادرات مثل تبادل البطاريات وتطوير البطاريات الكبريت-ليثيوم تعد خطوات واعدة، لكنها بحاجة إلى دعم قوى وتنظيم مرن، وستحدد المنافسة المستمرة بين الابتكار والواقعية مستقبل هذه الصناعة الحيوية فى أوروبا.