توقع تقرير "فيتش سوليوشنز" الرائدة عالميا فى توفير الرؤى والبيانات والتحليلات أن يواصل البنك المركزى المصرى سياسة التيسير النقدى بخفض أسعار الفائدة 400 نقطة أساس إضافية خلال النصف الثانى من 2025، ثم 975 نقطة أخرى فى 2026، مع استمرار تراجع التضخم وصمود استثمارات المحافظ الأجنبية.
وأشار التقرير إلى أن أسعار الفائدة الحقيقية ستظل بين الأعلى عالميًا، مما يحافظ على جاذبية أدوات الدين المصرية، فيما يُتوقع أن يتباطأ التضخم إلى %14.4 فى 2025 وينخفض إلى نطاق مستهدف المركزى (5 - %9) بحلول الربع الرابع من 2026، كما رجّح أن يحافظ الجنيه على مكاسبه الأخيرة ويتداول بين 48 و50 جنيهًا للدولار، مدعومًا بتدفقات قوية من الاستثمارات وتراجع عجز الحساب الجارى، رغم المخاطر المرتبطة بخروج محتمل لرؤوس الأموال.
على صعيد النمو، أبقت "فيتش" على توقعاتها بارتفاع معدل نمو الاقتصاد المصرى إلى %4.7 فى 2025/ 2026، ثم %5 فى 2027/2026، مدفوعًا بالاستهلاك والاستثمار والصادرات، إضافة إلى مشروعات إستراتيجية مثل تطوير رأس الحكمة، كما توقعت أن يواصل الاقتصاد تحقيق متوسط نمو سنوى %4.6 حتى 2034، بدعم من الاستهلاك الخاص والتحويلات واستقرار نسبى للتضخم.
وأشار التقرير إلى أن أثر الرسوم الجمركية الأمريكية على الاقتصاد المصرى محدود، فى ظل استفادة صادرات الملابس والأغذية والمعادن من انخفاض الجنيه وميزة تنافسية مقارنة مع آسيا، حيث ارتفعت الصادرات إلى الولايات المتحدة %15 فى النصف الأول من 2025.
خفض الفائدة 400 نقطة خلال النصف الثاني
وتوقع تقرير حديث صادر عن "فيتش سوليشنز" أن يقوم البنك المركزى المصرى بخفض أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 400 نقطة أساس إضافية فى النصف الثانى من 2025، وبنحو 975 نقطة أساس أخرى فى 2026، مدفوعًا بتراجع التضخم وتدفقات قوية فى استثمارات المحافظ.
وخفض البنك المركزى، أسعار الفائدة بواقع 525 نقطة أساس فى اجتماعين متتالين، حيث قررت لجنة السياسة النقدية فى اجتماع 17 يناير الماضى، خفض سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى بواقع 225 نقطة أساس إلى %25.00 و%26.00 و%25.50، على الترتيب.
كما قررت خفض سعر الائتمان والخصم بواقع 225 نقطة أساس ليصل إلى %25.50، ثم أتبعتها بخفض آخر مقداره 100 نقطة أساس فى اجتماع 22 مايو التالى له مباشرة، ثم لجأ إلى خفض آخر فى اجتماع الخميس الماضى بمقدار 200 نقطة أساس إلى %22.00 و%23.00 و%22.50، على الترتيب. كما قررت خفض سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى %22.50.
وستنخفض أسعار الفائدة الحقيقية، بحسب تقديرات "فيتش" من %11 إلى نحو %8 بنهاية 2025، مع بقائها بين الأعلى عالميًا، مما يحافظ على جاذبية أدوات الدين المصرية للمستثمرين.
وأشار تقرير "فيتش" إلى أنه فى 2026، يُنتظر أن يفسح مزيد من التراجع فى التضخم المجال لخفض إضافى بمقدار 975 نقطة أساس.
ويأتى هذا التوجه مدفوعًا بعوامل عدة تشمل تباطؤ التضخم، وصمود استثمارات المحافظ، والحاجة إلى تقليص تكلفة خدمة الدين، وتراجع المخاوف المرتبطة بالرسوم الأمريكية، وتزايد اتجاه البنوك المركزية العالمية نحو التيسير النقدى.
وشهدت الآونة الأخيرة، بحسب بيان لجنة السياسة النقدية لدى البنك المركزى، بوادر تعافٍ فى النمو واستقرارا فى توقعات التضخم وعليه، واصلت البنوك المركزية فى كل من الاقتصادات المتقدمة والناشئة تيسير سياساتها النقدية، ولكن تدريجيا فى ظل حالة عدم اليقين الحالية.
وفيما يتعلق بالأسعار العالمية للسلع الأساسية، شهد النفط تقلبات طفيفة نتيجة عوامل العرض و الطلب، ففى حين سجلت أسعار السلع الزراعية اتجاهات متباينة، ومع ذلك، لا يزال النمو والتضخم العالمى عُرضة للمخاطر، لا سيما احتمالية تصاعد التوترات الجيوسياسية وتزايد اضطرابات السياسات التجارية.
انحسار التضخم
وأشار تقرير "فيتش" إلى أنه رغم بعض الاضطرابات المؤقتة، سيستمر التضخم فى التراجع، حيث جرى تعديل التوقعات لمتوسط التضخم فى 2025 إلى %14.4 على أن يصل إلى نطاق استهداف البنك المركزى المصرى (5 - %9) بحلول الربع الرابع من 2026، بدعم من استقرار العملة واستكمال الإصلاحات المالية.
وبحسب التقرير، ستمكن التدفقات القوية فى استثمارات المحافظ وتراجع عجز الحساب الجارى الجنيه من الحفاظ على مكاسبه الأخيرة والتداول فى نطاق يتراوح بين 48 و50 جنيهًا مقابل الدولار على الأجل القصير، غير أن حجم الحيازات الأجنبية الكبيرة فى أدوات الدين قصيرة الأجل يظل مصدرًا لمخاطر خروج رؤوس الأموال وتقلبات العملة.
ويتوقع التقريرأن يواصل التضخم مساره الهبوطى خلال النصف الثانى من 2025 وعام 2026، مدعومًا باستقرار نسبى للعملة واستكمال إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة، ورغم التوقعات السابقة بارتفاعه من %14.9 إلى %15.4 فى يوليو 2025 نتيجة إصلاحات ضريبة القيمة المضافة، إلا أن التضخم تراجع إلى %13.9 على أساس سنوى بفضل تباطؤ أسعار الغذاء، مما دفع إلى خفض التوقعات لمتوسط العام من %15.3 إلى %14.4.
ورجح التقرير أن يتراجع التضخم أكثر فى أغسطس وسبتمبر قبل أن يرتفع قليلًا فى الربع الرابع من 2025 مع زيادة أسعار الكهرباء فى أكتوبر والوقود فى نوفمبر، أما فى 2026، فمن المرجح أن ينخفض متوسط التضخم إلى %10، ويستقر ضمن نطاق استهداف البنك المركزى البالغ 5 - %9 بحلول الربع الرابع من العام.
أداء الجنيه.. الحالى والمتوقع
ورغم دورة التيسير النقدى، فقد ارتفع الجنيه بنحو %5 منذ بداية 2025 ليصل إلى 48.3 جنيه للدولار، بدعم من تدفقات قوية لاستثمارات المحافظ، وتراجع عجز الحساب الجارى، حسبما أشار تقرير "فيتش".
وأفاد التقرير بأن هذه التدفقات كانت قوية فى العديد من الأسواق الناشئة خلال النصف الأول من العام، مدفوعة بارتفاع شهية المخاطرة لدى المستثمرين، وضعف الدولار الذى حفزهم على البحث عن أصول فى الأسواق الناشئة.
وأظهرت استثمارات المحافظ فى مصر، بحسب التقرير، صمودًا أثناء الحرب التى استمرت 12 يومًا بين إسرائيل وإيران، والتى كان من الممكن أن تدفع المستثمرين للانسحاب من أصول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويُعزى هذا الصمود، بحسب "فيتش" إلى قدرة المستثمرين على الخروج وإعادة الأموال عند الحاجة، وإلى الاستجابة السريعة فى ترك العملة تتحرك مع تدفقات الأموال للخارج، مما عكس التزامًا بمرونة أكبر فى سعر الصرف.
وبافتراض استمرار قوة استثمارات المحافظ فى الأشهر المقبلة، وتقلص الحساب الجارى، واستمرار تداول الدولار فى نطاق جانبى، يُتوقع أن يحافظ الجنيه على مكاسبه ويتداول فى نطاق ضيق بين 48 و50 جنيهًا للدولار.
لكن مع امتلاك الأجانب أكثر من 20 مليار دولار فى أدوات دين مقومة بالجنيه تستحق خلال 12 شهرًا، تبقى مصر، بحسب تقرير فيتش، معرضة لتقلبات فى معنويات المستثمرين قد تدفع إلى انعكاس التدفقات، كما يراقب المحللون عن كثب الاستحقاقات الكبيرة المقبلة فى سبتمبر وأكتوبر المقبلين، التى قد تشهد خلالها العملة تقلبات أوسع.
وبحث رئيس الوزراء مصطفى مدبولى مع نظيره القطرى الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثانى، فى لقاء بمدينة العلمين الجديدة، تفعيل حزمة شراكة استثمارية بقيمة 7.5 مليار دولار، اتفقت عليها القاهرة والدوحة فى أبريل الماضى.
ووفق بيان صادر عن مجلس الوزراء، فإن الحزمة تشمل استثمارات قطرية مباشرة فى قطاعات اقتصادية مختلفة، فى إطار سعى مصر لتأمين مصادر تمويل جديدة لمواجهة أعباء الديون الخارجية وتقليص عجز الموازنة.
آفاق النمو الاقتصادي
ويرجح تقرير "فيتش" أن يتسارع معدل النمو فى مصر إلى %4.7 خلال العام المالى 2025/ 2026 (يوليو 2025 – يونيو 2026)، مدفوعًا بزيادة الاستهلاك، وارتفاع الاستثمارات، واستمرار قوة الصادرات، كما يُنتظر أن يصل النمو إلى %5.0 فى العام المالى 2026/ 2027، بفضل استمرار الاستثمارات ونشاط الصادرات.
ورغم ذلك، تبقى المخاطر قائمة من تباطؤ الطلب العالمى، وخروج رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة، والتوترات الجيوسياسية التى قد تفرض ضغوطًا على العملة وتغذى التضخم.
وأبقى التقرير على توقعاته لنمو الاقتصاد المصرى عند %4.7 فى 2025/ 2026، لكنه رفع تقديراته للنمو فى 2024/2025 من %3.9 إلى %4.1، وسجل الاقتصاد نموًا قدره %4.8 على أساس سنوى فى الربع الثالث من 2024، متجاوزًا التوقعات البالغة %4.1، مدفوعًا بزيادة الصادرات وتحسن النشاط السياحى.
وأوضح التقرير أن الاستهلاك سيكون المحرك الرئيسى للنمو فى 2025/ 2026، إذ يُتوقع ارتفاع الإنفاق الاجتماعى، وزيادة أجور العاملين فى القطاعين العام والخاص، مع تراجع التضخم وانخفاض تكاليف الاقتراض، وارتفاع عوائد أدوات الادخار، إلى جانب استمرار قوة تدفقات تحويلات المصريين العاملين فى الخارج، كما أظهر مؤشر مديرى المشتريات فى يوليو اقترابًا من مستوى 50 نقطة – وهو ما يتزامن عادة مع معدل نمو يقارب %4 - مع تسجيل الشركات تباطؤًا فى تراجع الإنتاج والطلبات الجديدة، وزيادة فى التوظيف.
وتشير التوقعات، بحسب "فيتش" إلى أن النمو الاقتصادى سيواصل التحسن ليبلغ %5.0 فى 2026/ 2027، مع زيادة صافى الصادرات من السلع والخدمات، واستمرار توسع قطاع السياحة، وتحسن النشاط فى قناة السويس، كما يساهم مشروع تطوير رأس الحكمة فى دعم النشاط الاستثمارى فى البلاد.
فى المقابل، تميل المخاطر إلى الجانب السلبى، حيث إن تباطؤ الطلب العالمى قد يضر بالصادرات المصرية، كما أن عودة عزوف المستثمرين عن الأسواق الناشئة أو التصاعد الحاد فى المخاطر الجيوسياسية قد يؤدى إلى خروج رؤوس أموال كبيرة من مصر، مما يشكل ضغوطًا على الجنيه، ويعكس اتجاه تراجع التضخم وأسعار الفائدة، وربما يعيد الاقتصاد المصرى إلى وضع الأزمة.
على الأجل الطويل
ويتوقع أن يسجل الاقتصاد المصرى نموًا سنويًا متوسطًا قدره %4.6 خلال الفترة بين 2026 و2034، مقارنة مع متوسط %3.8 فى العقد السابق (2010 - 2019)، وسيبقى الاستهلاك الخاص المحرك الرئيسى للنمو، ليشكّل نحو %87 من الناتج المحلى الإجمالى بحلول 2034، مدعومًا بعوامل تشمل نموًا سكانيًا صحيًا، وتباطؤ التضخم، وتدفقات قوية من التحويلات، إضافة إلى التركيبة الديموجرافية الشابة.
الصادرات والرسوم الجمركية
والتدفقات الدولارية
وسيكون الأثر المباشر للرسوم الجمركية الأمريكية على مصر، بحسب أحدث تقارير "فيتش" محدودًا، نظرًا لانخفاض الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة (تمثل %0.8 من الناتج المحلى الإجمالي) وانخفاض متوسط الرسوم الفعلية عند %12.1.
وأشار التقرير إلى أنه فى التقييم الأولى لتأثير الرسوم الأمريكية، أظهرت البيانات أن صادرات مصر إلى الولايات المتحدة ارتفعت بنسبة %15 على أساس سنوى خلال النصف الأول من 2025، مدفوعة بشكل أساسى بزيادة شحنات الأغذية والملابس، إلى جانب مكاسب فى صادرات المعادن، وهذا الزخم التصديرى مدعوم بزيادة القدرة التنافسية للأسعار نتيجة انخفاض قيمة الجنيه، إضافة إلى الرسوم التبادلية التفضيلية مقارنة مع مصدّرى المنسوجات فى آسيا.
وأكد التقرير أن الصادرات ستواصل دعم النمو، مدفوعة بزيادة القدرة التنافسية عقب تراجع قيمة الجنيه، وفى حين فرضت الولايات المتحدة رسومًا فعلية بمتوسط %12.1 على الواردات المصرية – وهو مستوى منخفض نسبيًا مقارنة مع بلدان آسيوية – فإن قطاع الملابس الجاهزة، الذى يمثل نحو %50 من صادرات مصر إلى السوق الأمريكية، سيستفيد من ميزة تنافسية واضحة، خصوصًا مع ارتفاع الرسوم الجمركية على منتجات الصين وجنوب شرق آسيا.
وتشير بيانات التجارة الأمريكية إلى أن صادرات مصر إلى الولايات المتحدة ارتفعت بنسبة %15 على أساس سنوى فى النصف الأول من 2025، مدفوعة بزيادة شحنات الأغذية والملابس.
وارتفعت حصيلة الصادرات السلعية بمعدل %13.7 لتصل إلى نحو 18.7 مليار دولار خلال النصف الأول من 2024/ 2025، بحسب النشرة الشهرية الصادرة عن البنك المركزى.
