استقرار سعر الصرف وزيادة التحويلات.. يبرران انحسار الضغوط التضخمية

عبت زيادة تدفقات النقد الأجنبى، سواء من قطاع السياحة أو من تحويلات المصريين العاملين بالخارج، دورًا حاسمًا فى تخفيف الضغوط السعرية

أحمد أبو الخير
Ad

قال خبيران إن التوقعات والتحليلات الاقتصادية الأخيرة أشارت إلى استمرار تراجع معدلات التضخم منذ بداية عام 2025، ويعود هذا التحسن بشكل رئيسى إلى استقرار سعر الصرف، وانخفاض أسعار بعض السلع الأساسية عالميًا. كما لعبت الزيادة فى تدفقات النقد الأجنبى، سواء من قطاع السياحة أو تحويلات العاملين بالخارج، دورًا محوريًا فى تخفيف الضغوط السعرية التى بلغت ذروتها خلال عامى 2023 و2024. 

على الرغم من هذه التطورات الإيجابية، فإن مسار التضخم المستقبلى يظل مرهونًا بتفاعل معقد بين عوامل داخلية وخارجية، وتقلبات أسعار السلع الاستراتيجية العالمية، بالإضافة إلى القرارات السياسية الدولية مثل زيادة التعريفات الجمركية، ورغم هذه التحديات المحتملة، من المتوقع أن يواصل البنك المركزى المصرى نهجه الحذر فى سياسته النقدية، مع تعويل كبير على الإصلاحات الحكومية الجارية لتعزيز استقرار الأسعار، وفقًا للخبيرين.

توقع بنك “ستاندرد تشارترد” فى وقت سابق، أن ينخفض متوسط معدل التضخم فى مصر إلى %11 خلال السنة المالية 2026، وذلك على الرغم من التحديات المستمرة المتعلقة بضغوط التكاليف فى قطاعات رئيسية كـالرعاية الصحية، الغذاء، والنقل.

وفى ظل هذه التوقعات، يشير تقرير البنك إلى أن المركزى المصرى سيتعامل بحذر شديد مع أى قرارات تخص خفض أسعار الفائدة، مع توقع أن يصل سعر الفائدة الرئيسى إلى %19.25 بنهاية العام الحالى.

تراجع فى معدلات التضخم 

كشف أحمد عادل أبو الخير، الخبير المصرفى، أن البيانات الاقتصادية الأخيرة تؤكد استمرار تراجع معدلات التضخم فى مصر منذ بداية عام 2025. ويعزى هذا التراجع إلى مجموعة من العوامل المحورية، فى مقدمتها استقرار سعر الصرف، إلى جانب الانخفاض الملحوظ فى أسعار بعض السلع الأساسية على مستوى الأسواق العالمية.

ووفقًا لتقرير السياسة النقدية للربع الأول من 2025، أوضح البنك المركزى أن معدل التضخم العام سوف يسجل من 10 إلى %12.5 فى عامى 2025 و 2026 فى المتوسط على الترتيب مقارنة بنحو %28.4 فى عام 2024.

وأضاف تقرير البنك المركزى أنه من المتوقع أن ينخفض المعدل السنوى للتضخم العام تدريجيا خلال عامى 2025 و2026 وإن كان بوتيرة أبطأ مقارنة بالتراجع الحاد المسجل خلال الربع الأول من 2025، وذلك بسبب إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة المنفذة والمقررة خلال الأفق الزمنى للتوقعات، بالإضافة إلى البطء النسبى لانخفاض تضخم السلع غير الغذائية.

ولعبت زيادة تدفقات النقد الأجنبى، سواء من قطاع السياحة أو من تحويلات المصريين العاملين بالخارج، دورًا حاسمًا فى تخفيف الضغوط السعرية التى بلغت ذروتها خلال عامى 2023 و2024، وفقًا للخبير المصرفى.

انحسار الضغوط التضخمية

شهد الربع الثانى من عام 2025 انخفاضًا لافتًا فى معدل التضخم السنوى، مدعومًا بانحسار الضغوط التضخمية وفعالية السياسة النقدية التقييدية التى اتبعها البنك المركزى، بالإضافة إلى الأثر الإيجابى لفترة الأساس. 

وتؤكد توقعات بنك “ستاندرد تشارترد” هذا المسار الهبوطى، إذ أشارت بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء والبنك المركزى المصرى إلى انخفاض التضخم السنوى للحضر إلى %13.9 فى يوليو 2025، مقابل %14.9 فى يونيو، بينما سجل التضخم الأساسى ارتفاعًا هامشيًا إلى %11.6.

استمرارية التراجع وتوقعات بحذر البنك المركزي

وتوقع أن يستمر معدل التضخم فى التراجع خلال الفترة المتبقية من العام الجارى، وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ نسبيًا، يدعم هذا التوجه وفرة النقد الأجنبى التى أسهمت فى تعزيز استقرار العملة المحلية، بالإضافة إلى استمرار تطبيق السياسات النقدية التقييدية. 

ورغم هذا التراجع الإيجابى، يُرجح أن يحافظ البنك المركزى على نهج حذر، مع الإبقاء على سياسة نقدية متشددة نسبيًا لضمان اقتراب التضخم من المستويات المستهدفة على المدى الطويل، وفقًا للخبير المصرفى.

وتوقع المركزى أن يقترب معدل التضخم تدريجيًا من النطاق المستهدف للبنك المركزى %7 + أو – 2 نقطة مئوية بحلول الربع الرابع من عام 2026.

وأكد المركزى أنه لا تزال الأوضاع النقدية الحالية مناسبة لدعم المسار النزولى المتوقع للتضخم، إذ يهدف إلى الحفاظ على سعر عائد حقيقى موجب بصورة تضمن تحقيق انخفاض ملحوظ ومستدام فى معدل التضخم الضمنى وكذا ترسيخ توقعات التضخم عند معدل التضخم المستهدف.

الإصلاحات الحكومية عامل داعم لضبط الأسعار

فى سياق متصل، أكد أن التزام الحكومة بالإصلاحات الاقتصادية المستمرة، وتحسين بيئة الاستثمار، وزيادة الإنتاج المحلى، عوامل مساعدة قوية فى تخفيف الضغوط السعرية مستقبلاً، والتى من شأنها أن تعزز استدامة استقرار الأسعار وتحقق بيئة اقتصادية أكثر توازنًا على المدى البعيد، مما يعكس رؤية شاملة للتعامل مع التحديات الاقتصادية.

تفاعلات بين العوامل الداخلية والخارجية

أوضح ماجد فهمى، الرئيس الأسبق لبنك التنمية الصناعية، أن مستقبل معدلات التضخم فى مصر سيتحدد بناءً على مدى حِدة وتأثير مجموعة متشابكة من العوامل، سواء كانت محلية أو عالمية. 

وأكد أن الظاهرة التضخمية ليست بمعزل عن التحولات الاقتصادية والسياسية المحيطة، مما يستدعى تحليلًا شاملًا لكل المتغيرات.

الأموال الساخنة وتقلبات أسعار السلع الاستراتيجية

من بين أبرز العوامل التى ذكرها فهمى، تلعب تقلبات أسعار السلع الاستراتيجية دورًا محوريًا؛ فأى ارتفاع فى أسعار النفط، أو الحبوب، أو المعادن على المستوى العالمى يؤثر بشكل مباشر على تكلفة الإنتاج والاستيراد فى مصر، وينعكس على الأسعار النهائية للمستهلكين، وفقًا لفهمى.

السياسات التجارية العالمية: تأثيرات عابرة للحدود

لم يقتصر “فهمى” على العوامل الاقتصادية البحتة، بل أشار إلى تأثير القرارات السياسية العالمية على التضخم. كنموذج لذلك، قرار الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بزيادة التعريفات الجمركية. فمثل هذه السياسات الحمائية يمكن أن تعرقل سلاسل الإمداد العالمية، وتزيد من تكاليف التجارة الدولية، مما يدفع أسعار الواردات للارتفاع، وبالتالى يغذى الضغوط التضخمية فى الأسواق المحلية مثل السوق المصرية.

تحدى السيطرة على العوامل المتغيرة

وقال إن التحدى يكمن فى مدى قدرة صانعى السياسات الاقتصادية على التعامل مع هذه العوامل المتنوعة، ففى حين يمكن التحكم جزئيًا فى بعض العوامل الداخلية من خلال السياسات النقدية والمالية، فإن التأثير على العوامل الخارجية المرتبطة بالأسواق العالمية أو القرارات السياسية لدول كبرى يظل أكثر صعوبة، مما يتطلب استراتيجيات مرنة ومتكيفة.