يمر قطاع شركات الوساطة المالية فى مصر بمرحلة تحول مفصلية، إذ تتسابق كافة الكيانات لدمج التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعى فى عملياتها، هذا التوجه، الذى وصفه خبراء بأنه لم يعد خيارًا بل أصبح “ضرورة قصوى”، يهدف إلى توسيع قاعدة المستثمرين، وتحسين الكفاءة، وتعزيز الثقة فى السوق.
وشهدت الفترة الأخيرة ارتفاع وتيرة تصريحات مسئولى شركات السمسرة والتعبير عن رغبتهم فى إطلاق أذرع تابعة أو تطبيقات إلكترونية تعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعى سواء فى تنظيم الأمور الداخلية للعمل أو فى عمليات التداول التقليدية من حيث بيع وشراء الأسهم.
«المال» تواصلت مع قيادات مجموعة من شركات السمسرة العاملة فى السوق المحلية للتعرف على رؤيتهم حول تلك الظاهرة، وقياس درجة الاستفادة منها سواء فى جذب مزيد من العملاء أو تنشيط التداولات، ومدى الحاجة للاعلان عن ضواب رقابية لتنظيم هذه النوع من التكنولوجيا فى السوق المصرية.
ضرورة قصوى
بداية قال محمد فاروق، العضو المنتدب لشركة جلوبال أنفيست لتداول الأوراق المالية، إن دمج أدوات الذكاء الاصطناعى فى قطاع السمسرة لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة قصوى للبقاء فى سباق المنافسة، معتبرًا تلك الخطوة أنها «المستقبل».
وأضاف «فاروق» فى تصريحات لـ «المال»، أن هذا التحول يأتى فى ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، وتغير سلوك المستثمرين، وخاصة الأجيال الشابة التى باتت تعتمد على التطبيقات الرقمية فى اتخاذ قراراتها الاستثمارية.
وتابع أن الاعتماد على تطبيقات الذكاء الاصطناعى أصبح أمرًا حتميًا لمواكبة التطورات العالمية وتلبية توقعات الأجيال الجديدة، التى اعتادت على تنفيذ كافة تعاملاتها عبر المنصات الرقمية، مشيرًا إلى أن هذا التوجه سيساعد شركات السمسرة على تقديم خدمات أكثر كفاءة وسرعة، وتحليل البيانات بشكل أعمق، وتقديم توصيات استثمارية مخصصة للعملاء.
وأكد أن الهيئة العامة للرقابة المالية، اتخذت خطوات جادة وعدلت بعض التشريعات نحو دخول التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى فى إطار مواكبة التحول الرقمى بسوق المال، موضحًا أن التكنولوجيا ستؤدى إلى تقليص عدد كبير من وظائف خدمة العملاء ومديرى الحسابات، فيما ستظل بعض الوظائف مثل المحاسبة وإدارة العمليات والتحليل الفنى قائمة، مؤكدًا أنه لا يمكن الاستغناء عن العنصر البشرى.
وأشار إلى أن التحدى الأكبر أمام تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعى فى قطاع الأعمال ليس فى التشريعات، بل فى التكلفة المالية، حيث أن التكلفة المبدئية لتطبيق نظم الذكاء الاصطناعى المتقدمة يمكن أن تصل إلى 55 ألف دولار مع شركات التعهيد، إضافة إلى تكاليف التشغيل المستمرة.
وأوضح أن هذا العبء المالى قد يشكل عقبة كبيرة أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة، التى قد لا تمتلك الموارد الكافية للاستثمار فى هذه التقنيات، رغم أهميتها فى تعزيز القدرة التنافسية.
وأردف: أن «جلوبال» رصدت 100 ألف دولار للتعاقد مع إحدى شركات التعهيد لتولى التطور التكنولوجى بالشركة، كما أنه تم رفع رأس مال الشركة من 25 مليون جنيه إلى 30 مليونًا لمواكبة التطور التكنولوجى والذكاء الاصطناعى، أى بقيمة 5 ملايين جنيه.
واستطرد: “شركات السمسرة متوقع أن تتحول إلى منصات خلال الفترة المقبلة مع التحول الرقمى، وزيادة الاهتمام به”، لافتًا إلى أن التوجه نحو التحول الرقمى والذكاء الاصطناعى يستهدف الأعمار من 18 سنة إلى 30 سنة، كما أن «جلوبال أنفيست» عملت أيضًا على ذلك، مع وضع خطة تيسيرات لجذب الفئات الأكثر عمرًا، مراعاة لكبار السن الذين لا يفضلون التعامل بالطريقة التكنولوجية.
وخلال شهر فبراير الماضى تناول الدكتور محمد فريد رئيس هيئة الرقابة المالية تجربة التحول الرقمى بالقطاع المالى غير المصرفى وكيفية الاستفادة من تقينات الذكاء الاصطناعى فى السوق المصرية.
كما دشنت الهيئة المختبر التنظيمى ليكون أول مختبر للقطاع المالى غير المصرفى من نوعه يدعم ويساند ويرعى الشركات الناشئة التى تمتلك حلول وأفكار رائدة فى المجالات المالية غير المصرفية.
قفزة نوعية
فى هذا السياق، أكد أحمد أبو حسين، العضو المنتدب لشركة كايرو كابيتال سيكيورتيز، أن سوق المال المصرية تستعد لقفزة نوعية نحو المستقبل، مدعومًا بموجة من التحول الرقمى التى تجتاح قطاع شركات الوساطة المالية، هذا التوجه الجديد، الذى يركز على تبنى التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعى، يهدف إلى توسيع قاعدة المستثمرين، وتحسين كفاءة التداول، ومحاربة الشائعات التى قد تؤثر سلبًا على أداء السوق.
وأضاف «أبو حسين» فى تصريحات لـ «المال»، أن أى خطوة لمواكبة التطور التكنولوجى تمثل دعمًا حيويًا للشركات ودورها فى دفع عجلة سوق المال نحو مستقبل أكثر إشراقًا.
وأشار إلى أن دمج التكنولوجيا فى قطاع الوساطة يفتح آفاقًا جديدة لتوسيع قاعدة العملاء، من خلال استهداف فئات متنوعة لم تكن جزءًا من السوق من قبل.
وأوضح أن شركات الوساطة تعمل حاليًا فى مسارين متوازيين الأول التقليدى الذى يعتمد على الأساليب المعتادة فى التداول، والثانى التكنولوجى الذى يستفيد من أحدث التطبيقات والمنصات الرقمية، وضرب مثالًا على ذلك بـ”ثاندر”، الشركة التى نجحت فى استقطاب شريحة الشباب من خلال تسهيل فتح محافظ استثمارية صغيرة، مما يؤكد أهمية فحص الفئات المستهدفة وتكييف الخدمات لتناسب احتياجاتها.
وفى حديثه، شدد أبو حسين على ضرورة أن تقوم شركات السمسرة بتطوير نفسها بشكل مستمر، على غرار ما تقوم به البنوك، لمواكبة التغيرات المتسارعة فى السوق. وتوقع أن يكون لهذا التحول تأثير كبير وواضح على أداء هذه الشركات وسوق المال على المدى الطويل.
وأضاف أن تطبيقات التكنولوجيا الحديثة فى قطاع الوساطة لا تقتصر على تسهيل التداول فحسب، بل تلعب دورًا محوريًا فى القضاء على الشائعات المنتشرة فى السوق، وذلك من خلال الرقابة المالية الفعالة التى أصبحت ممكنة بفضل هذه الأدوات.
وأكد أن الهيئة العامة للرقابة المالية تدرس بجدية آليات هذا التطور التكنولوجى لضمان بيئة استثمارية آمنة وشفافة.
وفى ختام تصريحاته، كشف أبو حسين عن استثمارات شركته الكبيرة فى هذا المجال، حيث استثمرت “كايرو كابيتال سيكيورتيز” ملايين الجنيهات لمواكبة التطور التكنولوجى والذكاء الاصطناعى، بهدف تسهيل عملية التداول على عملائها.
وأكد أن الشركة تعمل حاليًا على إطلاق منتجها التكنولوجى الخاص قريبًا، مشيرًا إلى أنه سيتم تدشين تطبيق مخصص لتحليل البيانات وتسهيل كافة جوانب عملية التداول للمستثمرين فى السوق خلال الربع الحالى.
تحسين الكفاءة
أكد إيهاب رشاد، العضو المنتدب لشركة مباشر كابيتال هولدينج للاستثمارات المالية، أن التطور التكنولوجى يساهم فى تحسين الكفاءة ولكنه لا يلغى دور العنصر البشرى، مشيرًا إلى أن السوق ستتكيف تدريجيًا مع الأدوات التكنولوجية الجديدة.
وأوضح رشاد فى تصريحات لـ «المال»، أن شركته تتقدم بخطى ثابتة نحو تطبيق قانون التكنولوجيا المالية الصادر عن هيئة الرقابة المالية، والذى يعد نقلة نوعية، خاصة فيما يتعلق بمنظومة “KYC” التى تسمح للمؤسسات المالية بالتحقق من هوية العملاء إلكترونيًا دون الحاجة لزيارة الفروع.
وأشار إلى أن هذا التطور يعتمد على تقنيات رقمية آمنة تهدف إلى تسهيل فتح الحسابات وتحديث بيانات العملاء بسرعة وكفاءة.
وأضاف أن هيئة الرقابة المالية تتجه حاليًا نحو دعم المنصات الخاصة بالاستثمارات، مواكبةً للتطور التكنولوجى، لافتًا إلى أن هذه الخطوات تتطلب شركات تمتلك القدرة المالية لتطبيق الرؤية التكنولوجية فى قطاعى الوساطة والاستثمارات المالية.
وكشف رشاد عن أن الشركة تعمل حاليًا على تطوير تطبيق تكنولوجى جديد، “تحت التجربة”، سيستقبل صناديق الاستثمار، موضحًا أن الشركة انتهت بالفعل من إطلاق الصندوق الثالث المتخصص فى الذهب، وتعمل حاليًا على إطلاق الصندوق الرابع الذى سيكون بالدولار كما أعلن عن قرب إطلاق الصندوق الخامس الذى سيركز على المؤشر الجديد “EGX35”.
وأوضح أن لدى الشركة خطة لإطلاق 10 صناديق استثمارية، وقد تم الانتهاء من 3 منها، والرابع قيد المراجعة لدى الهيئة، بينما سيُعلن عن الصندوق الخامس قريبًا.
وأشار إلى أن رأس مال الشركة القابضة يتراوح بين 57 و58 مليون جنيه، وسيتم زيادته خلال الفترة المقبلة.
معايير خاصة
قال ياسر المصرى، العضو المنتدب لشركة العربى الأفريقى لتداول الأوراق المالية، إن شركته، تعمل على إنشاء ذراع أخرى فى تداول الأوراق المالية، متخصصة فى الرقمنة تحت مسمى «العربى الأفريقى AI ».
وأضاف «المصرى» فى تصريحات لـ«المال»، أن خطوة الشركة الجديدة قيد الدراسة وتم طرحها على مجلس الإدارة، لمواكبة الرقمنة، وتعزيز قاعدة العملاء ومخاطبة فئات أقل من الشريحة الأساسية للشركة، وذوى الملائمة المالية العالية.
وتابع، أنه بالرغم من الآثار الجانبية، لتوسعة شريحة عملاء الشركة لفئات أقل، قد ينتج عنها شكاوى أكثر، حيث أن التعامل مع 10 آلاف عميل أقل مخاطرة وشكاوى من التعامل مع 100 ألف عميل، تحت بند مخاطر التشغيل والتى تتزايد مع حجم العملاء، لافتًا إلى الرقمنة أو الديجيتايز تحد من تلك المخاطر، ولكن لم تقضِ عليها.
واحتلت شركة العربى الأفريقى الدولى لتداول الأوراق المالية والسندات المرتبة الثانية عشرة، ضمن ترتيب شركات السمسرة خلال شهر يونيو 2025، بقيمة تداول بلغت 4.96 مليار جنيه ، بنسبة %2.6، وتميز أداء الشركة بحجم تداول كبير نسبيًا وصل إلى 2.12 مليار ورقة مالية عبر 54.817 عملية.
وذكر أن استراتيجية “العربى الأفريقى” تقوم على التقدم “بأمان وليس بوتيرة سريعة متذبذبة”، وهو ما يمثل الهدف الرئيسى للشركة مؤكدًا أن هذه الاستراتيجية تحافظ على استقرار الشركة وتجنبها المخاطر، قائلاً: “لا نخسر أموال ائتمانية، ولا نقدم عوائد ضعيفة”.
وأوضح أن الشركة تعمل على معايير خاصة للحفاظ على عملائها واستقرارها فى سوق المال مشيرًا إلى أن “العربى الأفريقى” يعتبر نفسه ضمن “منطقة الكبار”، حيث يحتل صدارة البنوك بعد بنك “سى آى كابيتال”، مؤكدًا سعى الشركة الدائم نحو التميز والاستقرار.
تبسيط الإجراءات
منذ شهرين تقريباً وافقت لجنة البت فى طلبات استخدام التكنولوجيا المالية فى الأنشطة المالية غير المصرفية، بهيئة الرقابة المالية، على قيام 3 شركات سمسرة، بمزاولة نشاطها باستخدام جميع مجالات التكنولوجيا المالية لأول مرة، وهى تيلدا وبلتون وثاندر لتداول الأوراق المالية.
وطبقاً لموافقة اللجنة المختصة بالهيئة العامة للرقابة المالية ستعمل الشركات على مزاولة نشاط السمسرة المرخص لها به من الهيئة باستخدام مجالات التكنولوجيا فى عمليات التحديد والتحقيق والمصادقة إلكترونيًا، وعمليات التعرف على العميل إلكترونيًا، وعمليات إبرام عقود على منتجات مالية غير مصرفية إلكترونيًا ، وعمليات التسجيل والحفظ والاسترجاع من السجلات الرقمية إلكترونيًا، وذلك من خلال شركة فى لينس Vlens، المسجلة بسجل شركات التعهيد بالهيئة.
يأتى ذلك فى إطار الجهود المستمرة والحرص الدائم من قبل الهيئة بالعمل على تسريع وتيرة رقمنة المعاملات المالية غير المصرفية عقب إصدار الهيئة للقرارات التشريعية والتنظيمية، حيث ألزمت الهيئة جميع الشركات الراغبة فى استخدام التكنولوجيا المالية بآليات ومنهجيات إدارة المخاطر التكنولوجية وحوكمتها وذلك لضمان استمرارها فى أداء مهام عملها بشكل كفء يساهم فى حماية حقوق المتعاملين معها لمراعاة متطلبات الاستقرار المالى.
كما تنوى الهيئة السماح لشركات السمسرة بتقديم خدماتها باستخدام التكنولوجيا المالية، تيسير متطلبات الاستثمار فى سوق الأوراق المالية ومن ثم تمكين أكبر عدد من المواطنين من الاستثمار فى البورصة، خاصة فى ظل قدرة العميل على فتح الحساب وبدء رحلة الاستثمار بشكل رقمى كامل دون الحاجة لزيارة فرع الشركة أو تقديم أى مستندات رقمية.
وتسهم التكنولوجيا المالية فى تبسيط إجراءات فتح الحساب وبدء التداول، مما قد يساعد فى تقليل الوقت والتكاليف على المتعاملين، كما تتيح التكنولوجيا إمكانية الوصول لشريحة أكبر من المتعاملين بما فى ذلك الشباب والفئات غير المشمولة مالياً، فالاعتماد على الحلول الرقمية من شأنه أن يعزز من سرعة تنفيذ العمليات وتقليل الأخطاء البشرية بما يدعم كفاءة السوق ويعزز من الثقة فى الأنشطة المالية غير المصرفية.
محمد فاروق: ارتفاع التكلفة يمثل تحدياً
إيهاب رشاد: السوق ستتكيف تدريجيًا مع الأدوات التكنولوجية الجديدة
أحمد أبوحسين: يوسع قاعدة المستثمرين ويحسن كفاءة التداول ومحاربة الشائعات
ياسر المصرى: «العربى الأفريقى» يدرس إنشاء ذراع متخصصة للاستثمار بها
«جلوبال إنفيست» و«كايرو كابيتال» و«مباشر» بصدد الإعلان عن تطورات لافتة قريبًا
