اتفق عدد من المتخصصين فى مجالات التكنولوجيا والتحول الرقمى على أن برامج الذكاء الاصطناعى ومنها شات جى بى تى أصبحت جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية لكثيرين، لدرجة أن البعض أطلق عليها أسماء وكأنها أشخاصا طبيعية.
وقالوا إن زيادة استخدام هذه التطبيقات ربما يتسبب فى خروج قاعدة عريضة من المستخدمين الذين سيتحولون مع مرور الوقت إلى فئة غير منتجة، مطالبين بضرورة إطلاق تشريعات ووضع ضوابط أخلاقية تنظم عمل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى.
كانت شركة أوبن إيه آى أجرت منذ عدة أشهر بالتعاون مع معهد ماساشوستس للتكنولوجيا دراسة لمعرفة مدى ارتباط الذكاء الاصطناعى بالحالة النفسية للمستخدمين، وخلصت إلى أن أن الإفراط فى استخدام روبوتات الدردشة مثل “شات جى بى تي” من شأنه زيادة الشعور بالوحدة وقلة الاختلاط مع الآخرين.
وبحسب الدراسة فإن الأشخاص الذين قضوا وقتا طويلا فى استخدام “شات جى بى تي” بشكل يومى كانوا يشعرون بارتباط عاطفى قوى بروبوت الدردشة، بالإضافة إلى مستويات متزايدة من الشعور بالوحدة.
قال الدكتور باسم بشرى الرئيس التنفيذى لشركة SpimeSenseLabs للحلول التكنولوجية، إن برامج الذكاء الاصطناعى مثل شات جى بى تى وديب سيك الصينى وجيميناى وغيرها من تطبيقات الـ AI المتعارف عليها فى الوقت الراهن تستحوذ على اهتمام قاعدة كبيرة من مستخدمى الشبكة العنكبوتية، خاصة وأنها باتت تمثل فوائد كبيرة لمستخدميها فى حياتهم اليومية.
وأوضح بشرى أن برامج الذكاء الاصطناعى ساهمت فى تبسيط عمليات جمع البيانات والحصول على المعلومات من خلال أكثر من مصدر، كما أحدثت نقلة نوعية ذات أغراض خاصة مشابهة الى حد كبير بالطفرة التى حدثت وقت ظهور الإنترنت ومحركات البحث فى بداية ظهورها.
وذكر أن حقبة محركات البحث شهدت العديد من التطورات التى بدأت بتقديم نماذج بدائية تعتمد على متصفح واحد، ثم أتى بعدها ظهور أكثر من متصفح لتتوالى الخدمات التى تقدمها تلك البرامج للجمهور، مبينا أنه سرعان ما بدأت تلك الشركات للاستحواذ على غيرها من محركات البحث لضمان أكبر قدر من العملاء.
ولفت إلى أن صراع محركات البحث والسعى لتسخير كافة الجهود لزيادة القاعدة الجماهيرية انعكست فى نهاية المطاف على منح المستخدمين العديد من المزايا البحثية والتى أدت إلى تسهيل فكرة البحث والوصول إلى المعلومة، مما أدى إلى اتساع رقعة محيط المعلومات خلال الفترة الماضية.
وبين أن وجود الذكاء الاصطناعى بالمعنى المتعارف عليه فى الوقت الراهن يعد نموذجا مكررًا لفكرة متصفحات البحث، إذ تقوم فكرتها على تجميع أكبر قدر من البيانات من خلال البحث المتعمق وفقا للخوارزميات ومفاتيح البحث التى يقوم بإدخالها العميل، مما يتيح الوصول للمعلومات بشكل مبسط.
وأكد بشرى على أن وجود وسيلة بحث ميسرة مثل شات جى بى تى وخلافها من برامج الذكاء الاصطناعى انعكست بشكل إيجابى على المستخدمين، وهو الأمر الذى أدى إلى رفع الطاقة الإنتاجية واختصار الوقت بشكل ملحوظ.
ورجح أن تشهد الفترة المقبلة تقلبات متلاحقة فى برامج الذكاء الاصطناعى على غرار سوق محركات البحث، لافتا إلى أن برامج الـ AI تعد ذات تكلفة عالية، خاصة وأنها تحتاج إلى وجود عدد كبير من الخوادم والسيرفرات، والتى ستنتهى إلى وجود اندماجات واستحوذات لضمان أحقية البقاء فى قطاع الذكاء الاصطناعي.
واستبعد أن يسهم انتشار الذكاء الاصطناعى فى تقليل قدرات البشر وتحجيم الابداع، مرجحا أن تساعد تلك البرامج بأنواعها المختلفة فى إحداث تطورات نوعية فى القدرات البشرية، مما يسهم فى رفع الكفاءة الإنتاجية وتعزيز القدرات التشغيلية.
وأوضح بشرى أن برامج “الذكاء الاصطناعي“ ونماذجها باتت بمثابة رفيق الدرب الملاصق للإنسان فى كافة مناحى حياته، مبينا أن هناك قاعدة كبيرة من المستخدمين يفضلون وجود نموذج مخصص للإجابة على تساؤلات الإنسان بشكل موضوعى ومحايد مما يسهم فى تدقيق المعلومة.
وذكر أن برامج الـ AI باتت تستحوذ على اهتمام قاعدة كبيرة من المستخدمين،خاصة وأنها تساعدهم فى الحصول على إيجابات دقيقة وخالية من الانحياز على جميع التساؤلات، وهو ما يرفع من نسب الإقبال عليها.
وأكد على أن برامج الذكاء الاصطناعى توجد بها أكثر من ميزة فى مقدمتها أنها محملة بكم كبير من البيانات المخزنة فى قاعدة بيانتها والتى تجعلها دقيقة فى البحث، مما يسهم فى جعلها محدثة بشكل كبير ومستمر، لافتا إلى أن قاعدة بيانات برامج الذكاء الاصطناعى يجرى تحديثها بشكل مستمر.
وضرب بشرى مثالا بظهور منظومة خرائط GBS المخصصة لمعرفة الطرق والتى ساهمت فى اختصار المسافات والوقت وتوفير عناء حفظ الطرق على المستخدمين، مما انعكس فى توجيه المجهود وتسخيره لما هو أهم، مبينا ان وجود برامج الذكاء الاصطناعى ستعمل على تحقيق ذات الغرض خلال المرحلة القادمة.
وأوضح أن تلك النظرة تعد تفاؤلية وهو الأمر الذى لن يمنع من ظهور قاعدة من المستخدمين اللذين قد يصبحون اعتماديين بشكل كبير، مبينا ان تلك الفئة قد تظهر بالتزامن مع ظهور تطورات متلاحقة للذكاء الاصطناعي.
وأكد على ان الفترة المقبلة ستشهد تطورات متلاحقة فى مجال الذكاء الاصطناعي، مبينا أن هناك تصاعدًا كبيرا فى حجم استثمارات الـ AI حول العالم.
وشدد على أهمية حرص المؤسسات والدول فى تحديد منظومة الذكاء الاصطناعى التى قد يجرى تسخيرها فى أغراض الشر ، مما قد يؤدى الى حدوث بعض الوقائع التى قد تتسبب فى حدوث سلبيات على المجتمع.
وأوضح المهندس زياد عبد التواب خبير التحول الرقمى وأمن المعلومات، ورئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار السابق برئاسة مجلس الوزراء،أن الذكاء الاصطناعى يمر حاليا بأكثر من مرحلة، فى مقدمتها الذكاء الاصطناعى التوليدى وهو النموذج الذى يستحوذ على قاعدة كبيرة من المستخدمين، على أن يلى ذلك الانتقال لمرحلة الوكالة، والتى سيحل فيها النموذج بشكل مبسط محل الانسان.
ورأى أن مرحلة الوكالة قد تتيح انتداب نسخة رقمية لحضور اجتماعات بالوكالة عن الإنسان ومن ثم تلخيص ما يتم ذكره بشكل مبسط، وإعطاء تحليلات دقيقة عم نتئج تلك النقاشات.
وتابع قائلا إنه ربما ستشهد الفترة المقبلة ظهور مفهوم AGENTIC AI والتى سيتلخص دور نموذج الاصطناعى فيها نحو اتخاذ القرارات،من خلال تزويد النموذج بمعلومات دقيقة عن المستخدم لضمان الوصول للقرار الصحيح.
ولفت إلى أن العالم يشهد حاليا طفرة مرحلة نموذج الذكاء الاصطناعى بالوكالة المحدودة، على أن يتم التحول لنموذج الوكيل التام للذكاء الاصطناعى،والذى سينجم عنه الوقوع فى عدد كبير من الإشكاليات والتى تتمثل فى عملية المحاسبة القانونية على الافعال التى قد تصدر عنه، وهو ما يحتاج الى وجود تشريعات حاسمة قانونيا فى حال ارتكاب الأخطاء.
وبين أن وجود مثل هذه النوع من النماذج التكنولوجية فى مراحل الذكاء الاصطناعى بالوكالة سيعمل على تقليل القدرات الابداعية والتفكير خارج الصندوق، خاصة فى ضوء الاعتمادية الكبيرة على نماذج الذكاء الاصطناعى وإحلالها محل الاعمال البشرية، إذ قد تؤدى إلى ظهور البطالة المقنعة فى بعض الاحيان.
وذكر أن جميع مراحل الذكاء الاصطناعى يجب أن يتم تحديدها بالشكل الذى لا يخل بميزان الطبيعة لعدم تحجيم الابداع والتفكير، مما يسهم فى ضمان الكفاءة البشرية والدقة، لافتا إلى أن النموذج الافضل للذكاء الاصطناعى هو الاستعانة به فى نطاق محدود.
ورجح عبدالتواب أن تشهد الفترة المقبلة وصول تطبيقات الذكاء الاصطناعى إلى مرحلة الاستقرار ، وذلك على غرار أى تكنولوجية حديثة يتم إطلاقها بشكل جديد.
وشدد على أهمية العمل على اتخاذ الحيطة والحذر من أنياب برامج الذكاء الاصطناعى عند استخدامها، منوها أنه يجب السير مع المتغيرات العالمية فى هذا المجال.
واستبعد اندثار تجربة الذكاء الاصطناعى، خاصة وأنها باتت تعد المثال الاقرب لتجربة التحول الرقمى عالميا، مبينا أن جميع المجالات خلال الفترة المقبلة ستصبح قائمة بشكل كبير على تطبيقات الذكاء الاصطناعى.
وفى سياق متصل أوضح أحمد صبرى رئيس شعبة الديجتال ميديا بالاتحاد العام للغرف التجارية أن ظهور الذكاء الاصطناعى وتطبيقاته فى الوضع الراهن يعد تحولا جوهريا فى مفهوم التكنولوجيا، مبينا أن ظهور الـ AI ساهم فى احداث فقاعات تكنولوجية متلاحقة خلال الفترة الماضية.
وبين أن الذكاء الاصطناعى لم يسهم فى تحويل المستخدمين الى التكاسل، بل أدى إلى تسارع وتير ة الحياة مما أدى الى تقليل المسافات واختصار الأزمنة، مبينا أنه يعد توثيقا معرفية تتمثل فى توفير الاتجاهات للمستخدمين.
ونوه إلى أنه ينبغى تسريع وتيرة الاعتماد عليه بشكل ملحوظ فى الجامعات خلال الفترة المقبلة، مما يرفع من نسب الاعتماد عليه بمتوسط يصل إلى 10 أضعاف المتوسط العادى.
وأكد على أن تلك التكنولوجيا شأنها شأن اى تقنية جديدة لديها وجهان، أحدهما إيجابى والآخر سلبى، مبينا أن اللاعب الاكبر فى تحديد مسار تطبيقات الذكاء الاصطناعى هو المستخدم النهائى نفسه.
وأوضح أن اللافت للنظر فى تطبيقات الذكاء الاصطناعى هو التغيير الجوهرى الذى ساهمت فى إحداثه، مرجحا ظهور قاعدة جديدة من الوظائف بالتزامن مع تصاعد وتيرة الذكاء الاصطناعى.
وشدد صبرى على أهمية ان تحرص مصر على الاستفادة من طفرات الذكاء الاصطناعى خلال المرحلة القادمة، خاصة فى ضوء توجه انظار العالم للاعتماد عليه فى أكثر من جانب من مناحى الحياة، مبينا أن الفترة المقبلة ستشهد إطلاق نسخ جديدة ستصبح بمثابة مساعد وليس خبير ومستشار فقط.
ورأى استشارى أمراض صحة نفسية أن اعتماد الانسان على شات جى بى تى كصديق مقرب له يصيبه بالعزلة الاجتماعية، ويفقده مع مرور الوقت مهارات التواصل الفعلى مع الآخرين، ومن ثم فقدان القدرة على مواصلة الحديث والشعور بالوحدة.
وحذر من أن يؤدى زيادة استخدام هذه التطبيقات إلى ارتفاع أعداد المصابين بالاكتئاب والقلق والتوتر.
أحمد صبرى : البرامج الحالية لم تدفع بعد المستخدمين للتكاسل
باسم بشري: من المستبعد أن يقلل قدرات البشر أو يحجم الإبداع
زياد عبد التواب : توقعات بظهور مفهوم AGENTIC AI قريباً
