شهدت سوق سندات التوريق فى مصر طفرة ملحوظة خلال الأعوام الأخيرة، إذ تحولت من أداة محدودة الاستخدام تقتصر على القروض العقارية والسيارات إلى وسيلة تمويل متنوعة تشمل التمويل الاستهلاكى والمشروعات الصغيرة وحتى الحقوق المالية المستقبلية، ورغم تقلبات أسعار الفائدة وارتفاعها لمستويات تاريخية، حافظ التوريق على مكانته كخيار جذاب للشركات الباحثة عن السيولة بعيدًا عن الاعتماد الكلى على القروض المصرفية.
ورأى خبراء المال والاقتصاد أن التوريق أصبح أداة فاعلة تساعد الشركات على مواجهة تحديات التمويل، خصوصًا فى القطاعات ذات التدفقات النقدية الممتدة مثل العقارات والاستهلاك، ومع أن السوق حققت قفزات قياسية فى 2023، إلا أن تراجع السيولة وارتفاع العوائد فى 2024 أعادا طرح تساؤلات حول استدامة النمو ومخاطر التعثر.
ورغم التحديات المرتبطة بتقلبات العملة، وارتفاع تكاليف الإصدار، وضعف وعى الأفراد، يرى المتخصصون أن المستقبل يحمل فرصًا كبيرة، خاصة فى قطاعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية، فضلًا عن إمكانية توريق الإيرادات الحكومية والمشروعات القومية كبديل مبتكر لتمويل التنمية دون تحميل الدين العام أعباء إضافية.
وأكد الدكتور شريف سامى، الخبير المالى ورئيس الهيئة العامة للرقابة المالية الأسبق، أن العلاقة بين سندات التوريق وأسعار الفائدة ترتبط بشكل مباشر ببدائل التمويل المتاحة أمام الشركات.
وأوضح أن البديل الأساسى للتوريق هو الاقتراض المصرفى، وبالتالى فإن ارتفاع أسعار الفائدة – كما شهدت مصر خلال العامين الماضيين – يؤدى إلى ارتفاع تكلفة التمويل فى كلا الخيارين.
وألمح إلى أن القرار فى هذه الحالة يعتمد على قدرة الشركات أو المصانع أو الأنشطة الاقتصادية على تحمل التكلفة المرتفعة. فإذا كان النشاط قادرًا على استيعاب التكلفة، فمن المنطقى الاستمرار فى التوسع سواء عبر الاقتراض أو إصدار سندات التوريق، وضرب مثالًا بشركات التأجير التمويلى التى تلجأ لإصدارات التوريق رغم ارتفاع أسعار الفائدة، نظرًا لارتفاع عوائدها مع العملاء بما يتناسب مع ارتفاع تكلفة التمويل.
وأشار “سامى” إلى أنه عند انخفاض أسعار الفائدة مستقبلًا – كما كان الحال قبل ثلاث سنوات حينما تراوحت بين 12 و%13 – فإن النشاط الائتمانى سيشهد زيادة ملحوظة سواء عبر الاقتراض المصرفى أو التوريق، إذ تتشجع الشركات أكثر على التوسع.
لكنه شدد على أن الاقتراض لم يتوقف حتى فى ظل الفائدة المرتفعة، وإنما أصبح أكثر انتقائية ومرونة، حيث تقارن الشركات بين كلفة التمويل واستمرار النشاط أو التوسع.
ولفت إلى أن أغلب عقود الاقتراض مرتبطة بسعر فائدة متغير، مما يعنى أن الشركات قد تتحمل معدلات مرتفعة لفترة مؤقتة، ثم تستفيد من الانخفاضات المستقبلية.
وأضاف: “لو شركة اقترضت بفائدة %26، فإن الاتفاق عادة ينص على أن الفائدة ستتراجع تلقائيًا مع انخفاض أسعار السوق، وبالتالى لا تمثل المعدلات المرتفعة عائقًا دائمًا”.
وكشف “سامى” عن جانب فنى فى بعض إصدارات سندات التوريق، حيث يُدرج بند يتيح السداد المعجل من قبل الجهة المصدرة، بمعنى أن الشركة المصدرة قد تسدد قيمة السندات مبكرًا إذا تراجعت أسعار الفائدة بشكل كبير، وتعيد تمويل نفسها بتكلفة أقل.
وأوضح أن هذا الشرط لا يُدرج فى جميع الإصدارات، وإنما يخضع للتفاوض بين الشركة والمستثمرين، وقد يقابله دفع تعويض إضافى لحملة السندات مقابل قبول هذا الاحتمال.
وأشار “سامى” إلى أن استمرار نشاط الإصدارات فى السوق المصرية، حتى فى فترات الفائدة المرتفعة، يعد دليلًا واضحًا على أن التوريق أصبح أداة تمويلية فاعلة ومرنة، تتيح للشركات تنويع مصادر السيولة وتحقيق التوازن بين تكلفة التمويل وضرورات التوسع.
من جهته أكد الدكتور محمد راشد، المدرس بكلية السياسة والاقتصاد بجامعة بنى سويف، أن هناك عدة أنواع من الأصول القابلة للتوريق فى السوق المصرية، شريطة أن تكون قابلة للتخصيص وخالية من أى التزامات أو حقوق متنازع عليها، وتشمل أبرز هذه الأصول القروض العقارية وقروض تمويل السيارات، بالإضافة إلى المحافظ العقارية التى تقوم شركات متخصصة بتوريقها من خلال إصدار سندات مدعومة بهذه الأصول، بما يسهم فى خلق سيولة جديدة تعزز النشاط الاقتصادى.
وأوضح “راشد” أن تقييم المخاطر والعوائد فى سندات التوريق يعتمد على طبيعة مصدر السداد، إذ تأتى التدفقات النقدية عادة من أقساط مستقبلية مثل القروض العقارية والاستهلاكية أو الإيرادات المتوقعة، كما أن تنويع الأصول محل التوريق يقلل من المخاطر، حيث يوفر التوريق المبنى على محافظ متنوعة قدرًا أكبر من الأمان للمستثمرين.
وأشار إلى أن سندات التوريق تُعد وسيلة تمويل أكثر كفاءة فى ظل ارتفاع أسعار الفائدة، حيث توفر للشركات سيولة فورية بتكلفة أقل مقارنة بالاقتراض المصرفى المباشر.
وفيما يتعلق بتطور السوق، أوضح “راشد” أن حجم إصدارات سندات التوريق بلغ نحو 36 مليار جنيه فى عام 2022، وقفز لأكثر من الضعف فى 2023 مسجلاً نحو 87 مليارا، مع توقعات قوية بأن يتجاوز حاجز المئة مليار خلال الفترة المقبلة.
وأضاف أن القطاع العقارى يظل الأكثر هيمنة على سوق التوريق، حيث تلجأ شركات التطوير العقارى إلى تحويل مديونية عملائها إلى أوراق مالية لتسريع دورة السيولة وإعادة استثمارها فى مشروعات جديدة، كما شهد قطاع التمويل الاستهلاكى والتأجير التمويلى طفرة كبيرة، إذ ارتفع حجم التمويل الاستهلاكى إلى 47 مليار جنيه فى 2023 بزيادة تقارب %60 عن العام السابق.
وحذر “راشد” من أن الأزمة الاقتصادية وتراجع السيولة وتذبذب سعر الصرف زادت من المخاطر الائتمانية، مما يرفع احتمالات تعثر بعض المقترضين فى السداد.
وأوضح أن ذلك دفع المستثمرين للتعامل بحذر مع سندات التوريق، خاصة الشرائح الأقل أمانًا، فى حين تبقى أدوات الدين الحكومية أكثر جاذبية فى بيئة أسعار الفائدة المرتفعة.
وأكد أن القطاعات الأكثر استفادة من التوسع فى التوريق يأتى فى مقدمتها قطاع العقارات حيث تحصل الشركات على سيولة فورية بدلاً من الانتظار سنوات طويلة لتحصيل الأقساط، يليه التمويل الاستهلاكى ثم التأجير التمويلى.
كما أن برامج التوريق طويلة الأجل تعزز قدرة المطورين العقاريين على تمويل مشروعات جديدة عبر تحويل الأقساط الممتدة إلى سيولة حاضرة، مما يتيح لهم التوسع وتنويع استثماراتهم.
وأشار إلى أن شركات التمويل الاستهلاكى تلعب دورًا محوريًا فى تنشيط السوق من خلال محافظها المتنوعة التى تشمل تمويل شراء الأجهزة الكهربائية والموبايلات والسيارات والخدمات التعليمية والطبية، وكلما توسع نشاط هذه الشركات، زادت الأصول القابلة للتوريق، وبالتالى ارتفعت الإصدارات وزادت سيولة السوق.
وبالنسبة لوعى المستثمرين، أوضح “راشد” أن المؤسسات المالية الكبرى مثل البنوك وشركات التأمين وصناديق الدخل الثابت هى المستثمر الأساسى فى سندات التوريق، بينما يظل وعى الأفراد محدودًا نسبيًا، حيث يفضلون الأدوات التقليدية مثل الشهادات البنكية والودائع.
أما عن التحديات، فأكد أن محدودية توافر بيانات السوق وتباين جودة الأصول وغياب معايير موحدة لتقييمها تشكل أبرز العقبات، فضلًا عن أثر التضخم المرتفع وتقلبات سعر الصرف خلال السنوات الثلاث الماضية، مشيرا إلى أن تحسن استقرار سعر الصرف مؤخرًا وتراجع معدلات التضخم قد يفتحان المجال أمام نمو ملحوظ لسوق التوريق بحلول عام 2026.
فيما قالت فريدة طمان، مدير إدارة الصفقات وإعادة الهيكلة فى شركة إيليت للاستشارات المالية، إن سوق التوريق فى مصر شهدت توسعًا ملحوظًا فى السنوات الأخيرة، بعدما كانت تقتصر تقليديًا على القروض العقارية وقروض السيارات.
وأوضحت أن نطاق الأصول القابلة للتوريق أصبح يشمل التمويل الاستهلاكى بمختلف أشكاله، بما فى ذلك تمويل الأجهزة الكهربائية والسلع اليومية، بالإضافة إلى دخول التمويل متناهى الصغر وتمويل المشروعات الصغيرة، وهو ما يعكس تنامى دور المؤسسات المالية غير المصرفية وحاجتها إلى أدوات دين متطورة لتحسين التدفقات النقدية، يأتى على رأسها سندات التوريق.
وحول المخاطر والعوائد، شددت “فريدة” على أن مستوى المخاطر يرتبط أساسًا بجودة المحفظة محل التوريق ومعدلات التعثر بها، إلى جانب الجهة الضامنة والتصنيف الائتمانى.
وأشارت إلى أن العوائد عادة ما تكون أعلى من أدوات الدين الحكومية منخفضة المخاطر، لكنها فى الوقت ذاته أقل من المخاطر المرتبطة بالقروض المباشرة للشركات، إذ يعتمد التوريق على أصول حقيقية تولد تدفقات نقدية ثابتة.
وأضافت أن سندات التوريق باتت وسيلة تمويل أكثر كفاءة فى ظل ارتفاع أسعار الفائدة، حيث تتيح للشركات تعزيز السيولة بدلًا من انتظار الأقساط على فترات طويلة، كما أنها أقل تكلفة من الاقتراض المباشر الذى أصبح عبئًا بسبب مستويات الفائدة المرتفعة.
ورأت أن التعديلات التشريعية الأخيرة فى قانون سوق المال ساهمت فى زيادة عدد الشركات المصدرة لسندات التوريق، مما عزز ثقة المستثمرين وفتح المجال أمام قطاعات جديدة بخلاف العقارات، مثل التمويل الاستهلاكى والمشروعات الصغيرة، لافتة إلى أن البنية التحتية والطاقة لم تدخل بعد بقوة فى السوق المصرية عبر التوريق، رغم أهميتها الكبيرة خلال المرحلة المقبلة.
وتطرقت إلى تأثير الأزمة الاقتصادية وتقلبات سعر الصرف، مؤكدة أن هذه الظروف دفعت المؤسسات الاستثمارية للبحث عن أدوات تمنح عوائد أعلى من الودائع البنكية، وهو ما يجعل التوريق خيارًا جاذبًا للمؤسسات أكثر من الأفراد، لضعف الوعى الاستثمارى الأخير بهذه الأداة، كما أوضحت أن تقلبات العملة تمثل تحديًا أمام دخول المستثمرين الأجانب لهذه السوق.
وفيما يخص القطاع العقارى، أكدت أن التوريق يمثل أداة حيوية لمعالجة أزمات السيولة التى تعانى منها الشركات، لكن التحدى يكمن فى مدى قدرتها على تحمل تكاليف الإصدار وتوافق أصولها مع شروط التوريق، الأمر الذى يجعل الشركات الكبيرة الأكثر قدرة على الاستفادة من هذه الآلية.
واعتبرت أن مشروعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية تمثل توجهًا واعدًا لسوق التوريق مستقبلًا، لاسيما مع التوسع فى استخدام الطاقة الشمسية، موضحة أن التجارب الدولية مثل أستراليا والولايات المتحدة أثبتت نجاح توثيق عقود شراء الطاقة كأصول قابلة للتوريق، لكن السوق المصرية لاتزال بحاجة إلى إطار تنظيمى يدعم هذا التوجه.
وحول العقبات، شددت “فريدة” على أن الاشتراطات الصارمة على الأصول تحد من قدرة شريحة أوسع من الشركات على الاستفادة من سندات التوريق، إلى جانب ارتفاع تكاليف الإصدار ومتطلبات التصنيف الائتمانى.
وأكدت أن رفع وعى الأفراد بسوق المال عمومًا وسندات التوريق خصوصًا أمر ضرورى، خاصة أن المؤسسات فقط هى التى تمتلك الخبرة والمعرفة الكافية للتعامل مع هذه الأدوات.
ولمعالجة ضعف الإقبال، أوصت بضرورة تعزيز التصنيفات الائتمانية وتقديم ضمانات قوية لبناء الثقة، إضافة إلى استهداف مؤسسات كبرى مثل شركات التأمين وصناديق المعاشات، مع تكثيف الترويج لبرامج التوريق على غرار حملات الترويج للاكتتابات.
وأكدت أن التجارب الدولية تثبت أن التوريق ليس مقصورًا على العقارات فقط، بل يشمل قطاعات متنوعة مثل قروض السيارات، وبطاقات الائتمان، وقروض التعليم، وفواتير الشركات.
وتوقعت أن تشهد السوق المصرية توسعًا فى تمويل المصروفات الدراسية والقروض التعليمية خلال المرحلة المقبلة، بجانب استمرار دور التمويل الاستهلاكى والسيارات كركائز أساسية لسوق التوريق.
وقالت الدكتورة شيماء وجيه، خبير اقتصادى، إن سوق سندات التوريق فى مصر شهدت تحولات لافتة خلال السنوات الثلاث الماضية، ففى عام 2022 بلغ حجم الإصدارات نحو 37 مليار جنيه، قبل أن تقفز فى 2023 إلى مستوى قياسى بلغ 96.1 مليار، وهو أعلى ذروة فى تاريخ السوق. غير أن 2024 سجل تراجعًا حادًا إلى نحو 44.2 مليار، بانخفاض سنوى يقارب %54، وهو ما أرجعته إلى تشدد السيولة وارتفاع العوائد الاسمية، بعد طفرة النمو الاستثنائية فى 2023.
وأضافت أن قطاع العقارات والتطوير العقارى لا يزال يتصدر إصدارات سندات التوريق، اعتمادًا على توريق محافظ أقساط الوحدات المباعة، يليه التمويل الاستهلاكى والتمويل متناهى الصغر اللذان يشهدان نموًا سريعًا مع توسع الشركات فى منح القروض للأفراد، كما برزت قطاعات السيارات، المرافق والخدمات (توريق فواتير الكهرباء والمياه)، إضافة إلى التأجير التمويلى والتخصيم كأطراف فاعلة فى السوق.
وحول انعكاسات الأزمة الاقتصادية وتقلبات سعر الصرف، أوضحت “شيماء” أن ارتفاع أسعار الفائدة المصرفية عزز من جاذبية التوريق كبديل تمويلى نسبيًا أقل تكلفة، فيما أدى تذبذب العملة إلى إعادة تقييم الأصول المورقة خاصة المرتبطة بالدولار.
وأشارت إلى أن الأوضاع الراهنة دفعت مستثمرين كثيرين للبحث عن أدوات بعوائد ثابتة ومضمونة نسبيًا، مما انعكس فى زيادة الطلب على سندات التوريق.
وترى أن أبرز المستفيدين من التوسع فى أدوات التوريق هم شركات التمويل الاستهلاكى، التأجير التمويلى، الميكروفاينانس والمطورون العقاريون، نظرًا لاعتمادهم على تدفقات نقدية ممتدة عبر أقساط طويلة.
وأوضحت أن سوق التمويل العقارى على وجه الخصوص يمكن أن تستفيد من برامج التوريق طويلة الأجل عبر تحويل الأقساط المستقبلية إلى سيولة فورية، مما يتيح تمويل مشروعات جديدة دون الاعتماد الكامل على القروض المصرفية مرتفعة التكلفة.
وأكدت أن شركات التمويل الاستهلاكى تلعب دورًا محوريًا فى تنشيط سوق التوريق بفضل محافظها المتنوعة من قروض السلع المعمرة والسيارات والخدمات التعليمية والطبية، والتى توفر تدفقات نقدية مستقرة صالحة للتوريق، واعتبرت أن هذا التنوع يرفع عمق السوق ويقلل من اعتمادها على العقارات فقط.
وفيما يخص المستقبل، أشارت “شيماء” إلى أن مشروعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية مرشحة بقوة لبرامج توريق مستقبلية نظرًا لطبيعة تدفقاتها الطويلة والمستقرة، كما أن توريق الإيرادات الحكومية وحقوق التحصيل للمشروعات الكبرى يمثل فرصة واعدة لتمويل توسعات جديدة وتخفيف الضغط عن الموازنة العامة.
ولفتت أيضًا إلى عقبات رئيسية تعترض الشركات عند إصدار سندات التوريق، من بينها متطلبات الإفصاح الكامل عن الأنشطة والقوائم المالية، والحاجة إلى بيانات تاريخية دقيقة، وتكاليف التصنيف والاستشارات، إلى جانب تحديات تنظيمية ومخاطر تقلبات العملة، وأضافت أن هناك فجوة واضحة فى وعى المستثمرين الأفراد بهذه الأداة، مما يستدعى حملات تثقيف مالى لتعزيز الثقة وتنويع قاعدة المستثمرين.
وبشأن ضعف السيولة فى بعض الإصدارات، أوصت بحزمة إجراءات تشمل توسيع نطاق الأصول القابلة للتوريق، وتبسيط الإجراءات التنظيمية، منح حوافز ضريبية وتشجيعية، إضافة إلى الترويج النشط محليًا ودوليًا، أما على صعيد التصنيف الائتمانى، فرأت أن السوق تعانى من محدودية البيانات الدقيقة وضعف عمق السوق المحلية، إلى جانب قلة وكالات التصنيف المتخصصة، مما يضطر أحيانًا للاعتماد على الوكالات الدولية رغم ارتفاع تكلفتها.
وتوقعت “شيماء” أن تنمو سوق سندات التوريق فى مصر بمعدل سنوى يتراوح بين 15 و%25 خلال السنوات الخمس المقبلة، مدفوعة بقطاعات العقارات والطاقة والبنية التحتية، وتحسن جاذبية التوريق مقارنة مع القروض التقليدية فى ظل توقعات بتراجع أسعار الفائدة واستقرار نسبى للعملة.
أما على صعيد جذب المستثمرين الأجانب، فأكدت أن السوق بحاجة إلى تعزيز الاستقرار والشفافية وتبنى معايير إفصاح عالمية، إلى جانب تحسين التصنيفات الائتمانية وتطوير البنية التشريعية، مشددة على أن الترويج الخارجى المدروس عبر بنوك الاستثمار العالمية يمثل عنصرًا حاسمًا فى استقطاب المؤسسات الدولية.
وأوضحت أن سندات التوريق يمكن أن تكون أداة مساندة فى تمويل المشروعات القومية عبر إعادة تدوير التدفقات النقدية المستقبلية دون زيادة الدين العام، لكنها ليست بديلًا كاملًا عن التمويل الحكومى أو المصرفى.
واستشهدت بتجارب دولية ناجحة مثل الولايات المتحدة وأوروبا فى التوريق العقارى، والهند والبرازيل فى البنية التحتية، وتركيا والمغرب فى توريق فواتير الكهرباء والاتصالات، مؤكدة أن نجاح هذه النماذج ارتكز على الشفافية والتصنيف الدقيق والحوافز التشريعية، وهى مقومات يمكن لمصر تعزيزها لتوسيع نطاق التوريق ودعمه كأداة تمويلية فعالة.
وقالت تُقى العربى، محلل استثمار أول بشركة موبيكا واستشارى مالى للشركات الناشئة، إن سوق التوريق فى مصر تشهد تطورًا متسارعًا بفضل التعديلات التشريعية الأخيرة، موضحة أن الأصول القابلة للتوريق تشمل حاليًا القروض العقارية، والتمويل الاستهلاكى، وقروض السيارات، إلى جانب الحقوق المالية المستقبلية مثل الإيرادات المتوقعة من المشروعات.
وأكدت أن عزل هذه الأصول عن المخاطر المرتبطة بالجهة المصدرة يجعلها أداة استثمارية جذابة للتنويع، خصوصًا بعد تعديل قانون سوق المال فى 2022 الذى سمح بتوريق الحقوق المستقبلية، الأمر الذى فتح الباب أمام إدخال أصول غير تقليدية مثل الإيرادات الحكومية المحتملة.
وأضافت أن تقييم المستثمرين لمخاطر سندات التوريق يختلف عن أدوات الدين التقليدية، إذ تقل ارتباطًا بمخاطر الإفلاس بفضل آلية “العزل” أو الـ”Ring-fencing”، وهو ما يميزها عن السندات الحكومية أو الشركاتية.
وأوضحت أن العوائد على هذه السندات غالبًا ما تكون أعلى نسبيًا، حيث تصل إلى 15 - %20 فى بعض الإصدارات مقابل 12 - %18 فى أدوات الدين الحكومية، لكنها تتطلب تقييمًا دقيقًا لجودة الأصول الأساسية ومدى تأثرها بتقلبات العملة.
واعتبرت أن نماذج التصنيف الائتمانى، سواء الدولية مثل “موديز” أو المحلية، تساعد المستثمرين على قياس السيولة والعوائد المعدلة بالمخاطر.
أكدت “تقى” أن سندات التوريق باتت وسيلة تمويل أكثر كفاءة فى ظل ارتفاع أسعار الفائدة التى وصلت إلى %27، إذ تمنح الشركات القدرة على تحويل أصول غير سائلة إلى نقدية بتكلفة أقل من القروض البنكية.
وأشارت إلى أن خبرتها فى الاستشارات المالية أظهرت أن هذه الأداة ساعدت فى خفض تكلفة التمويل بنسبة 2 - %4 مقارنة مع الديون التقليدية، خاصة فى قطاعات مثل التمويل الاستهلاكى، مما يعزز الكفاءة الاقتصادية ويقلل الاعتماد على البنوك.
وحول أثر التعديلات التشريعية، أوضحت أن تعديل قانون سوق المال عام 2022 لإدخال ضوابط توريق الحقوق المالية المستقبلية كان بمثابة نقلة نوعية، إذ أدى إلى زيادة الإصدارات بأكثر من %100 خلال 2023.
وأضافت أن هذه التعديلات عززت ثقة السوق بفضل زيادة الشفافية وتوفير الحماية، مما شجع على دخول قطاعات جديدة مثل البنية التحتية، وسهّل الوصول إلى تمويل طويل الأجل.
واعتبرت أن السوق تحقق معدل نمو سنوى يقارب 90 - %100 وفق تقارير البنك المركزى، مدفوعة بالتشريعات الجديدة والطلب المتزايد على أدوات تمويل بديلة.
وأشارت إلى أن قطاع التمويل الاستهلاكى تصدر الإصدارات بنسبة تفوق %40، يليه العقارى بنسبة %30، ثم قروض السيارات والبنية التحتية.
وفيما يخص الأوضاع الاقتصادية، أوضحت أن الأزمة الممتدة بين 2022 و2024 وتقلبات سعر الصرف التى شهدت انخفاضًا للجنيه بنسبة %50، زادت من جاذبية سندات التوريق باعتبارها أداة تمنح عوائد مرتفعة تصل إلى %20، لكنها لفتت إلى أن هذه الأوضاع رفعت أيضًا المخاطر المتعلقة بالتضخم والعملة.
ولفتت إلى أن الاستقرار النسبى فى 2024 ساهم فى تعزيز ثقة المستثمرين المؤسساتيين الباحثين عن التنويع، رغم استمرار انخفاض السيولة فى بعض الإصدارات.
وأكدت أن القطاعات الأكثر استفادة من التوسع فى التوريق تشمل التمويل الاستهلاكى والعقارات، إلى جانب الطاقة المتجددة والبنية التحتية التى تحتاج إلى تمويل طويل الأجل.
وأوضحت أن سوق التمويل العقارى يمكن أن تستفيد بقوة من برامج التوريق طويلة الأجل، إذ تتيح تحويل عقود البيع الممتدة على 10 أو 15 أو حتى 20 عامًا إلى سيولة فورية، وهو ما يسهم فى خفض التكاليف وتسريع وتيرة التطوير.
وألمحات إلى أن هذه الآلية تعزز النمو العقارى بنسبة تتراوح بين 15 و%20 سنويًا.
وأضافت أن شركات التمويل الاستهلاكى لعبت دورًا محوريًا فى تنشيط السوق، حيث ساهمت بأكثر من %40 من الإصدارات، من خلال محافظ أصول عالية الجودة جذبت المستثمرين وعززت السيولة، وضربت مثالًا بإصدارات شركات مثل “فاليو” و”كونتكت” التى تجاوزت قيمتها 30 مليار جنيه.
وفيما يتعلق بمشروعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية، أكدت “تقى” أنها مرشحة بقوة لتصبح جزءًا أساسيًا من برامج التوريق المستقبلية، خاصة مع خطط مصر للوصول إلى 30 جيجاوات من الطاقة المتجددة.
وأشارت إلى أن توريق الإيرادات المستقبلية لهذه المشروعات يمكن أن يجذب استثمارات أجنبية بمليارات الدولارات.
وحول وعى المستثمرين، قالت إن هناك فجوة كبيرة لدى الأفراد بسبب ضعف التثقيف المالى، بينما تتمتع المؤسسات بوعى أكبر لكنها لا تزال تركز فى استثماراتها على أدوات الدين التقليدية مثل أذون الخزانة والسندات الحكومية.
وشددت على أن ضعف السيولة فى بعض الإصدارات يمكن معالجته من خلال تعزيز التصنيف الائتمانى، وزيادة حملات الترويج، وإدراج هذه السندات فى بورصات ثانوية لتوفير تداول أكبر.
وأشارت إلى أن أبرز التحديات التى تواجه السوق فى ما يخص تصنيف السندات تتمثل فى نقص البيانات التاريخية للأصول، وارتفاع تكاليف التصنيف، الأمر الذى يضعف الثقة لدى بعض المستثمرين.
ورأت أن التعاون مع وكالات تصنيف دولية يمكن أن يساعد فى تحسين هذه التقييمات وتقليل المخاطر المدركة.
وبشأن التوقعات المستقبلية، توقعت “تقى” نمو سوق التوريق فى مصر بنسبة تتراوح بين 15 و%20 سنويًا لتصل إلى نحو 300 مليار جنيه بحلول 2030، مدفوعًا بمشروعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية إلى جانب تحسينات تشريعية وتنظيمية.
واعتبرت أن جذب المستثمرين الأجانب يتطلب توفير حوافز ضريبية واستقرار سعر الصرف وتعزيز الشفافية، إضافة إلى شراكات دولية مماثلة لتلك التى تمت فى صفقة “رأس الحكمة” التى جذبت مليارات الدولارات.
وأكدت أن سندات التوريق يمكن أن تكون أداة فعّالة لسد فجوات التمويل فى المشروعات القومية دون زيادة الدين العام، مشيرة إلى أن السوق المصرية يمكنها الاستفادة من نماذج النجاح الدولية مثل توريق القروض العقارية فى الولايات المتحدة أو توريق مشروعات الطاقة فى أوروبا، مع تكييفها بما يتناسب مع البيئة المحلية لتعزيز النمو والشفافية.
شريف سامى: بديل مرن.. والتكاليف المتصاعدة لا توقف الاقتراض
محمد راشد: العقارات والقطاع الاستهلاكى يقودان الإصدارات.. وتفاوت الجودة أبرز التحديات
فريدة طمان: انتشار غير مسبوق فى الأصول القابلة لها.. والتشريعات تعزز ثقة المستثمرين
شيماء وجيه: قفزات قياسية أعقبها تباطؤ حاد.. والشفافية شرط لجذب الأموال الأجنبية
تُقى العربى: التعديلات القانونية أحدثت نقلة نوعية.. والقيمة مرشحة لتجاوز 300 مليار جنيه بحلول 2030
