«الإسكندرية» تُعيد اكتشاف كنوزها الغارقة.. 400 ألف قطعة أثرية تحت أمواج المتوسط

مسئولون لـ«المال»: التحدى الأكبر يكمن فى المعدات المتخصصة

أثار الإسكندرية
Ad

شهدت مدينة الإسكندرية على مدار يومين فعاليات استثنائية فى مجال التراث الثقافى المغمور بالمياه، إذ أُعلن عن انتشال 3 قطع أثرية ضخمة من أعماق البحر المتوسط بميناء أبو قير، وسط حضور رسمى رفيع المستوى وتغطية إعلامية محلية ودولية واسعة.

وتضمنت الفعاليات افتتاح معرض “أسرار المدينة الغارقة” بمتحف الاسكندرية القومى، وتوقيع مذكرة تفاهم مع الجانب الصينى لتأسيس مركز مشترك للآثار البحرية والتراث الثقافى المغمور بالمياه فى الإسكندرية، بالإضافة إلى تنظيم معارض مؤقتة مشتركة لعرض القطع الآثرية المنتشلة من المياه.

3 مواقع أثرية مغمورة بالمياه

وقال الدكتور محمد إسماعيل، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إن مدينة الإسكندرية تضم ثلاثة مواقع أثرية مغمورة بالمياه وهى أبو قير، قلعة قايتباى، وجبل السلسلة.

وأضاف “إسماعيل” - فى تصريحات خاصة لـ”المال” - أنه تم حصر جميع الآثار الغارقة عند قلعة قايتباى والتى يصل عددها إلى 400 ألف قطعة أثرية تحت مياه البحر.

وأشار إلى أن أغلب تلك القطع الآثرية لا تزال فى موقعها الأصلى إذ لا يمكن استخراجها بالكامل لأن  مصر ملتزمة بأحكام اتفاقية “اليونسكو” للحفاظ على التراث الثقافى المغمور بالمياه.

ولفت إلى أن القطع التى يتم انتشالها تقتصر فقط على الآثار التى قد تعيق عمليات الحفائر بالمنطقة، والتى تضم أيضًا مبانى ممتدة تحت المياه وهو ما يحول دون استخراج جميع القطع الآثرية.

وألمح “إسماعيل” إلى أن القطع الآثرية فى الثلاثة مواقع المغمورة بالمياه تم توثيقها عبر خريطة تفصيلية، ويمكن للزوار الاطلاع على عرض مرئى لها داخل المتحف القومى بالإسكندرية.

وعن تكلفة عمليات الانتشال، قال إن التحدى الأكبر لا يكمن فى التمويل وإنما فى توفير المعدات المتخصصة القادرة على العمل فى أعماق بعيدة.

وأوضح أن العملية تتطلب أحيانًا استخدام سفن مجهزة بتقنيات خاصة وهو ما يجعلها مكلفة، مؤكدا أن المجلس الأعلى للآثار يتعاون مع القوات البحرية المصرية فى تنفيذ هذه المهام.

ونوه بأن عملية انتشال القطع الأثرية من مياه البحر المتوسط التى حدثت منذ يومين، تأتى بعد مرور 25 عاما على آخر عملية مماثلة شهدتها مصر منذ توقيعها عام 2001 على اتفاقية اليونسكو الخاصة بالحفاظ على التراث الثقافى المغمور بالمياه.

وأضاف أن عملية الانتشال تمثل خطوة محورية ضمن مشروع قومى تتبناه الدولة المصرية لتطوير خليج أبو قير، حيث نجح فريق من مفتشى الآثار بالمجلس الأعلى للآثار فى العمل تحت سطح البحر وكشفوا عن مبانٍى ثابتة ومنقولة غمرتها المياه عبر القرون، ربما نتيجة تغيرات جيولوجية أو زلازل أدت إلى هبوطها تحت مياه المتوسط.

وأضاف أن هذا الكشف يعكس حجم التعاون والتكامل بين مختلف أجهزة الدولة فى سبيل حماية وصون التراث المصرى الفريد، مؤكدا استمرار أعمال البحث والتنقيب تحت الماء فى الموقع لاكتشاف المزيد من أسرار أبو قير.

وكشف أنه من بين الاكتشافات المرتقبة سفينة أثرية سيتم الإعلان عنها خلال الفترة المقبلة فور استكمال أعمال الكشف والدراسة العلمية المتكاملة لها.

وأوضح أن الموقع الذى تم فيه الانتشال يعد أحد أهم الاكتشافات الأثرية التى جرى رصدها خلال أعمال المسح الأثرى السابقة فى غرب مدينة أبو قير، إذ لاتزال المنطقة تخبئ بين طياتها أسرارًا تكشف فصولًا جديدة من حضارة “مصر الغارقة” تحت مياه البحر المتوسط.

وأكد أن أعمال المسح والدراسة أبرزت أن الموقع يمثل مدينة متكاملة المرافق تعود للعصر الرومانى، تضم مبانى ومعابد وصهاريج مياه وأحواضًا لتربية الأسماك، فضلًا عن ميناء وأرصفة أثرية، مما يرجح أنه امتداد للجانب الغربى من مدينة “كانوب” الشهيرة، التى سبق اكتشاف جزء منها شرق المنطقة.

وتابع: “كما تكشف الشواهد عن استمرارية حضارية عبر عصور متعددة تشمل المصرى القديم، البطلمى، الرومانى، البيزنطى، والإسلامى، مضيفا أن أعمال البحث أسفرت عن العثور على مجموعة كبيرة من الشواهد الأثرية المهمة، أبرزها وفورات تحمل أختامًا البضائع وتواريخ إنشائها، بقايا سفينة تجارية محملة بالجوز واللوز والمكسرات وبها ميزان نحاسى كان يستخدم للقياس”.

وذكر أن أعمال البحث أسفرت أيضًا عن العثور على تماثيل ملكية و تماثيل لأبى الهول، ومجموعة من تماثيل الأوشابتى، ومرساوات حجرية، وعملات من العصور البطلمية والرومانية والبيزنطية والإسلامية، فضلاً عن أوانٍ وأطباق فخارية وأحواض تربية الأسماك ورصيف بحرى يمتد بطول 125 مترًا.

انتشال الآثار النادرة من أعماق المتوسط

واستطاعت وزارة السياحة والآثار، ممثلة فى المجلس الأعلى للآثار، بالتعاون مع الجهات الحكومية المختلفة، انتشال ثلاث قطع أثرية ضخمة من أعماق البحر المتوسط بميناء أبو قير، وهم تمثال ضخم من الكوارتز على هيئة أبو الهول يحمل خرطوش الملك رمسيس الثانى، وتمثال من الجرانيت لشخص غير معروف من أواخر العصر البطلمى مكسور الرقبة والركبتين، وتمثال من الرخام الأبيض لرجل رومانى من طبقة النبلاء.

جاء ذلك بحضور شريف فتحى وزير السياحة والآثار، والفريق أحمد خالد حسن سعيد محافظ الإسكندرية،  و قائد القوات البحرية، وقائد المنطقة العسكرية الشمالية، بالإضافة إلى يمنى البحار نائب الوزير، والدكتور محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، والمهندس أحمد يوسف الرئيس التنفيذى لهيئة تنشيط السياحة وعدد من سفراء وقناصل الدول الأجنبية بمصر.

وقال شريف فتحى وزير السياحة والآثار، إن الدولة تولى اهتماما ورعاية للآثار والتراث المصرى وهو ما أسهم بشكل جوهرى فى صون الهوية الحضارية وحماية الإرث الإنسانى الفريد لمصر.

وأضاف الوزير أن هناك تعاونا مثمرا ودعما متواصلا من القوات المسلحة والقوات البحرية والهيئة الهندسية لإنجاح عملية الكشف وانتشال هذه القطع الأثرية النادرة من قاع البحر المتوسط.

ولفت إلى أن مصر ملتزمة التزاما كاملا بأحكام اتفاقية اليونسكو للحفاظ على التراث الثقافى المغمور بالمياه، موضحا أن بعض القطع ستظل فى موقعها الأصلى تحت الماء حفاظا على قيمتها التاريخية، بينما يتم انتشال غيرها وفق معايير علمية دقيقة وضوابط صارمة تتيح استخراجها وحمايتها.

ولفت إلى أن هذا الحدث يحمل رسالة قوية إلى العالم أجمع بأن مصر دولة عظيمة، قادرة على صون تراثها وتعزيز مكانتها السياحية العالمية، وهو ما يتجلى فى نجاحها فى جذب ما يقارب 15.8 مليون سائح خلال العام الماضى، ومواصلة جهودها لجذب المزيد خلال المرحلة المقبلة.

ومن جانبه، قال الفريق أحمد خالد حسن محافظ الإسكندرية، إن الإعلان عن كشف أثرى جديد فى منطقة أبى قير لا يُعد مجرد اكتشاف لقطع أثرية نادرة، بل هو استعادة حقيقية لجزء من تاريخ مصر العظيم.

وأضاف أن الرئيس عبد الفتاح السيسى، يولى اهتماما ورعاية خاصة بمحافظة الإسكندرية، من خلال تنفيذ مشروعات قومية كبرى فى مقدمتها مترو الإسكندرية (قطار أبو قير) وميناء أبو قير، والتى تُعد ركيزة أساسية فى تطوير البنية التحتية ودعم مسيرة التنمية المستدامة بالمحافظة.

فعاليات التراث الثقافي

وافتتح وزير السياحة والآثار ومحافظ الإسكندرية، معرض مؤقت بمتحف الإسكندرية القومى بعنوان “أسرار المدينة الغارقة” والمكتبة الخاصة بالمتحف والتى تضم 1100 كتاب متنوع التخصصات ما بين آثار مصرية قديمة ويونانية ورومانية وقبطية وإسلامية وعصر حديث والأدلة المتحفية وكتب متخصصة فى علوم الترميم والصيانة ومجموعة متنوعة من الكتب فى موضوعات ثقافية واجتماعية وكتب للأطفال، كما تتميز المكتبة بآليات الإتاحة لغير المبصرين.

ويضم المعرض 86 قطعة من مكتشفات مدينتى “كانوب” و”هيراكليون” بخليج أبى قير شرق مدينة الإسكندرية والتى تم الكشف عنها فى الحفائر عام 2023، وتعكس جوانب من الحياة اليومية والمعتقدات الدينية والطقوس الجنائزية فى العصرين البطلمى والرومانى.

وأكد وزير السياحة والآثار، أن مدينة الإسكندرية واحدة من أجمل مدن العالم بما تحمله من مزيج فريد بين التاريخ والحداثة، وتستحق مكانة أكبر على خريطة السياحة العالمية.

وأشار إلى أن المعرض يمثل ثمرة التعاون بين المجلس الأعلى للآثار والبعثات الأجنبية العاملة فى مصر، إذ تستضيف البلاد أكثر من 300 بعثة أثرية تعمل فى مجال الحفائر.

ولفت إلى أن الوزارة ستعمل خلال الفترة المقبلة، من خلال التواصل مع منظمى الرحلات وشركات السياحة، على إدماج مدينة الإسكندرية ضمن برامج الرحلات السياحية وربطها بالساحل الشمالى الذى يشهد إقبالًا متزايدًا، بما يعزز من تدفق الحركة السياحية.

وأكد أن مصر تتمتع بتنوع سياحى فريد فى المنتجات السياحية فتحت شعار “مصر … تنوع لا يُضاهى” تستهدف الإستراتيجية الحالية للوزارة تحويل هذا التنوع إلى منتجات قابلة للتسويق عالميًا خلال السنوات المقبلة، مشيرًا إلى أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدا من الاهتمام بالتراث المصرى المغمور بالمياه، فى ضوء توجيهات رئيس الجمهورية.

مذكرة تفاهم مع الصين

وشهد وزير السياحة والآثار، مراسم توقيع مذكرة تفاهم بين المجلس الأعلى للآثار والمركز الوطنى للآثار بجمهورية الصين الشعبية فى مجال الآثار البحرية والتراث الثقافى المغمور بالمياه.

 وتأتى هذه الخطوة المهمة نحو تعزيز الشراكات الدولية فى مجال الحفاظ على التراث الثقافى المغمور بالمياه، كما تعكس حرص الدولة المصرية على الاستفادة من الخبرات الدولية وتبادل المعرفة مع المؤسسات الرائدة، خاصة مع الصين التى تربطها بمصر علاقات تاريخية ممتدة وترابط حضارى بين البلدين باعتبارهما أقدم الحضارات فى العالم.

وقال”Tang Wei”  مدير المركز الوطنى للآثار بالصين إن المذكرة بداية جديدة للتعاون بين مصر والصين فى مجال التراث الثقافى، وممارسة حيّة للحوار الحضارى وتبادل الخبرات بين الحضارتين المصرية والصينية.

وبموجب المذكرة، سيتعاون الجانبان فى تأسيس المركز المصرى الصينى للآثار البحرية والتراث الثقافى المغمور بالمياه بمدينة الإسكندرية، مع تخصيص قاعة خاصة لعرض القطع الأثرية والإنجازات العلمية فى هذا المجال بكلا البلدين.

كما ستشمل مجالات التعاون المشترك تنفيذ مشروعات بحثية وعلمية، وتنظيم المنتديات والفعاليات العلمية، وتبادل المعلومات والأبحاث، بالإضافة إلى برامج التدريب وبناء القدرات للأثريين والمرممين والباحثين.

وتتضمن تنظيم معارض مؤقتة مشتركة لعرض القطع الأثرية المنتشلة من أعماق المياه، فضلاً عن عرض نتائج أعمال الحفائر والأبحاث الأثرية البحرية فى البلدين.

مصر تؤكد التزامها باتفاقية «اليونسكو» لحماية التراث المغمور

تجهيز مركز مشترك مع الصين للآثار البحرية

مسئولون لـ«المال»: التحدى الأكبر يكمن فى المعدات المتخصصة