شهدت القروض الموجهة للقطاعات الاقتصادية الرئيسية مسارات متباينة خلال الفترة من مارس 2024 إلى فبراير الماضى، فقد حقق القطاع الصناعى نموًا قويًا ومستمرًا، ليصل إلى مستويات قياسية قبل أن يتباطأ قليلاً، وفى المقابل، واجه نظيره الزراعى تراجعًا فى بداية الفترة، لكنه تمكن من تحقيق تعافٍ ملحوظ، بينما اتسمت قروض القطاع التجارى بالتذبذب قبل أن تشهد ارتفاعًا قويًا فى ختام الفترة، وذلك بناء على البيانات الصادرة عن البنك المركزى.
وأرجع خبراء مصرفيون قوة القطاع الصناعى إلى حجم شركاته ورؤوس أموالها الكبيرة، مما يجعله أكثر استقرارًا وقدرة على السداد، وأوضحوا أن هذا القطاع يستفيد من إستراتيجية حكومية أوسع تهدف إلى توطين الصناعة وتقليل الاعتماد على الواردات.
وفى سياق متصل، أكد خبراء وجود توجه حكومى لتعزيز دور القطاع الخاص، خاصةً القطاع الصناعى، من خلال تقليص الاقتراض الحكومى وتوجيه الفوائض المالية لدعم هذا القطاع. وأشاروا إلى أن هذه الجهود، التى تشمل مبادرات من البنك المركزى، تهدف إلى تشجيع النمو الاقتصادى الشامل.
قروض القطاع التجاري
وشهدت قروض القطاع التجارى تذبذبًا طفيفًا خلال النصف الأول من عام 2024، حيث بدأت فى مارس عند 273.3 مليار جنيه، وارتفعت بشكل طفيف فى أبريل إلى 274.7 مليار، قبل أن تعود للانخفاض فى مايو لتسجل 273 مليارا.
ومع بداية الربع الثالث من العام، بدأت القروض فى الارتفاع تدريجيًا، لتصل فى يوليو إلى 288 مليار جنيه، واستمرت فى صعودها حتى بلغت فى أكتوبر 301.8 مليار.
وفى نوفمبر، سجلت القروض التجارية أعلى مستوى لها خلال عام 2024 ببلوغها 303.4 مليار جنيه، قبل أن تشهد انخفاضًا فى ديسمبر إلى 295.6 مليار.
وفى مطلع عام 2025، شهدت القروض انخفاضًا حادًا فى يناير لتصل إلى 276.2 مليار جنيه، إلا أنها عاودت الارتفاع بقوة فى فبراير لتختتم الفترة عند 313.2 مليار.
قروض القطاع الزراعي
واجهت قروض القطاع الزراعى تراجعًا فى بداية عام 2024، حيث انخفضت من 552 مليار جنيه فى مارس إلى 493.6 مليار فى يوليو، ومنذ أغسطس، بدأت القروض فى مسار تصاعدى مستمر، حيث ارتفعت تدريجيًا من 503.3 مليار لتصل فى نوفمبر إلى 532.2 مليار.
واستمر هذا التعافى خلال الربع الأخير من عام 2024، لتبلغ القروض 557.8 مليار جنيه فى ديسمبر.
وفى يناير 2025، حافظت القروض على وتيرة نموها لتصل إلى 562.5 مليار جنيه، قبل أن تحقق طفرة كبيرة فى فبراير لتسجل أعلى مستوى لها فى الفترة المذكورة عند 601.6 مليار.
قروض القطاع الصناعي
سجلت قروض القطاع الصناعى نموًا قويًا ومستمرًا على مدار عام 2024، فمنذ مارس، حيث بلغت 634.8 مليار جنيه، استمرت فى الارتفاع لتصل إلى 729.2 مليار فى مايو، وتتجاوز عتبة الـ 800 مليار فى يونيو ببلوغها 816.7 مليار.
وواصلت القروض مسارها التصاعدى، لتسجل 865 مليار جنيه فى أكتوبر و883.6 مليار فى نوفمبر، قبل أن تتجاوز حاجز الـ 900 مليار فى ديسمبر مسجلة 911.7 مليار.
وفى يناير 2025، بلغت القروض الصناعية ذروتها عند 924.6 مليار جنيه، قبل أن تشهد انخفاضًا طفيفًا فى فبراير لتستقر عند 911.3 مليار، مما يشير إلى تباطؤ نسبى فى وتيرة النمو بعد طفرة قوية.
وأكد محمد عبد العال، الخبير المصرفى، أن القطاع الصناعى يتميز بوجود شركات ضخمة ورؤوس أموال كبيرة، مما يجعله أكثر استقرارًا وقدرة على الوفاء بالتزاماته المالية مقارنة مع القطاعين الزراعى والتجارى، اللذين قد يتأثران بالتقلبات الموسمية.
وأوضح أن حجم القروض الممنوحة لهذا القطاع يكون كبيرًا، سواء تم توفيره من بنك واحد أو من خلال تحالفات مصرفية.
ولفت "عبد العال" إلى أن هذا الدعم الائتمانى للقطاع الصناعى يأتى فى إطار إستراتيجية حكومية أوسع تهدف إلى تعزيز الصناعات المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات، وترتكز هذه الإستراتيجية على توفير مستلزمات الإنتاج محليًا وتقليل التكاليف الإجمالية، مما يعزز القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية.
وأشار إلى أن الحكومة تسعى لتحقيق توازن بين توجيه الاستثمار الأجنبى المباشر الذى يتركز عادة فى القطاعات العقارية والخدمية والترفيهية، وبين دعم القطاعات الإنتاجية. ويُعد هذا التوازن ضروريًا لضمان نمو اقتصادى شامل ومستدام لا يقتصر على جانب واحد من الاقتصاد.
وأضاف "عبد العال" أن الدعم الحكومى للقطاع الصناعى قد اكتسب زخمًا أكبر بعد الارتفاعات الأخيرة فى أسعار الفائدة ومعدلات التضخم.
وأكد أن البنك المركزى استجاب لهذه الظروف الاقتصادية من خلال سياسات تهدف إلى خفض أسعار الفائدة، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات تمويلية خاصة لدعم القطاع الصناعى، بما فى ذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة، لتشجيع النمو والإنتاج.
وكشف الدكتور عز الدين حسانين، الخبير المصرفى، عن وجود توجهات حكومية حالية لدعم القطاع الخاص، موضحًا أن البنوك بدأت فعليًا فى توجيه التمويل لهذا القطاع، على الرغم من استمرار ارتفاع أسعار الفائدة فى السوق.
وأشار إلى أن هذا الاهتمام يأتى بالتزامن مع اهتمام خاص من الدولة بقطاع الصناعة، وذلك فى إطار جهود أوسع لضبط المالية العامة وتقليل الاعتماد على الاقتراض الحكومى.
وأوضح أن الحكومة تسعى لتقليص حجم الإقراض الحكومى، وتحويل الفوائض المالية الناتجة لدعم القطاع الخاص، مما يعطى الأولوية للكيانات الاقتصادية غير الحكومية فى الحصول على التمويل.
وعند المقارنة بين القطاعات المختلفة، أشار إلى أن تمويل القطاع الزراعى من قبل البنوك يعتبر محدودًا نظرًا لطبيعة دورات الإنتاج القصيرة والمخاطر المرتفعة المرتبطة به، مع وجود استثناءات مثل البنك الزراعى المتخصص، وعلى النقيض، شهد قطاع العقارات قروضًا مشتركة كبيرة.
أما قطاع التجارة، فاعتبره الخبير المصرفى الأقل حظًا فى التمويل بسبب القيود المفروضة على الاستيراد، والتى تؤثر على حجم الأنشطة التجارية وتدفقاتها المالية.
