توقع بنك ستاندرد تشارترد فى تقريره الذى صدر مؤخرًا بعنوان «التركيز العالمى - التوقعات الاقتصادية للنصف الثانى من عام 2025»، صرف أكثر من %50 من التعهدات الاستثمارية الكبرى من قطر والكويت، التى تبلغ قيمتها الإجمالية 12.5 مليار دولار، بحلول نهاية العام الجارى.
رجح عدد من الخبراء المصرفيين أن تعزز هذه التدفقات الاحتياطى الأجنبى وتدعم موقف الجنيه أمام الدولار، مع قدرة السوق على استيعاب الضغوط الموسمية على الدولار الناجمة عن زيادة استهلاك الغاز والكهرباء.
وأضافوا فى تصريحات لـ «المال» أن هذه الاستثمارات ستخلق وفرة دولارية تخفف الضغوط على الجنيه، مدعومة بتحسن عوائد السياحة ونمو تحويلات المصريين بالخارج، إضافة إلى ارتفاع استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة وزيادة حصيلة الصادرات.
قال محمد عبد العال، الخبير المصرفى، إن هناك تحسنًا واضحًا فى تدفقات النقد الأجنبى القادمة إلى مصر خلال الفترة الأخيرة، مشيرًا إلى أن هذه التدفقات جاءت مدفوعة بالعديد من المصادر وعلى رأسها تحويلات المصريين فى الخارج، وكذلك الأموال الساخنة (استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة).
ارتفعت استثمارات العملاء الأجانب فى أذون الخزانة لتسجل ما يعادل 1.914 تريليون جنيه بنهاية مارس 2025، مقارنة بنحو 1.741 تريليون جنيه فى نهاية فبراير الماضى، و1.612 تريليون جنيه بنهاية عام 2024، وفقًا لأحدث تقرير صادر عن البنك المركزى المصرى.
وأضاف «عبد العال» أن هذه الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة تنطوى على عوائد جيدة للغاية مقارنة بالأسواق المنافسة، بالإضافة إلى كونها محدودة المخاطر نظرًا لأنها مضمونة من قبل الحكومة بشكل أساسى.
ولفت إلى أن هناك نوعًا من الهدوء فى الأوضاع الجيوسياسية الإقليمية والدولية، لا سيما بعد انتهاء الحرب بين إيران وإسرائيل، وتكثيف المساعى من أجل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، خاصة وأن هناك قمة مرتقبة بين الرئيسين الأمريكى والروسى يوم 15 أغسطس الجارى فى ألاسكا.
أوضح الخبير المصرفى أن هدوء حدة التوترات الجيوسياسية سيؤدى فى نهاية إلى تعزيز تدفق النقد الأجنبى إلى مصر، وبالتالى تحسن الجنيه أمام الدولار وكذلك تنامى احتياطى النقد الأجنبى، متوقعًا أن تلامس هذه الاحتياطيات مستوى 50 مليار دولار مع نهاية العام الجارى.
ارتفع صافى الاحتياطيات الدولية إلى 49.036 مليار دولار بنهاية يوليو 2025، مقابل 48.700 مليار دولار بنهاية يونيو 2025، بحسب بيانات حديثة صادرة عن البنك المركزى المصرى.
والاحتياطى النقدى الأجنبى هو المبلغ الذى يحتفظ به البنك المركزى لدولة معينة من العملات الأجنبية، مثل الدولار الأمريكى، اليورو، الجنيه الإسترلينى، أو أى عملة أجنبية أخرى، ويتم استخدامه لتأمين استقرار العملة المحلية وتمويل الواردات والسدادات الدولية، وكذلك للتصدى للتقلبات السريعة فى سوق الصرف الأجنبى.
استثمارات جديدة وتحويل ودائع
فى السياق ذاته، أشار الخبير المصرفى محمد عبد العال أن هناك تدفقات استثمارية مرتقبة من قبل السعودية وقطر والكويت، سواء تمثلت فى ضخ استثمارات مباشرة فى شرايين الاقتصاد المصرى أو تحويل الودائع القائمة حاليًا إلى استثمارات.
توافقت مصر وقطر، خلال زيارة الرئيس السيسى لقطر، على العمل نحو حزمة من الاستثمارات القطرية المباشرة بقيمة إجمالية تصل إلى 7.5 مليار دولار أمريكى، تنفذ خلال المرحلة المقبلة، بما يعكس متانة العلاقة بين البلدين، ويُسهم فى تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة التى تخدم مصالح الشعبين.
قال الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، فى وقت سابق، إنه جارٍ العمل مع الجانب القطرى على تفاصيل حزمة الاستثمارات المباشرة التى تعتزم قطر ضخها فى مصر بإجمالى 7.5 مليار دولار، والتى تم الاتفاق عليها خلال زيارة الرئيس السيسى لقطر. وتابع رئيس الوزراء أنه سيتم الإعلان عن الحزمة عقب الانتهاء من بحث كل التفاصيل الخاصة بها.
تمتلك الكويت وديعة لدى البنك المركزى قيمتها 4 مليارات دولار متوسطة وطويلة الأجل، موزعة على شريحتين.
فيما جددت قطر ودائع قصيرة الأجل بقيمة 4 مليارات دولار لدى البنك المركزى. وكانت قطر أودعت وديعة بقيمة 4 مليارات دولار لدى «المركزى».
أخيرًا تمتلك السعودية ودائع بقيمة 10.3 مليار دولار بين ودائع قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل.
وأكد الخبير المصرفى محمد عبد العال أن زخم تدفق النقد الأجنبى إلى مصر سيظل مستمرًا حتى نهاية العام الحالى على أقل تقديرًا، مشددًا على أنه لن تكون هناك أى فجوة تمويلية فى مصر حتى نهاية الربع الأول من 2026.
الأقساط وفوائد الديون
من جانبه، أوضح محمد بدرة، الخبير المصرفى، أن هذه الاستثمارات الخليجية التى ستضخ فى شريان الاقتصاد المصرى، بحسب تقرير بنك ستاندرد تشارترد، تنطوى على أهمية كبرى، لافتًا إلى أنه من المهم الأخذ بعين الاعتبار فى الوقت ذاته حجم الفوائد وأقساط الديون المستحقة على مصر خلال النصف الثانى.
كشف البنك المركزى المصرى أن قيمة الأقساط وفوائد الديون المستحقة على مصر خلال عام 2025 تبلغ نحو 22.4 مليار دولار.
وأوضح «المركزى»، عبر بيانات منشورة على موقعه الإلكترونى، أن قيمة أقساط وفوائد الديون خلال النصف الأول من العام المقبل تبلغ نحو 13.778 مليار دولار، و8.663 مليار دولار قيمة الأقساط وفوائد الديون خلال النصف الثانى من العام.
وأكد الخبير المصرفى أن هذه التدفقات الاستثمارية ستدفع باتجاه تحسن واضح فى احتياطى النقد الأجنبى، كما أنها ستقود إلى تعزيز موقف الجنيه أمام الدولار، وهو الأمر الذى قد يوصلنا إلى مستوى 42 إلى 43 جنيهًا أمام الدولار.
وذكر أن هناك بعض الضغوط المحتملة على الدولار خلال الفترة المقبلة، والتى سيكون من الممكن استيعابها من خلال تدفقات النقد الأجنبى المختلفة، مشيرًا إلى أن هذه الضغوط تتمثل فى زيادة استهلاك الغاز والكهرباء خلال فصل الصيف، مما قد يدفع باتجاه رفع التكلفة الاستيرادية.
وفرة دولارية
من جانبها، أوضحت سهر الدماطى، الخبيرة المصرفية، أنه من شأن هذه التدفقات الاستثمارية المختلفة أن تؤدى إلى حدوث وفرة دولارية لدى مصر، وهو الأمر الذى سيؤدى إلى تخفيف الضغوط على الدولار ومن ثم انخفاضه، وتعزيز موقف الجنيه أمام وحدة النقد الأمريكية.
وتوقعت أن يتراجع الدولار أمام الجنيه إلى مستويات تتراوح بين 46 و46 جنيهًا للدولار الواحد، مشيرة إلى أن هناك الكثير من العوامل التى تتضافر معًا لتعزيز موقف الجنيه أمام الدولار.
وذكرت أن هذه العوامل تتمثل فى تحسن عوائد السياحة، وكذلك تنامى تحويلات المصريين العاملين فى الخارج، واستثمارات الأجانب فى أذون الخزانة، وكذلك نمو حصائل التصدير.
حققت تحويلات المصريين العاملين بالخارج طفرة واضحة فى الفترة من يوليو إلى مايو من العام المالى 2024/2025، إذ ارتفعت بمعدل %69.6 لتصل إلى نحو 32.8 مليار دولار (مقابل نحو 19.4 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق)، بحسب بيانات البنك المركزى.
ارتفعت إيرادات مصر من السياحة بنحو %15.4 إلى 12.5 مليار دولار خلال الفترة من يوليو 2024 إلى مارس 2025، مقابل 10.9 مليار دولار خلال الفترة المناظرة من العام المالى الماضى، بحسب تقرير ميزان المدفوعات الصادر عن البنك المركزى.
وعلى الجهة الأخرى، تراجعت إيرادات قناة السويس بنحو %54.1 لتقتصر على نحو 2.6 مليار دولار خلال الشهور التسعة الأولى من العام المالى 2024 - 2025، مقارنة مع 5.8 مليار فى الفترة المماثلة لها من العام السابق.
