تباينت توقعات الخبراء حول مصير أسعار الفائدة فى اجتماع لجنة السياسة النقدية المقرر يوم 28 أغسطس الحالى، حيث يرى فريق أن تثبيت أسعار الفائدة هو الخيار الأرجح، مستندين إلى استمرار التضخم الأساسى عند مستويات مرتفعة نسبيًا، وتوقعات بضغوط تضخمية إضافية فى سبتمبر نتيجة لزيادة محتملة فى أسعار الإيجارات والكهرباء، و يُعزز هذا الرأى بالرغبة فى منح قرارات الخفض السابقة وقتًا لتقييم أثرها على الاقتصاد، والحفاظ على جاذبية أدوات الدين المحلية للمستثمرين الأجانب فى ظل حالة عدم اليقين التى تسود الأسواق العالمية.
على الجانب الآخر، يرى فريق آخر من الخبراء أن هناك مبررات قوية لـخفض أسعار الفائدة، ولو بنسبة محدودة، لمواجهة احتمالية تباطؤ الأسواق وارتفاع تكاليف الإنتاج، وتخفيف أعباء الدين الحكومى والضغط على المقترضين، ويُستند هذا الاتجاه إلى تراجع معدلات التضخم الأساسى فى بعض المؤشرات، والنمو الإيجابى الذى يشهده الاقتصاد المصرى فى قطاعات حيوية مثل السياحة والصناعات التحويلية، بالإضافة إلى الارتفاع الملحوظ فى الاحتياطيات الدولية وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، مما يعكس تحسنًا فى الوفرة الدولارية.
وتترقب الأوساط الاقتصادية الاجتماع الدورى الخامس للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى المصرى (CBE) لعام 2025، والذى من المقرر أن يُعقد يوم 28 أغسطس الحالى؛ لتحديد مصير أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض، ويأتى فى ظل تباين فى توقعات الخبراء حول ما إذا كان "المركزي" سيلجأ إلى التثبيت أو الخفض، مع الأخذ فى الاعتبار أحدث بيانات التضخم والتطورات الاقتصادية المحلية والعالمية.
وقال محمد عبد العال الخبير المصرفى إنه لا زال يؤيد اتجاه البنك المركزى إلى تخفيض أسعار الفائدة خلال الاجتماع المقبل، لا سيما فى ظل تراجع معدلات التضخم الأساسى، على الرغم من كون صانع السياسة النقدية قد يميل إلى التريث والحذر عند تخفيض أسعار الفائدة.
وسجل معدل التغير الشهرى فى الرقم القياسى الأساسى لأسعار المستهلكين، الذى يعده البنك المركزى المصرى، سالب %0.3 فى يوليو 2025 مقابل سالب %0.5 فى يوليو 2024 وسالب %0.2 فى يونيو الماضى وعلى أساس سنوى، سجل معدل التضخم الأساسى %11.6 فى يوليو 2025 مقابل %11.4 فى يونيو 2025.
وعلى الرغم من هذا التراجع فى التضخم الأساسى، إلا أن التضخم العام اتخذ مسارًا معاكسًا، ليرتفع إلى %13.9 فى يوليو 2025 مقابل %14.9 فى يونيو 2025.
فى السياق ذاته، أشار الخبير المصرفى محمد عبد العال إلى أن هناك موجة تخفيض أسعار فائدة فى شتى أرجاء العالم بشكل عام وفى الأسواق الناشئة بشكل خاص.
وذكر تقرير لوكالة "رويترز" أن 7 بنوك مركزية، خفضت أسعار الفائدة بمقدار 625 نقطة أساس -وهو أعلى خفض شهرى منذ عام 2022 على الأقل- فى يوليو.
وأوضح التقرير أن البنوك المركزية فى إندونيسيا وجنوب أفريقيا وماليزيا وبولندا وتشيلى قلصت أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس لكل منها فى يوليو، بينما اختارت 6 بنوك مركزية أخرى عدم إجراء أى تغيير.
وعلى صعيد محلى، رجح «عبد العال» أن تستقر أسعار الفائدة فى مصر عند مستوى %20 مع نهاية العام الجارى، متوقعا أن يعمد البنك المركزى المصرى إلى خفض سعر "الكوريدور" بواقع %2 خلال اجتماع 28 أغسطس الحالى.
وعدَّل البنك المركزى الأفق الزمنى لمعدلات التضخم المستهدفة، عند %7 إلى الربع الرابع من 2026، وعند مستوى %5 (±2 نقطة مئوية) فى المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2028.
التطورات الجيوسياسية
من جانبها، أشارت سهر الدماطى الخبيرة المصرفية، إلى أنه من المتوقع أن يخفض البنك المركزى المصرى أسعار الفائدة بواقع 100 نقطة أساس، مما يعنى أن «المركزي» قد يعتمد فلسفة الخفض الحذر لسعر "الكوريدور"، فى محاولة لاستيعاب أى توترات جيوسياسية محتملة أو تلك القائمة فى الوقت الراهن.
وأوضحت أن هناك العديد من المبررات التى قد تدفع البنك المركزى إلى تخفيض أسعار الفائدة على رأسها انحسار معدلات التضخم، وتنامى التوقعات بالمزيد من زخم خفض الفائدة محليا وعالميا.
وأفادت بأن استمرار نمو الاقتصاد المصرى يجعل من المنطقى أن يخفض تكلفة الاقتراض فى محاولة لتعزيز مسار النمو الاقتصادى والوصول بهذا الزخم إلى أقصى مدى.
وبحسب بيانات وزارة التخطيط، سجل الاقتصاد المصرى أعلى معدل نمو ربع سنوى خلال 3 سنوات، بلغ %4.7 بنهاية مارس الماضى، مقارنة بمعدل نمو %2.2 فى الربع المناظر من العام المالى السابق، كما بلغ معدل النمو الاقتصادى %4.2 خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالى الجارى، مقابل %2.4 فى الفترة المقابلة من العام الماضى.
وتصدّر قطاع السياحة معدلات النمو القطاعى فى الاقتصاد المصرى خلال الربع الثالث من العام المالى 2024/ 2025، محققًا نموًا بنسبة %23، تلاه قطاع الصناعات التحويلية غير البترولية بنسبة %16، ثم قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنسبة %14.7، مما يعكس تنوع مصادر النمو الاقتصادى خلال الفترة الأخيرة.
وساهمت الصناعات التحويلية غير البترولية بأكبر نسبة فى النمو الاقتصادى الإجمالى خلال الربع ذاته، بمعدل مساهمة بلغ %1.9، مدعومة بزيادة الاستثمارات الصناعية والتسهيلات المقدمة للمصنعين، الأمر الذى عزز من تعافى القطاع ورفع طاقته الإنتاجية.
الفوائض الدولارية
من جانبه، أوضح محمد بدرة الخبير المصرفى أن هناك الكثير من المبررات التى قد تدفع لجنة السياسة النقدية لدى البنك المركزى إلى خفض أسعار الفائدة خلال اجتماع 28 أغسطس الحالى، على رأسها تراجع معدلات التضخم، ووجود وفرة دولارية مما يخفف الضغط على الجنيه.
وكشف تقرير حديث صادر عن البنك المركزى المصرى عن تراجع طفيف فى إجمالى الودائع غير الحكومية بالعملات الأجنبية لدى البنوك المحلية، لتسجل ما يعادل 3.033 تريليون جنيه بنهاية مايو الماضى، مقارنة مع 3.121 تريليون فى أبريل 2025.
وارتفعت استثمارات العملاء الأجانب فى أذون الخزانة لتسجل ما يعادل 1.914 تريليون جنيه بنهاية مارس الماضى، مقارنة مع 1.741 تريليون فى نهاية فبراير الماضى، و1.612 تريليون بنهاية عام 2024، وفقًا لأحدث تقرير صادر عن البنك المركزى المصرى.
وارتفع صافى الاحتياطيات الدولية إلى 49.036 مليار دولار بنهاية يوليو الماضى، مقابل 48.700 مليار دولار بنهاية يونيو 2025، بحسب بيانات حديثة صادرة عن البنك المركزى المصرى.
وحققت تحويلات المصريين العاملين بالخارج طفرة واضحة فى الفترة من يوليو إلى مايو من العام المالى 2024/ 2025 حيث ارتفعت بمعدل %69.6 لتصل إلى نحو 32.8 مليار دولار (مقابل نحو 19.4 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق)، بحسب بيانات البنك المركزى.
وتوافقت مصر وقطر، خلال زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للدوحة، على العمل نحو حزمة من الاستثمارات القطرية المباشرة بقيمة إجمالية تصل إلى 7.5 مليار دولار، تُنفذ خلال المرحلة المقبلة، بما يعكس متانة العلاقة بين البلدين ويُسهم فى تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة التى تخدم مصالح الشعبين.
وتوقع بنك "ستاندرد تشارترد" فى تقريره الذى صدر مؤخرا بعنوان «التركيز العالمى – التوقعات الاقتصادية للنصف الثانى من عام 2025»، صرف أكثر من %50 من التعهدات الاستثمارية الكبرى من قطر والكويت، التى تبلغ قيمتها الإجمالية 12.5 مليار دولار، بحلول نهاية العام الجارى.
التثبيت خيار قائم
وعلى الرغم من جميع المعطيات السابقة، أشار محمد بدرة الخبير المصرفى إلى أن هناك احتمال بنسبة %50 أن يلجأ البنك المركزى إلى الإبقاء على أسعار الفائدة كما هى دون تغيير، لا سيما فى ظل احتمالية ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء وهو الأمر الذى قد ينطوى على بعض الضغوط التضخمية، ومن ثم قد يدفع البنك المركزى إلى التريث فى خفض تكاليف الاقتراض المصرفى.
يشار إلى أن رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، كشف خطة الحكومة لإرجاء رفع أسعار الوقود خلال الستة أشهر المقبلة، بعد الزيادة التى تم الإعلان عنها مؤخرًا، من أجل تخفيف الضغط على معدلات التضخم المرتفع فى البلاد.
وقال "مدبولي" فى بيان الحكومة الذى صدر وقتذاك: إنه "بالتنسيق مع وزير البترول ووفق دراسات أجرتها الحكومة، ترتبط باستهداف ضبط التضخم، فقد تم التوافق مع إعلان الزيادة الأخيرة على ألا تحدث زيادة أخرى خلال الأشهر الستة المقبلة، من أجل تحقيق نوع من الثبات وخفض التضخم فى الفترة المقبلة".
نهج حذر
وتوقع أحمد عادل أبو الخير، الخبير المصرفى، أن البنك المركزى المصرى سيلتزم بنهج حذر خلال اجتماعه المرتقب للجنة السياسة النقدية فى 28 أغسطس الجارى، مع ترجيحات قوية لتثبيت أسعار الفائدة.
يأتى هذا التوقع فى ظل رغبة "المركزي" فى إتاحة الوقت الكافى لتقييم تأثير التخفيضات السابقة فى أسعار الفائدة على الاقتصاد، والحفاظ على جاذبية أدوات الدين المحلية للمستثمرين الأجانب، بما يُدعم استقرار احتياطيات النقد الأجنبى.
ومنذ بداية عام 2025، شهدت أسعار الفائدة الأساسية التى يحددها البنك المركزى المصرى تخفيضات بلغت نحو %3.25، هذه الخطوة تُفسر على أنها بداية لمرحلة انتقال تدريجى من سياسة التشديد النقدى إلى التيسير الحذر، حيث يهدف من خلالها إلى تحفيز النشاط الاقتصادى وتخفيف الأعباء عن القطاع الخاص، مع الحفاظ على استقرار الأسعار وضمان السيطرة على معدلات التضخم، وفقًا للخبير المصرفى.
التضخم فوق المستوى المستهدف
وأضاف أنه على الرغم من التراجع الملحوظ فى معدلات التضخم خلال الفترة الماضية، فإن البنك المركزى يفضل توخى الحذر، فاستمرار التضخم فوق المستوى المستهدف يمثل تحديًا، كما أن حالة عدم اليقين التى تُحيط بالأوضاع الاقتصادية العالمية وتأثير سياسات البنوك المركزية الكبرى على الأسواق الناشئة، تدفع "المركزي" نحو تبنى سياسة محافظة، هذه العوامل مجتمعة تُرشح خيار التثبيت فى اجتماع أغسطس الحالى.
ورأى "أبو الخير" أن الالتزام الحكومى بالإصلاحات الاقتصادية الشاملة، والعمل على تحسين بيئة الاستثمار، بالإضافة إلى زيادة الإنتاج المحلى، ستكون عوامل محورية فى تخفيف الضغوط التضخمية مستقبلاً، وهذه الإجراءات الهيكلية تُسهم فى بناء اقتصاد أكثر مرونة وقدرة على امتصاص الصدمات، مما يدعم جهود البنك المركزى فى تحقيق استقرار الأسعار على الأجل الطويل.
خفض إضافي
وبناءً على هذه المعطيات، توقع أن يتم تأجيل أى خفض إضافى لأسعار الفائدة إلى الربع الأخير من عام 2025 أو مطلع عام 2026، والذى يعتمد بشكل كبير على استمرار المسار النزولى الواضح للتضخم، بالإضافة إلى استقرار الأوضاع الاقتصادية الكلية على الصعيدين المحلى والعالمى، مما يُعطى البنك المركزى المرونة اللازمة لاتخاذ قرارات تيسيرية أكثر جرأة فى الوقت المناسب.
مساران رئيسيان
ورأى الدكتور عز الدين حسانين، الخبير المصرفى، أن هناك مسارين رئيسيين أمام اللجنة لتحديد أسعار العائد على الإيداع والإقراض وعائد العمليات الرئيسية.
ويرتكز المسار الأول من وجهة نظره على عدة عوامل تدفع نحو الإبقاء على أسعار الفائدة الحالية، وأبرز هذه العوامل هو ارتفاع التضخم الأساسى فى يوليو 2025 ليصل إلى %11.6، مقابل %11.4 فى يونيو، يُضاف إلى ذلك توقعات بارتفاع التضخم مجددًا فى سبتمبر، نتيجة زيادة إيجارات المحلات التجارية والمكاتب والعيادات الخاضعة لقانون الإيجار القديم الذى تم تعديله، مما سينعكس سلبًا على أسعار السلع فى تجارة الجملة والتجزئة، بما فى ذلك الخضراوات والفواكه واللحوم والأسماك.
ودخل قانون الإيجار القديم حيز التنفيذ رسميًا فى مصر، وذلك بعد أن نشرت الجريدة الرسمية قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى بالتصديق عليه بعد إقراره من مجلس النواب، ويُعمل بالقانون اعتبارًا من اليوم التالى لتاريخ نشره.
على الجانب الآخر، يرى "حسانين" أن هناك أسبابًا قوية تدفع اللجنة نحو خفض أسعار الفائدة، ولو بنسبة %1 على الأقل، ويهدف هذا الخفض إلى مواجهة احتمالية تباطؤ الأسواق وارتفاع تكاليف الإنتاج، فخفض الفائدة من شأنه أن يُساهم فى تقليل تكاليف الإنتاج وتنشيط حركة الاقتراض، خاصةً للمستثمرين غير المستفيدين من مبادرات البنك المركزى ذات الفائدة المدعمة (مثل مبادرة الـ %5).
أعباء الدين والقطاع العائلي
علاوة على ذلك، فإن خفض أسعار الفائدة سيُقلل من أعباء الدين الحكومى، ويُخفف من الأعباء المالية على القطاع العائلى المقترض من البنوك، وفقًا للخبير المصرفى، ملخصًا وجهة نظره بالقول إن مسببات خفض الفائدة حاليًا تبدو أكبر من أسباب التثبيت.
وفى السياق ذاته، توقع ماجد فهمى، رئيس بنك التنمية الصناعية الأسبق، أن يتجه البنك المركزى نحو تثبيت أسعار الفائدة، مشيرا إلى أن التطورات والمستجدات الراهنة فى الأسواق، سواء المحلية أو العالمية، لا تدعم حاليًا أى قرار بخفض أسعار الفائدة وجاذبية الاستثمارات فى أدوات الدين المحلية.
أبو الخير: مسار متمهل نحو التيسير النقدى
عبد العال: موجة تراجع لدى أغلب البنوك المركزية
الدماطي: التطورات الجيوسياسية تدفع باتجاه الحذر
بدره: تراجع معدلات التضخم ووجود وفرة دولارية يدعمان قرار التخفيض
