فى خطوة أثارت جدلاً واسعًا داخل قطاع الإنشاءات، تصاعدت التحذيرات من تداعيات رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة على أنشطة المقاولات من %5 إلى %14، بعد أن بدأت الحكومة فى تطبيق التعديل الجديد دون فترة انتقالية كافية، وبينما تؤكد مصلحة الضرائب أن التعديل يستهدف تحقيق العدالة وتوسيع القاعدة الضريبية، يرى مقاولون أن القرار يأتى فى توقيت بالغ الصعوبة، ويهدد استقرار شركات المقاولات، خصوصًا الصغيرة والمتوسطة.
وشهدت الأيام الماضية اجتماعات مكثفة بين اتحاد المقاولين وممثلى مصلحة الضرائب، إلى جانب تصريحات من قيادات الشركات، كشفت عن حالة من القلق المتزايد بسبب الأعباء الجديدة، وسط مطالبات بإعادة صياغة القانون، أو على الأقل قصر تطبيقه على المشروعات الجديدة دون المساس بالعقود القائمة.
وفى هذا السياق، عقد الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء، برئاسة المهندس محمد سامى سعد، اجتماعًا موسعًا مع ممثلى مصلحة الضرائب المصرية، بهدف توضيح الجوانب الفنية للتعديل، والوقوف على أبرز التحديات التى قد تواجه الشركات أثناء تطبيقه.
وخلال اللقاء، أوضح ممثلو مصلحة الضرائب أن التعديل يأتى فى إطار توسيع القاعدة الضريبية، والحد من فرص الازدواج الضريبى، لا سيما أن الشركات كانت تتحمل %14 على مدخلات الإنتاج من خامات ومعدات، بينما تُحتسب الضريبة على مجمل الأعمال بنسبة %5 فقط.
وأشاروا إلى أن التعديل يسمح للشركات بخصم قيمة الضريبة على المدخلات، وهو ما لم يكن متاحًا فى القانون السابق، ما يُعد خطوة نحو تحقيق عدالة ضريبية أكبر داخل القطاع.
من جانبهم، أبدى ممثلو اتحاد المقاولين تفهمهم للمبادئ العامة التى تستهدفها مصلحة الضرائب، إلا أنهم لفتوا إلى أن الغالبية العظمى من شركات المقاولات – وتحديدًا الصغيرة والمتوسطة التى تشكل نحو %70 من عضوية الاتحاد - لا تملك أنظمة محاسبية مؤهلة لاحتساب المدخلات والمخرجات بدقة، ما قد يعيق امتثالها للتعديلات الجديدة فى المدى القريب.
وفى محاولة للوصول إلى صيغة متوازنة، ناقش الجانبان عددًا من التعديلات المقترحة على بنود القانون، شملت 7 نقاط رئيسية من شأنها تسهيل التطبيق العملي.
وكان فى مقدمة هذه المقترحات، مطالبة الاتحاد بقصر تطبيق التعديل على المشروعات الجديدة فقط، أو تلك التى تم تقديم عروضها الفنية بعد دخول القانون حيز التنفيذ، دون المساس بالمشروعات الجارية، وذلك لإتاحة فترة انتقالية تُمكِّن الشركات من ترتيب أوضاعها وفهم الإجراءات الضريبية الجديدة بشكل أفضل.
اللائحة التنفيذية
قال المهندس محمد سامى سعد، رئيس الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء، فى تصريحات خاصة لـ «المال»، إن أبرز مطالب الاتحاد خلال اجتماعه مع مصلحة الضرائب تمثلت فى ضرورة قصر تطبيق التعديل الجديد لضريبة القيمة المضافة على العقود الجديدة فقط، دون أن يشمل العقود الجارية.
وأوضح أن التوسع فى تطبيق الضريبة على مشروعات يتم تنفيذها بالفعل قد يؤدى إلى تعطل عدد كبير من المشروعات، نتيجة صعوبة تعديل بنود التعاقد أو إعادة احتساب الضريبة بأثر رجعي.
وأكد على أن الاتحاد يطالب بإدراج هذا المبدأ بشكل صريح فى اللائحة التنفيذية للقانون، بما يضمن وضوح آليات التطبيق عند دخول التعديل حيز التنفيذ، ويمنع أى اجتهادات مختلفة فى تفسيره على أرض الواقع.
وشدد سعد على أن الصياغة الدقيقة فى اللائحة ستكون الفيصل فى التزام جميع الأطراف، سواء الشركات أو الجهات الحكومية المتعاقدة، بما يسهم فى الحفاظ على استقرار السوق ويُجنب القطاع أى أعباء إضافية غير محسوبة.
توقيت حساس
أكدت الدكتورة داليا السواح، العضو المنتدب لشركة “المجموعة المتكاملة للأعمال الهندسية”، أن قرار رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة على أنشطة المقاولات إلى %14 يأتى فى توقيت بالغ الحساسية، خاصة فى ظل حالة التباطؤ التى يشهدها القطاع مؤخرًا نتيجة تراجع حجم المشروعات المطروحة من قبل الجهات الحكومية، وتأخر صرف مستحقات الشركات عن أعمال منفذة بالفعل.
وأوضحت أن الضريبة بنسبتها الجديدة تمثل عبئًا إضافيًا على شركات المقاولات، التى تعانى بالفعل من ارتفاع أسعار المواد الخام مثل الحديد والأسمنت والمواسير، فضلًا عن الزيادة الكبيرة فى تكلفة العمالة والنقل.
وأضافت أن الشركات باتت مضطرة لتحمّل أعباء متعددة فى وقت متزامن، ما يجعل من الصعب الحفاظ على التوازن المالى، خاصة لدى الشركات متوسطة وصغيرة الحجم.
وبينت أن التأثير الأكبر يتمثل فى الضغط المتوقع على السيولة، حيث يُلزم القانون الشركات بسداد الضريبة بمجرد إصدار الفاتورة، حتى وإن لم تكن قد حصلت على مستحقاتها من الجهة المالكة للمشروع.
وأشارت إلى أن هذه الآلية قد تُفاقم الأزمة فى السوق، لأن كثيرًا من الشركات تعتمد على تحصيل دفعاتها فى تمويل أعمالها الجارية، وبالتالى فإن استحقاق الضريبة دون توفر النقدية اللازمة يمثل عبئًا مزدوجًا.
وشددت على أن استمرار هذا الوضع من شأنه أن يدفع شريحة من الشركات الصغيرة إلى الخروج من السوق أو تقليص حجم أعمالها، فى ظل عدم قدرتها على توفير السيولة اللازمة لسداد الالتزامات الضريبية والتشغيلية فى آنٍ واحد.
ودعت العضو المنتدب لشركة “المجموعة المتكاملة للأعمال الهندسية” إلى ضرورة إعادة النظر فى آليات التطبيق، أو على الأقل منح فترة انتقالية واضحة، تتيح للشركات التكيف مع النظام الجديد دون أن يتسبب ذلك فى تعطيل المشروعات أو الإضرار بالقدرة الإنتاجية للقطاع ككل.
أزمة كبيرة
أبدى المهندس محمد لقمة، رئيس مجلس إدارة شركة “ديتيلز للتجارة والمقاولات”، رفضه الكامل للطريقة التى جرى بها تطبيق التعديلات الأخيرة على ضريبة القيمة المضافة فى قطاع المقاولات، مؤكدًا أن القانون بشكله الحالى يفتقر إلى الحد الأدنى من الدراسة والتدرج، ويتجاهل الطبيعة المركبة والممتدة لعقود الإنشاءات، ما يُنذر بأزمة كبيرة داخل السوق فى حال الإصرار على تنفيذ القرار دون مراجعة.
وأكد «لقمة» أن القانون الجديد أغفل عددًا من الحقائق الأساسية المرتبطة بطبيعة عمل شركات المقاولات، موضحًا أن هناك عقودًا تمتد لأكثر من 10 سنوات، وبعضها لا يزال ساريًا منذ سبعينيات القرن الماضى، وهو ما يجعل تطبيق النسبة الجديدة بأثر رجعى على مشروعات قائمة أمرًا غير منطقى ويخالف قواعد العدالة التعاقدية، مشيرًا إلى أن الشركات لا يمكنها تعديل تسعير أعمال سبق الاتفاق عليها بناءً على قوانين لاحقة.
وانتقد غياب الشفافية والتشاور عند إعداد القانون، قائلًا إن التشريع خرج دون دراسة كافية للواقع الفعلى للسوق، وتحديدًا من ناحية الجهات المعفاة، مثل وزارتى الدفاع والداخلية، والتى لا تخضع لضريبة القيمة المضافة، ما يخلق حالة من التفاوت داخل السوق ويضر بمبدأ تكافؤ الفرص بين الشركات.
وأشار إلى خلل آخر يتعلق باستمرار إعفاء مقاولى الباطن، فى حين تُلزم الشركات الرئيسة بتحصيل وتوريد الضريبة، مؤكدًا أن هذا التناقض يعكس ارتباكًا فى الرؤية ويزيد من أعباء الشركات دون مبرر.
وأضاف أن حجم الخلل لا يقتصر فقط على التفاصيل المحاسبية، وإنما يمتد إلى بنية القانون نفسه، إذ لم يتم دراسة الأثر المجتمعى أو البيئى لتطبيقه، ولم يُعرض على خبراء القطاع أو ممثليه الحقيقيين قبل إقراره، وهو ما أدى إلى حالة من الصدمة لدى الشركات العاملة فى السوق، لا سيما الصغيرة والمتوسطة التى تُمثل غالبية شركات المقاولات ولا تملك أدوات محاسبية تساعدها على مواكبة التحول المفاجئ.
ولفت رئيس شركة “ديتيلز” إلى أن اعتراض القطاع لا يرتبط برفض مبدأ تحصيل الدولة لحقوقها، بل بالمطالبة بصياغة قانون عادل وقابل للتطبيق ويُراعى طبيعة القطاع، مشيرًا إلى أن المقاولين لا يمانعون فى زيادة الضريبة حتى إلى %50، طالما أن القانون منضبطًا ومدروسًا ويستند إلى منطق تشريعى قابل للتنفيذ على أرض الواقع.
وطالب وزارة المالية ومصلحة الضرائب بسرعة وقف العمل بالقانون الحالى وإعادة صياغته من جديد عبر حوار تشاركى يجمع الجهات الحكومية باتحاد المقاولين وخبراء القطاع، مؤكدًا أن البديل سيكون المزيد من العشوائية، وتعثر الشركات، وتوقف المشروعات، وتفاقم أزمة السيولة التى يعانى منها القطاع بالأساس.
وأشار «لقمة» إلى أن الأزمة الراهنة فرصة لإصلاح المنظومة بالكامل، داعيًا الحكومة إلى عدم إهدارها، والتحرك بجدية نحو إصدار قانون ضريبى عادل يراعى مصالح الدولة والقطاع على حد سواء.
الحل الأنسب
قال المهندس ممدوح المرشدى، رئيس لجنة الضرائب بالاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء، إن الاتحاد عقد اجتماعين مع رئيسه مصلحه الضرائب ورئيسه البحوث الضريبية لرصد كافة التداعيات والإشكاليات الناشئه عن تطبيق القانون 158 لسنه 2025 والخاص برفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من %5 إلى %14 على أنشطة المقاولات.
وأوضح أن أبرز ما تم المطالبه به هو ضرورة عدم تطبيق القانون على المشروعات الجاريه والتى تم فتح مظاريفها الفنيه وأن يتم التطبيق على المشروعات التى سوف يتم طرحها.
وشدد على أن تطبيق الضريبة الجديدة على العقود السارية سيخلق تضاربًا فى المعاملة الضريبية بين مشروعات تخضع للنسبة القديمة %5 وأخرى للنسبة المعدلة %14، مما يستوجب قصر التطبيق على المشروعات التى لم تُفتح مظاريفها الفنية بعد.
وأضاف المرشدى أنه فى حال الإصرار على تطبيق القانون بصيغته الحالية ودون تأجيل، فلابد من إعادة تسعير العقود وتعديل قيمتها بما يتناسب مع الزيادة الجديدة فى الضريبة.
وأكد على أهمية صدور كتاب دورى أو لائحة تنفيذية تُوضح آليات التطبيق بشكل دقيق، منعًا لأى اجتهادات فردية أو تفاوت فى التنفيذ مشددًا على ضرورة تنظيم ندوات توعوية بالتعاون بين مصلحة الضرائب والاتحاد، لشرح تفاصيل التعديل ومساعدة الشركات على التكيف مع التغيرات الجديدة دون تعطيل سير العمل بالمشروعات.
وأشار المرشدى إلى أن قصر تطبيق التعديل الضريبى على المشروعات الجديدة فقط سيكون الحل الأنسب، لأنه يتيح وضوحًا منذ البداية فى تسعير العطاءات وتحديد التكلفة الإجمالية للمشروع، مما يضمن تطبيقًا سليمًا وعادلًا للضريبة دون أن يتحمل المقاول أعباء غير محسوبة.
اتحاد التشييد: الكيانات الصغيرة عاجزة عن الامتثال الفورى للتعديل
سامى سعد: التطبيق على العقود الجارية يهدد بتعطل الانشاءات
داليا عمر: القرار يُضاعف أزمات السيولة فى توقيت بالغ الحساسية
محمد لقمة: خطوة تفتقر للدراسة وتتجاهل طبيعة الأعمال الجارية
ممدوح المرشدي: يجب عقد ندوات توعوية لضمان سلامة الإجراءات
