تستعد القاهرة لاستقبال أكثر من 1300 مصرى مقيم بالخارج تحت مظلة واحدة تضم المغتربين لبناء جسور والاستفادة من خبراتهم ودعم مشاركتهم فى التنمية الوطنية عبر شركة “المصريين بالخارج” لضخ استثمارات فى مختلف القطاعات التنموية.
كان وزير الخارجية السفير بدر عبد العاطى، قد أعلن منذ أيام عن الاتفاق مع البنك المركزى، للسماح للمواطنين بالخارج بإمكانية فتح حساب بالمصارف المصرية فى السفارات بأغلب دول العالم.
وتطلق وزارة الخارجية النسخة السادسة من مؤتمر المصريين بالخارج – المزمع انعقاده أغسطس الجاري– كمنصة موحدة لجذب استثمارات المصريين بالخارج وتيسير مشاركتهم فى جميع المبادرات التى تم إطلاقها مؤخرا فى القطاع العقارى والزراعى وغيرهما.
فى الوقت ذاته، أكد الدكتور مصطفى أبو زيد، مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، أهمية تعظيم مساهمة الجاليات المصرية بالخارج فى دعم الاقتصاد الوطنى، مشددًا على ضرورة الاستفادة من الخبرات التى يمتلكها المصريون فى الخارج، خاصة فى اللقاءات والمؤتمرات التى تنظمها السفارات المصرية أو وزير الخارجية أو وزير الاستثمار خلال جولاتهم الهادفة لتعزيز التعاون الاقتصادى والاستثماري.
يشار إلى أن التقديرات المعلنة تشير إلى أن عدد المصريين العاملين بالخارج يصل إلى نحو 14 مليون شخص، يعمل معظمهم فى دول الخليج العربي.
واقترح أبو زيد، فى تصريحات لـ”المال”، تشكيل لجنة تنسيقية تجمع بين ممثلى الجاليات المصرية ومكاتب التمثيل التجارى بالخارج، بهدف وضع خطة للترويج وعرض الفرص الاستثمارية، سواء بين المصريين أنفسهم أو بين الأجانب، موضحًا أن الهدف الأسمى من هذه الخطوة هو زيادة حجم التدفقات الدولارية داخل الاقتصاد.
وأشاد بخطوة السماح للمصريين بالخارج بفتح حسابات بنكية داخل السفارات، لافتا إلى أن هذه الخطوة غاية فى الأهمية، نظراً لأنها ستُسهم فى المقام الأول فى زيادة حجم تحويلات المصريين بالخارج..
وتعتمد الحكومة على 5 مصادر رئيسية للحصول على العملة الصعبة، تتمثل فى تحويلات المغتربين، ثم الصادرات، وعائدات السياحة، وإيرادات قناة السويس، والاستثمارات الأجنبية.
وأضاف أن ذلك يعد فرصة للمصريين بالخارج من الإستفادة من جميع الخدمات المالية والمصرفية التى يقدمها المركزى المصرى والبنوك المحلية من شهادات دولارية ذات عائد مرتفع، مشيرًا إلى أن تحويلات المصريين بالخارج تُعد من أهم مصادر العملة الصعبة للاقتصاد.
وحول كيفية استفادة المصريين فى الخارج من الحوافز الاستثمارية التى توفرها الدولة لتنفيذ مشروعات داخل مصر، أوضح “أبو زيد” أن الحكومة تقدم جميع الحوافز والتيسيرات الممكنة لزيادة استثماراتهم، سواء من خلال تيسير إجراءات التملك، أو توفير الدعم الفنى واللوجستى، إلى جانب إتاحة فرص لتمويل المشروعات الصناعية والزراعية والخدمية، وتأسيس الشركات عبر المنصات الإلكترونية، وكذلك من خلال وحدة رعاية المستثمرين المصريين بالخارج بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة.
وتابع مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، بأن الاستثمار يمثل حجر الزاوية فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال زيادة تدفقات رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية، خاصة المصريين بالخارج والتى ستمثل أحد تلك الأذرع.
وأضاف أبو زيد، أن الحكومة المصرية أطلقت عدة مبادرات لخدمة المصريين بالخارج تهدف إلى تمكين المصريين بالخارج من الإسهام المباشر فى التنمية، من أبرزها: مبادرة “مزرعتك فى مصر”، التى أطلقتها وزارة الخارجية بالتعاون مع شركة الريف المصرى للاستثمار الزراعى، ضمن مشروع المليون ونصف فدان، بهدف دعم مساهمة القطاع الزراعى فى الناتج المحلى الإجمالى، وإتاحة الفرصة أمام المصريين بالخارج لتنفيذ مشروعات زراعية تتسم بالجاذبية الاستثمارية والعائد الاقتصادى المجزي.
وتابع: أيضا إطلاق مبادرة “بيت الوطن”، لجذب استثمارات المصريين بالخارج فى المجال العقارى، وغيرها من المبادرات التى تستهدف ربط أبناء الوطن بالخارج بمسارات التنمية فى الداخل.
وطالب أبو زيد، بأن تتضمن النسخة المرتقبة من مؤتمر المصريين بالخارج – المزمع انعقاده الشهر المقبل – إطلاق المزيد من الحوافز الاستثمارية الموجهة للمغتربين، مع التركيز على مشروعات إنتاجية متوسطة الحجم موجهة للتصدير، بالإضافة إلى مشروعات خدمية فى قطاع السياحة، خاصة فى ظل اهتمام الدولة المتزايد بتطوير هذا القطاع الحيوى لزيادة إيراداته.
وحول تقييمه لدور الجاليات المصرية فى دعم الاقتصاد الوطنى، قال أبو زيد: “بالتأكيد، الدور الذى تلعبه الجاليات المصرية بالخارج غاية فى الأهمية، فهم يشكلون حلقة الوصل بين الحكومة المصرية – ممثلة فى السفارات – وبين جميع المصريين المنتشرين حول العالم”.
وأضاف أن الجاليات تقوم بتوضيح ما تتخذه الدولة من إجراءات ومبادرات لتهيئة بيئة الأعمال وتحفيز الاستثمار، ويلعبون دور “سفراء اقتصاديين” فى نقل صورة دقيقة عن السياسات المصرية لجذب الاستثمارات، والتعريف بالحوافز التى توفرها الدولة لحماية وضمان تدفق الاستثمارات إلى الداخل.
وذكر أن مكاتب التمثيل التجارى فى السفارات بالتنسيق مع الجاليات عليها العمل المشترك للترويج للفرص الاستثمارية داخل مصر، وخلق شبكة من العلاقات الشخصية والمهنية فى المجتمعات التى يعيشون فيها.
وفى السياق ذاته، أكد الدكتور على الإدريسى، أستاذ الاقتصاد الدولى وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، لـ”المال”، أن المصريين بالخارج أحد أهم الركائز الاقتصادية للدولة المصرية، ليس فقط بوصفهم جالية وطنية كبيرة تُقدَّر بنحو 14 مليون مصرى موزعين على دول الخليج وأوروبا وأمريكا، وإنما باعتبارهم مصدرًا أساسيًا للنقد الأجنبي.
ولفت إلى أن المصريين بالخارج يسهمون فى ضخ أكثر من 30 مليار دولار سنوياً داخل الوطن، الأمر الذى يتطلب سرعة توفير بيئة استثمار جاذبة للمصريين بالخارج بشكل خاص، لتدخل تلك التدفقات فى الاستثمار ودورة الإنتاج، وعدم اقتصار تلك التدفقات فى القطاع الاستهلاكى فقط.
ولفت إلى أن هناك فرصة جيدة عبر مؤتمر المصريين بالخارج لتوفير أدوات استثمار جاذبة وآمنة للمغتربين، مطالبا بعدم وجود جهة موحدة تتعامل مع هذه الفئة لضمان تقديم أفضل أنواع الدعم والتيسيرات اللازمة.
وأكد “الإدريسي”، أن عقد لقاءات مباشرة مع المصريين بالخارج للاستماع الى مطالبهم بشكل مباشر يسهم فى إزالة الحواجز، وتحفيزهم لضخ جزء من مدخراتهم فى الاقتصاد المصري.
وأوضح أنه لابد من توفير حوافز حقيقية، مثل الإعفاءات الجمركية، ضمانات ضد مخاطر تقلب العملة، أدوات استثمارية مخصصة (شهادات ادخار دولارية، صناديق للمغتربين، مشروعات قومية بأسهم مخصصة لهم)، مع وجود دعم قانونى وبنكى واضح وسريع.
وتابع أنه على الحكومة العمل على بناء ثقة طويلة الأجل مع المصريين بالخارج، وتسهيل إجراءات التحويلات النقدية بشكل مستدام.
وأضاف: “يجب النظر إلى ملف المصريين بالخارج باعتباره موردًا مركبًا، ليس فقط من ناحية المال، ولكن من حيث الخبرات والكفاءات والمعرفة والسوق الممتدة”، لافتا إلى أن الكثير من المصريين بالخارج يشغلون مواقع قيادية فى كبرى الشركات الدولية، وبعضهم يمتلك مشروعات يمكن نقلها أو توسيعها فى مصر.
وأكد أن المصريين بالخارج ليسوا فقط مصدرًا للتحويلات، بل موردًا إستراتيجيًا يجب التعامل معه سياسات متكاملة تشمل الاقتصاد، والتمويل، والتعليم، والقانون، والإعلام. والاستثمار فى علاقتهم مع الدولة يجب أن يتحول من مرحلة “الاستدعاء عند الحاجة” إلى علاقة شراكة مستدامة تقوم على المصالح المتبادلة والثقة المتراكمة.
يذكر أن عدد المصريين بالخارج يصل إلى حوالى 14 مليون، يشمل المصريين المقيمين والعاملين بالخارج معًا، يرتكز أغلبهم فى الخليج العربى خاصة السعودية التى تضم نحو 3.5 مليون مصرى عامل، تليها الأردن والإمارات والكويت وقطر بعدد أقل من ذلك.
وذكرت وزارة الخارجية أن المؤتمر يهدف لخدمة المصريين بالخارج، عبر إطلاق مبادرات متنوعة مثل تسوية الموقف التجنيدى، ومبادرة “بيتك فى مصر” للسكن، وفتح حسابات بنكية، بهدف تعزيز استفادة المصريين بالخارج من خدمات الوطن الأم.
كما يُعتبر المؤتمر فرصة للإجابة على استفسارات الجاليات ومناقشة التحديات التى تواجههم بالتنسيق مع الجهات المعنية، بحسب الموقع الإلكترونى لوزارة الخارجية.
خبير اقتصادى: حسابات السفارات خطوة مهمة لزيادة التحويلات
أبو زيد: جالياتنا فى الدول الأجنبية «سفراء».. ومبادرات الدولة تعزز دورهم فى القطاعات الاقتصادية
الإدريسى: يجب توفير حوافز مرضية منها الإعفاءات الجمركية والضريبية
