أكد خبيران مصرفيان أن سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصرى يشهد تراجعًا ملحوظًا مؤخرًا، وهو ما يعكس تحسنًا فى مؤشرات السيولة الدولارية بالبلاد، مشيرين إلى أن فهم هذه التحركات يتطلب نظرة شاملة للمنظومة الاقتصادية وتدفقات النقد الأجنبى عبر القنوات الرسمية، وليس الاكتفاء بالأسعار اللحظية.
ووفقا للخبيرين، أسهمت عدة عوامل فى دعم الجنيه، أبرزها النمو القوى فى الصادرات غير البترولية وارتفاع إيرادات السياحة، وزيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج.
ومع هذا التحسن، شددا على أن استقرار الجنيه الحقيقى مرهون باستمرار هذه التدفقات الناتجة عن نشاط اقتصادى حقيقى، وليس الاعتماد على "الأموال الساخنة" قصيرة الأجل التى عادت بقوة إلى أدوات الدين المحلية بأسعار فائدة تتجاوز %27.
من جانبه، أكد كريم عبد الرحمن، رئيس المعاملات المصرفية بأحد البنوك الخاصة العاملة فى مصر، أن فهم سعر الدولار يتجاوز مجرد القراءة اللحظية، ليتطلب استيعابًا شاملاً للمنظومة الاقتصادية وآليات تمويل التجارة الخارجية، والتى ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتدفقات النقد الأجنبى عبر القنوات الرسمية.
وأشار إلى أن هذا المنظور الأشمل هو ما يفسر الانخفاض الملحوظ الأخير فى سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصرى، والذى يشير إلى تحسن نسبى فى مؤشرات السيولة الدولارية، ليطرح تساؤلاً جوهريًا حول استدامة هذا الاتجاه.
وأوضح أنه يوجد تحول ذهنى فى السوق المصرية خلال السنوات الماضية، حيث بات البعض يتعامل مع الدولار كمخزن للقيمة بدلاً من كونه وسيطًا للتبادل التجارى. والذى بدوره خلق طلبًا غير حقيقى على العملة، ما أدى إلى خروج كميات منه خارج النظام المصرفى وتجميد السيولة المحلية، وبالتالى تقويض قيمة الجنيه المصرى.
وأكد أن استقرار الجنيه لا يتحقق بمجرد خفض سعر الصرف، بل بتعزيز تدفقات النقد الأجنبى عبر القنوات الرسمية، خاصة من خلال التجارة الخارجية، التى تُعد ركيزة أساسية لعمل المتخصصين فى المعاملات المصرفية الدولية.
وفى هذا السياق، لفت إلى أن الصادرات المصرية تلعب دورًا محوريًا فى دعم استقرار الجنيه. فبحسب بيانات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، بلغت الصادرات المصرية غير البترولية خلال النصف الأول من عام 2025 نحو 24.5 مليار دولار، مسجلةً نموًا قويًا بنسبة %22 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، وفى المقابل، ارتفعت الواردات إلى 38.8 مليار دولار بنسبة %3.4.
وأشار إلى أن هذا التحسن فى الميزان التجارى السلعى يعزز من موقف الحساب الجارى ويخفف الضغط على الطلب على الدولار فى السوق المحلية، مما ينعكس إيجابًا على سعر الصرف. وتدعم الدولة هذا الاتجاه من خلال سياسات صارمة، مثل ربط برنامج دعم الصادرات ورد الأعباء التصديرية باستخدام نسبة محددة من قيمة الدعم فى تغطية احتياجات استيرادية أو التنازل عنها للبنوك، بالإضافة إلى إلزامها بمتابعة تحصيل حصائل التصدير لضمان عودتها إلى النظام المصرفى الرسمي.
تُعد السياحة أيضًا من المصادر الحيوية للنقد الأجنبى، وقد شهدت نموًا ملموسًا فى الإيرادات خلال الفترة الأخيرة، مما أسهم فى دعم الاحتياطى النقدى.ولكن التحدى الأساسى لا يقتصر على زيادة عدد السائحين، بل يكمن فى ضمان دخول عوائد هذه السياحة عبر القطاع المصرفى الرسمى، وهو ما يتطلب سياسات حكومية داعمة لتعزيز المعروض الدولارى.هذا التضافر بين حصائل الصادرات، وتحويلات المصريين من الخارج، والاستثمار الأجنبى المباشر يشكل سلسلة متكاملة من التدفقات التى تعكس التحسن الأخير فى سعر الدولار، بعيدًا عن العوامل المضاربية قصيرة الأجل، وفقًا للخبير المصرفي.
جدير بالذكر أن إيرادات السياحة المصرية خلال النصف الأول من العام المالى الحالى (يوليو-ديسمبر 2024 - 2025) ارتفعت لتصل إلى 8.7 مليار دولار، مقارنة بـ 7.8 مليار فى النصف الأول من العام المالى الماضى.
ووفقًا لبيانات البنك المركزى المصرى، زاد عدد الليالى السياحية إلى حوالى 93.5 مليون ليلة فى الفترة من يوليو وحتى ديسمبر 2024، مقابل 83.2 مليون ليلة فى الفترة نفسها من عام 2023.
أما عن عام 2024 بأكمله، فقد سجلت إيرادات السياحة نحو 15.3 مليار دولار، ارتفاعًا من 14 مليار دولار فى عام 2023.
وحذر عبد الرحمن من الاعتماد الكلى على "الأموال الساخنة" التى عادت بقوة إلى أدوات الدين المحلية مدفوعة بأسعار فائدة مرتفعة تجاوزت %27، فرغم أن هذه التدفقات عززت احتياطيات النقد الأجنبى مؤقتًا، إلا أنها لا تمثل استدامة حقيقية كونها استثمارات قصيرة الأجل وقد تنسحب بسرعة عند تغير الظروف، مما يضع احتمالات عكسية لتحركات سعر الصرف مستقبلاً.
وتؤكد تقارير صندوق النقد الدولى وتحليلات مؤسسات استثمارية كبرى مثل Goldman Sachs، أن قوة الجنيه المصرى ستظل مرهونة بقدرة الاقتصاد على تحقيق تدفقات نقد أجنبى مستدامة ناتجة عن نشاط حقيقى فى تجارة السلع والخدمات، وليس فقط من أدوات الدين أو التدفقات الرأسمالية المؤقتة، مما يتطلب استمرار دعم الصادرات والسياحة وتحويلات المصريين من الخارج عبر القنوات الرسمية لضمان استقرار الجنيه على المدى الطويل.
أفاد عضو مجلس إدارة بأحد البنوك الخليجية أن الدولار يشهد تراجعًا على المستوى العالمى، وهو ما ينسحب تأثيره أيضًا على السوق المصرية، مشيرًا إلى أن هذا التراجع فى قيمة العملة الأمريكية مقابل الجنيه المصرى لا يعكس فقط التغيرات فى المشهد الاقتصادى الدولى، بل يجد دعماً قوياً فى عوامل داخلية أسهمت فى تعزيز مركز الجنيه المصرى خلال الفترة الراهنة.
من أبرز هذه العوامل وفقًا للخبير المصرفى، هو النمو الملحوظ فى تدفقات عائدات النقد الأجنبى إلى مصر. وتشمل هذه التدفقات مصادر حيوية للاقتصاد الوطنى، وفى مقدمتها إيرادات قطاع السياحة الذى يشهد انتعاشًا، مما يضخ عملات أجنبية حيوية فى الاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، تسجل تحويلات المصريين العاملين فى الخارج نموًا مستمرًا، ما يمثل دعمًا قويًا لميزان المدفوعات ويزيد من المعروض من الدولار فى السوق المحلية.
وأظهرت بيانات البنك المركزى المصرى أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج شهدت ارتفاعًا ملحوظًا خلال الفترات الأخيرة. فخلال 10 أشهر (من يوليو 2024 إلى أبريل 2025)، ارتفعت التحويلات بنسبة %77.1 لتصل إلى نحو 29.4 مليار دولار، مقارنة بنحو 16.6 مليار دولار فى الفترة المماثلة من العام الماضي.
وعلى صعيد الفترة من يناير إلى أبريل 2025، سجلت التحويلات ارتفاعًا بمعدل %72.3 على أساس سنوى لتصل إلى نحو 12.4 مليار دولار. وفيما يخص المستوى الشهرى، ارتفعت تحويلات شهر أبريل 2025 بمعدل %39 على أساس سنوى لتصل إلى نحو 3 مليارات دولار، مقابل نحو 2.2 مليار دولار فى أبريل من العام الماضي.
كما أوضح أن أسواق أدوات الدين المصرية باتت تتمتع بجاذبية متزايدة للمستثمرين الأجانب. مما يعكس هذا الإقبال ثقة متنامية فى الاقتصاد المصرى واستقراره، مما يؤدى إلى تدفق المزيد من الاستثمارات الأجنبية التى تساهم فى تعزيز احتياطيات النقد الأجنبى للبلاد، ويأتى ذلك بالتوازى مع نمو ملحوظ فى تدفق عائدات الصادرات، مما يعزز الميزان التجارى ويزيد من إيرادات العملات الصعبة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد شهد صافى الأصول الأجنبية للبلاد تحسنًا، مما يعكس تحسنًا فى المركز المالى الخارجى لمصر وقدرتها على إدارة التزاماتها الدولية، هذه المؤشرات المالية الإيجابية تبعث برسائل طمأنة للمستثمرين والأسواق حول قوة الاقتصاد المصرى وقدرته على تحقيق الاستقرار، وفقًا للخبير المصرفي.
وأخيرًا، أكد أن هناك تفاؤلا سائدا فى الأوساط الاقتصادية بشأن صفقات جديدة للاستثمار الأجنبى المباشر، والتى يتوقع أن تساهم فى ضخ المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية إلى البلاد. كما أن هناك تحركًا نسبيًا فى برنامج الطروحات الحكومية، والذى يهدف إلى جذب استثمارات إضافية وتحفيز النمو الاقتصادى، مما يزيد من تدفقات العملة الصعبة ويعزز من قوة الجنيه المصرى فى مواجهة الدولار.
