أكد عدد من خبراء قطاع صناعة الإلكترونيات فى مصر على امتلاك الشركات اليابانية المقومات اللازمة لكى تلعب دورًا فاعلًا ومؤثرًا فى دعم «المغذية»، مما يساهم فى تسريع عملية توطين صناعة الهواتف المحمولة فى مصر، علاوة على تنمية الاقتصاد الوطني، من خلال إقامة مراكز متخصصة فى إنتاج السيارات الكهربائية، وأجهزة الحاسوب المحمولة، فضلاً عن الأجهزة المنزلية.
وأشاروا إلى أن دخول الشركات اليابانية فى هذه القطاعات الاستراتيجية من شأنه أن يعزز من تنافسية السوق المصرية، ويرفع من نسب التصنيع المحلي، بما يتماشى مع توجه الدولة نحو تعزيز القيمة المضافة وتحقيق الاكتفاء الذاتى فى عدد من الصناعات الحيوية.
كان حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، استعرض على هامش زيارته إلى اليابان فرص ومقومات الاستثمار بالسوق المصرية، وبالأخص فى عدة قطاعات منها صناعة الإلكترونيات.
إنشاء شركات للصناعات المغذية ومستلزمات الإنتاج
قال كريم غنيم رئيس مجموعة KMG للاستيراد والتصدير، وكيل معتمد لأكثر من علامة تجارية فى سوق المحمول بمصر، إن الشركات اليابانية تمتلك إمكانيات كبيرة تؤهلها للعب دور محورى فى دعم تلك الصناعة، من خلال الاستثمار فى إنشاء مصانع للصناعات المغذية ومستلزمات الإنتاج، بما يسهم فى رفع نسبة المكون المحلى وتعزيز القدرات.
ورجح «غنيم»، أن لقاء حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة وممثلين عن عدد من الشركات اليابانية، تضمن عرض فرص استثمارية محددة تم إعدادها وفقاً لأولويات واحتياجات السوق المصرية.
وأضاف أن تلك الفرص غالبا ما تم تحديدها بناءً على دراسات متخصصة أجرتها وزارة الاستثمار، ركزت على القطاعات ذات الأولوية والتى تتماشى مع التميز التكنولوجى الياباني.
وأشار إلى أن هذه التحركات تأتى فى إطار سعى الحكومة لجذب استثمارات أجنبية مباشرة فى مجالات استراتيجية، على رأسها الإلكترونيات والصناعات المغذية، بما يتماشى مع مستهدفات الدولة لزيادة القيمة المضافة وتعزيز تنافسية المنتج المحلي.
بنية تحتية متطورة
وقال محمد الحداد نائب رئيس شعبة مراكز الاتصالات وتجار المحمول بغرفة الجيزة التجارية، إن السوق المصرية تمثل فرصة استراتيجية واعدة أمام الشركات اليابانية للتوسع فى مجالات متعددة، أبرزها تصنيع السيارات الكهربائية، والأجهزة المنزلية، والتكييفات، وأجهزة الحاسوب المحمولة.
وأضاف «الحداد» أن هذا التوجه من شأنه أن يسهم فى تعزيز التعاون الاقتصادى المشترك بين مصر واليابان، ويدفع بعجلة التنمية فى كلا البلدين.
وأشار إلى أن مصر قطعت شوطًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة فى تهيئة مناخ جاذب للاستثمارات الأجنبية، من خلال تبنى حزمة من الإصلاحات الاقتصادية وتقديم تسهيلات استثمارية مشجعة، لا سيما فى قطاع الإلكترونيات.
ولفت إلى أن هذا التوجه جعل مصر محط أنظار العديد من دول العالم التى تسعى لإبرام شراكات اقتصادية، وتوسيع فرص التعاون فى ظل توجه الدولة نحو تعزيز صادراتها للأسواق الإفريقية والأوروبية.
وأكد أن البنية التحتية المتطورة التى تمتلكها مصر، سواء على مستوى الطرق والكبارى أو البنية الرقمية والتكنولوجية، جعلت منها مركزًا إقليميًا جاذبًا للاستثمار، وهو ما انعكس فى تزايد اهتمام الشركات الصينية والأوروبية بالتواجد فى السوق المحلية.
واعتبر أن الشركات اليابانية تأخرت فى دخول السوق المصرية الحيوية، داعيًا إلى الإسراع فى إنشاء مصانع ومراكز إنتاج داخل مصر للاستفادة من الزخم الاقتصادى الحالي.
إعادة تشكيل الخريطة العالمية لمراكز تصنيع الإلكترونيات
قال محمد سالم رئيس الشركة المصرية لصناعة السيليكون «سيكو تكنولوجي»، إن جائحة كوفيد 19، بجانب سياسات التعريفات الجمركية التى أقرتها إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أسهمتا بشكل كبير فى إعادة تشكيل الخريطة العالمية لمراكز تصنيع الإلكترونيات، موضحًا أن الصناعة التى طالما تمركزت لعقود طويلة فى جنوب شرق آسيا، لا سيما فى الصين، بدأت تتجه نحو تنويع مواقع الإنتاج والبحث عن دول تصنيع بديلة أكثر استقرارًا.
وأشار إلى أن الشركات العالمية الكبرى باتت تدرس بجدية التوسع فى مجال التصنيع لأسواق جديدة، مع التركيز على القارة الأفريقية، وفى مقدمتها مصر والمغرب وجنوب أفريقيا، بالإضافة إلى عدد من الآسيوية مثل الهند وإندونيسيا، إلى جانب دول أمريكا اللاتينية وعلى رأسها البرازيل.
وأضاف أن تصاعد حدة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين كان بمثابة شرارة انطلاق رئيسية دفعت الشركات العالمية، بما فى ذلك اليابانية منها، إلى إعادة النظر فى استراتيجياتها التوسعية خارج آسيا، وهو ما يفتح الباب أمام فرص جديدة للدول الراغبة فى استقطاب الاستثمارات الصناعية.
وتابع أن اليابان، رغم قوتها التكنولوجية، تفتقر إلى علامات تجارية بارزة فى سوق الهواتف الذكية، لكنها تمتلك قدرات متميزة فى قطاعات أخرى مثل الأجهزة الطبية والحواسيب المحمولة والطابعات، ما يجعل من مصر وجهة واعدة لإنشاء خطوط إنتاج فى هذه المجالات.
كما أكد أن الخطوات الجادة والحثيثة التى اتخذتها مصر منذ نحو 7 سنوات لتوطين صناعة المحمول أثمرت عن نتائج ملموسة، وأسهمت فى بناء قاعدة من الخبرات والكفاءات المحلية، مشيرًا إلى أن هذه التجربة الناجحة عززت من جاذبية مصر كمركز صناعى محتمل للشركات العالمية العاملة فى مجال الإلكترونيات.
و أوضح أن الشركات اليابانية أمامها فرصة ذهبية لافتتاح مصانع لها بمصر لتكون مركزًا إقليميًا لتصنيع الإلكترونيات وتصديرها، مستفيدة من حوافز الاستثمار التى تقدمها الدولة، إلى جانب شبكة اتفاقيات التجارة الحرة التى تربطها بالعديد من الأسواق الدولية، وهو ما يمنح المستثمرين مزايا تنافسية كبيرة.
بوابة دخول صناعة أشباه الموصلات
أكد الدكتور محمد عزام خبير قطاع تكنولوجيا المعلومات، أن التعاون الثنائى بين مصر واليابان يمثل فرصة استراتيجية لمصر للانخراط فى واحدة من أهم الصناعات المستقبلية عالميًا، وهى صناعة أشباه الموصلات.
وأشار عزام إلى أن التحولات الجيوسياسية والاقتصادية التى يشهدها العالم منذ جائحة كوفيد19، مرورًا بأزمة سلاسل الإمداد، وقرارات التعريفات الجمركية التى اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، قد تعيد فى القريب العاجل رسم خارطة هذه الصناعة.
وأوضح عزام أن صناعة أشباه الموصلات، التى تُعد من الركائز الأساسية فى الاقتصاد الرقمى والصناعات التكنولوجية المتقدمة، تتمركز حاليًا فى دول شرق آسيا، لا سيما اليابان، الصين، وتايوان، وتُقدّر قيمة سوقها العالمية بما يقارب 650 مليار دولار سنويًا.
وأضاف أن اليابان تعد من أقدم الدول المصنعة لأشباه الموصلات، حيث بدأت فى خمسينيات القرن الماضى مع شركة «سوني»، والتى لعبت دورًا محوريًا فى تطوير الترانزيستور بعد الحرب العالمية الثانية، ومن ثم برزت الشركات اليابانية كلاعب رئيسى فى هذه السوق، إلى جانب تايوان والولايات المتحدة.
وأشار إلى أن دولًا صغيرة نسبيًا مثل الفلبين وكمبوديا استطاعت الاستفادة من التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، إذ استقطبت بعض الشركات الكبرى لنقل عمليات التصنيع إليها كبديل لتفادى الرسوم الجمركية والعقوبات، مرجعًا ذلك جزئيًا لقرب هذه الدول من الصين وسهولة اندماجها فى سلاسل التوريد القائمة.
وأوضح أن نحو %60 من عمليات تصنيع الرقائق الإلكترونية تتركز فى شرق آسيا، بينما تستحوذ السوق الأمريكية على حوالى %80 من حجم الطلب العالمي، تليها السوق الأوروبية، ما يفتح الباب أمام فرص كبيرة للدول الطامحة إلى دخول هذا المجال.
ودعا عزام الحكومة المصرية إلى استغلال شراكتها مع الجانب اليابانى عبر تقديم حوافز للمستثمرين، وتوفير بيئة أعمال مؤهلة، خاصة على مستوى الكوادر البشرية المدربة، بهدف جذب الاستثمارات اليابانية لإقامة مصانع متخصصة فى إنتاج أشباه الموصلات على الأراضى المصرية.
ولفت إلى أن الموقع الجغرافى الاستراتيجى لمصر يمنحها ميزة تنافسية، إذ يمكن أن تصبح مركزًا محوريًا فى سلاسل الإمداد، وقاعدة إقليمية لتصدير هذه المنتجات للأسواق الأوروبية والأمريكية.
وأشار إلى أن مصر تمتلك بالفعل بعض الشركات المتخصصة فى تصميم أشباه الموصلات، وقد نجحت فى إبرام شراكات مع مؤسسات عالمية، لكنه شدد على أن التحدى القادم يتمثل فى الانتقال من مرحلة التصميم إلى التصنيع الكامل.
وأشار إلى أن إنشاء مصنع واحد لإنتاج أشباه الموصلات قد يتطلب استثمارات تتجاوز 20 مليار دولار، وهو ما يبرز الحاجة إلى شراكة استراتيجية مع دول ذات خبرات طويلة فى هذا المجال، وفى مقدمتها اليابان، لتتمكن مصر من توطين هذه الصناعة الحساسة والمعقدة.
غنيم: تتوافق مع مستهدفات الحكومة لزيادة القيمة المضافة
عزام: التعاون معها فرصة لدخول صناعة أشباه الموصلات
الحداد: تأخرت فى اقتحام السوق المحلية
سالم: العالم يشهد إعادة تشكيل خريطة مراكز الإنتاج
