كيف تعوِّض البنوك تزايد «تكلفة الأموال» وتحقق نموًا استثنائياً؟

البنوك تعتمد فى تحقيق أرباحها على هامش الفائدة الصافي، الناتج عن الفارق بين عوائد الإقراض والاستثمار

محمد عبد المنعم، الخبير المصرفى
Ad

قال خبيران مصرفيان إن البنوك حققت أرباحًا مرتفعة ومستويات سيولة عالية تفوق المتطلبات الرقابية الدولية، رغم التحديات المتمثلة فى ارتفاع تكلفة الأموال، وخاصة عائد الشهادات الادخارية.

وأشارا إلى أن البنوك تعتمد فى تحقيق أرباحها على هامش الفائدة الصافي، الناتج عن الفارق بين عوائد الإقراض والاستثمار وتكلفة الودائع، وتُعوض هذه التكلفة المرتفعة عبر زيادة أسعار الفائدة على القروض الجديدة الممنوحة للشركات والأفراد، والاستثمار فى أدوات الدين الحكومى ذات العائد الجيد بالإضافة إلى ذلك، تُشكل الإيرادات الثابتة من العمولات والرسوم على الخدمات المصرفية المتنوعة، والتى لا تتأثر بتقلبات أسعار الفائدة، دعامة قوية للأرباح.

الأرباح والسيولة 

كشف الدكتور عز الدين حسانين، الخبير المصرفي، أن البنوك تُواصل تحقيق أرباح مرتفعة وتحافظ على سيولة عالية، حتى فى ظل التحديات المرتبطة بارتفاع عائد الشهادات الادخارية.

وتشهد البنوك تنافسًا ملحوظًا فى طرح شهادات ادخارية بعوائد جذابة، ومن بين أبرز العروض المتاحة حاليًا، تتراوح أعلى أسعار الفائدة على الشهادات بين %18.5 إلى %25.25 سنويًا، وتختلف هذه العوائد بناءً على نوع الشهادة، مدتها -غالبًا 3 سنوات- ودورية صرف العائد «شهري، ربع سنوي، أو سنوى». 

ويقدم البنك الأهلى المصرى شهادات بعائد ثابت يصل إلى %18.5 شهريًا وشهادات متغيرة بعائد يصل إلى %24.25 ربع سنويًا، بينما يطرح بنك مصر أيضًا شهادة «يوماتي» بعائد يومى متغير يصل إلى %23.75.

وتُقدم بعض البنوك الأخرى عوائد تنافسية تصل إلى %19.5 أو حتى %20 لشهادات الثلاث سنوات، مع إمكانية صرف العائد بشكل شهرى أو ربع سنوي. 

وأوضح حسانين أن البنوك تعتمد فى تحقيق أرباحها بشكل أساسى على ما يُعرف بـ«هامش الفائدة الصافى «Net Interest Margin – NIM» وهو الفارق بين العوائد التى تُحققها البنوك من توظيف أموالها فى الإقراض والاستثمارات المختلفة، وبين التكاليف التى تدفعها على الودائع بأنواعها، بما فى ذلك شهادات الإدخار ذات العائد المرتفع.

وأشار إلى أنه رغم أن ارتفاع عائد الشهادات يزيد من تكلفة الأموال على البنوك، إلا أنها تمتلك آليات لتعويض ذلك.

وأفاد أن البنوك تُعوض ارتفاع تكلفة الأموال من خلال زيادة العائد على الإقراض للشركات والأفراد فعندما ترتفع على البنوك، فإنها تميل إلى رفع أسعار الفائدة على القروض الجديدة التى تُقدمها كما أن استثمارات البنوك فى أدوات الدين الحكومى ذات العائد المرتفع، مثل أذون الخزانة والسندات، تُعد مصدرًا هامًا لتعويض ارتفاع تكلفة الودائع، حيث تُقدم هذه الأدوات عوائد جذابة تساهم فى دعم هامش الفائدة.

العمولات والرسوم

المصدر الثانى والرئيسى لأرباح البنوك يأتى من العمولات والرسوم على مجموعة واسعة من الخدمات المصرفية والتى لا تتأثر بشكل مباشر بتغيرات أسعار الفائدة على الودائع، وتشمل رسوم كشوف الحسابات، وعمولات التحويلات الداخلية والخارجية، ورسوم البطاقات الائتمانية، وعمولات التجارة الخارجية مثل خطابات الضمان وتحصيل الشيكات، وحتى فروقات سعر الصرف على القروض بالعملات الأجنبية وهذه الإيرادات تُشكل دعامة قوية للأرباح حتى فى ظل الضغوط على هامش الفائدة، وفقًا للدكتور عز الدين حسانين.

وتُشير الأرقام إلى نجاح البنوك فى إدارة هذه التحديات، حيث تُسجل ربحية مرتفعة بشكل لافت فالعائد على متوسط حقوق الملكية وصل إلى %39 حتى مارس 2025، وهو ما يُعد مؤشرًا قويًا على العوائد الممتازة التى تُحققها البنوك لأصحاب رؤوس الأموال، وبعض البنوك تجاوزت هذا الرقم، مُسجلة عائدًا يتجاوز %40.

وأظهرت أحدث البيانات الصادرة عن البنك المركزى المصرى قفزة غير مسبوقة فى أرباح البنوك، إذ بلغ إجمالى صافى الأرباح -باستثناء البنك المركزي- حوالى 153 مليار جنيه حتى مارس 2025.

هذا الأداء القوى فى الربع الأول من العام الحالى يأتى استكمالًا لعام 2024 الاستثنائي، الذى شهد تحقيق صافى ربح ضخم بلغ 535 مليار جنيه، وهو ما يُمثل نموًا هائلًا بنسبة %88.73 مقارنة بأرباح عام 2023 التى بلغت 283.4 مليار جنيه.

وأرجع الخبير المصرفى هذا النمو المتسارع لقدرة القطاع المصرفى المصرى على تحقيق عوائد متزايدة باستمرار، مما يعكس ليس فقط فعالية السياسات الإدارية التى تتبعها البنوك، بل أيضًا مرونتها وقدرتها على تكييف نماذج أعمالها والتأقلم بنجاح مع التغيرات فى بيئة أسعار الفائدة والتحديات الاقتصادية المختلفة.

مكانة قوية

على صعيد السيولة، أظهرت البنوك مستويات تُفوق بكثير المتطلبات الرقابية الدولية، مما يعزز ثقتها فى مواجهة أى تحديات إذ بلغت نسبة تغطية السيولة المحلية LCR فى القطاع %853 فى مارس 2025.

وفيما يتعلق بالتوظيف، قدمت البنوك قروضًا للشركات والأفراد بنسبة تصل إلى %54 من إجمالى الودائع، كما تُعتبر أرصدة الإقراض والخصم للعملاء الوجهة الأولى لاستثمارات البنوك.

وكشفت قائمة المركز المالى للبنوك عن وصول استثمارات البنوك فى الأوراق المالية وأذون الخزانة نحو 6.880 تريليون جنيه بنهاية مارس 2025، مقابل 6.659 تريليون جنيه بنهاية عام 2024.

وأكد حسانين إنه يتضح مما سبق أن البنوك تتمتع بمكانة مالية قوية، حيث تحقق معدلات ربحية مرتفعة بفضل توظيفها المناسب للأموال، سواء فى الإقراض للشركات والأفراد أو فى أدوات الدين الحكومى التى تُدر عوائد جيدة وفى الوقت نفسه، تُحافظ على نسب سيولة أعلى بكثير من النسب الرقابية الدولية، مما يؤكد سلامة مراكزها المالية وقدرتها على مواجهة أى تحديات.

كفاءة عالية

أكد محمد عبد المنعم، الخبير المصرفى أن غالبية البنوك تُظهر امتثالًا تامًا لشروط بازل 3 المتعلقة بالسيولة، مما يعكس متانة القطاع المصرفي.

وأوضح عبد المنعم أن البنوك تواجه تحديًا كبيرًا فى إدارة تكلفة جذب الودائع والشهادات ذات العائد المرتفع، لكنها لا تزال تُطبق استراتيجيات مُحكمة تضمن تحقيق الأرباح وتعويض هذه التكاليف المتزايدة.

وتُعوض البنوك ارتفاع تكلفة الأموال من خلال آليات متعددة، أبرزها زيادة العائد على القروض الممنوحة للأفراد والشركات فإذا كان متوسط تكلفة الأموال لديها %19 مثلًا، فإنها تمنح قروضًا بعائد أعلى لضمان هامش ربح مناسب. 

كما تُشكل الإيرادات المتأتية من العمولات والمصاريف الإدارية على الخدمات المصرفية المختلفة ركيزة أساسية للأرباح، بالإضافة إلى الاستثمار الفعال فى أدوات الدين الحكومى وأذون الخزانة التى غالبًا ما تُقدم عوائد تتجاوز تكلفة الأموال داخل البنك، مما يعزز من ربحيتها الإجمالية، وفقًا للخبير المصرفى.

وأشار عبد المنعم إلى أن تكلفة الأموال فى البنوك تُحسب بمتوسط القيمة المدفوعة على جذبها، مُشيرًا إلى أن الودائع والشهادات طويلة الأجل تُساهم فى زيادة هذه التكلفة.

وتُطبق البنوك تعليمات البنك المركزى ومعايير بازل 3 الصارمة فيما يتعلق بالسيولة، مثل نسبة احتياطى السيولة المحتفظ بها لدى البنك المركزي، ونسبة تغطية السيولة السريعة LCR التى تضمن قدرتها على تغطية تدفقاتها النقدية الخارجة المتوقعة لمدة 30 يومًا على الأقل.

وأكد أن البنوك تُظهر كفاءة عالية فى إدارة محافظها المالية، مُستفيدة من مزيج من الإقراض المربح للعملاء، والاستثمار الذكى فى أدوات الدين، وتحقيق العمولات، لتعويض تكلفة الودائع المرتفعة كل ذلك يتم مع الحفاظ على مستويات سيولة قوية تفوق المتطلبات الرقابية، مما يؤكد المتانة والسلامة المالية للقطاع المصرفى المصري.

حسانين: الاعتماد بشكل أساسى على «هامش الفائدة الصافي»

عبد المنعم: القطاع المصرفى يطبق تعليمات «المركزي» ومعايير بازل 3 فيما يتعلق بالسيولة