فى وقت يشهد فيه سوق السيارات الكهربائية تباطؤًا ملحوظًا على مستوى العالم، تبرز مبادرة غير تقليدية من شركة ناشئة أمريكية تراهن على تقديم شاحنة كهربائية صغيرة وبسعر منخفض، ولكن مع تكلفة إضافية للمزايا التى يعتبرها الكثيرون “أساسية”، إنها”Slate”، الشركة الناشئة المدعومة من الملياردير جيف بيزوس، والتى تطرح تصورًا جديدًا لمفهوم السيارة الاقتصادية.
تحدى السوق الأميركية وغياب الكماليات
أعلنت “Slate”، التى تتخذ من ولاية ميشيغان مقرًا لها، عن تلقيها أكثر من 100 ألف طلب مسبق على شاحنتها الكهربائية الصغيرة، بعد أن نجحت فى جمع تمويل أولى بقيمة 700 مليون دولار. ورغم البيئة الصعبة التى تواجهها المركبات الكهربائية فى السوق الأميركية، إذ تراجعت المبيعات مؤخرًا وتضاءل اهتمام المستهلكين تأمل الشركة فى كسر هذا الجمود من خلال تقديم نموذج غير تقليدي.
السيارة الجديدة تحتوى على مقعدين فقط، لكن اللافت هو أن السعر المبدئى المنخفض لا يشمل تجهيزات شائعة مثل النوافذ الكهربائية أو نظام الصوت، إذ تُعرض هذه التجهيزات بشكل منفصل بمقابل مادي.
الرئيسة التنفيذية كريس بارمان، التى تمتلك خبرة هندسية طويلة فى “فيات كرايسلر”، تقول إن الشركة مصممة على تقديم خيار فعلى فى متناول اليد حتى مع فقدان الإعفاءات الضريبية الفيدرالية التى تصل إلى 7500 دولار. ووفق تصريحاتها، تعتمد “Slate” على استراتيجية إنتاجية جديدة، إذ يتم تصنيع السيارات فى مصنع أعيد تأهيله فى ولاية إنديانا، باستخدام تصميم مبسط لا يتجاوز 500 مكون فقط، مقارنة بآلاف الأجزاء المستخدمة فى سيارات البيك أب التقليدية.
نموذج “كل شيء مقابل ثمن”
الطموح التقنى للشركة لا يقتصر على تقليل حجم السيارة أو تقليص المكونات، بل يمتد إلى تغيير طريقة التخصيص. كل المركبات يتم إنتاجها بنفس الشكل الأساسى، فيما يمكن للعملاء اختيار إضافات مثل تغليف خارجى بلون مخصص، أو وحدة تحكم مركزية، وكل ذلك بمقابل مادى إضافى.هذا النموذج، المعروف باسم “SKU of one”، يهدف إلى تقليل التكاليف وتحقيق كفاءة إنتاجية عالية دون التضحية بالخيارات المتاحة للمستهلك.
الرؤية الكامنة وراء هذا المشروع بدأت مع مايلز أرنون، الرئيس التنفيذى لشركة “Re:Build Manufacturing”، بالتعاون مع جيف ويلك، أحد القياديين السابقين فى أمازون، واللذين اتفقا على أن سوق العمال الأمريكيين بحاجة إلى سيارة موثوقة، بسيطة، وقابلة للتخصيص دون تكاليف باهظة.
هل يقبل السوق هذا التغيير؟
رغم ما يبدو من منطقية فى المشروع، فإن السوق الأمريكية لا تزال تحمل تحديات كبيرة. إذ أظهرت بيانات من مؤسسة “إدموندز” أن المستهلكين أنفقوا العام الماضى نحو %33 إضافية على ميزات رفاهية مقارنة بالسعر الأساسى للسيارة. وهذا يعنى أن رغبة الأمريكيين فى امتلاك سيارة “مجردة” من الكماليات قد تكون محدودة.
غير أن هناك مؤشرات على أن الفكرة قد تكون فى توقيتها المثالى.فى ظل ضغوط التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، إلى جانب التهديدات الجمركية على الواردات من دول مثل المكسيك وكوريا، يبحث المستهلكون – لا سيما من الأجيال الشابة – عن بدائل أبسط وأكثر قابلية للتخصيص.
يقول بول واتى، مدير التحليل فى “أوتو باسيفيك”: “هناك شريحة متنامية من المشترين ترغب فى سيارات أقل تعقيدًا وأكثر صدقًا... «Slate» تلتقط هذا التوجه تمامًا”.
إشادة من الكبار... ولكن بشكوك
حتى بعض الشركات الكبرى مثل “فورد” أبدت اهتمامها بالمشروع، إذ أشاد كل من رئيسها التنفيذى جيم فارلى ورئيس مجلس الإدارة بيل فورد خلال لقاء عام بتركيز “Slate” على خفض التكاليف وتقديم قيمة حقيقية للمستهلك.
لكن فى المقابل، لم تغب الشكوك عن المشهد. تيم كونيسكيس، المسؤول فى “ستيلانتيس”، وصف مشروع “Slate” بـ”المثير للغاية”، إلا أنه تساءل: “هل ستبقى السيارة فعلاً فى المتناول حين يبدأ المستهلك بإضافة كل ما يحتاجه؟”.
وبينما لا تزال التساؤلات قائمة حول مدى تقبل السوق لهذا النموذج المختلف من السيارات، إلا أن المؤكد هو أن “Slate” أحدثت صدى واسعًا فى صناعة تبحث عن مخرج من حالة الركود التى تمر بها.
تحولات عالمية وتحديات إضافية
التحول الذى تقوده “Slate” لا يأتى فى فراغ، بل يتزامن مع اضطرابات متنامية فى سوق السيارات العالمى.فى الصين، ظهرت ممارسات مثيرة للجدل تتعلق بتضخيم مبيعات السيارات من خلال تسجيلها على التأمين قبل بيعها، وهو ما يهدد مصداقية أرقام البيع.
أما فى أوروبا، فقد أعلنت شركات مثل “أودى” و”فولكس فاجن” عن تأثرها الشديد بالرسوم الأمريكية الجديدة على السيارات الأوروبية، والتى ارتفعت إلى %15، مما يعمّق التحديات التى تواجهها الصناعة فى مواجهة المنافسة الصينية والضغوط التنظيمية للتحول نحو الطاقة النظيفة.
فى هذا السياق المتقلب، ربما يكون توجه “Slate” إلى البساطة والفعالية هو بالضبط ما تحتاجه الصناعة لتعيد التفكير فى أولوياتها – وما يحتاجه المستهلك ليشعر أنه لا يدفع أكثر مما يجب.
