شهد ملف الصناديق العقارية خلال الشهور الماضية حراكًا ملحوظًا على مستوى الحكومة والمطورين العقاريين، وذلك فى ظل توجه وزارة الإسكان لتفعيل آليات جديدة لتحفيز السوق العقارية، وزيادة قدرتها على جذب استثمارات محلية وخارجية.
أكد المهندس شريف الشربينى، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، فى أكثر من مناسبة أن الدولة تتجه بقوة لدعم آلية الصناديق العقارية كوسيلة لتوسيع قاعدة التمويل العقارى، وتشجيع المطورين على زيادة نشاطهم، مشيرًا إلى أن هناك خطوات عملية بدأت بالفعل بالشراكة مع كيانات خليجية.
وشدد الشربينى على أن الوزارة تسعى لتذليل كافة التحديات التنظيمية والإجرائية أمام تأسيس وتشغيل صناديق عقارية كبرى، تشمل مساهمين من مصر والسعودية والإمارات، بما يعزز من مكانة مصر كمركز إقليمى لتصدير العقار.
وأشار الشربينى إلى أن الوزارة بدأت فى إعداد صيغة تنفيذية لإطلاق صندوق استثمار عقارى مشترك بين مصر والسعودية، يهدف إلى استثمار أراضٍ مملوكة لهيئة المجتمعات العمرانية وتطويرها بالشراكة مع شركات القطاع الخاص، هذه الخطوة تأتى ضمن توجه أوسع لتأسيس صناديق متخصصة بالتعاون مع مستثمرين إماراتيين، ما يفتح الباب أمام دخول تمويلات ضخمة إلى السوق العقارية المصرية، ويمنح المطورين فرصة للتوسع فى مشروعات سكنية وتجارية وسياحية جديدة.
وفى هذا السياق، جاء إعلان وزارة الإسكان عن تدشين منصة “مصر العقارية”، التى وصفها الشربينى بأنها خطوة محورية نحو تنظيم السوق والارتقاء بآليات التسويق والتداول العقارى، وتهدف المنصة إلى تقديم بيانات دقيقة وشفافة عن المشروعات العقارية المرخصة، مع ربطها بوحدتى تنظيم السوق العقارية وتصدير العقار المصرى، اللتين تم الإعلان عنهما رسميًا فى يوليو 2025، وتركز هذه الوحدات على تحسين بيئة الأعمال العقارية محليًا وتعزيز قدرة السوق على جذب مشترين ومستثمرين من الخارج، لا سيما من الجاليات المصرية بالخارج والمستثمرين الخليجيين.
وفى إطار متصل، أعلنت الوزارة عن اتخاذ خطوات فعلية لدعم المطورين من خلال تيسير إجراءات التراخيص، وتمديد آجال تنفيذ المشروعات لمدة 6 أشهر، إلى جانب التفاوض مع البنك المركزى لتخفيض أسعار الفائدة على تمويلات مشروعات الإسكان.
تعكس هذه التحركات مجتمعة رؤية جديدة تتبناها وزارة الإسكان فى التعامل مع قطاع العقارات، قائمة على تمكين أدوات التمويل الحديثة مثل الصناديق العقارية، وتعزيز الحوكمة والشفافية عبر المنصات الرقمية، وتشجيع الشراكات الاستراتيجية مع المستثمرين الخليجيى، وهى مقاربة تعكس تحولًا نوعيًا فى سياسة الدولة تجاه الاستثمار العقارى، يهدف إلى تحويله من سوق محلية مغلقة إلى منصة إقليمية مفتوحة أمام رؤوس الأموال العابرة للحدود.
وقال الدكتور عبدالرحمن خليل، خبير ومطور عقارى، إن صناديق الاستثمار العقارى ليست فكرة جديدة على السوق العقارية، بل هى قائمة ومفعّلة بالفعل، إلا أن تطبيقها فى مصر لا يزال فى بداياته، نتيجة ضعف الوعى العام، وعدم الجاهزية الكاملة من حيث البنية التنظيمية والقانونية اللازمة.
وأوضح خليل أن الدولة بدأت بالفعل فى تجهيز بيئتها التشريعية والمؤسسية لتفعيل عمل هذه الصناديق بشكل أكبر، وذلك من خلال جهود هيئة الرقابة المالية والتصريحات الرسمية الصادرة فى هذا الصدد، مشيرًا إلى أن انتشار الصناديق العقارية يتطلب وقتاً للتوعية وتطوير البنية الإجرائية والتنظيمية، مثل أى منحنى تعلم طبيعي.
وأكد أن التأثير المتوقع لتفعيل صناديق الاستثمار العقارى هذا العام سيكون مزدوجًا؛ إذ سيسهم فى إعادة شريحة من العملاء الذين اضطروا لمغادرة السوق العقارية بسبب الارتفاعات السعرية والتحديات الاقتصادية، عبر منحهم فرصة للاستثمار بمبالغ أقل من المعتاد. كما أنها ستجذب شريحة جديدة تمامًا من المستثمرين الذين لم يسبق لهم دخول السوق العقارية، ما يعنى توسيع قاعدة المستثمرين وزيادة حجم التداول فى القطاع.
وأضاف أن هذه الخطوة من شأنها تحفيز حركة البيع وزيادة معدلات الإقبال، لكنها فى الوقت نفسه ستواجه بعض التحديات المرحلية، أبرزها الحاجة إلى المزيد من التوعية، واستكمال الأطر الرقابية والتنظيمية الداعمة، حتى تنضج التجربة وتحقق أهدافها بشكل متكامل.
واختتم تصريحاته بأن القطاع العقارى المصرى على الطريق الصحيح ومع نضوج السياسات والإجراءات، ستتحول صناديق الاستثمار العقارى إلى أحد المحاور الأساسية لدعم القطاع العقارى وتعزيز جاذبيته كمجال آمن للاستثمار طويل الأجل”.
وخلال الأيام الماضية عقد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، اجتماعًا مع الدكتور عايض القحطانى، رئيس مجلس إدارة مجموعة “سمو القابضة” السعودية، لاستعراض خطط المجموعة لضخ استثمارات جديدة فى السوق المصرية، لا سيما فى قطاع التطوير العقاري.
وأكد مدبولى أن الحكومة المصرية تولى ملف جذب الاستثمارات أولوية قصوى، خاصة من الأشقاء العرب، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، مشيرًا إلى التيسيرات والدعم الذى توفره الحكومة للمستثمرين فى مختلف القطاعات.
وأوضح مدبولى ترحيب مصر بإنشاء صناديق عقارية سعودية بالسوق المحلية، لما لها من دور كبير فى تحفيز قطاع العقارات وتنشيط الأسواق، مشيرًا إلى أنه تم حل غالبية المشكلات التى واجهت بعض المستثمرين السعوديين فى فترات سابقة، وهو ما لاقى إشادة من رجال الأعمال بالمملكة.
ومن جانبه، أعرب الدكتور عايض القحطانى عن تقديره للجهود التى تبذلها الحكومة المصرية لتحسين مناخ الاستثمار، مؤكدًا أن “سمو القابضة” تخطط لتدشين أول صندوق عقارى لها فى مصر، ضمن توجه استراتيجى للتوسع الإقليمي.
وأشار القحطانى إلى أن المجموعة تُعد من أكبر المطورين العقاريين فى السعودية، من خلال شركتى “سمو العقارية” و”أدير العقارية” المدرجتين فى سوق المال، لافتًا إلى أن المجموعة تعمل حاليًا فى 8 دول، وتستهدف التوسع فى 30 دولة خلال الفترة المقبلة، من بينها مصر كوجهة رئيسية.
وأضاف: “لدينا تجربة ناجحة فى الشراكة مع شركات مصرية فى السعودية، والسوق المصرية مطمئنة جدًا لنا، ونرى فيها فرصة حقيقية لتدشين استثمار كبير”، مشيدًا بما تم إنجازه من تطوير للبنية التحتية وإنشاء المدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة.
وكشف رئيس “سمو القابضة” عن اهتمام المجموعة بالاستثمار فى منطقة وسط القاهرة، لما تتمتع به من مقومات جاذبة وموقع استراتيجى، بالإضافة إلى التطوير المستمر الذى يُعيد المنطقة لمكانتها كوجهة سياحية واستثمارية عالمية.
قالت د. نورهان الطور، الرئيس التنفيذى لشركة “جيت واى” للاستشارات العقارية، إن الصناديق العقارية باتت أداة استثمارية واعدة تحظى باهتمام متزايد فى السوق المصرية، لا سيما فى ظل التباطؤ الملحوظ فى حركة البيع والشراء بالسوق التقليدى، معتبرة أن هذه الصناديق قد تكون طوق النجاة لشريحة من المطورين العقاريين الذين يواجهون ضغوطًا تمويلية متصاعدة.
وأوضحت الطور أن الصندوق العقارى يُعد كيانًا استثماريًا يقوم بجمع أموال المستثمرين وضخها فى أصول عقارية مدرّة للدخل مثل العقارات الإدارية أو التجارية أو السكنية الجاهزة، بما يتيح للمستثمرين الحصول على عائد دورى دون الحاجة لامتلاك العقار مباشرة، مشيرة إلى أن وحدات هذه الصناديق يمكن تداولها فى البورصة، ما يمنحها مرونة وسيولة غير متوفرة فى أدوات الاستثمار العقارى التقليدية.
وأضافت، ما تقدمه الصناديق العقارية للسوق يتجاوز فكرة التمويل فقط، فهى قادرة على جذب شرائح جديدة من المستثمرين غير القادرين على شراء عقار بالكامل، كما تفتح الباب أمام أدوات تمويل بديلة خارج عباءة القروض البنكية، إلى جانب مساهمتها فى تحسين مستويات الشفافية والحوكمة، وهو ما افتقر إليه السوق لسنوات.
لكن الطور حذرت فى الوقت ذاته من الانزلاق نحو الإفراط فى الاعتماد على هذه الصناديق دون وجود ضوابط صارمة، مشيرة إلى أنها قد تؤدى إلى تضخم أسعار العقارات الجاهزة للإيجار فقط من أجل رفع التقييمات المحاسبية، كما أن تركيزها على الأصول المدرة للدخل قد يضعف الاهتمام بمشروعات التطوير الجديدة، ويُهمّش فرص النمو الطبيعى للسوق.
وأوضحت أنه فى حال غابت الرقابة أو اختلّ التوازن القطاعى والجغرافى داخل مكونات الصندوق، قد تتحول هذه الأداة إلى وسيلة للمضاربة، تمامًا كما حدث فى فترات سابقة حين تحوّل السوق إلى ساحة للمضاربات العقارية غير المنضبطة.
وحول التأثير المحتمل لهذه الصناديق، أكدت الرئيس التنفيذى لـ “جيت واى” أن إدارتها باحتراف قد تساهم فى تحقيق توازن صحى بين العرض والطلب، إلى جانب إعادة تشكيل السوق ليصبح أكثر مؤسسية وأقل اعتمادًا على المستثمر الفردى، لكنها عادت لتؤكد أن التوسع غير المحسوب فى إنشاء الصناديق قد يعمّق الفجوة بين العقارات المدرة للدخل واحتياجات المستهلك النهائى، خاصة فى ظل دخول مؤسسات مالية كبرى قد تغير قواعد اللعبة وتضغط على صغار المستثمرين.
وتساءلت الطور، هل السوق المصرية مستعدة؟ ربما نعم من ناحية الاحتياج، فالفجوة التمويلية واضحة، والصناديق يمكن أن تسد جزءًا منها، لكن لا يمكن تجاهل أن التشريعات لا تزال فى بدايتها وتحتاج إلى تطوير وإطار رقابى صارم، كما أن ثقافة المستثمر المصرى تميل إلى التملك المباشر، وهو ما قد يبطئ من سرعة انتشار هذه الأداة الاستثمارية.
وختمت أن الصناديق العقارية ليست بديلًا للسوق التقليدى، بل أداة موازية، ونجاحها يتوقف على مدى كفاءة إدارتها، ووضوح القوانين المنظمة لها، ووعى المستثمر بطبيعتها ومخاطرها، والسؤال الحقيقى الذى يجب أن نطرحه الآن، هل نملك البنية المؤسسية التى تضمن توجيه هذه الأداة لصالح السوق؟ أم أننا بصدد تكرار نفس أخطاء المضاربات العقارية التى ما زالت السوق تعانى من آثارها؟
قال بهاء حفظ الله، مدير عام شركة “عقار مصر”، إن الصناديق العقارية تُعد واحدة من الأدوات التى بدأت الدولة التوجه نحوها فى إطار محاولات تنشيط السوق العقارى، خاصة فى ظل حالة التراجع النسبى التى يشهدها القطاع خلال الفترة الحالية، معتبرًا أن هذه الصناديق تأتى ضمن حزمة من الحلول إلى جانب تصدير العقار ومبادرات التمويل العقاري.
وأضاف حفظ الله أن الصندوق العقارى لا يُعد اختراعًا جديدًا، بل هو آلية معروفة عالميًا تُستخدم لتوفير السيولة، وتوسيع قاعدة المستثمرين فى القطاع دون اشتراط التملك المباشر، مؤكدًا أن أهميتها تزداد كلما واجهت السوق تحديات تمويلية أو تباطؤًا فى حركة البيع والشراء.
وأوضح أن تنشيط السوق لا يمكن أن يقوم على أداة واحدة فقط، بل يحتاج إلى مجموعة متكاملة من السياسات والحوافز، مشيرًا إلى أن “الصندوق العقارى” قد ينجح فى ضخ سيولة آنية للمطورين، لكنه فى الوقت ذاته يحتاج إلى تشريعات منظمة وبيئة رقابية فعّالة، حتى لا يتحول إلى أداة للمضاربة على العقارات الجاهزة فقط.
وتابع، أن الصناديق مثلها كتصدير العقار الذى يُعد نافذة جلذب عملة صعبة وتحقيق توازن فى الطلب، ويُنظر للصناديق العقارية أيضًا أنها أداة لإعادة تدوير السيولة داخل السوق، وجذب شرائح من المستثمرين الذين لا يملكون القدرة على شراء عقار كامل، لكنهم يبحثون عن عائد مستقر وآمن.
وشدد مدير عام “عقار مصر” على أهمية توعية المستثمرين بطبيعة الصناديق العقارية، ومخاطرها المحتملة، إلى جانب العمل على رفع كفاءة إدارتها، مشيرًا إلى أن نجاح هذه التجربة مرهون بقدرة الدولة على وضع إطار قانونى متوازن يضمن الشفافية ويمنع التلاعب، تمامًا كما حدث فى تجارب مماثلة بدول الخليج.
واختتم تصريحاته بالتأكيد على أن “السوق يحتاج إلى حلول جديدة بالفعل، لكن الأهم هو حسن تطبيقها، وأن الصندوق العقارى قد يكون طوق نجاة، لكنه ليس بديلًا عن الإصلاحات الهيكلية الأعمق المطلوبة فى القطاع العقارى المصرى.
المنصات الرقمية تسهل تداول البيانات وتربط الأسواق الإقليمية بقاعدة موحَّدة
نورهان الطور: أداة هامة لسد جزء من الفجوة التمويلية
عبدالرحمن خليل: وسيلة لاستقطاب شرائح رأسمالية غير مسبوقة
بهاء حفظ الله: تدوير السيولة ضرورة للإصلاح الهيكلى وتصدير المنتج العمرانى
