يبدو أن الاتحاد الأوروبي يدرس استخدام "أداة مكافحة الإكراه" - التي تُوصف بأنها "خيار نووي" لمحاولة ردع النزاعات التجارية - مع ازدياد خطر فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على واردات الاتحاد الأوروبي، بحسب شبكة "سي إن بي سي".
أفاد دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي، لـ"رويترز"، هذا الأسبوع، بأن عددًا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك فرنسا وألمانيا، تدرس استخدام تدابير "مكافحة الإكراه" التي تستهدف الولايات المتحدة، إذا لم يتمكن الاتحاد من التوصل إلى اتفاق تجاري مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وقد تؤدي هذه التدابير إلى تقييد وصول المورّدين الأمريكيين إلى سوق الاتحاد الأوروبي، واستبعادهم من المشاركة في المناقصات العامة في الاتحاد، بالإضافة إلى فرض قيود على تصدير واستيراد السلع والخدمات، وفرض قيود على الاستثمار الأجنبي المباشر بالمنطقة.
في الوضع الحالي، يقول البيت الأبيض إنه سيفرض تعريفة جمركية بنسبة 30% على واردات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، في الأول من أغسطس، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق تجاري قبل ذلك التاريخ. وقد صرح البيت الأبيض بأن الموعد النهائي محدد، لكنه أشار إلى أن المفاوضات التجارية يمكن أن تستمر بعد ذلك التاريخ.
ما مؤشر التجارة التفضيلية (ACI)؟
تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حالة من التدهور، بعد أن اتهم ترامب الاتحاد الأوروبي مرارًا بممارسات تجارية غير عادلة بسبب فائضه التجاري المستمر في تبادل السلع.
تُظهر بيانات المجلس الأوروبي أن إجمالي التجارة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بلغ 1.68 تريليون يورو (1.97 تريليون دولار) في عام 2024، لكن بينما حقق الاتحاد الأوروبي فائضًا تجاريًّا في السلع، فقد سجل عجزًا في الخدمات مع الولايات المتحدة.
وعند أخذ كل من السلع والخدمات في الاعتبار، حقق الاتحاد فائضًا بلغ حوالي 50 مليار يورو، العام الماضي. ومع اقتراب تهديد ترامب الأخير بفرض رسوم جمركية بنسبة 30%، يدرس الاتحاد الأوروبي خياراته، بما في ذلك فرض رسوم جمركية مضادة تستهدف الواردات الأمريكية، بالإضافة إلى أداة مكافحة الإكراه (ACI) التي تُعد أداةً قوية محتملة، والتي أُنشئت عام 2023 ولم يسبق للاتحاد الأوروبي استخدامها.
صُممت أداة مكافحة الإكراه لتكون رادعًا ضد أي "إكراه اقتصادي" مُتصوَّر من دول خارجية يُنظر إليها على أنها تُطبق ممارسات "قسرية" تهدف إلى تغيير سياسة الاتحاد الأوروبي، والتي قد تُلحق الضرر بالتجارة والاستثمار في الاتحاد.
وتُشير المفوضية الأوروبية إلى أن الهدف الرئيسي من أداة مكافحة الإكراه هو "الردع"، لكن "إذا لجأت دولة ثالثة إلى الإكراه"، فإن الأداة تُمكّن الاتحاد من الرد، "حيثما أمكن من خلال الحوار والمشاركة، ولكن أيضًا - حسب الضرورة - من خلال تدابير الاستجابة".
يمكن أن تتجاوز هذه الاستجابات - التي تهدف إلى "الحث الدائم على وقف الإكراه" - فرض رسوم جمركية مضادة انتقامية، حيث تسمح الأداة أيضًا بفرض قيود على استيراد وتصدير السلع والخدمات، وكذلك على حقوق الملكية الفكرية والاستثمار الأجنبي المباشر.
بالإضافة إلى ذلك، تسمح تدابير مكافحة الإكراه للاتحاد الأوروبي بفرض قيود مختلفة على الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي، ولا سيما على المشتريات العامة، بالإضافة إلى قدرة المورّدين الأمريكيين على بيع المواد الغذائية والمواد الكيميائية في الاتحاد.
ووفقًا لـ"رويترز"، قد يؤدي استخدام الأداة أيضًا إلى اتخاذ تدابير تؤثر على الخدمات التي تحقق فيها الولايات المتحدة فائضًا تجاريًّا مع الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تلك المقدمة من مزودي الخدمات الرقمية أمازون ومايكروسوفت ونتفليكس وأوبر.
وتشير المفوضية الأوروبية إلى أن تدابير استجابة الاتحاد الأوروبي يجب أن تكون "متناسبة مع الضرر الذي تواجهه، وأن تكون محددة الهدف ومؤقتة"، وأن تُطبق ما دام الإكراه المُتصور.
كما سيستغرق الأمر وقتًا حتى تتحرك المفوضية، حيث تتطلب العملية التحقيق في حالات الإكراه المحتملة قبل مطالبة الدول الأعضاء بتأكيد نتائجها. وبعد ذلك، سيُطلب موافقة أغلبية مؤهلة (15 ولاية على الأقل من أصل 27) على اعتماد تدابير استجابة مجلس الصناعات الجوية (ACI)، وحتى قبل تطبيقها، ستُجري المفوضية محادثات مع الجهة المتهمة بالانتهاك لمحاولة حل النزاع.
البازوكا التجارية "ملاذ أخير"
تجري حاليًّا محادثات اللحظة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، حيث يستهدف الاتحاد الأوروبي فرض تعريفة جمركية أساسية بنسبة 10% وحماية الصناعات الرئيسية، مثل السيارات والزراعة والآلات والفضاء.
وقال محللون في مجموعة أوراسيا، في مذكرة: "بينما سيتقبل الاتحاد الأوروبي تعريفة جمركية أساسية بنسبة 10% مع إعفاءات وحصص تحمي الصناعات الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، فإن فرض معدل متبادل يزيد عن 15% من المرجح أن يؤدي إلى رد فعل انتقامي من الاتحاد الأوروبي".
يُنظَر إلى تهديد ترامب بمضاعفة المعدل ثلاث مرات على أنه تكتيك تفاوضي، وليس وسيلة ضغط من جانب الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، سيهدد الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية مضادة على صادرات أمريكية تصل قيمتها إلى 116 مليار يورو، واستخدام تدابير تجارية إضافية - بما في ذلك أداة مكافحة الإكراه القوية التي قد تستهدف صادرات الخدمات الأمريكية - لتحفيز إدارة ترامب على إبرام صفقة.
أشار مجتبى رحمان وإمري بيكر وكلايتون ألين، من مجموعة أوراسيا، إلى أن استخدام مؤشر التجارة التفضيلية (ACI) سيكون بمثابة "ضربة قاضية للتجارة"، وهو الملاذ الأخير.
وقالوا: "بينما ستدعو فرنسا وإسبانيا وبعض الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي إلى رد قوي على رسوم ترامب الجمركية، من المرجح أن تركز المفوضية الأوروبية، في البداية، على فرض المزيد من الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية".
وخلصوا إلى أن أي تصعيد يؤدي إلى سيناريو "حرب تجارية" بنسبة 10% في أوراسيا، سيدفع بروكسل إلى نشر تدابير تصعيدية، مثل "ضوابط/ رسوم التصدير، وقيود المشتريات العامة، و/ أو فرض عقوبات على صادرات الخدمات الأمريكية" باستخدام مؤشر التجارة التفضيلية (ACI) كـ"ملاذ أخير".
