تُستخدم استراتيجيات “الصدمة والرعب” عادة لوصف التكتيكات العسكرية، لكنها باتت تنطبق إلى حد كبير على سياسات الرئيس الأمريكى فى تعامله مع دول العالم فى الحرب التجارية التى بدأها منفردا وضد الجميع.
تستهدف تكتيكات “الصدمة والرعب” فى الحروب، سحق الخصوم بسرعة فائقة عبر استخدام قوة نارية لا يمكن الرد عليها، لكن ترامب عمد إلى فرض رسوم جمركية مرتفعة وغير متوقعة على مجموعة واسعة من الدول، فارضا عليها ضغطا اقتصاديا وسياسيا مفاجئا.
تعرف دول العالم، الثقل الذى تشكله أمريكا وأسواقها واستهلاكها ودولارها، لذا فقد كان مجرد التفكير فى الرد يحتاج إلى الكثير من الوقت والتدبير، لكن فى تلك الأثناء لجأ ترامب إلى المراوغة عبر عقد بعض الاتفاقات مع عدد قليل من الدول، ثم توصل إلى هدنة تجارية مع الصين، وقام مرارا بتأجيل الموعد النهائى لفرض الرسوم الكبيرة.
وقد هدد ترامب بفرض رسوم جمركية باهظة على حوالى 20 دولة، بما فى ذلك رسوم بنسبة %50 على الواردات من البرازيل، الدولة التى تتمتع الولايات المتحدة بفائض تجارى معها، ورسومًا جمركية بنسبة %50 على النحاس - وهو مُدخل رئيسى للمصنعين - ورسومًا جمركية بنسبة %200 على الأدوية.
وهدد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة %10 على أعضاء مجموعة البريكس، وهى المجموعة الاقتصادية التى تضم البرازيل وروسيا والهند والصين.
وبينما تخشى كل من الهند واليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبى من الرد، بدا أن ترامب تجريد خصومه من سلاح “الرد بالمثل”، وحصد 100 مليار دولار من حصيلة الرسوم التى فرضها حتى الآن خلال 100 يوم فقط، وهو رقم لم يسبق للولايات المتحدة أن حققته فى تاريخها.
وحتى الخسائر التى كان يتوقع أن يمنى بها الاقتصاد الأمريكى، لم تتحقق، فقد ارتفع التضخم بشكل ضئيل، وكذلك تراجعت الوظائف بوتيرة منخفضة، بينما أضحى العالم متأقلما وأكثر تكيفا مع أسواق مضطربة لا تعرف فيها كم ستبلغ الرسوم ومتى ستطبق!
واشنطن تجرد المنافسين من سلاح «الرد بالمثل»
رغم أن الرسوم الجمركية التى تفرضها الولايات المتحدة فى عهد دونالد ترامب، أثرت بشكل كبير على شركائها التجاريين، فإن ردود الفعل من الدول المتضررة جاءت فى الغالب معتدلة، بل وتفاوضية، وليس تصادمية.
وقد جعلت تلك الدول، التفاوض، والوصول إلى الأسواق وتقديم التنازلات خيارها الوحيد لحماية تجارتها وتجنب الاضطرابات الاقتصادية، بحسب مجلة التايم.
السبب الأبرز هو القوة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة، فأمريكا لا تزال أكبر سوق استهلاكية فى العالم، وتشكل منفذًا لا غنى عنه للعديد من الدول، وأى تصعيد من هذه الدول قد يؤدى إلى فقدان إمكانية الوصول إلى هذا السوق، أو إلى فرض المزيد من العقوبات أو القيود، وهو ما لا تستطيع تحمله غالبية الاقتصادات.
ومن ناحية أخرى، قد يُؤدى فقدان الوصول إلى الأسواق أو مواجهة تعريفات جمركية مرتفعة إلى شلل الصناعات الرئيسية فى الدول المُصدّرة (مثل السيارات من ألمانيا، والصلب من كوريا الجنوبية، والإلكترونيات من آسيا).
وفى ظل قانون ترامب “الجميل الكبير” الحالى وما يرتبط به من رسوم الموانئ والرسوم الجمركية على السفن الأجنبية، فإن الدول التى تبنى سفنًا للتجارة العالمية أو تُصدّر بكثافة إلى الولايات المتحدة تقرر سلوك سبيل التفاوض بشأن إعفاءات أو صفقات خاصة لحماية صناعاتها.
كما أن هناك إدراكًا دوليًا بأن الولايات المتحدة مستعدة للتصعيد أكثر من أى طرف آخر، فقد شهد العالم فى الفترة من 2018 إلى 2020 كيف تحولت الحرب التجارية بين واشنطن وبكين إلى تبادل عقوبات وجولات متتالية من الرسوم، مع تأثيرات سلبية على الأسواق وسلاسل الإمداد العالمية، لذلك، تفضّل الدول المتضررة التفاوض أو تقديم تنازلات بدلاً من الدخول فى حرب اقتصادية قد تطول.
كذلك، فإن منظمة التجارة العالمية، التى كانت فى السابق ملاذًا لحل النزاعات التجارية، لم تعد تملك نفس النفوذ، فالولايات المتحدة عطّلت عمل هيئة الاستئناف داخل المنظمة منذ سنوات، ما جعل اللجوء إلى المسارات القانونية غير فعال عمليًا، لذا فإن التهديدات أو الشكاوى الرسمية لا تردع واشنطن كثيرًا.
إلى جانب ذلك، هناك دول تعتمد بشكل كبير على التحالفات السياسية والعسكرية مع الولايات المتحدة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند، هذه الدول توازن باستمرار بين احتياجاتها الاقتصادية والتزاماتها الجيوسياسية، والدخول فى نزاع تجارى مفتوح مع واشنطن قد يُعرض مصالحها الأمنية أو علاقاتها الدبلوماسية للخطر.
أيضا، فإن الاقتصادات الأصغر حجمًا مثل المكسيك أو فيتنام لا تملك ببساطة الوسائل الكافية للرد، فالرد الانتقامى قد يضرها أكثر مما يضر الولايات المتحدة، ومن الأمثلة الصارخة، خضوع كوريا الجنوبية لمفاوضات مباشرة مع إدارة ترامب لتفادى الرسوم الجمركية الكاملة على صادرات الصلب، أو مبادرة الهند إلى تقديم تنازلات جمركية على منتجات مثل البوربون والدراجات النارية لتفادى مواجهة اقتصادية واسعة.
حتى الاتحاد الأوروبى، رغم قوته الاقتصادية، اختار فى 2018 الرد برمزية – مثل فرض رسوم على الجينز والدراجات النارية – دون الانخراط فى تصعيد كبير قد يضر بالمصالح الأوروبية على المدى البعيد، ويُشير هذا إلى نهج استراتيجى حذر، يفضل استخدام الدبلوماسية والضغوط عبر قنوات متعددة، بدلاً من المواجهة المباشرة.
كذلك، فإن العديد من الدول باتت تدرك أن التوترات التجارية مع واشنطن لن تدوم إلى الأبد، وأن التغيير السياسى فى الولايات المتحدة قد يعيد صياغة العلاقات التجارية مجددًا، لذلك، تراهن هذه الدول على عامل الوقت، وتتحرك بحذر لتفادى اضطرابات طويلة الأمد.
لكن هذا لا يعنى غياب الردود تمامًا فالصين ردت بتعريفات متبادلة خلال الحرب التجارية، وإن كان كلا الطرفين قد سعى لاحقًا إلى التهدئة.
وفى الوقت نفسه، تعمل بعض القوى الصاعدة مثل الصين والاتحاد الأوروبى على تنويع شراكاتها التجارية، سواء من خلال اتفاقيات إقليمية مثل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، أو عبر تعزيز العلاقات مع أسواق بديلة فى آسيا وأفريقيا، وهناك حديث متزايد عن تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكى، وخلق تكتلات اقتصادية جديدة يمكنها مستقبلاً موازنة النفوذ الأمريكي.
ومع ذلك، تبقى الحقيقة واضحة: لا أحد مستعد حتى الآن لمواجهة اقتصادية مفتوحة وممتدة مع الولايات المتحدة، حتى الدول الكبرى تفضل امتصاص الصدمة، التفاوض، وتأجيل المعركة.
الشركات العالمية تتكيف مع الواقع الجديد
منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى إطلاق التهديدات بفرض رسوم جمركية مرتفعة على الشركاء التجاريين، بدأت الشركات حول العالم، خصوصًا الأوروبية، الاستعداد لاحتمالات جديدة قد تعرقل سلاسل التوريد وترفع تكاليف الإنتاج بشكل غير مسبوق.
وقد تصاعد التوتر مؤخرًا بعد إعلان ترامب نيّته فرض رسوم جمركية شاملة بنسبة %30 على واردات الاتحاد الأوروبى ابتداءً من 1 أغسطس، عقب فشل المفاوضات الأخيرة فى التوصل إلى إطار تفاهم، ويبدو أن إدارة ترامب تحاول من خلال هذه الخطوة الضغط على الاتحاد الأوروبى لتقديم تنازلات أكبر فى ملف العجز التجارى، الذى وصل بحسب أرقام أمريكية إلى أكثر من 231 مليار دولار.
هذا التصعيد المفاجئ دفع العديد من الشركات الأوروبية، الكبيرة والمتوسطة، إلى إعادة النظر فى خططها التشغيلية والاستثمارية، خاصة تلك التى تعتمد على السوق الأمريكية كمصدر رئيسى للإيرادات.
أليكس ألتمان، أحد كبار المسؤولين فى غرفة التجارة البريطانية بألمانيا، أشار إلى أن بعض الشركات الأوروبية بدأت فعلاً بنقل جزء من عمليات التجميع إلى المملكة المتحدة، للاستفادة من الاتفاقيات الجمركية المخففة نسبياً مع الولايات المتحدة، والفكرة هنا هى تفادى الرسوم المحتملة عبر ما يُعرف بـ”قواعد المنشأ” التى تُحدد جنسية المنتج لأغراض ضريبية.
لكن الشركات ليست جميعها قادرة على التكيف بهذه السهولة، على سبيل المثال، تُنتج شركة زانيتى الإيطالية أكثر من %70 من منتجاتها لتُصدّرها للأسواق العالمية، و%15 منها يذهب إلى السوق الأمريكية، وتقول الشركة إن الرسوم الجمركية المتوقعة سترفع الأسعار بنسبة قد تصل إلى %25، بسبب ارتفاع تكاليف التوريد والتعقيدات الإدارية الناتجة عن التغييرات المتكررة فى السياسات الأمريكية.
من ناحية أخرى، فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة، مثل معامل التقطير الأوروبية، تواجه صعوبات مضاعفة، فرانك شواسن، رئيس شركة Combier الفرنسية لتقطير المشروبات الكحولية، أشار إلى أن الولايات المتحدة تمثل %25 من مبيعاته، وأن أى رسوم جديدة ستؤثر مباشرة على قدرته فى الحفاظ على الأسعار التنافسية فى السوق الأمريكية.
إضافة إلى ذلك، يرى محللون أن ضعف الدولار الأمريكى فى الأشهر الأخيرة زاد من تأثير الرسوم الجمركية على السلع المستوردة، بمعنى آخر، فإن الشركات لن تُعانى فقط من التعريفات، بل أيضًا من انخفاض القوة الشرائية للمستهلك الأمريكى، ما قد يؤدى إلى تراجع الطلب.
كذلك، لجأت بعض الشركات الكبرى مثل “سيمنز” الألمانية و”بوش” إلى خطط بديلة، عبر تعزيز التصنيع المحلى داخل الولايات المتحدة لتفادى الرسوم تمامًا، هذه الخطوة تُعد استجابة مباشرة لضغوط ترامب، الذى لطالما طالب الشركات الأجنبية بتوطين إنتاجها داخل أمريكا كشرط للاستفادة من السوق الأمريكية.
لكن هذا التحول ليس ممكنًا للجميع، فشركات تعتمد على حماية المؤشرات الجغرافية لمنتجاتها – مثل الشمبانيا الفرنسية أو جبن البارميزان الإيطالى – لا يمكنها ببساطة نقل التصنيع إلى الخارج دون أن تفقد هويتها التسويقية.
وفى ظل هذا الغموض، بدأت شركات أخرى تستكشف أسواقًا بديلة فى آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، إلا أن اختراق هذه الأسواق يحتاج إلى وقت واستثمارات، كما أنه لا يعوض بالضرورة خسائر السوق الأمريكية.
100 مليار دولار.. الولايات المتحدة تجنى حصيلة تاريخية من الجمارك
تجاوزت الإيرادات الجمركية فى الولايات المتحدة 100 مليار دولار لأول مرة فى تاريخها خلال سنة مالية واحدة (تنتهى فى سبتمبر المقبل)، وهو رقم يُعدّ أكثر إثارة للانتباه عندما نأخذ بعين الاعتبار أن معظم تعريفات الرئيس دونالد ترامب الجديدة لم تدخل حيز التنفيذ الكامل بعد.
ومن المفترض أنه اعتبارًا من 1 أغسطس المقبل، ستشهد الولايات المتحدة تدفقا أكبر من الحصيلة الجمركية مع بدء تطبيق الرسوم الكبيرة.
واستقطبت الولايات المتحدة أكثر من 27 مليار دولار تعريفة جمركية فى شهر يونيو الماضى وحده، وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكى.
وأشار وزير الخزانة سكوت بيسنت إلى أن إيرادات التعريفات قد تتجاوز 300 مليار دولار بحلول نهاية السنة إذا استمر المخطط الحكومى على هذا النحو.
وبذلك، تعمل التعريفات الجمركية بوضوح كمولّد للإيرادات للحكومة الفيدرالية، وإن كانت فى الأساس ضرائب يتحملها رجال الأعمال الأمريكيون وينقلون جزءًا منها إلى المستهلكين.
وتُعتبر هذه النتائج بمثابة تعزيز لرؤية ترامب التى تعتبر التعريفات مصدر مربح للإيرادات وأداة ضغط فى السياسة الخارجية غير التجارية، وأعلن ترامب يوم الثلاثاء أن “الأموال الكبيرة” ستبدأ بالتدفق بعد فرضه لتعريفات “متبادلة” أعلى على شركاء التجارة الأمريكيين فى الأول من أغسطس.
وقال وزير الخزانة الأمريكى سكوت بيسنت عبر منصة X إن النتائج تُظهر أن الولايات المتحدة “تحصد ثمار” أجندة ترامب التعريفية.
وأضاف بيسنت: “بينما يعمل الرئيس ترامب جاهدًا لاستعادة السيادة الاقتصادية لأمتنا، تُظهر بيانات وزارة الخزانة الشهرية اليوم أرقامًا قياسية للجمارك – وبدون أى تأثير تضخمي!”
وفى أول تسعة أشهر من العام المالى 2025، وصلت إيرادات الجمارك إلى أرقام قياسية بلغت 113.3 مليار دولار على أساس إجمالى و108 مليار دولار بعد الخصومات، وهو ما يقرب من ضعف ما تم تحصيله فى نفس الفترة من العام السابق.
وبناءً على هذه النتائج، أصبحت التعريفات الجمركية الآن رابع أكبر مصدر دخل للحكومة الفيدرالية، بعد الإيرادات الضريبية على الأفراد بحوالى 2.683 تريليون دولار، والإيرادات غير المحتجزة على الأفراد (لأموال التى يدفعها الأفراد إلى الحكومة كضرائب، لكنها لم تُخصم تلقائيًا من رواتبهم) 965 مليار دولار، والضرائب على الشركات بقيمة 392 مليار دولار.
وخلال حوالى أربعة أشهر، تضاعفت حصة التعريفات من إجمالى إيرادات الحكومة لتصل إلى حوالى %5، مقارنة بحوالى %2 تاريخيًا.
واقترح بيسنت فى وقت سابق من هذا الأسبوع زيادة أكثر حدة فى تحصيل التعريفات، موضحًا فى اجتماع لمجلس الوزراء أن إيرادات التعريفات فى عام 2025 قد تصل إلى 300 مليار دولار بحلول نهاية ديسمبر.
وعند معدل يونيو الماضى، من المتوقع أن تصل التحصيلات الجمركية الإجمالية إلى 276.5 مليار دولار فى غضون ستة أشهر، مما يعنى أن الوصول إلى هدف بيسنت سيتطلب بعض الزيادات.
ومع ذلك قال إيرنى تيدسكى، مدير الاقتصاد فى مختبر الميزانية بجامعة ييل، إنه قد يستغرق وقتًا أطول حتى ترتفع إيرادات التعريفات بالكامل لأن الشركات والمستهلكين سارعوا إلى شراء السلع مسبقًا لتجنب الرسوم الجمركية.
وقال تيدسكى، الذى عمل كمستشار اقتصادى فى البيت الأبيض خلال إدارة بايدن، إن إيرادات التعريفات قد تتراجع مع مرور الوقت مع تكيف الشركات والمستهلكين مع الواقع الجديد.
«هندسة التعريفات».. أمريكا تحصن اقتصادها من التأثير السلبى
مع تصاعد التوترات التجارية واعتماد إدارة ترامب على الرسوم الجمركية كأداة ضغط، كان من الطبيعى أن تُطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه السياسات ستنعكس سلبًا على الداخل الأمريكى، خصوصًا على صعيد الأسعار والتضخم.
لكن الواقع يُظهر أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة من الأدوات الاقتصادية والتجارية التى تُمكّنها من تقليل التأثير السلبى لهذه الرسوم على المستهلكين والاقتصاد المحلي.
إحدى أبرز هذه الأدوات هى ما يُعرف بـ “هندسة التعريفات الجمركية”، والتى تشمل تعديل تصنيفات المنتجات لتندرج تحت فئات جمركية أقل تكلفة، أو تعديل تصميم المنتجات ومصادرها لتأهيلها للحصول على تعريفات مخفضة أو استثناءات، هذه الآلية تمنح المستوردين الأمريكيين هامشًا للمناورة لتفادى الرسوم المرتفعة المفروضة على بعض السلع الأوروبية، دون المساس بجودة أو تنوع المعروض فى السوق.
كما تلجأ الحكومة الأمريكية إلى إبرام اتفاقيات تجارة حرة أو جزئية مع دول حليفة أو شركاء اقتصاديين بديلين، هذه الاتفاقيات تمنح الواردات من تلك الدول امتيازات جمركية وتُخفف الاعتماد على موردين تفرض عليهم تعريفات مرتفعة، مثل الاتحاد الأوروبى أو الصين. اتفاقية USMCA، التى خلفت نافتا، مثال على هذا التوجه، وكذلك التفاهمات التجارية الأخيرة مع فيتنام والهند.
من الوسائل الأخرى التى تستغلها الولايات المتحدة هى مناطق التجارة الحرة (Foreign Trade Zones)، حيث يمكن استيراد السلع وتخزينها أو معالجتها دون دفع الرسوم حتى تُدخل إلى السوق المحلية أو يُعاد تصديرها، وهذه المناطق تمنح الشركات مزيدًا من المرونة للتخطيط والتأقلم مع تغير السياسات الجمركية.
ولحماية الصادرات الأمريكية وإبقاء الكلفة منخفضة، تستخدم واشنطن أيضًا برامج استرداد الرسوم الجمركية (Drawback Programs)، التى تسمح للمصدّرين باسترداد ما يصل إلى %99 من الرسوم الجمركية المدفوعة على المكونات أو المنتجات التى يُعاد تصديرها، هذه البرامج تُعدّ شريان حياة للمصنّعين الذين يعتمدون على سلاسل التوريد العالمية.
وتدعم الحكومة الأمريكية هذه السياسات بإجراءات رقابية وتنظيمية، فبإمكانها، عبر جهات مثل لجنة التجارة الفيدرالية (FTC)، مراقبة التلاعب بالأسعار ومنع الشركات من تمرير التكاليف المبالغ فيها للمستهلكين، كما يمكنها تأجيل فرض الرسوم الجديدة مؤقتًا أو منح إعفاءات خاصة لبعض القطاعات المتضررة لضمان استقرار السوق.
إلى جانب ذلك، يمكن للولايات المتحدة استخدام أدوات تخطيط الإمداد الاستباقى، مثل تخزين كميات كبيرة من السلع المستوردة قبل موعد سريان الرسوم الجديدة، وقد جرى استخدام هذه الاستراتيجية مرارًا فى قطاعات مثل الأدوية والإلكترونيات، لتقليل الضغط على الأسعار عند بداية تطبيق الرسوم.
وتبقى الاستراتيجية الأهم، وربما الأخطر على المدى البعيد، هى التحول نحو التصنيع المحلى إذ أن إدارة ترامب دفعت بشدة نحو عودة المصانع إلى الأراضى الأمريكية، سواء عبر الحوافز أو التهديدات الجمركية وقد بدأت بعض الشركات بالاستجابة، مثل سيمنز وبوش، التى صرّحت بنيّتها توسيع الإنتاج داخل الولايات المتحدة، هذا الاتجاه، رغم كلفته العالية، يقلل اعتماد أمريكا على الواردات، ويحدّ من تأثير أى رسوم مستقبلية.
