أكد اتحاد شركات التأمين المصرية في نشرته الصادرة اليوم أن التطور السريع لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يفرض تحديات غير مسبوقة على صناعة التأمين، مشيرًا إلى أن تأمين مخاطر الذكاء الاصطناعي لم يعد رفاهية بل أصبح ضرورة حتمية لحماية الأفراد والشركات من الأضرار الناجمة عن استخدام هذه الأنظمة الذكية.
وسلط الاتحاد الضوء على واقعة حديثة شهدتها إحدى الدول الرائدة في تكنولوجيا النقل، حيث تسببت سيارة ذكية تعتمد على أنظمة قيادة ذاتية مدعومة بالذكاء الاصطناعي في حادث مأساوي أسفر عن خسائر بشرية ومادية فادحة، نتيجة اتخاذ النظام قرارًا خاطئًا أثناء القيادة. وأوضح الاتحاد أن هذه الحادثة تمثل نموذجًا حيًا على المخاطر المحتملة للتكنولوجيا، خاصة في ظل الاعتماد المتزايد على الأنظمة المؤتمتة دون وجود تغطية تأمينية كافية تضمن حماية الأطراف المتضررة وتحدد المسؤوليات بوضوح.
وفي استعراضه لأمثلة عالمية بارزة توضح خطورة الموقف، أشار الاتحاد إلى أن مؤسسة مالية كبرى تعرّضت عام 2022 لهجوم تصيّد إلكتروني مدعوم بالذكاء الاصطناعي أدى إلى اختراق بياناتها وتكبيدها خسائر مالية جسيمة، فضلًا عن تضرر سمعتها. وفي نفس العام، كشفت تحقيقات أن إحدى منصات خدمات السحابة AIaaS تم استغلالها في مراقبة غير مشروعة للمستخدمين، مما أثار مخاوف عميقة بشأن الخصوصية الرقمية. كما رُصدت في عام 2023 حادثة تسميم بيانات استهدفت شركة تجارة إلكترونية، حيث أدى التلاعب بالخوارزميات إلى توصيات تسويقية خاطئة وفقدان ثقة العملاء.
ولم تكن منصات التواصل الاجتماعي بمنأى عن تلك الهجمات، حيث شهدت حملة تضليل كبرى عبر فيديوهات مزيفة أنشأها الذكاء الاصطناعي وروبوتات خبيثة لتوجيه الرأي العام، بينما تعرضت أنظمة الرعاية الصحية لهجوم إلكتروني متقدم مطلع عام 2024، تسببت في تشخيصات طبية غير دقيقة وخطط علاجية خاطئة، مما أثر مباشرة على سلامة المرضى.
وفي ضوء هذه الوقائع، أكد الاتحاد أن شركات التأمين مطالبة بالتحرك العاجل لتصميم وثائق متخصصة تغطي المخاطر الناشئة عن الذكاء الاصطناعي، سواء أكانت متعلقة بقرارات غير دقيقة من الأنظمة الذكية، أو خلل في الخوارزميات، أو حتى الأضرار المترتبة على انتهاكات الخصوصية وسوء استخدام البيانات. وتأتي هذه التغطيات لتقدم حلولًا تأمينية مرنة تُراعي طبيعة كل تطبيق وتحدد بوضوح المسئوليات القانونية والتأمينية.
وأشار الاتحاد إلى أن وجود تأمين فعّال في هذا المجال يحقق عدة مزايا إستراتيجية، في مقدمتها تقديم حماية مالية شاملة للأطراف المتضررة، ودعم ثقة المستخدمين في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحفيز الابتكار في بيئة مؤمّنة، بالإضافة إلى تمكين الشركات من إطلاق حلول جديدة دون خوف من التعرض لخسائر فادحة نتيجة فشل تكنولوجي غير متوقّع.
وأوضحت النشرة أن سوق التأمين على الذكاء الاصطناعي يشهد نموًا متسارعًا، مدفوعًا بالتحول نحو نماذج التأمين القائم على الاستخدام، وميكنة عمليات المطالبات، وتطوير نماذج تسعير ديناميكية تعتمد على تحليل البيانات الضخمة. واستشهد الاتحاد بتقرير صادر عن مركز ديلويت للخدمات المالية، يتوقع أن تصل قيمة سوق أقساط تأمين الذكاء الاصطناعي عالميًا إلى نحو 4.7 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ نحو 80%.
وأشار الاتحاد إلى أن هذا النمو لا يخلو من تحديات كبيرة، أبرزها صعوبة تحديد المسئولية القانونية حال وقوع أضرار، وتعقيدات الامتثال للوائح الخصوصية وحماية البيانات، وغياب تشريعات موحّدة تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي عبر القطاعات، بالإضافة إلى سرعة التغير التكنولوجي وتنوع تطبيقات الذكاء الاصطناعي من صناعة لأخرى، مما يُصعّب تصميم وثائق تأمينية موحدة وشاملة.
وفيما يتعلق بالتحديات الفنية، نبه الاتحاد إلى أن نقص البيانات التاريخية للحوادث المرتبطة بالذكاء الاصطناعي يُعقّد عمليات الاكتتاب والتسعير، إلى جانب الطبيعة المعقدة للخوارزميات الذكية، التي تجعل من الصعب التنبؤ بحجم وتكرار الخطر، كما أن تصميم الوثيقة يتطلب تخصيصًا دقيقًا لكل قطاع، مما يفرض على شركات التأمين تحديث أدواتها باستمرار لمواكبة التطورات.
وطرح الاتحاد عددًا من الحلول المقترحة لتجاوز هذه التحديات، من بينها إنشاء قواعد بيانات مشتركة لتوثيق حوادث الذكاء الاصطناعي، وتصميم وثائق مرنة وقابلة للتخصيص بحسب طبيعة المخاطر، ودمج أدوات الذكاء الاصطناعي ذاتها في تقييم المخاطر وتحليل البيانات التأمينية، إلى جانب بناء شراكات إستراتيجية مع مطوري التكنولوجيا لضمان توافق المنتجات التأمينية مع واقع الأنظمة الذكية.
كما شدد على أهمية اعتماد الشفافية والحوكمة في الأنظمة المؤمّن عليها لضمان تتبع قراراتها ومساءلة القائمين عليها عند حدوث أضرار.
وأكد أن التعامل مع مخاطر الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارًا مستقبليًا بل ضرورة راهنة تفرضها طبيعة العصر. ودعا إلى تحالف وثيق بين الجهات التنظيمية، وشركات التأمين، ومطوّري أنظمة الذكاء الاصطناعي، لتطوير أطر قانونية واضحة ومنتجات تأمينية مبتكرة تلبي احتياجات السوق وتدعم ثقة العملاء.
كما شدد على أن تأمين مخاطر الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة حقيقية للنمو والتحول داخل قطاع التأمين، ويجب استغلالها بتخطيط علمي واستباقي يوازن بين الابتكار والحماية.
