قال خبيران إن القطاع المصرفى المصرى يشهد تحولًا نوعيًا فى دوره، ليتجاوز كونه ممولًا تقليديًا وليصبح شريكًا استراتيجيًا فى التنمية المستدامة، خاصة فى دعم قطاع التعليم ضمن مشروعات المسؤولية المجتمعية.
وأضافا أن مساهمات البنوك متعددة الأوجه، تشمل دعم بناء وتجهيز المدارس، تمويل المعامل التعليمية، تقديم المنح الدراسية للطلاب المتفوقين، وحتى الشراكة فى إنشاء المدارس التكنولوجية التطبيقية، مما يساهم بشكل فعال فى تخفيف العبء عن ميزانية الدولة ودعم جهود تطوير التعليم بجميع مراحله.
وأكدا أنه على الرغم من الدعم المالى الكبير، يكمن التحدى الحقيقى فى الانتقال من مجرد توفير الأموال إلى تحقيق التمكين العميق وبناء القدرات البشرية على المدى الطويل، مما يتطلب منهجية شاملة لتقييم الأثر، وضمان استدامة المشاريع التعليمية بعد انتهاء الدعم المباشر.
واقترحا آليات مبتكرة لتحقيق ذلك، مثل إنشاء صناديق لدعم وتطوير التعليم بمساهمات سنوية من أرباح البنوك، والتعاون الوثيق مع المؤسسات التعليمية والمجتمع المدني.
كما دعيا إلى توسيع نطاق الدعم ليشمل التعليم الرقمي، الذكاء الاصطناعي، التعليم الفنى المتخصص المرتبط باحتياجات سوق العمل، وبرامج التعلم مدى الحياة لإعادة تأهيل وتطوير المهارات.
البنوك تضخ مليارات لدعم التعليم
وفى وقت سابق، أكد يحيى أبوالفتوح نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى المصري، أن القطاع المصرفى يضع قطاعى التعليم والصحة على رأس أولوياته التمويلية والاستثمارية، مشيرًا إلى أن محفظة البنك الأهلى المصرى للتعليم بلغت 8 مليارات جنيه.
القطاع المصرفى محرك أساسى للتنمية التعليمية
أكد كريم عبد الرحمن رئيس المعاملات المصرفية الدولية بأحد البنوك الخاصة، الدور المحورى للقطاع المصرفى المصرى كشريك استراتيجى فى التنمية المستدامة، متجاوزًا نطاق التمويل التقليدي.
وأوضح أن مساهمات البنوك فى هذا المجال تتخذ أشكالًا متعددة، تشمل دعم بناء وتجهيز المدارس، وتمويل المعامل التعليمية المتطورة، وتقديم المنح الدراسية للطلاب المتفوقين، إلى جانب الشراكة فى إنشاء المدارس التكنولوجية التطبيقية وتطوير المناهج والأنشطة التعليمية.
وأضاف أن هذا الدور يتجلى بوضوح فى مجال المسؤولية المجتمعية، الذى شهد تحولًا كبيرًا من العمل الخيرى الموسمى إلى استراتيجيات مؤسسية متكاملة ومستدامة، مشيرًا إلى أنه يولى أهمية خاصة لقطاع التعليم، إيمانًا منه بأنه الركيزة الأساسية للتقدم والعدالة الاجتماعية.
نمو غير مسبوق فى الإنفاق المجتمعي
وتُظهر الأرقام الرسمية الصادرة عن البنك المركزى المصرى تصاعدًا لافتًا فى التزام القطاع المصرفى تجاه المسؤولية المجتمعية، فقد بلغ إجمالى مساهمات المصارف العاملة فى السوق المصرية نحو 3.9 مليار جنيه خلال عام 2024، وهو ما يمثل زيادة تقارب %100 مقارنة بعام 2023 الذى شهد إنفاق حوالى 2 مليارًا.
تحدى التمكين العميق للأجيال
ولفت عبد الرحمن إلى أنه على الرغم من هذه الجهود المبذولة، يبقى التحدى الحقيقى فى الانتقال من مجرد الدعم المادى إلى التمكين العميق، أى بناء القدرات البشرية على المدى الطويل، مشيرًا إلى أن هذا التحدى يبرز بوضوح فى التعامل مع فئة الأطفال الأيتام، الذين يواجهون صعوبات تعليمية ونفسية واجتماعية واقتصادية مركبة.
مبادرات ابتكارية لبناء مستقبل الأيتام
واقترح رئيس المعاملات المصرفية الدولية بأحد البنوك الخاصة أنه فى سبيل تحقيق التمكين العميق، يمكن للبنوك تبنى مبادرات مبتكرة، من بينها المقترحات بإطلاق مبادرة وطنية شاملة لكفالة وتعليم وتمكين الأطفال الأيتام، والتى تضمن لهم دعمًا تعليميًا وصحيًا ونفسيًا متكاملًا يمتد حتى سن النضج والاستقلال.
ويمكن أن تشمل هذه المبادرة تغطية المصروفات الدراسية، والتأهيل التقنى والمهاري، وتقديم جلسات دعم نفسى وتربوى منتظم، كما يمكن إشراك موظفى البنوك فى هذه المنظومة عبر نظام “الكفالة المعنوية”، وتوفير معامل تعليم رقمية داخل دور الأيتام، لتدريب الأطفال على مهارات العصر كالبرمجة والذكاء الاصطناعي، وفقًا للخبير المصرفي.
“حساب بكرة” وتوسيع الآفاق المهنية
واقترح إطلاق مبادرة “حساب بكرة”، وهو نموذج ادخارى بسيط يتم فيه فتح حساب لكل طفل يتيم يودع فيه مبلغًا رمزيًا سنويصا يتراكم بفوائد، ويُسلّم للطفل عند بلوغه 18 عامًا، بشرط اجتيازه لمراحل دراسية أو برامج تنموية محددة، مشيرًا إلى أنه لا يقل أهمية عن ذلك، إتاحة الفرصة لهؤلاء الأطفال للتفاعل مع العالم المهنى الواقعى ، من خلال زيارات ميدانية دورية إلى البنوك، المصانع، وشركات التكنولوجيا.
وقال الدكتور عز الدين حسانين الخبير المصرفي، إن مساهمة البنوك فى دعم التعليم ضمن المسؤولية المجتمعية أمرًا بالغ الأهمية ، وذو أثر كبير على المجتمع مشيرًا إلى أنها بصفتها كيانات اقتصادية ضخمة، لديها القدرة على توجيه جزء من أرباحها ومواردها لدعم قطاعات حيوية مثل التعليم، مما يساهم فى تخفيف العبء عن كاهل الحكومة ودعم التعليم بشقيه ما قبل الجامعى والعالي.
وفى وقت سابق كشفت غادة توفيق وكيل محافظ البنك المركزى للمسؤولية المجتمعية، أن الاستثمار فى التعليم يُعد أولوية قصوى ، مشيرة إلى أن البنوك تُشارك بنشاط فى المبادرات والشراكات الناجحة التى تهدف إلى تطوير المنظومة التعليمية.
وأضافت أنه يجرى التعاون حاليًا مع وزارة التربية والتعليم للانتهاء من أربع مدارس جديدة ضمن مجمع مدارس حلوان، والتى ستفتح أبوابها قريبًا، حيث لا يقتصر على البنية التحتية، بل يمتد ليشمل تطوير نماذج ناجحة فى التعليم الفنى بالتعاون مع بنوك كبرى مثل البنك الأهلى ومصر، بهدف إعادة تأهيل العامل المصرى ورفع مستويات الدقة والإنتاجية التى تراجعت فى فترات سابقة.
ويمتد دور القطاع المصرفى ليشمل دعم المنح الدراسية بالشراكة مع مؤسسات تعليمية مرموقة مثل جامعة زويل، وتتبع البنوك نهجًا إداريًا صارمًا فى هذا الصدد، حيث يتم سحب المنحة إذا لم يحقق الطالب المستوى الأكاديمى المطلوب أو الدرجات المحددة، لضمان استفادة الطلاب الأكثر استحقاقًا وفعالية الاستثمار فى رأس المال البشري، وفقًا لوكيل المحافظ.
تحديات قياس الأثر واستدامة المشاريع التعليمية
وعلى الرغم من أهمية هذه المساهمات، يرى «حسانين» أن الأثر الفعلى لمبادرات التعليم يتطلب منهجية علمية شاملة تجمع بين المؤشرات الكمية (Quantitative) والنوعية (Qualitative) لفهم مدى التغيير الإيجابى الذى أحدثته المبادرة على المستفيدين والمجتمع ككل.
وأشار إلى أن هذا الأمر لا يزال بحاجة إلى تطوير فى البنية التحتية الإحصائية لمتابعة النتائج والمستهدفات، حيث أن تقييم الأثر يعتمد على مقارنة الوضع قبل وبعد المبادرات التعليمية، وهذا ليس ممكنًا دائمًا فى برامج المسؤولية المجتمعية.
وتابع أن استدامة المشاريع التعليمية بعد انتهاء الدعم المباشر من البنك تعد تحديًا رئيسيًا، وتدرك البنوك الملتزمة بالمسؤولية المجتمعية هذه النقطة وتسعى لتطبيق آليات تضمن استمرارية الأثر الإيجابي، مؤكدًا أن الهدف ليس مجرد تمويل لمرة واحدة، بل إحداث تغيير مستدام.
ومن هذه الآليات، اقترح حسانين التعاون مع وزارة التربية والتعليم، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، وكذلك مجالس الآباء فى المدارس.
صندوق لدعم وتطوير التعليم
ولتعزيز الاستدامة، يمكن مساعدة وزارة التربية والتعليم فى خلق بيئة منتجة لتوليد إيرادات داخلية من المدارس والجامعات، لذا اقترح الخبير المصرفى إنشاء صندوق لدعم وتطوير التعليم، يُخصص لتطوير المنظومة التعليمية، وتساهم فيه البنوك العاملة فى مصر بنسبة من أرباحها السنوية.
ومن خلال تبنى هذه الآليات، لا يكتفى البنك بتقديم الدعم المالي، بل يصبح شريكًا استراتيجيًا فى بناء أنظمة تعليمية مستدامة وقادرة على التطور والازدهار حتى بعد انتهاء دوره التمويلى المباشر، مما يخفف العبء عن موازنة الحكومة ووزارتى التعليم قبل الجامعى والجامعي، وفقًا للخبير المصرفي.
خطط استراتيجية لتوسيع نطاق المشاركة
وشدد الخبير المصرفى على ضرورة أن يكون لدى البنوك خططًا استراتيجية مستقبلية لتوسيع نطاق مشاركتها فى دعم التعليم، ويمكن تحقيق ذلك من خلال عدة محاور، منها وضع خطط لدعم التعليم الرقمى والذكاء الاصطناعى فى مراحل التعليم الأولى، وتطوير منصات التعليم عن بُعد وإنشاء كوادر فنية مدربة عليها، حيث يمكن أن يكون التعليم عن بُعد، خاصة فى المراحل الأولى، حلًا لتكدس الفصول الدراسية.
وأكد على أهمية وجود خطط لدعم التعليم الفنى المتخصص وربطه باحتياجات سوق العمل، خاصة فى ظل الفرص الجديدة للصناعات المتخصصة مثل الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر وصناعة السيارات الكهربائية والعادية.
دعم المهارات المستقبلية وريادة الأعمال
ورأى أن هناك مجالات جديدة يمكن للبنوك التركيز عليها، مثل دعم برامج تدريب الشباب الذين يحتاجون إلى اكتساب مهارات جديدة للانتقال إلى المستقبل بقوة، من خلال ما يُعرف بـ “التعلم مدى الحياة” (Lifelong Learning)، وخطط إعادة تأهيل المهارات (Reskilling) وتطويرها (Upskilling) فى مجالات مثل الذكاء الاصطناعى واللغات.
وأضاف أن هذه البرامج تشمل مساعدة العاملين الحاليين على تطوير مهاراتهم ومواكبة التطور المهنى المتسارع.
ودعا إلى تحديد برامج لدعم الموهوبين فى جميع المجالات، ودعم ريادة الأعمال (Innovation in Education & Entrepreneurship)، وتشجيع الأفكار الابتكارية للشركات الناشئة التعليمية، ليتحول دعم البنوك للتعليم إلى دعم مستدام للمهارات المستقبلية، التكنولوجيا، الاستدامة، وريادة الأعمال.
