حلّ الدكتور خالد إسماعيل، المؤسس والشريك في صندوق «هيم إنجلز» للاستثمار فى الشركات الناشئة، ضيفًا على حازم شريف، مقدم برنامج CEO Level Podcast، ورئيس تحرير جريدة «المال»، فى حلقة استثنائية تناولت بالتفصيل رحلته الممتدة من عالم الإلكترونيات والبحث العلمي، إلى ريادة الأعمال وتأسيس الشركات التكنولوجية.
فى بداية الحديث، كشف إسماعيل عن تحوّله الذهنى من العمل فى كيانات عملاقة مثل IBM إلى الحنين لفكرة الشركات الصغيرة ذات الحركة السريعة والتجريب المستمر، إذ لفت إلى أن بيئة ريادة الأعمال كانت الأقرب إلى شخصيته، خصوصًا فى ظل التغيرات المتسارعة والتقنيات الجديدة.
الحلقة استعرضت أيضًا كواليس تأسيس شركته الأولى فى مصر عام 2000 لتقديم خدمات التصميم الهندسى فى مجالات مثل الواى فاى والبلوتوث، بالتزامن مع فورة الطلب على تلك الخدمات عالميًا، مشيرًا إلى أن انطلاقته الفعلية جاءت حين قرر تقديم الخدمة لشركة ألمانية دون مقابل مسبق، مخاطرةً أثبتت جدارتها وأرست أساس الثقة.
لكن الفشل لم يكن بعيدًا، فقد تحدث إسماعيل بصراحة عن صدمة مشروع «الواى ماكس»، الذى راهن عليه بكل ما يملك من موارد بشرية وتقنية، قبل أن يتوقف عالميًا ويتركه أمام خسارة كبيرة، مؤكدًا أن هذا الإخفاق بالذات كان دافعًا لإعادة التقييم والانطلاق نحو مشروع جديد أكثر وعيًا واستقلالًا.
فى الختام، عرض «إسماعيل» الدروس المستفادة من تلك الرحلة، وكيف أسس مع فريقه المصرى منتجًا عالميًا جديدًا تم الاستحواذ عليه لاحقًا ضمن صفقة شملت عدة شركات تقنية، مؤكدًا أن الثقة، والالتزام الأخلاقي، والتعلم من الفشل، هى الركائز التى صنعت كل نجاح حققه لاحقًا.
وإلى نص الحوار:
● حازم شريف: حلقة اليوم أتوقع أن تكون من العيار الثقيل، وضيفى من الشخصيات التى أعتز كثيرًا باستضافتها. هو من نوعية الضيوف الذين يجمعون بين جانبين أساسيين: وجه أكاديمى متميز، ودراسات متميزة فى جامعات مرموقة، وفى الوقت نفسه، خبرة عملية وتطبيقية، سواء فى مجاله العلمى أو فى مجال الأعمال والاستثمار.
يسعدنى أن أرحب اليوم بالدكتور خالد إسماعيل، المؤسس والشريك فى صندوق «هيم إنجلز» للاستثمار فى الشركات الناشئة.
د. خالد إسماعيل: أهلًا وسهلًا بك أستاذ حازم.
● حازم شريف: كما جرت العادة، نريد أن نتعرف على البدايات الدراسية والأكاديمية، ثم المسار المهنى حتى النهاية؟
د. خالد إسماعيل: أولًا شرف كبير لى أن أكون معك اليوم فى هذه الحلقة، وإن شاء الله تكون مثمرة للمستمعين، دائمًا حين يسألنى أحد عن رحلتى التعليمية، أبدأ مبكرًا جدًا، منذ الحضانة والمدرسة، لأننى كنت أدرس فى المدرسة الألمانية، وقد أثرت بى كثيرًا، ليس فقط من ناحية التعليم، بل من حيث التربية والانضباط، وهما أمران كان لهما تأثير بالغ فى حياتى لاحقًا، وأنا فخور جدًا بكونى خريج هذه المدرسة، وأذكر ذلك دائمًا، ورغم ميولى الأدبية التى تأثرت بالوالدين، اخترت دخول كلية الهندسة بجامعة القاهرة.
● حازم شريف: عرفنا أكثر عن الوالد والوالدة، حتى تكتمل الصورة.
د. خالد إسماعيل: والدى هو الدكتور عز الدين إسماعيل، وكان عميد كلية الآداب بجامعة عين شمس، كما ترأس الهيئة العامة للكتاب، وأكاديمية الفنون، ووالدتى كانت الدكتورة نبيلة إبراهيم، أستاذة الأدب الشعبى بكلية الآداب – جامعة القاهرة، وكانت أيضًا رئيسة المركز القومى للفولكلور، فقد نشأت فى بيت كله أدب وثقافة.
● حازم شريف: ومع ذلك قررت دخول الهندسة؟
د. خالد إسماعيل: نعم بالفعل، وقتها كان هناك قسم «الاتصالات والإلكترونيات»، تخرجت فيه عام 1982، وتم تعيينى معيدًا، ثم بدأت المسار الأكاديمى التقليدى بالحصول على الماجستير والدكتوراه، تمهيدًا لأن أصبح أستاذًا جامعيًا.
● حازم شريف: كم سنة بقيت معيدًا؟
د. خالد إسماعيل: بقيت معيدًا حتى أنهيت الماجستير.
● حازم شريف: ومن أين حصلت على الماجستير؟
د. خالد إسماعيل: حصلت عليه من جامعة القاهرة، لكننى كنت أبحث عن تجربة مختلفة، فوجدنا طريقة تسمح ببدء الماجستير فى مصر ومناقشته فيها، مع إمكانية تنفيذ أجزائه بالخارج.
سافرت إلى ألمانيا لتنفيذ الجزء العملي، ثم إلى فرنسا للجزء النظري، وعدت لمناقشة الرسالة فى مصر، هكذا ساهمت 3 دول فى هذه الدرجة العلمية.
● حازم شريف: ما كان موضوع الماجستير؟
د. خالد إسماعيل: كان فى مجال الإلكترونيات، وكنت أعمل على مشروع لم يسبق تنفيذه من قبل.
● حازم شريف: جديد على مصر أم عالميًا؟
د. خالد إسماعيل: عالميًا، عندما وصلت للمعمل فى ألمانيا، كنا نجرب الأمر معًا، وكانت أول مرة أتعامل فيها عمليًا مع هذه الأدوات، كنت أريد صناعة نوع ترانزستور «مقاومة» معينة، باستخدام مادة لم تكن مستخدمة من قبل، وفى ألمانيا كانت المرة الأولى لرؤية تلك المواد عمليًا، لأن التعليم فى جامعة القاهرة كان نظريًا بحتًا.
وقد تعرضت لبعض السخرية فى البداية من زملائى الألمان نظرًا لكونها المرة الأولى، لكن خلال فترة قصيرة، تمكنت من إحراز تقدم كبير، بل إننى سجلت برائتين اختراع هناك، وأصبحوا يستشهدون بما قمت به، وأعجب الأستاذ المشرف جدًا بالنتيجة، وطلب منى أن أعود لاستكمال الدكتوراه معه.
وكنت على وشك العودة، لكننى تلقيت قبولًا من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (Massachusetts Institute of Technology - MIT)، وهو من أفضل جامعات العالم، خاصة فى الهندسة والإلكترونيات، حين أبلغت أستاذى الألماني، شجعنى على الذهاب، وقال لي: «لا تفرّط فى هذه الفرصة، حتى إن كنت أتمنى بقاءك».
● حازم شريف: وفى أى سنة كان ذلك؟
د. خالد إسماعيل: سنة 1985 سافرت إلى أمريكا وبدأت الدكتوراه، وأنهيتها عام 1989.
● حازم شريف: وما كان موضوع رسالة الدكتوراه؟
د. خالد إسماعيل: كنت أمام خيار مواصلة ما بدأته فى الماجستير، وكان ذلك أسهل، لكننى بطبعى لا أحب الطرق السهلة، فحين عرض عليّ الأستاذ المشرف عدة اختيارات، اخترت أصعبها، لأنه لم يكن أحد قد نفذه من قبل. كنا نعمل على ربط الإلكترونيات بالموجات الكهرومغناطيسية، وهو موضوع معقد للغاية، وبحلول عام 1987، كنت قد طورت أصغر ترانزستور فى العالم فى ذلك الوقت، وقد تم تنفيذه فعليًا بعد نحو عقدين، فى عام 2016.
● حازم شريف: استغرق كل هذا الوقت لتنفيذه؟
د. خالد إسماعيل: نعم، كنا سابقين لعصرنا بكثير، وهذا البحث أسفر عن عدد كبير من الأوراق العلمية، نُشر العديد منها فى اليابان، وقد دعيت لأكون أستاذًا زائرًا هناك، رغم أننى لم أكن قد أنهيت الدكتوراه بعد.
● حازم شريف: أصبحت أستاذًا هناك وأنت لا تزال طالبًا!
د. خالد إسماعيل: نعم، لأن العمل الذى قدمته كان متميزًا بحق. لكن لا يمكننى نسب الإنجاز لى وحدي، البيئة التى كنت أعمل فيها كانت داعمة للغاية، فى جامعة MIT الأساتذة والزملاء والمختبرات، كل ذلك مكمل لمسار أى باحث، إذ إن البيئة هى عنصر حاسم فى تحفيز الفرد، ولو كنت فى مكان آخر، ما كنت لأحقق هذا التقدم.
● حازم شريف: إذًا فى عام 1989 أنهيت الدكتوراه، وكان موضوعها غير مسبوق. ماذا فعلت بعدها؟ هذه لحظة فاصلة، أنت شاب صغير، وتحمل دكتوراه من واحدة من أفضل كليات الهندسة فى العالم، لا شك أن الخيارات أمامك كانت صعبة.
د. خالد إسماعيل: دائمًا ما تكون الخيارات صعبة، لكنها فى أمريكا تُعتبر جميعها فرصًا جيدة، أنا كنت مهيأً ذهنيًا للعودة إلى مصر والعمل فى التدريس، لكن وفقًا للقانون، كان من حقى البقاء سنة ونصف فى أمريكا بعد الدكتوراه للعمل، وهو ما فعلته.
وخلال تلك الفترة، عُرضت على فرص كثيرة، أبرزها من مركز أبحاث شركة «IBM»، والذى كان الأكبر عالميًا فى مجالى وقتها، وعملت معهم خلال تلك السنة والنصف، ثم صرت أزورهم كل صيف لمدة ثلاثة أشهر، أعود بعدها للتدريس فى مصر.
● حازم شريف: كنت تذهب إلى أمريكا بصفتك استشاريًا أم باحثًا عمليًا؟
د. خالد إسماعيل: كنت أعمل فى المختبر، أكمل تجاربى خلال تلك الأشهر الثلاثة، وكنت أحقق خلال تلك الفترة إنجازات تُعادل عمل عام كامل، حيث كانوا يدفعون راتب ثلاثة أشهر، لكن يحصلون على إنتاج سنة.
● حازم شريف: هل كنت متزوجًا فى ذلك الوقت؟
د. خالد إسماعيل: نعم، كنت متزوجًا ولديّ أطفال، لكن بصراحة، كنت مهووسًا بالعمل، وأولوياتى كانت واضحة جدًا – للأسف -، وأعترف أن ذلك لم يكن أمرًا جيدًا.
● حازم شريف: وماذا ترتب على ذلك؟
د. خالد إسماعيل: ترتب عليه أننى لم أشهد مراحل نشأة أولادى كما يجب، كبروا بسرعة، والحياة الاجتماعية كانت محدودة للغاية.
وخلال وجودى هناك، كنت أعمل من 17 إلى 18 ساعة يوميًا، 7 أيام فى الأسبوع، بلا عطلات أو نهايات أسبوع، وكنت أضغط نفسى بشكل هائل لتحقيق أكبر قدر ممكن من الإنجاز فى أقصر وقت.
● حازم شريف: ما المنتجات أو الابتكارات التى خرجت من تلك الفترة؟ ومتى بدأت؟ ومتى أنهيت زياراتك؟
د. خالد إسماعيل: بدأت من عام 1991، وواصلت الزيارات حتى 1995 تقريبًا، كنت أذهب سنويًا إلى أمريكا لثلاثة أشهر، وخلال كل سنة، كنت أنشر ما بين 10 إلى 12 بحثًا، بالإضافة إلى تسجيل اثنين أو ثلاثة من براءات الاختراع فى الولايات المتحدة.
ومن أبرز الإنجازات التى حققتها آنذاك كانت تجربة مادة جديدة لم تكن معروفة بعد، ونجحت فى إثبات أنها أفضل من السيليكون المستخدم فى تكنولوجيا الإلكترونيات، وكانت مادة هجينة من السيليكون مع مادة أخرى تسمى «الجيرمنيوم»، ونجحت فى جعل الإلكترونات تتحرك فيها بسرعة غير مسبوقة. هذا تم فى عام 1994، وما زالت تلك النتائج تُستخدم حتى اليوم.
● حازم شريف: هل تم استخدام هذه المادة فعليًا فيما بعد؟
د. خالد إسماعيل: نعم، تُستخدم اليوم وتحقق أرباحًا فعلية، وتم تصنيع منتجات تجارية قائمة عليها.
● حازم شريف: هل يمكنك أن تخبرنا بأهم التطبيقات التى ارتبطت بأبحاثك خلال تلك الفترة؟ هل هناك شيء تراه اليوم وتقول: «أنا كنت جزءًا من هذا”؟
د. خالد إسماعيل: تقريبًا كل جهاز نستخدمه اليوم – مثل الهواتف المحمولة، أو أجهزة الحاسوب المكتبية والمحمولة – يحتاج إلى مكونات إلكترونية فائقة السرعة من أجل تحقيق اتصال سريع، والتكنولوجيا التى طورناها تُستخدم فى هذه الدوائر، فأصبحت موجودة فى كل مكان، ولم تعد محصورة فى مختبرات أو تطبيقات محدودة، وبداية دخولنا هذا المجال كانت فى التسعينيات.
وهناك قصة لطيفة فى هذا السياق، أحب أن أرويها: كنت على وشك كتابة ورقة علمية عن تجربة فاشلة، أمضيت ثمانية أشهر فى محاولات متكررة، وكل محاولة كانت تتطلب شهرين من العمل المضني، لكنها كانت تنتهى بالفشل، والمادة لم تكن تُظهر نتائج، وكل من سبقنى فشلوا أيضًا، فبدأت أقول لنفسي: «هل سأكون المختلف؟ أنا أيضًا لم أحقق شيئًا. فقررت أن أكتب ورقة تحليلية عن أسباب الفشل، حتى لا يكرر من بعدى الأخطاء نفسها.
عرضت الورقة على أستاذى المشرف، لكنه كان مسافرًا وتأخر فى الرد، وخلال هذه الفترة، قررت أن أجرب فكرة خطرت لي: طلبت من زميلى «جاك» أن نجرب نقطة معينة شعرت أنها قد تُحدث فرقًا، وفى اليوم التالي، ظهرت نتائج مذهلة.
● حازم شريف: كنّا فى أى مرحلة تحديدًا؟ ماذا كنت تحاول فعله بالضبط وقتها؟
د. خالد إسماعيل: كنت أحاول دمج مادتين معًا رغم أنهما لا «يتحملان» بعضهما البعض، كما نقول.
● حازم شريف: ولماذا كنت تفعل ذلك؟ أو من أجل ماذا؟
د. خالد إسماعيل: كنت أسعى للحصول على مادة ثالثة، خلطة جديدة، بمواصفات تجعل حركة الإلكترونات أسرع بكثير، وبالتالى تنتج أداءً أسرع من المواد التقليدية، والمشكلة أن المادتين اللتين نحاول دمجهما مختلفتان من حيث التركيب الذري: ذرات إحداهما كبيرة، والثانية صغيرة، وعند الجمع بينهما تحدث اضطرابات فى البنية، وهذه الاضطرابات تبطئ حركة الإلكترونات بدلًا من تسريعها.
● حازم شريف: إذًا كانت النتيجة فى البداية عكس ما تطمح إليه؟
د. خالد إسماعيل: بالضبط، كل من سبقونى وصلوا للنتيجة نفسها: الإلكترون يتحرك ببطء، لكننى قمت بحيلة هندسية تسمح للمادتين أن «يتعايشا» فى سلام، وهكذا نجحنا فى الحفاظ على سرعة الإلكترون العالية.
● حازم شريف: مرحلة الاختراعات وبراءات الاختراع، والتنقل بين مصر وأمريكا – حيث تدرس فى مصر، وتعمل فى المعامل الأمريكية بالصيف – كم استمرت هذه المرحلة؟
د. خالد إسماعيل: استمرت حتى عام 1995، وكنت قد وصلت إلى درجة من الإرهاق الشديد، فقررت أن آخذ إجازة لمدة عامين من عملى فى الجامعة، وأتفرغ خلالها بالكامل للمعمل هناك بدلًا من التنقل ذهابًا وإيابًا.
● حازم شريف: وأين قضيت هذين العامين؟
د. خالد إسماعيل: قضيتهما بالكامل فى المعمل، وكانا من أكثر الفترات المكثفة فى حياتي، وأنجزت خلالهما عددًا هائلًا من الأبحاث وبراءات الاختراع، كما شاركت فى مؤتمرات علمية فى مختلف أنحاء العالم، وزرت خلالها جامعات كبرى فى اليابان وأوروبا وأمريكا، وفعليًا، هذان العامان يعادلان 20 سنة من العمل.
ورغم أننى قضيت سنوات طويلة فى أمريكا، لم أشترِ منزلًا هناك أبدًا، ولم أنشئ حياة مستقرة كالتى ينشئها الأمريكيون، كنت دائمًا أعلم أننى سأعود إلى مصر، فقط كنت أنتظر الفرصة المناسبة.
● حازم شريف: ومتى شعرت أن الجامعة لم تعد هى مكانك؟
د. خالد إسماعيل: عندما عدت إلى الجامعة، بدأت أكتشف أنها ليست كما تخيلتها. نشأت فى بيت جامعى – والدى ووالدتى كانا من أبرز أساتذة الجامعة – وكانت صورة أستاذ الجامعة فى نظرى مقدسة، وله مكانة كبيرة فى المجتمع. لكننى وجدت أن هذه الصورة لم تعد واقعية.
● حازم شريف: إذًا قررت ترك الجامعة؟
د. خالد إسماعيل: نعم، فى عام 1995 كنت لا أزال فى إجازة، ثم فى عام 1997 قررت الاستقالة، ورئيس القسم وقتها كان رجلًا محترمًا للغاية، وكان يحبنى كثيرًا، وقال لي: «لماذا لا تأخذ إجازة طويلة؟»، فقلت له: «الموضوع انتهى، القرار نهائي”. حاول إقناعي، وكنت ممتنًا لذلك، لكننى قلت له: «لن أُحدث الفارق هنا، ربما أصنعه فى مكان آخر. المهم أن يجد الإنسان طريقه”.
● حازم شريف: وهل كنت قد وجدت هذا الطريق الجديد؟
د. خالد إسماعيل: كنت بصدد تجربة طريق جديد تمامًا بالنسبة لي، وفى ذلك الوقت التقيت بالمهندس أحمد عز – كنا أصدقاء طفولة، نلعب سويًا فى النادي، لكننا لم نتقابل منذ سنوات.
ودعانى للعمل معه. سألته: «ماذا لديك؟»، فقال: «مصانع حديد، وسيراميك، وغيرها”. قلت له: «أنا متخصص إلكترونيات!»، لكنه قال: «تعال وجرّب”. وأنا بطبعى مغامر، والمغامرة أعجبتني، فوافقت.
● حازم شريف: وكيف بدأت هناك؟ هل كان لك دور واضح من البداية؟
د. خالد إسماعيل: لا، لم يكن هناك دور محدد. قال لي: «تعال وابدأ معنا”. كان يبحث عن أشخاص جيدين، هذا كان فكره، فقلت له: «دعنى أبدأ بإعداد دراسة أقول فيها رأيى فى الوضع الحالي”.
وبدأت بمصنع السيراميك التابع لشركة الجوهرة، دخلت أتفرج، ولم أكن أعرف شيئًا عن السيراميك، لكن من خلفيتى العلمية، لاحظت أن هناك تشابهًا بين الإلكترونيات والسيراميك – علم المواد، الأفران، التقنيات، كلها كانت مألوفة بالنسبة لي.
وبدأت أطبق ما تعلمته على هذا المجال الجديد، والتعلم بالنسبة لى شيء ممتع دائمًا، وتعلّمت بسرعة، وخلال شهرين أصبحت فاهمًا جيدًا لصناعة السيراميك، وأعجب أحمد عز بالدراسة التى قدمتها له، وقرر تعيينى رئيسًا لشركة الجوهرة للسيراميك.
● حازم شريف: الدراسة التى قدمتها... ماذا كانت تتضمن بالتحديد؟ هل بدأت بدراسة المنتج النهائى مثلًا؟
د. خالد إسماعيل: عندما بدأت، كنت أراقب عملية التصنيع كاملة: كيف يخرج المنتج، كيف يتم تصنيفه كفرز أول أو ثانٍ، أين توجد مواطن الكفاءة؟ كيف تسير سرعة الإنتاج؟ كنت أدرس المصنع ككل، من مدخلاته إلى مخرجاته.
● حازم شريف: أى أنك كنت تبحث فى سبل تحسين الإنتاجية، وتقليل الفاقد مثلًا، وما إلى ذلك؟
د. خالد إسماعيل: بالضبط، درست مراحل الإنتاج خطوة بخطوة، ووضعت تصورًا لما يجب فعله، وما يجب تجربته، وما هو خارج نطاق التجربة ويستدعى الاستعانة بخبراء خارجيين.
وقدمت رؤية شاملة لكيفية تحسين الصناعة، وعندما بدأ التحسين فعليًا، انخرطت فى كافة الجوانب، من التصنيع إلى المبيعات، وبدأت أتعامل مع التجار مباشرة.
● حازم شريف: هذه كانت نقلة كبيرة!
د. خالد إسماعيل: بالطبع، لم أكن قد خضت تجربة البيع من قبل، كانت أول مرة فى حياتى أبيع منتجًا.
● حازم شريف: وهل كنت قد درست إدارة الأعمال فى ذلك الوقت؟
د. خالد إسماعيل: إطلاقًا، لم يكن لدى أى خلفية عن ذلك، حتى قراءة الميزانيات لم أكن أعرف عنها شيئًا، لكننى اضطررت أن أتعلم بسرعة لأننى أصبحت مسئولًا عن شركة، وعن ميزانياتها، وتدفقاتها النقدية، وكل التفاصيل المرتبطة بها، وكنت أتعلم وأطبق فى آنٍ واحد. لكنها كانت تجربة ممتعة ومثرية.
● حازم شريف: بدأت هذه المرحلة فى 1997، أليس كذلك؟
د. خالد إسماعيل: نعم، واستمرت حتى عام 2000.
● حازم شريف: وكيف انعكس هذا على أداء الشركة؟
د. خالد إسماعيل: فى عام 1998، طُرحت الشركة فى البورصة، وكانت تتمتع بربحية مرتفعة، وبدأنا ننتج منتجات ذات جودة عالية، وركزنا على النوعية وسمعة العلامة.
ومنذ ذلك الوقت، بدأت «الجوهرة» تُعرف فى السوق بتميزها من حيث الجودة والكفاءة. توسعنا فى التصدير، وسافرت بنفسى إلى ألمانيا واليونان، ونجحنا فى تصدير منتجاتنا إلى مختلف أنحاء العالم.
● حازم شريف: إذًا، فى عام 2000 أنهيت هذه المرحلة فى مصنع الجوهرة. الشركة كانت ناجحة، وحققت أرباحًا، وتم طرحها فى البورصة، وكان هذا بمثابة فصل جديد تمامًا عن عالم المعامل والاختراعات.. فلماذا قررت المغادرة؟
د. خالد إسماعيل: صحيح، لكننى شعرت أن القادم سيكون مجرد تكرار، قدمت للشركة قفزة كبيرة، وتعلمت الصناعة، وكنا نحن الطرفين – الشركة وأنا – فى حالة رضا.
وكان عليّ أن أستشعر اللحظة المناسبة لبدء تجربة جديدة، وأنا من النوع الذى يفضل المضى قدمًا نحو تحدٍ جديد بدلًا من التمادى فى منطقة الراحة، حيث أشعر أنه مع الوقت، يقل العائد.
● حازم شريف: هل شعرت أنك بعيد تمامًا عن ما تعلمته فى الدراسة والعمل الأكاديمي؟
د. خالد إسماعيل: بالطبع. كنت قد استثمرت 15 عامًا من عمرى فى مجال الإلكترونيات والبحث العلمي، وشعرت حينها أن كل هذا الاستثمار ربما يتبخر، كما لو أننى درست الطب، ثم عملت مهندسًا، كان الأمر مُربكًا، خصوصًا أننى كنت أحب ما فعلته سابقًا، ولم يكن مجرد مسار فُرض عليّ.
● حازم شريف: وبما أنك تحب هذا المجال... ماذا فعلت لتعود إليه أو تحقق منه عائدًا أفضل على مجهودك؟
د. خالد إسماعيل: بدأت أحنّ مجددًا لفكرة ريادة الأعمال، رغم أننى كنت وقتها قد عملت فى شركة عملاقة، مؤسسة ضخمة بكل المقاييس، لكن جذبنى مجددًا ذلك الحنين للشركات الصغيرة، لتلك الأجواء المليئة بالحركة والتجريب، حيث يمكنك أن تغيّر كل أسبوع، تجرب فكرة جديدة، وتتحرك بخفة. هذا النوع من السرعة يصعب تحقيقه داخل الشركات الكبرى، رغم أننا كنا نحاول إجراء بعض التغييرات، لكن الأمر ليس بتلك السلاسة.
● حازم شريف: هل هذه الرغبة كانت ناتجة عن تجربة سابقة فى مجال ريادة الأعمال؟
د. خالد إسماعيل: ليس تمامًا، لم أكن قد خضت تلك التجربة بشكل مباشر، لكن الفكرة راودتني، وكنت أفكر أن هذا النوع من الشركات قد يكون الأنسب لى فى تلك المرحلة.
ثم التقيت بأحد الأشخاص الذين تعرفت إليهم أثناء عملى فى «IBM»، حيث كنا قد استحوذنا على شركته فى وقت سابق، وقد أسس شركة جديدة وقتها، وكانت تلك فترة «فقاعة الدوت كوم»، وكانت المنافسة شديدة على توظيف المهندسين فى الولايات المتحدة، لدرجة أنه من شبه المستحيل أن تجد مهندسًا متاحًا للعمل.
وكان بصدد تأسيس شركة تعمل على تطوير نسخة محسنة من تقنيات الواى فاي، التى كانت لا تزال جديدة نسبيًا فى عام 2000. قال لي: «أريد منك أن تدير فريقًا فى مصر، أحتاج من 20 إلى 30 مهندسًا موهوبًا، وسنبدأ من هناك».
فأجبته فورًا أن لدينا طلابًا ممتازين فى جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية، وسأتمكن من اختيار الأفضل. وبالفعل بدأت الرحلة.
● حازم شريف: كان ذلك فى عام 2000؟
د. خالد إسماعيل: نعم، بالضبط عام 2000، وبدأنا نعمل مع مجموعة رائعة من الشباب، كانوا على درجة عالية من الكفاءة والالتزام.
● حازم شريف: هل دخلت كشريك فى الشركة الجديدة؟
د. خالد إسماعيل: لا، لم أكن شريكًا، كنت موظفًا فقط، أعمل نائباً لرئيس الشركة، وأدير فرعها فى مصر.
واستمر التعاون قرابة عام ونصف، وفى تلك الفترة، كان هناك أكثر من 100 شركة حول العالم تعمل فى مجال تطوير تقنيات الواى فاي، أغلبها فى أمريكا.
ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر، انهار التمويل فجأة، وصاحب الشركة كان قد حصل على تمويل يكفينا لعام ونصف، وكان يخطط لجولة تمويل أخرى، لكنها لم تأتِ أبدًا.
● حازم شريف: إذًا لم يعد هناك تمويل، وتوقفت الشركة؟
د. خالد إسماعيل: نعم، عدد الشركات العاملة فى مجال الواى فاى تقلص فجأة من 120 إلى 3 شركات فقط، وكنا نحن واحدة منها، ثم جاء القرار بإغلاق الفرع فى مصر، بل وإغلاق الشركة بالكامل، وكانت تلك أول صدمة حقيقية فى حياتى المهنية.
● حازم شريف: أول مرة تشعر فيها بالفشل؟
د. خالد إسماعيل: بالضبط. أنا كنت معتادًا على النجاح دائمًا، كنت من الأوائل فى دراستي، ثم فى الأبحاث، ثم فى مسيرتى المهنية، وفجأة أجد نفسى فى شركة تُغلق أبوابها بالكامل، وكانت صدمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
● حازم شريف: كيف تعاملت معها؟ كيف تأملت تلك التجربة؟
د. خالد إسماعيل: تعاملت معها بعقلانية. صاحب الشركة ببساطة لم يعد لديه تمويل. لم يكن أمامه خيار سوى الإغلاق. وأنا قررت أن أرى الجانب الإيجابى فى الأمر، إذ إن تلك الصدمة نتج عنها كل شيء، جيد منذ 2001 وحتى الآن، كنت قد كوّنت فريقًا رائعًا فى مصر: ثلاثون مهندسًا من الأوائل فى دفعاتهم، عملوا بكل جدية وكفاءة، ولم تكن هناك أخطاء تُذكر، فقلت لنفسي: لماذا لا أؤسس شركة جديدة، نستثمر فيها هذا الفريق المميز؟
● حازم شريف: ومن هنا جاءت نقطة التحول؟
د. خالد إسماعيل: تمامًا، أذكر أنني، بعد أسبوعين فقط من إغلاق الشركة، كنت قد بدأت التواصل مع شركة ألمانية لبدء مشروع جديد، وحصلنا على عقد تعاون.
● حازم شريف: وما نشاط الشركة الجديدة؟ ما نوع الخدمة أو المنتج الذى كنتم تعملون عليه؟
د. خالد إسماعيل: كانت الخدمة ببساطة أن تطلب ما تحتاج إليه، وسأوفر لك فريقًا قادرًا على تصميمه، كان لدينا مهندسون ممتازون يتمتعون بخبرة حقيقية فى تصميم الأنظمة الإلكترونية، قادرين على تنفيذ مشاريع شديدة التعقيد بجودة عالية.
● حازم شريف: أى أنكم كنتم أشبه بشركة تصميم هندسى أو حلول تكنولوجية تعمل لصالح شركات أخرى؟
د. خالد إسماعيل: بالضبط، كان لدى فريق عمل مؤهل قادر على تصميم ما يطلبه العميل بدقة، ولم يكن لدينا منتج خاص بنا فى البداية، بل كنا نقدم خدمة التصميم كفريق خارجي، من يريد تصميم نظام واى فاي، أو بلوتوث، أو أى نظام إلكترونى آخر، يأتى إلينا، فنقوم بتصميمه له مقابل سعر مناسب جدًا. هذه كانت الفكرة الأساسية.
وبصراحة، استلهمت هذا النموذج من التجربة الهندية فى مجال التعهيد، بعد أن درست نموذجهم الاقتصادى جيدًا، فى بداية الألفينيات، كانت الهند قد حققت طفرة كبيرة فى مجال «السوفت وير» والخدمات المُصدّرة، إذ كان لديهم عشرات الملايين من المهندسين يكتبون الأكواد، وتُباع خدماتهم بثلاثة أضعاف التكلفة، فتنمو الشركات وتحقق أرباحًا هائلة، فقلت: لمَ لا نكرر الفكرة نفسها فى مصر؟ صحيح أن حجمنا أصغر، لكن الفكرة قابلة للتنفيذ.
● حازم شريف: إذًا قررت تأسيس شركة... وما الاسم الذى أطلقته عليها؟
د. خالد إسماعيل: اخترت لها اسمًا يحتمل التأويل، «SySDSoft» لأننا كنا نخطط لتقديم عدة خدمات فى آنٍ واحد، من بينها البرمجيات، والتصميم، والأنظمة، فأردنا اسمًا مرنًا يتسع لكل تلك الخدمات، واخترنا اسمًا يجمع بينها بشكل ذكى ضمن كلمة واحدة.
● حازم شريف: وهذا يعكس أنه لم يكن هناك منتج محدد فى البداية، فقط خدمة مرنة.
د. خالد إسماعيل: بالضبط. لم يكن لدينا منتج ثابت، بل كنا نقدم خدمات تعهيد لشركات تبحث عن جودة عالية مقابل تكلفة مناسبة. كنا نستفيد ونتعلم من كل مشروع، ونكسب منه كذلك.
● حازم شريف: لكنك لم تكن تطرح منتجًا باسمك، بل تُنفذ طلب العميل مباشرة.
د. خالد إسماعيل: صحيح. العميل هو من يحدد ما يحتاجه، ونحن ننفذه له بالكامل، ثم أضفنا إلى الفريق قسماً متخصصًا فى تصميم الدوائر الإلكترونية، من يريد دائرة إلكترونية مخصصة، كنا نوفرها له ضمن حزمة تعهيد متكاملة تشمل البرمجيات والعتاد. كنا جاهزين لأى نوع من التصميمات التقنية.
● حازم شريف: وهذه كانت مهارتك الأساسية، صحيح؟
د. خالد إسماعيل: نعم، تصميم الدوائر الإلكترونية كان اختصاصي. وتوسعنا فيه بشكل كبير.. والحمد لله، جاءت البداية موفقة جدًا، فمع أول خطواتنا، تواصلت معنا شركة ألمانية، وكان ذلك توفيقًا من الله.
● حازم شريف: وماذا كان المطلوب منكم فى هذا التعاقد؟ هل تتذكر أول مشروع؟
د. خالد إسماعيل: نعم، كان التعاقد على تصميم نموذج أولى لتقنية بلوتوث، لشركة ألمانية أرادت تصميمًا خاصًا بها، ونحن تولّينا مهمة إعداد هذا النموذج ليُستخدم فى تطوير منتجهم.
وكانت الجرأة، أخبرتهم أننى لن آخذ منهم أى أموال مقدمًا.. قلت لهم: دعونى أنجز المشروع، وإذا أعجبكم، يمكنكم الدفع، وإذا لم يعجبكم، فلا تدفعوا شيئًا.
كنت أعلم أن أحدًا لم يكن يثق فى الشركات المصرية بهذا المجال حينها، لذلك، لم أضع أى عوائق فى طريقهم، وراهنت على نفسى وفريقي.
● حازم شريف: ولكن لا بد أن نشير إلى نقطة مهمة... أنت شخص لديك خلفية علمية قوية، ما يجعل الناس تقرر أن تراهن عليك ولو بشكل جزئي، وهذا قد لا ينطبق على الجميع.
د. خالد إسماعيل: بالتأكيد، هذا يساعد كثيرًا، أنا لم أنفذ المشروع بنفسي، بل كنت أدير فريقًا متميزًا من المهندسين هم من قاموا بالعمل.
ولكن عنصر الثقة لعب دورًا محوريًا، وما أقصده بالثقة هنا ليس فقط الكفاءة الفنية، بل الأمانة، والالتزام، والصدق، وعندما يكون المرء معروفًا بسجله النظيف، فإن احتمالات الوثوق به تكون أعلى بكثير.
● حازم شريف: وكم استغرق تنفيذ هذا العقد الأول؟
د. خالد إسماعيل: لم يكن عقدًا واحدًا وانتهى، بل استمر العمل معهم سنوات، كلما أنجزنا مشروعًا، عادوا إلينا بمشروع جديد.
● حازم شريف: أى أن العلاقة امتدت لدرجة أنكم لم تعودوا تعرفون أين تنتهى المهام، واستمرت الطلبات تباعًا.
د. خالد إسماعيل: تمامًا، وبعد فترة، تم بيع الشركة الألمانية، واستمر التعاون مع الجهة الجديدة، ثم بيعت مرة أخرى، ومع ذلك استمرت العلاقة، وكأن القدر كان يرتب الأمور لصالحنا.
● حازم شريف: فى عام 2022، كنت قد واصلت تطوير شركتك، وحصلت على عقود خارجية، وبدأت تتوسع فى مجال الشرائح الإلكترونية، أليس كذلك؟
د. خالد إسماعيل: التطور حدث بشكل مختلف. ما اكتشفته مع مرور الوقت، وتحديدًا بحلول عام 2004، أننا أصبح لدينا ما بين 40 إلى 50 مهندسًا، وكنا نحقق أرباحًا جيدة، لكننا كنّا نُنتج ملكية فكرية لصالح الآخرين. تساءلت: لماذا تفعل الهند ذلك؟ لأن لديهم عددًا هائلًا من المهندسين، يمكنهم تعيين ألف مهندس بسهولة، ويحققون بذلك أرباحًا ضخمة. ألف مهندس، كل واحد يكلف 20 ألف دولار فى السنة، يمكن أن يدرّوا عشرين مليون دولار أرباحًا.
أما أنا، فلم أكن أجد هذا العدد، كنت بالكاد أُخرج من سبعة إلى ثمانية مهندسين سنويًا بالمواصفات التى أبحث عنها. كنت أقوم بإجراء المقابلات بنفسى مع أوائل خريجى عين شمس، والقاهرة، والإسكندرية، وفى النهاية كنت أصل إلى عشرة أو خمسة عشر شخصًا فقط. بالطبع الوضع تحسّن لاحقًا، لكن فى ذلك الوقت كان هذا هو المتاح، فبدأت أدرك أن هذا النموذج لا يصلح لدينا، لأنك تعمل كثيرًا دون أن تبنى شيئًا لنفسك، تبيع فقط ما تصنعه للغير.
قلت لنفسي: إذا كنا نعمل بعدد محدود، فيجب أن نمتلك التصميمات ونبيعها نحن، بحيث تبقى القيمة داخل الشركة، وكان الرهان وقتها على تكنولوجيا جديدة اسمها «واى ماكس»، والتى كانت مُرشحة لأن تنافس الجيل الرابع «4G» والاتصالات اللاسلكية. وتبنّتها حينها شركة «إنتل»، وقالوا إنها المستقبل، وتأسس لها كونسورتيوم، وحدث حولها ضجة كبرى.
قلنا: لنسبق الجميع ونُصمم البرنامج التشغيلى لـ”الواى ماكس»، وفعلاً سبقنا الجميع، وطورنا برنامجًا عبقريًا. عملنا مع واحدة من أفضل شركات تايوان، وكذلك شركات فى كندا وغيرها. لكن، كما يُقال: «تجرى الرياح بما لا تشتهى السفن»، فقد فشلت تكنولوجيا «الواى ماكس» نفسها. «إنتل» تخلت عنها، ومعظم الشركات الكبرى فضّلت الاستمرار فى طريق الجيل الثالث والرابع والخامس لاحقًا. وهكذا أصبح كل استثمارى فى هذه التقنية عديم الجدوى، فبالكاد، استعدنا تكلفة الاستثمار، بعد محاولتين فقط، ثم انتهى كل شيء، فكانت صدمة بلا شك.
● حازم شريف: الصدمة الثانية.
د. خالد إسماعيل: نعم، لكنها كانت أقل وطأة من الأولى، لكننا لم نتأثر كثيرًا، أما هذه، فكانت خسارة مالية، أتذكر أننى جمعت المهندسين الأساسيين معي، حوالى عشرة أشخاص ممن قضوا فترة طويلة فى الشركة، وكانوا مميزين جدًا، قلت لهم: نريد أن نبدأ من جديد، لا يوجد حل آخر. إذا لم ينجح المشروع الأول، فلنُراهن على المشروع التالي.
طلبت من كل واحد منهم أن يغيب أسبوعًا أو أسبوعين، ليُحضّر عرضًا يُقنعنا بما يمكن أن يكون الرهان القادم، وفعلوا جميعًا ذلك، وكل منهم قدّم رؤيته، وناقشنا الأمر، وقيّمناه بميزان دقيق. وقررنا أن نُراهن على فكرة جديدة وهى الـ 4G، لم تكن موجودة فى السوق وقتها، ورسمنا لها مسارًا زمنيًا دقيقًا.
قلنا: هذا المشروع سينزل السوق فى 2010، وكنا وقتها فى عام 2006 أو 2007، أى أمامنا وقت، لكن لا بد أن نتحرك بسرعة، لأن المطلوب أن نبيعه قبل ظهوره، أى بحلول 2008 أو 2009 كحد أقصى.
وقررنا أن نعرضه فى «الموبايل كونجرس» الذى يُعقد فى يناير كل عام فى إسبانيا. قلنا: يجب أن نكون جاهزين فى 2009، وإلا انتظرنا عامًا آخر وضيّعنا الفرصة.
● حازم شريف: ووصلتم بالفعل إلى المؤتمر؟
د. خالد إسماعيل: نعم، لم يخذلنى أحد. وفى عام 2009 ذهبت بنفسى إلى «موبايل كونجرس»، وكان منتجنا المصنّف الأول عالميًا، بدون شك، وكانت تجربة رائعة، وتقدّمت إلينا أربع أو خمس من أكبر شركات العالم، أرادت التعاون معنا، من بينها شركة ألمانية، وبعد فترة قصيرة استحوذت عليها، شركة INTEL العالمية.
دخلوا فى شراكة معها، وبعدما اكتشفوا أن جزءًا من التصميم الذى يستخدمونه أصلاً صادر منّا، فقالوا: لا بد أن تنضموا إلينا. واشتروا أيضًا الشركة الألمانية الصغيرة التى كنت قد تحدثت عنها سابقًا، وبهذه الصفقة، استحوذوا على ثلاث أو أربع شركات دفعة واحدة، كنا نحن إحداها.
● حازم شريف: وتم البيع النهائى فى أى عام؟
د. خالد إسماعيل: بعنا لهم رسميًا فى عام 2011.
● حازم شريف: وهل كنت الشريك الوحيد وقتها أم كان هناك شركاء آخرون؟
د. خالد إسماعيل: لا، كان هناك أكثر من شريك.
● حازم شريف: هل كان من بينهم مهندسون من الفريق؟
د. خالد إسماعيل: نعم، عدد قليل من المهندسين حصلوا على نسبة، وكانوا سعداء بذلك، كما كان هناك مؤسسون معى من البداية، وأيضًا أحد الأصدقاء الذى دخل كمستثمر مالى فقط.
وأستطيع أن أقول إن العائد كان ممتازًا للمستثمرين، والعائد السنوى على الاستثمار بالدولار كان %35 وهذا رقم مذهل، والأموال دخلت بالدولار فى وقت كانت فيه أزمة حقيقية فى العملة، عام 2011، والصفقة كانت ممتازة من جميع الجوانب، وجاءت فى توقيت حساس.
● حازم شريف: هل كان الاتفاق ينص على أن تظل موجودًا فى الشركة لفترة معينة بعد البيع؟
د. خالد إسماعيل: لا، لم يكن هناك أى التزام عليّ بالبقاء، ومع ذلك بقيت ثلاث سنوات، أنا كنت قد بعت حصتى وسلمتهم شركة جاهزة بالكامل، بفريق من المهندسين الأكفاء يعرفونه جيدًا، ويعلمون كيف يوظفونه، إلى جانب أن الشركة المشترية كان لديها فرق فى ألمانيا، والهند، والدنمارك، وأمريكا، حيث إن فى الشركات الكبيرة مثل هذه، يُقسَّم العمل على فرق فى مواقع مختلفة، وهذه عقيدتهم التنظيمية، وأنا أفهمها جيدًا من عملى فى IBM.
لكن رغم أننى لم أكن مجبرًا على البقاء، فضّلت أن أستمر لأسباب كثيرة، منها أننى كنت أريد أن أُدخل الشركة المصرية الصغيرة إلى كيان أمريكى عملاق. كنت أفهم الثقافتين، وطريقة العمل فى كل منهما. المهندسون كانوا ممتازين، لكنهم لم يكونوا يعرفون ثقافة العمل تلك.
● حازم شريف: عندما حدثت عملية البيع، كيف كانت ردة فعل المهندسين؟ هل عرفوا بالأمر فجأة، أم تم إبلاغهم تدريجيًا؟
د. خالد إسماعيل: لم تكن هناك مفاجأة كبيرة، لأنهم كانوا مهيئين ذهنيًا لهذا. شركات التكنولوجيا بطبيعتها تُبنى لكى يتم الاستحواذ عليها، هذا هو المسار الطبيعي.
وغير الطبيعى هو أن تظل الشركة على حالها لعشرين أو ثلاثين عامًا. أنا هيّأت الفريق لذلك، مثلما تربى أبناءك وأنت تعلم أنهم سيستقلون يومًا ما. لا تعرف متى بالتحديد، لكنك تدرك أن هذا اليوم قادم، فأنا بلّغت الجميع، وفعليًا الصفقة جاءت بعائد مادى جيد لهم.
أولًا، حصلوا على عائد مادى لطيف، وثانيًا، أصبحوا يعملون فى واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا فى العالم، فكانت نقلة نوعية كبيرة، إذ بدأوا التعامل مع خبرات عالمية، وإمكانيات ضخمة.
● حازم شريف: هل شجع هذا بعضهم على تأسيس شركات خاصة بهم باستخدام الأموال التى حصلوا عليها؟
د. خالد إسماعيل: نعم، بالفعل. خرج من الفريق أكثر من شخص أسّس شركة جديدة، بعضهم بدأ فورًا، وآخرون بعد فترة، وهناك من بقى فى الشركة، وبالمناسبة، لاحقًا تم بيع الشركة بأكملها وأصبح هذا الفريق جزءًا من شركة «أبل».
● حازم شريف: لفت نظرى شيء، وهو أنك لم تذكر أبدًا أنكم خسرتم أموالًا، أو مررتم بجولات تمويلية. على العكس، يبدو أن النمو كان طبيعيًا، ومرتبًا. ما الفرق بين هذا النموذج، وبين النماذج التى تستثمر فيها حاليًا؟
د. خالد إسماعيل: الفرق كبير جدًا. فى ذلك الوقت، لم تكن «الهَيصة» التى نراها اليوم موجودة. لم يكن أحد يجرى وراء التمويل كهدف بحد ذاته، كنا نأخذ مخاطرة محسوبة، ونقدّم منتجًا حقيقيًا، واليوم نرى شركات لم تقدم شيئًا بعد، ولا تمتلك منتجًا قويًا، وتجلس منتظرة التمويل، بل وترفض العمل بدونه. هذا النموذج غير صحي.
نحن وقتها بدأنا من اليوم الأول بتقديم خدمة مربحة، كنا نوظف المهندس بـ10 آلاف دولار، ونبيعه بـ30 ألف دولار. هذه هى القاعدة التى انطلقنا منها. التمويل اقتصر فقط على فترة بناء المنتج الأساسي، وكنا نغطى جزءًا من التكاليف من أرباح خدمات التصميم التى كنا نقدّمها بالتوازي. كانت هناك إدارة مالية واعية، وكان هناك توازن بين «الحاضر» و«المستقبل”.
وهذا ما يسمى ربط العائد بالتشغيل، وهذا يختلف تمامًا عن النماذج التى تعتمد على تدفق تمويلى ضخم بدون وجود منتج فعلي. للأسف، المال الزائد قد يُفسد العمل أحيانًا. رأينا شركات كثيرة تأثرت سلبيًا بسبب الإفراط فى التمويل، فالأفضل أن تبدأ صغيرًا، وتنمو بثبات.
● حازم شريف: متى تفسد الأموال الكثيرة؟ بمعنى اذا كان النموذج يعتمد على النمو السريع وبغض النظر عن تقييمنا له وهل هو نموذج جيد أم لا.. ما هى الحالات التى تعرضت لها ورأيت أن الأموال الكثيرة أفسدت؟ ومتى حدث العكس؟
د. خالد إسماعيل: الخط الفاصل فى هذه الحالة أن ترى اقتصاديات المشروع صحيحة أم لا.. بمعنى أنه إذا كان لديك منتج بتكلفة 100 وتبيع بـ 2 فقط فهذه مشكلة.. لأنه كلما قررت زيادة الإنتاج ستخسر أكثر.. فهل تعوض هذه الخسارة بتمويل؟ بالتأكيد لا، لأن الوحدة نفسها خاسرة، وهذه أزمة كبيرة.
● حازم شريف: لكن هناك بعض الحالات تكون تكلفة المنتج 100 ويباع بـ99، وعندما تبيع منه ألف وحدة ستنخفض التكلفة، ولو وصلت لعشرة آلاف، التكلفة ستنخفض لـ50، وقتها سيكون هناك ربح.
د. خالد إسماعيل: لو يرى ذلك فعلا وبخطة واضحة، قد يكون الأمر سليما.. لكن كمستثمر يجب أن أرى بنفسي، بمعنى أن أحدد متى سنخفض هذه التكلفة، وبكم ستنخفض، ومتى ستنخفض.. تمويل المخاطر ليس الهدف منه سد فجوات مالية فقط، ولكن هدفه مساعدة الشركات على الابتكار الحقيقي، وليس مجرد تقليد.
هذا التمويل نشأ فى كاليفورنيا لتمويل ابتكارات تكنولوجية متقدمة، مثل شرائح إلكترونية جديدة، أو تقنيات عسكرية، هذه المشروعات كانت تحتاج فريق من 70 أو 80 مهندسا، وتحتاج فترة عمل ما بين عامين أو ثلاثة، وكانت تحتاج تمويلا كبيرا، لكن الفكرة كانت عبقرية وجديدة، والمجازفة محسوبة.
● حازم شريف: لكن الوضع اختلف فى الوقت الحالي، ويتم تمويل شركات لا يوجد بها أى أفكار جديدة، لمجرد أن الأفكار نجحت فى مكان آخر، أصبحنا نسمع عن بعض الأشخاص يقولون «ليس المهم الابتكار، ننفذ الفكرة مثل غيرنا”.
د. خالد إسماعيل: تمام.. ولكن الابتكار فى رأيى ليس خيارا، بل شرطا أساسيا، فإذا لم تبتكر فالأفضل أن تلجأ لطرق تمويل أخرى غير رأسمال المخاطر، الابتكار هو ما يعطيك الأفضلية، ويجعلك قادرا على التسعير والبيع والتوسع وتفرض شروطك.
● حازم شريف: وأنا أستمع إليك، بدأت أفكر فى أن هناك بالفعل مستويات مختلفة داخل منظومة الأشخاص الذين يعملون فى هذا المجال «رأسمال المخاطر»، فمثلك، أنت قادم من خلفية تكنولوجية تعتمد على براءات اختراع، وتعمل بمنهجية واضحة قائمة على الابتكار. فى المقابل، هناك شركات أخرى – لا أقول إن نهجها خاطئ – لكن بعض الناس فيها يرون أن السرعة هى الأساس. بمعنى أن أحدهم قد يرى شركة ناشئة فى أمريكا تعمل فى نشاط معين، فيقوم بتقليدها خارجًا، ثم يكبر أسرع منها ويقوم فى النهاية بالاستحواذ عليها. هذا النموذج لا يعتمد بالضرورة على الابتكار فى المنتج، بقدر ما يعتمد على الابتكار فى نموذج التوسع، بأن تبدأ فى الخارج وتعود للدخول إلى الداخل. لذلك، أُمعن التفكير فى ما تقوله، وأُقارنه بما أراه من نماذج أخرى تحدث.
د. خالد إسماعيل:لا مانع من التقليد أحيانًا، لكن المهم أن توطن الحل، فقد ترى شيئًا تم تنفيذه فى أمريكا منذ عامين، ولم يصل إلى مصر بعد، فتقوم بتنفيذه محليًّا، لكن مع تكييفه وفقًا للسوق المصرية من حيث التسعير، والانتشار، والثقافة، وهذا فى رأيى ليس عيبًا، بل يُمكن اعتباره ابتكارًا محليًّا، لأنك تقدم حلًّا لم يُنفّذ من قبل فى هذه السوق أو هذه المدينة. لذلك، أرى أن هذا يندرج تحت الابتكار. أما أن يقوم أحدهم بعمل مشروع، ثم يقوم الآخر بتكراره، وهكذا فى البلد نفسه والسوق نفسها، فبالطبع هذا لا يُعد ابتكارًا.
● حازم شريف: بالتأكيد، أنا فقط أردت الإشارة إلى هذه النقطة، لأنها مرتبطة بما نقوله. لنعد إلى قصتك بعد بيع الشركة، حيث بقيت فيها ثلاث سنوات، ثم خرجت منها. ماذا فعلت بعد الخروج مباشرة؟
د. خالد إسماعيل: بعد خروجي، كانت لدى نية واضحة أن أُعيد ما تعلمته فى الجامعة وفى مجال العمل إلى الشباب، خاصة بعد 2011، حين بدأ حماس الشباب يظهر بوضوح، وكانت هناك موجة من الطاقة والرغبة فى العمل، قبل ذلك، كنا نُعد على أصابع اليد، أما بعد الثورة، أصبحنا بالمئات.
شعرت أن من واجبى أن أساعد هذه الموجة الجديدة، ليس بمفردي، بل مع مجموعة من الأشخاص، لأن معظمهم كان حديث التخرج، ولم يكن لديه خبرة فى السوق، وكان الحماس لديهم طاغيًا على التفكير المنطقى أحيانًا.
ومع ذلك، رأيت أن هذا الحماس فى حد ذاته أمر إيجابي، فقررت أن أقدم لهم الدعم، سواء ماديًا أو معرفيًا، ومن هنا أنشأت أول صندوق استثمارى، وكان غير هادف للربح، إذ لم أكن أسعى لتحقيق عائد مالى منه.
● حازم شريف: هل كان ذلك فى عام 2014؟
د. خالد إسماعيل: لا، بل قبل ذلك، أعتقد أنه كان فى 2012، وبدأنا فى تنفيذ استثمارات بالفعل خلال العام نفسه.
● حازم شريف: وما حجم هذا الصندوق فى حينها تقريبًا؟
د. خالد إسماعيل: فى ذلك الوقت، كان حجمه حوالى 10 ملايين جنيه، وكان رقمًا معقولًا.
● حازم شريف: رقم ليس كبيرًا جدًا، أليس كذلك؟
د. خالد إسماعيل: بمقاييس تلك الفترة، كان رقمًا جيدًا، كنا نمنح كل شركة حوالى 100 ألف جنيه، وكان هذا المبلغ يُحدث فرقًا كبيرًا فى تشغيل الشركة، بخلاف ما هو عليه الأمر الآن، فبـ10 ملايين جنيه كنا نستطيع تمويل عدد لا بأس به من الشركات.
● حازم شريف: إذًا، هذه كانت أول علاقة فعلية لك بالشركات الناشئة فى مصر، من خلال ضخ أموال لدعم الشباب الذين يؤسسون شركاتهم، فما الدرس الذى خرجت به من هذه التجربة؟ خاصة أن فيها جانبًا من الحماس، فنحن نتحدث عن صندوق حجمه 10 ملايين جنيه، وبحسب قولك إنه كان غير هادف للربح، فمن كانوا الشركاء معك فى حينها؟
د. خالد إسماعيل: لم يكن هناك أحد، كنت وحدى تمامًا.
● حازم شريف: اذا ما نتيجة هذا الاستثمار؟ فى كم شركة استثمرت؟ كم منها نجح؟ وكم منها أغلق؟ وما الدرس الذى خرجت به من هذه التجربة؟
د. خالد إسماعيل: فى ذلك الوقت كنا نستثمر فى حوالى 7 أو 8 شركات، لم ينجح منها شركتان، بينما استمر الباقى ونجحوا وانتقلوا معنا إلى الصندوق الجديد الذى أسسناه لاحقًا فى عام 2017، وهو الصندوق الذى أعمل من خلاله حتى الآن ويحمل اسم «HIMangel»، وبعضهم انتقل لهذا الصندوق بالفعل.
● حازم شريف: إذًا، هذه نسبة مرتفعة جدًا، شركتان أغلقتا من أصل ثمانى شركات، أعتقد ان تلك نسبة مبهرة.
د. خالد إسماعيل: نعم، لكن بشرط أن ينجحوا فى النهاية، النجاح الحقيقى لا يُقاس فقط بالاستمرار.
● حازم شريف: تقصد أن الاستمرار ليس هو المعيار الوحيد؟
د. خالد إسماعيل: بالضبط، مجرد الوجود فى السوق ليس أمرًا مبهرًا، هل تربح؟ هل تنمو؟ هل تحقق هدفك؟ أم أنك فقط تعيش فى وضع شبه فاشل؟
على سبيل المثال، شركتنا الأولى بدأت فى 2002 وقمنا ببيعها فى 2011، وأعدنا الأموال للمستثمرين، وحققنا أرباحًا، هذا نجاح، لكن أن تبقى فقط لمجرد البقاء، فهذه ليست نتيجة إيجابية بالضرورة.
● حازم شريف: ما و الدرس الأهم الذى خرجت به من أول تجربة لك فى الاستثمار فى رأس المال المخاطر، من هذا الصندوق الأول تحديدًا؟
د. خالد إسماعيل: هناك الكثير من الدروس التى تعلمناها.
● حازم شريف: ما أبرزها؟
د. خالد إسماعيل: تعلّمت مع الوقت ألا أتحرك بدافع العاطفة أو الحماس فقط، كان يأتينى شباب أحبهم على المستوى الشخصي، وهذا لا يصلح للاستثمار. الاستثمار يعنى أموالًا، ويعنى أن تدرس بعناية، وتغوص فى التفاصيل، وتفهم الأشخاص الذين تستثمر فيهم. مثال، كان هناك اثنان قررا فى منتصف الطريق أن يهاجرا إلى كندا، تركوا كل شيء وراءهم ومضوا فى سبيلهم، لم أكن قد توقعت هذا، ولم أطرح عليهم من البداية أسئلة من نوع: «ما أهدافكما؟» أو «إلى أين تنويان الذهاب؟»، هذه الأمور غابت عنى فى البداية لأننى كنت أتحرك بالعاطفة، ولم أكن أهدف للربح من الأساس، كنت فقط أريد أن أدفع العجلة للأمام.
أيضًا، وقعت فى تجربة صعبة مرتين، حين استثمرت فى مشروعات أسسها زوج وزوجته، العلاقة فى مثل هذه الحالات تكون معقدة جدًا، لأنهما يعيشان معًا ويعملان معًا، وأنا أتعامل معهما كمؤسسين مستقلين، لكنهما فى الحقيقة يمثلان جبهة واحدة، وهذا يصعب الأمور، لكننا لاحقًا عرفنا كيف نتعامل مع هذا النوع من العلاقات بشكل أفضل.
● حازم شريف: ما أبرز الدروس الأخرى؟ بجانب تجربة الهجرة أو الشراكة بين الزوجين؟
د. خالد إسماعيل: من أهم الدروس: ضرورة دراسة السوق والتمويل جيدًا، ما يُكتب فى الخطط على الورق شيء، وما يحدث على أرض الواقع شيء آخر تمامًا، %99 – بل أكثر – من الشركات التى رأيتها لم تحقق شيئًا مما كتبته فى يومها الأول، هذا ينطبق على الجميع تقريبًا، لأن النموذج يتم بناؤه بعاطفة، من دون بيانات أو منطق أو تفكير عميق، ونماذج مالية، معظم المؤسسين من خلفية هندسية أو مطورين، لديهم فكرة جيدة، لكنهم لا يمتلكون الخبرة الكافية، والجامعة لم تُعلّمهم هذه الأمور، نأخذ فى الاعتبار أن التعليم الفنى فى مصر منفصل تمامًا عن التعليم الإدارى والمالي.
● حازم شريف: تقصد أن تعليم البيزنس منفصل عن الفني.
د. خالد إسماعيل: تمامًا، وإن درست البيزنس فقط فلن تعرف الفنيات، لذلك لا نمتلك النموذج المتكامل فى الشخص الواحد.
● حازم شريف: بعد الصندوق الأول الذى كان غير هادف للربح بقيمة 10 ملايين جنيه، كم استغرقت فيه من الوقت؟
د. خالد إسماعيل: حتى عام 2017 تقريبًا.
● حازم شريف: وفى 2017 أنشأت صندوقًا جديدًا؟
د. خالد إسماعيل: نعم، قررنا إنشاء صندوق آخر. كنا قد انتهينا من استثمار الـ10 ملايين بالكامل.
● حازم شريف: استثمرتم فى ثمانى شركات تقريبًا؟
د. خالد إسماعيل: نعم، ثم قررنا أنا وزميلان آخران الانضمام، فكبرنا الصندوق وبدأنا الاستثمار فى عدد أكبر من الشركات. وصلنا إلى نحو 23 شركة.
● حازم شريف: ما رأسمال الصندوق بعد إدخال الأصول التى جاءت من الصندوق السابق؟ كم كان حجم الاستثمار وقتها؟
د. خالد إسماعيل: فى عام 2017 تقريبًا، كنّا قد وصلنا إلى نحو 3.5 مليون دولار، وفقًا لسعر الدولار حينها.
كان ما يعادل 50 مليون جنيه تقريبًا، أما اليوم، فبحساب القيمة السوقية وسعر الدولار الحالي، أعتقد أن تقييم الصندوق يقترب من 400 مليون جنيه، لكن فرق العملة هو السبب الرئيسى فى هذا التغير.
● حازم شريف: لديكم 23 شركة، أليس كذلك؟ حدثنى عن إجراءات الاستثمار لديكم، هل تتخذون القرارات معًا كفريق، أم أن هناك شخصًا معينًا يتحمل مسؤولية اتخاذ القرار؟
د. خالد إسماعيل: لا، الصندوق الذى نديره مغلق نسبيًّا، ليس من نوعية الصناديق المفتوحة المتعارف عليها، التى يعمل فيها مديرو استثمار محترفون، وتدخل فيها رؤوس أموال كبيرة — كأن يستثمر أحدهم 50 مليون دولار، وتدير المجموعة هذه الأموال بالنيابة عنه، هذا النموذج معروف ومنتشر، لكنه يختلف عنا.
نحن ندخل مبكرًا جدًا، فى المراحل الأولى للغاية من عمر الشركة.
رؤيتنا كانت دائمًا أن نكون أول من يؤمن بالشركة، لسببين: أولًا، لأن هذا هو الوقت الأصعب عليها، حيث تكون فى أمسّ الحاجة إلى دعم، ولا أحد يرغب بالمخاطرة بعد. ثانيًا، لأننا نؤمن بأن علينا أن نغرس الثقافة الصحيحة والتفكير السليم منذ البداية.
نحن لا نقدم المال فقط، بل نعمل مع المؤسسين جنبًا إلى جنب، نجتمع معهم كل شهر، نناقش التفاصيل، نذهب معهم فى زيارات ميدانية، ونساعدهم حتى فى المبيعات أحيانًا، نعمل كشركاء فعليين. ولهذا، من الضرورى أن نبدأ معهم مبكرًا، أما إذا أتينا بعد مرور سنتين أو ثلاث، وبعد أن تكون الشركة حصلت على استثمارات وتكونت ثقافتها، فإن دورنا الحقيقى يصبح محدودًا.
● حازم شريف: وبالنسبة لحجم التمويل؟ كم يتراوح حجم الاستثمار فى الشركة الواحدة؟
د. خالد إسماعيل: فى البداية، كنا نستثمر فى حدود مليون إلى مليونى جنيه فى الشركة الواحدة، ومع تطور الصندوق، بدأنا نزيد من حجم الاستثمارات، خاصة بعد عام 2019، حيث توقفنا عن الدخول فى شركات جديدة، وركزنا على دعم الشركات القائمة التى تسير بشكل جيد.
● حازم شريف: هل تقصد أنكم استثمرتم فى 23 شركة بحلول عام 2019؟
د. خالد إسماعيل: لا، بعد ذلك بدأت بعض الشركات تخرج من المحفظة، واليوم وصل عدد الشركات الموجودة تحت إدارتنا إلى 16 شركة.
● حازم شريف: إذًا أنتم خرجتم من 7 شركات، هل هذا بعد عام 2013؟
د. خالد إسماعيل: نعم، 3 من هذه الشركات فشلت تمامًا، وخرجنا من 4 أخرى وحققنا منها أرباحًا.
● حازم شريف: وهل كانت الأرباح جيدة؟
د. خالد إسماعيل: نعم، كانت جيدة، والحمد لله.
● حازم شريف: بالنسبة لهذه الشركات الأربع التى خرجتم منها، هل يمكنك أن تذكر لى على الأقل أسماء بعضها أو طبيعة نشاطها؟
د. خالد إسماعيل: كانت شركة «جوبزيلا» و«ريسيكلوبيكيا» وجزئيا «بايوديزل مصر» وأيضًا شركة «اقرأ لى».
● حازم شريف: وما تبقى لديكم الآن هو 16 شركة، هل ترى أن من بينها شركات مرشحة لأن تتحول إلى «يونيكورن» (شركة ذات تقييم ملياري)، فى المستقبل؟
د. خالد إسماعيل: بصراحة، أنا لا أشارك فى هذا الهوس بما يسمى «يونيكورن». فـ«اليونيكورن» تعنى شركة تتخطى قيمتها مليار دولار — وهو رقم يتناسب مع السوق الأمريكية، لكن فى مصر؟ لا أعتقد أن ذلك وارد حاليًا، لا بالنسبة لي، ولا لأى مستثمر آخر، لأننا لو وصلنا فى يوم إلى شركة تساوى هذا الرقم، سيكون الدولار وقتها قد وصل إلى 70 جنيهًا، أى أننا نتحدث عن شركة تساوى 80 مليار جنيه! كم عدد الشركات فى مصر التى تصل إلى هذا التقييم أصلًا؟
● حازم شريف: دعنى أبدّل صيغة السؤال قليلًا، بدلًا من الحديث عن الشركات التى تراها مرشحة لتكون «يونيكورن»، ما رأيك أن نتحدث عن الشركات الأقرب من وجهة نظرك للتحول من شركات ناشئة إلى كبيرة؟ لا يشترط أن تكون مليارية، لكن تلك التى استطاعت أن تثبت وجودها فى السوق المصرية وربما خارجها أيضًا، ما الثلاث أو الأربع شركات الأقرب لهذا التصور؟
د. خالد إسماعيل: لدينا شركات كثيرة بالفعل، على سبيل المثال، «بايوديزل مصر» نمت بشكل كبير جدًا، والحمد لله، رغم أننا قمنا بخروج جزئى منها، إلا أننا ما زلنا مستثمرين فيها، وقد دخلها مستثمرون إيطاليون كبار، وأراها مرشحة لأن تكون شركة عظيمة بإذن الله.
هناك أيضًا شركة «رولوجي» تعمل فى مجال الخدمات عن بُعد باستخدام الذكاء الاصطناعي، وهى الأخرى تسير بخطى جيدة جدًا، حصلت على تمويل، وتكبر باطراد، وأراها تملك مستقبلًا واعدًا.
وشركة «شيزلونج» فى رأيى سوف تنمو وسيكون لها مستقبل عظيم جدا أيضا.
لدينا عدد كبير من الشركات التى أرى لها مستقبلًا، لكن لا أملك الهوس بفكرة «اليونيكورن”.
دعنا نتفق أنه لو أن شركة بدأت بقيمة مليون جنيه ثم أصبحت قيمتها عشرين مليونًا، فهذا إنجاز كبير، ليس من الضرورى أن تصل إلى المليار.
الأهم هو الأثر؛ أن تنمو الشركة، وأن توظف 100 شخص ثم 200 ثم 300، وأن تُخلق فرص عمل، وتحقق مبيعات فى مصر، وفى السعودية، وربما فى كينيا فى حالة شركة «رولوجي»، هذا هو النجاح الحقيقى من وجهة نظري، أما هوس «اليونيكورن»، فلا يعنيني.
● حازم شريف: نعود إلى النقطة التى تحدثنا عنها سابقًا بشأن آلية الاستثمار، قلت إنكم تدخلون مبكرًا جدًا مع الشركات، وتجلسون معهم مرة شهريًا، وتتابعونهم خطوة بخطوة، لكن كيف تختارون هذه الشركات من الأساس؟
د. خالد إسماعيل: فى الغالب، هم من يتواصلون معنا، ونقوم بالاختيار بناءً على عدة معايير، أهمها «خلطة» الفريق المؤسس، والفكرة نفسها، وهل هذه الفكرة تروق لهذه السوق أم لا.
لكن الفكرة وحدها لا تكفي، بل يجب أن تكون مناسبة للسوق، ويمكن تطبيقها فعليًا فيها، الفكرة يجب أن تكون مدروسة بعناية، ويكون لديها تصور واضح: ستُقدَّم لمن؟ بأى تسعير؟ وبأى طريقة تسويقية؟ أى شريحة تستهدف؟ هل تستهدف الذكور أم الإناث؟ المتعلمين أم غير المتعلمين؟ الطبقة الغنية أم الفقيرة؟
لابد من وجود تصور واضح، لا يوجد منتج يناسب جميع الناس، كل شريحة لها احتياجاتها، حينما يأتى إليّ شخص ويقول إن منتجه يستهدف «الشعب المصرى كله» أو «مائة مليون مصري»، أقول له فورًا: أنت تمزح، فالشعب المصرى ليس شريحة واحدة.
● حازم شريف: إذن الخلطة المثالية هى فريق مؤسس جيد، مع قدرة على التسويق بدراسات منضبطة. هذا هو المعيار الثاني، ما المعيار الثالث؟
د. خالد إسماعيل: هذان هما الأهم فى الحقيقة، الفريق والفكرة المدروسة جيدًا.
● حازم شريف: هل أى شخص تتوفر فيه هاتان السمتان، يصبح من السهل بالنسبة لك أن تتحدث معه وتدرس الاستثمار معه؟
د. خالد إسماعيل: نعم، مع العلم أن كثيرين من المستثمرين يركزون على أحد الجانبين فقط. البعض يقول: «فريق العمل قوى جدًا، حتى لو لم تكن الفكرة مثالية، سنفعل شيئًا»، أو العكس: «الفكرة ممتازة، وإذا كان الفريق غير مؤهل، يمكننا تغييره”.
أنا لا أتبع هذا المنطق.
● حازم شريف: إذًا أنت لست مع الرأى القائل إن فريق العمل القوى يمكنه إنجاح أى مشروع، ولا مع تغيير الفريق إذا كانت الفكرة جيدة.
د. خالد إسماعيل: بالضبط، لا أتبنى هذا التوجه، ولا أقبل كذلك أن أكون فى موقع المسؤولية الكاملة.
أنا دائمًا أقول للمؤسسين: «أنا أنصح، لكننى غير مسؤول”. بمعنى أننى لست سائق السيارة، بل أجلس إلى جوارك، أقول لك: اتجه يمينًا أو يسارًا، لكنك فى النهاية من يقود، فإذا اصطدمت السيارة بالحائط، فهذه ليست غلطتي، بل غلطتك.
● حازم شريف: لكنك أيضًا لا تقول له «أنت فشلت لأنك لم تسمع كلامي»، أليس كذلك؟
د. خالد إسماعيل: بالطبع لا، ما أبحث عنه فى المؤسس هو ذلك الشخص الذى يستمع، ولكن ليس بطريقة عمياء، لا أريد شخصًا يطيعنى حرفيًا، ولا أريد العكس، الذى يصرّ على رأيه ولا يسمع شيئًا.
أريد شخصًا يستمع جيدًا، ويفهم، ويختار ما يناسبه من النصائح، ثم يطبقها ويتحمل المسؤولية.
● حازم شريف: هل لديكم نية حاليًا لزيادة رأسمال الصندوق، أم أن هذا غير مطروح فى الوقت الحالي؟
د. خالد إسماعيل: لا أخفيك سرًا... حاليًا لدى شركة أخرى أسستها بنفسي..
● حازم شريف: كنت سأذكرها بالفعل.
د. خالد إسماعيل: وهذه الشركة جعلتنى أقلل من انخراطى فى استثمارات جديدة. لم أعد أبحث عن استثمارات جديدة، بل أواصل فقط دعم الشركات التى نحن بالفعل جزء منها، وبصراحة نفسى لم تعد منفتحة على مجال ريادة الأعمال.
النموذج الأمريكى فى هذا الإطار يجب أن يُفهم بالكامل، الناس هنا لم تشاهد ما شاهدته هناك، الدولة الأمريكية، ممثلة خاصة فى قوتها العسكرية، كانت تقف خلف جزء كبير من هذا النظام الخاص بريادة الأعمال، بدايته كانت فى كاليفورنيا، حينما أرادوا الذهاب إلى القمر وتطوير الأسلحة لأن روسيا كانت تتقدم عليهم، استثمروا كثيرًا، وما زالوا حتى اليوم.
أنا شخصيًا كنت أعمل فى مشروع خلال دراستى مع أستاذى وثلاثة أو أربعة طلاب دكتوراه وماجستير، وكان التمويل يأتى من وزارة الدفاع، الأستاذ الآخر الذى كنت أعمل معه فى مشروع فرعى كان لديه تمويل أيضًا من أحد أذرع الدفاع.
● حازم شريف: وزارة الدفاع؟
د. خالد إسماعيل: نعم، هذا الجانب غير موجود فى الدول الأخرى، وهو جانب سخى للغاية، مليء بالتمويل والمخاطرة. لديهم أهداف كبرى، مثل «نريد الذهاب إلى القمر»، أما الجانب الثاني، فهو الجامعات، اليوم، أكبر مراكز الابتكار فى أمريكا موجودة فى كاليفورنيا: «ستانفورد» و«بيركلي»، أما فى الساحل الشرقي، فـ«هارفرد» ومعهد «MIT» فى بوسطن، كل مركز من هذه المراكز هو منظومة قائمة على دراسات عليا قوية جدًا وأبحاث علمية تموَّل بميزانيات ضخمة، هذا جزء لا يتجزأ من الثقافة الأمريكية، وهو ما يفرز كل يوم طالبًا يملك فكرة، فيتعاون مع أستاذه، ويؤسسان شركة.
عندما تزور هذه الأماكن، تجد أن معظم المؤسسين بدأوا بفكرة تخرّج، بعضهم لم يُكمل الجامعة أصلًا، مثل مارك زوكربيرج أو ستيف جوبز، الفكرة ببساطة كانت قوية لدرجة أنه لم يستطع الانتظار حتى ينهى دراسته، فبدأ شركته فورًا، خذ على سبيل المثال MIT: الشركات التى خرجت منها خلال الثلاثين أو الأربعين عامًا الأخيرة، تتجاوز قيمتها السوقية اقتصاد دولة كاملة كبيرة، تتجاوز حجم مصر، فهل تريد أن تستنسخ هذا النموذج دون أن تمتلك «ستانفورد» أو «بيركلي» أو «MIT”؟! تريد أن تأخذ الجزء الأخير فقط وتترك الأجزاء الأساسية.
● حازم شريف: خاصة موضوع الجامعات، التعليم مرة أخرى.. كيف يمكن أن يكون لدينا جامعات متطورة فعليًا؟
د. خالد إسماعيل: الحديث هنا عن الدراسات العليا، أنا كنت أحاضر فى جامعة القاهرة، وكنت أدخل المحاضرة لأجد أمامى ثلاثة أو أربعة أشخاص جالسين بتكاسل، فقط لأنهم يريدون أن يحصلوا على لقب «دكتور» لتحسين دخلهم أو وضعهم الاجتماعي.
● حازم شريف: نعم، عندما تسأل أحدهم: لماذا تدرس دراسات عليا؟ يجيبك: لتحسين وضعى الاجتماعي.
د. خالد إسماعيل: بالضبط، الحقيقة أننا لا نمتلك منظومة دراسات عليا حقيقية، وأقولها صراحة وعلنًا: لا نملكها.
● حازم شريف: أنت تتحدث هنا عن احتياجات الدولة، والدوافع الحقيقية لضخّ الأموال فى الشركات الناشئة، التى من المفترض أن تُنتج براءات اختراع وابتكارات مهمة تعود على الدولة، كما تتحدث عن أهمية الجامعات ومراكز الدراسات القوية، والتمويل الجاد لتلك المؤسسات، والمنظومة التعليمية ككل.
د. خالد إسماعيل: بالضبط، وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى، عندما نقول إن نجاح شركة هو فى النهاية أن تأتى جهة وتشتريها. من الذى يشتري؟ هل الصناديق؟ فى معظم الأحيان، يكون المشترى «استراتيجي» أى شركة أخرى، كما حصل تمامًا فى حالتى حين اشترتنى شركة كبرى، طيب، لو لم تكن تلك الشركة موجودة فى مصر، هل كانت شركة أخرى محلية ستشتري!
● حازم شريف: لكن الآن، أزعم أن هناك مؤسسات وشركات كثيرة بدأت تبحث عن شركات ناشئة، شركة «فوري» مثلًا لها تجارب فى هذا الإطار، أليس كذلك؟
د. خالد إسماعيل: صحيح، لكن لا أحد يشترى شركة ناشئة إلا إذا وصلت إلى حجم يسمح بذلك، حين تصل إلى تلك المرحلة، يصبح من الجيد أن تبدأ هى بالاستحواذ على شركات أخرى، لكن هذا قليل جدًا، لا تزال فرص النجاح لعدد كبير من الشركات فى هذا المسار ضئيلة.
● حازم شريف: فى نهاية المطاف، نحن نتحدث عن السوق الدولية، بمعنى آخر، إذا كنت فى وضعك فى 2003 ونجحت شركتك وتم الاستحواذ عليها من «إنتل»، فما بالك بالوضع الحالي؟ الآن، إن كان لدى أحدهم فكرة مهمة حتى ولو كان فى الشرق الأوسط، أو فى مصر، واخترق أسواقًا، أعتقد أن هناك شركات كبرى يمكن أن تشتريه، هذا عامل مهم، لكن، ما الذى يمكن فعله أيضًا؟
د. خالد إسماعيل: بصراحة؟ هو أمر يتم على مضض، الشركة العالمية لن تأتى وتشترى شركة فى مصر بسهولة، أما فى أمريكا، يمكن أن تُشترى شركة فى يومين، عكس بلاد أخرى، قد يرونها غير مستقرة، ولا يعرفونها جيدًا، فيخشون المغامرة فيها، هناك، لديهم بيئة مألوفة وأسهل كثيرًا للتعامل.
● حازم شريف: ذكرت أنك شعرت بالملل أو الإحباط من الاستثمار فى الشركات الناشئة أو مناخها العام... هل كان ذلك الدافع وراء تأسيسك لشركة ناشئة جديدة؟ وما طبيعة هذه الشركة بالتحديد؟
د. خالد إسماعيل: جاءتنى الفكرة مباشرة بعد بيع شركتى السابقة «SySDSoft»، إذ رغبت فى إنشاء مشروع فى مجال الصحة، بشكل يستخدم الذكاء الاصطناعى إلى حد ما، وقد تزامن ذلك مع مرض والدتى – رحمها الله – وكنت أتولى رعايتها بشكل مباشر، أشترى لها الأدوية، وأتابع مواعيد الجرعات والتحاليل، حينها بدأت أُدرك مدى الحاجة الحقيقية لكبار السن إلى رعاية صحية مستمرة، كما لاحظت أن تكلفة أدويتها الشهرية تكاد تعادل معاش أستاذ جامعي، وكانت هى تظن أنها لا تدفع سوى 120 جنيهًا، بينما كانت المصروفات الحقيقية أكبر بكثير، وكنت أُخفى عنها الأرقام حتى لا تقلق.
قلت لنفسى حينها: إذا كانت هذه حال أستاذة جامعية، فماذا عن الملايين الذين تقل معاشاتهم كثيرًا؟ لدينا أعداد هائلة من المصابين بأمراض مزمنة كالسُّكر والكوليسترول وأمراض الكلى والكبد... كثيرون لا يستطيعون تحمّل النفقات، وآخرون لا يعرفون كيف يتصرفون، أو أى دواء يناسبهم، أو من يُتابعون معه، وماذا يفعلون إن اختفى دواؤهم من السوق! بدأت أفكر: هل يمكن للتكنولوجيا أن تُعين هؤلاء؟ هل يمكننا أن نستبق تطورات المرض وننبههم بخطوات وقائية قبل أن تتدهور الحالة الصحية؟
لكننى أجّلت الفكرة قليلًا بسبب الإرهاق الناتج عن سنوات عملى فى «إنتل»، ثم انشغلت بالاستثمار فى عدد من الشركات الناشئة. كنت بحاجة إلى بعض الراحة، إضافة إلى 8 سنوات من العمل فى SySDSoft وبعد فترة، حين استعدت توازنى وهدأت قليلًا، وبدأت أتعلم من تجاربى ومن روّاد الأعمال الذين استثمرت فيهم، كما تعلّموا هم مني، شعرت أننى وصلت إلى مرحلة نضج تسمح لى ببدء مشروع جديد، وأردت أن يكون هذا المشروع هو محطتى الأخيرة فى ريادة الأعمال.
● حازم شريف: نتمنى ألا تكون الأخيرة.
د. خالد إسماعيل: أرجو أن يكون هذا المشروع قصة نجاح حقيقية.
● حازم شريف: وماذا فعلت بالضبط؟
د. خالد إسماعيل: ركّزت على شريحة المرضى المصابين بأمراض مزمنة، وقررت أن أوفّر لهم الدواء فى منازلهم، مع خصم يُخفف العبء المادى عنهم، كما نوفر تذكيرًا شهريًا بموعد تناول الأدوية، وفى حال نفاد دواء معين من السوق نُوفّر البديل، وعينت مجموعة من الأطباء يمكنهم التواصل مع المرضى فى أى وقت مجانًا، للإجابة على استفساراتهم الصحية ومساعدتهم فى حال شعورهم بأى أعراض.
● حازم شريف: وما اسم هذه الشركة؟
د. خالد إسماعيل: اسمها «وياك”.
● حازم شريف: رائع، وهل وفّرتم تطبيقًا إلكترونيًا لخدمة المرضى؟
د. خالد إسماعيل: نعم، أنشأنا تطبيقًا يتيح للمرضى طلب الأدوية مباشرة دون الحاجة للاتصال الهاتفي، كما أنشأنا مركزًا لخدمة العملاء لمن يُفضّلون المكالمات. لدينا اتفاقيات مع شركات أدوية وموزعين كبار، نحصل منهم على الأدوية بكميات كبيرة وبأسعار مناسبة.
● حازم شريف: وهل أسست الشركة بمفردك أم بمشاركة آخرين؟
د. خالد إسماعيل: بدأت الفكرة بمفردي، ثم انضم إليّ لاحقًا بعض المستثمرين، لكنهم لم يكونوا تقليديين، بل إستراتيجيين.
● حازم شريف: تقصد فى قطاع الأدوية؟
د. خالد إسماعيل: فى قطاع الصحة بشكل عام.
● حازم شريف: وكم كان رأس المال عند التأسيس؟
د. خالد إسماعيل: بدأنا بمبلغ 11 مليون جنيه، وبفلسفتى المعهودة نفسها، أُفضّل ترشيد النفقات، وأحرص على الوصول إلى نقطة التعادل بسرعة، والحمد لله، فى السنة الثالثة تقريبًا بدأنا نُحقق أرباحًا، أو على الأقل لم نعد نخسر.
● حازم شريف: وما طبيعة الخدمات المقدمة؟ هل هى مجرد تطبيق وخدمة توصيل؟
د. خالد إسماعيل: لدينا تطبيق يُمكن للمريض من خلاله طلب الأدوية، بالإضافة إلى مركز اتصال وخدمة عملاء، كما جمعنا قاعدة بيانات كبيرة من خلال حملات إعلانية على «فيسبوك»، حتى الآن، خدمنا أكثر من 100 ألف مستخدم، ونُضيف شهريًا ما بين 3 إلى 4 آلاف مستخدم جديد، ويمكن أكثر لأن الاحتياج موجود.
● حازم شريف: وهل الخدمة تعتمد على اشتراك شهري؟ أم يمكن استخدامها دون اشتراك؟
د. خالد إسماعيل: هناك خياران: من يُريد الاشتراك يحصل على حزمة كاملة من الخدمات، ومن لا يرغب يمكنه ببساطة طلب الدواء ودفع ثمنه والتوصيل فقط، كما نُرسل للمريض على هاتفه ملخصًا لحالته الصحية، نظرًا لأن كثيرًا من الناس لا يتذكرون أسماء أدويتهم أو تفاصيل حالاتهم، مما يُعيق تعامل الأطباء معهم فى الطوارئ أو العيادات.
● حازم شريف: وكم بلغ حجم إيرادات الشركة فى العام الماضي؟
د. خالد إسماعيل: بلغ حوالى 250 مليون جنيه.
● حازم شريف: هل لديك حاليًا مستثمرون إستراتيجيون؟ وهل هناك نية للطرح فى البورصة؟ أم تسعى لجذب مستثمرين ماليين؟
د. خالد إسماعيل: صراحة، الطرح فى البورصة لم يُثبت جدواه بعد، سواء فى مصر أو فى أفريقيا، حتى شركة «فوري» عندما طُرحت، لم تكن التجربة الأفضل فى رأيي، «جوميا» فى أفريقيا طرحت كذلك، ولم تُحقق نتائج جيدة، فلا يوجد حتى الآن دليل واضح على أن الطرح فى البورصات الإقليمية مجدٍ، السوق ضعيف جدًا، وإذا استبعدنا شركتين أو ثلاث، تكاد حركة البورصة تتوقف، فما بالك بالشركات الصغيرة والمتوسطة!
● حازم شريف: إذًا، أنت أمام خيارين: إما أن يستحوذ عليك مستثمر إستراتيجي، أو يدخل مستثمر مالى قبله، ليساعدك على التوسع أولًا، ثم يأتى المستثمر الإستراتيجى لاحقًا، أليس كذلك؟
د. خالد إسماعيل: نعم، بالضبط.
● حازم شريف: نحن تحدثنا عن الشركات الصغيرة، والآن أريد أن أسألك عن الشركات الكبيرة، فى عصر الذكاء الاصطناعي، أعتقد أن الشركات الكبرى يجب أن تصبح أكثر سرعة وديناميكية مما كانت عليه سابقًا، هل ترى أننى على صواب؟ وإن كنت كذلك، كيف يمكن تنفيذ ذلك فعليًا؟ لنفترض أن هناك شركة كبيرة تعمل فى قطاع تقليدي، مثل الأغذية أو المقاولات، كيف يمكن لرئيسها التنفيذى أن يُدير التحول فى هذا العصر المتسارع؟
د. خالد إسماعيل: العالم يتغير بسرعة هائلة، ويجب أن يُدرك الناس ذلك.
يجب أن يكون لديك هذا القلق البنّاء، لأنك إذا لم تتطوّر، سيأتى من يأخذ مكانك... يأخذ عملك، شركتك، وأموالك، وهذه حقيقة مرة، لكن لا بد من مواجهتها، فهناك دائمًا من يتقدم، ومن يتراجع.
● حازم شريف: وماذا أفعل كرئيس تنفيذى كى أُحوّل هذا القلق إلى خطوات عملية على أرض الواقع؟
د. خالد إسماعيل: سواء على مستوى الإدارة أو التشغيل، فالأمر يبدأ بتغيير العقلية داخل الشركة. فى السابق، كانت هناك غرفة مغلقة داخل كل شركة يجتمع فيها عدد محدود من المديرين يُطلق عليهم «النخبة»، كان اسمها «IT room» بينما بقية العاملين ينفذون دون مشاركة حقيقية، اليوم، يجب أن نُغيّر هذه الصورة تمامًا، لم يعد الذكاء الاصطناعى حكرًا على فئة معينة، بل يجب أن يكون فى متناول الجميع داخل المؤسسة: المبيعات، المحاسبة، التسويق، والتصنيع، والإنتاج.
كل موظف فى الشركة يجب أن يكون مُجهزًا ومُدرّبًا على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، لا أقول إنه يجب أن يُنافس «شات جى بى تي»، فهذا سباق حُسم بالفعل، ولكن عليه أن يكون مستخدمًا ماهرًا، يستخدمه ليُنجز المهام فى وقت أقصر، وبجودة أعلى، وبأقل نسبة من الأخطاء أو المجهول، هذه الأدوات يجب أن تكون جزءًا من أدوات كل موظف، تمامًا كما كان تقنية «إكسل» منذ سنوات.
● حازم شريف: بمعنى أن يكون الذكاء الاصطناعى جزءًا من الحمض النووى لثقافة الشركة؟
د. خالد إسماعيل: بالضبط، وإذا كنت كمدير حريصًا على تطوير مؤسستك، فعليك أن تُعلّم الجميع استخدام هذه الأدوات، لا تغضب إذا قدّم لك موظف تقريرًا مستخدمًا فيه «شات جى بى تي» أو غيره، الأهم أن يكون التقرير جيدًا، لا تكن ممن يقول: «هذا غش!”. بعض الأساتذة الجامعيين يقولون إن الطالب غش لأنه استعان بالذكاء الاصطناعي، لكن هذه عقلية متحجرة، هل لو استخدم أحدهم «إكسل» فى إعداد الميزانية أصبح غشاشًا؟!
● حازم شريف: من الجيد أنك ذكرت هذا المثال، لنفترض أننى طلبت من طالب بحثًا عن «ثورة عرابي»، فذهب إلى «شات جى بى تي» وطلب منه إعداد بحث بالمواصفات المطلوبة، هل تُعتبر هذه مشاركة حقيقية منه؟ ولو رفض الأستاذ هذا البحث، هل يمكن القول إن الأستاذ ينتمى لعقلية متحجرة؟ أين الخط الفاصل بين الغش والتعلُّم؟
د. خالد إسماعيل: هنا نعود للسؤال الأساسي: ما الهدف من البحث؟ إن كان الغرض أن يتعلّم الطالب ويُقدّم معلومات جيدة ومنظمة ومفهومة، فما المشكلة إن استعان بأداة تساعده على ذلك؟ إذا فهم الطالب محتوى البحث، واستوعب المنطق الذى يقوم عليه، وقدّمه بطريقة مترابطة وسليمة، فأين الخطأ؟ ليس بالضرورة أن يكون هو من أبدع كل سطر بنفسه.
● حازم شريف: لا، أنا لا أقصد، فقط الفكرة المتعلقة بالوصول إلى المعلومات، بل أقصد مهارة الانتقاء والفرز، عندما تُكلَّف ببحث – سواء كنت طالبًا أو باحثًا – فأنت تتعامل مع عدد كبير من المراجع، وتلك القراءة تولّد لديك أفكارًا أو أسئلة إضافية قد تُثرى وتُعمّق البحث، أليس غياب هذا الجانب جزءًا من المشكلة؟
د. خالد إسماعيل: بالطبع، هناك من سيقوم بذلك نيابةً عنك، لكن الفارق أن الذكاء الاصطناعى سيصل بك إلى النتيجة نفسها فى ثلاث دقائق بدلًا من ثلاثين يومًا، تخيّل مثلًا أننى أصرّ على أن أقوم بكل شيء يدويًا، بينما منافسى فى دولة أخرى يستخدم أدوات الذكاء الاصطناعى وينجز المهام أسرع وبكفاءة أعلى... من الرابح إذًا؟ علينا أن ننظر للأمر من هذه الزاوية.
● حازم شريف: حسنًا، لكن هل ما قدّمه لك الذكاء الاصطناعى نابع من وعيك وفهمك، أم مجرد أسئلة طرحتها على الشاشة وجاءتك الإجابة الجاهزة، ذلك هو المعيار بالنسبة لي؟
د. خالد إسماعيل: الذكاء يكمن فى طريقة السؤال، الأمر لا يختلف كثيرًا عن «جوجل»، صحيح أن «جوجل» تبحث لك عن المعلومات، لكن الأمر كله يتوقف على مدى مهارتك فى طرح السؤال على «شات جى بى تي”. جرّبت مثلًا أن أطلب من الذكاء الاصطناعى مقالة فى موضوع معين، كتبها، فقلت له: لا، هذه طويلة جدًا، اجعلها فى 100 سطر، فاختصرها، قلت له: اللغة غير مناسبة، اكتبها بأسلوب طه حسين، فغيّر الأسلوب، ثم قلت له: هذه تصلح لقرّاء أعمارهم 15 عامًا، فعدّلها مجددًا، كل مرة أعطيه توجيهًا، يخرج بنتيجة جديدة، إذًا المهارة أصبحت فى «فن الطلب»، فى «فن التوجيه»، السؤال نفسه بصيغة مختلفة قد يعطيك منتجًا مختلفًا تمامًا.
الذكاء الاصطناعى الآن يُنتج، يُنفّذ، يتفاعل. أصبح بإمكانك أن تطلب منه شيئًا بمواصفات دقيقة، وسيقوم بذلك، وهذه المهارة – مهارة التوجيه Prompt – يجب أن نُعلّمها للجميع. لو نجحنا فى تعليمها للأطفال فى المدارس، نكون قد حققنا نقلة نوعية حقيقية.
● حازم شريف: الوقت مرّ سريعًا، فعلًا استمتعت جدًا بالجلسة، كان لديّ عشرات الأسئلة تدور فى ذهني، وحاولت قدر الإمكان أن أُفلترها وأنتقى منها ما يليق. للأسف، لم أتمكن من طرح كل ما كنت أريده، لكننى شخصيًا استفدت كثيرًا من هذا الحوار اللطيف، والمليء بالعمق والمعرفة والأفكار الملهمة.
كنت أعمل 18 ساعة يومياً بلا عطلات.. وأعترف بأننى دفعت ثمناً اجتماعياً باهظاً
لم أشترِ منزلًا فى أمريكا أبدًا.. وكنت دائمًا أعلم أننى سأعود إلى مصر
قررت الاستقالة من الجامعة حين اكتشفت أن القدوة لم تعد موجودة
كل هاتف محمول اليوم يحمل جزءًا من أبحاثى فى الإلكترونيات عالية السرعة
أمضيت عامين فى المعامل بدلًا من الجامعة.. وأنجزت ما يعادل 20 عامًا من العمل
رأس المال المخاطر ليس «مسكنًا مؤقتًا».. بل أداة لتمويل الابتكار الحقيقي
لا مانع من التقليد بشرط «توطين الحل» وتهيئته للسوق المحلية
الصدمة الأولى فتحت باب النجاح.. فكوّنت فريقًا من أفضل مهندسى مصر
الابتكار هو الضمان الوحيد لفرصة الاستمرار
استثمرت وحدى فى 8 شركات.. 6 منها استمرت وبعضها انتقل لصندوق 2017
العاطفة لا تصنع استثمارًا ناجحًا.. تعلّمت أن حب الأشخاص لا يعنى أن أموّلهم
تقييم «صندوق 2017» تجاوز 400 مليون جنيه.. ونعمل كشركاء لا كمجرد ممولين
نؤمن بـ«المؤسس» منذ اليوم الأول.. ونتدخل فى أصغر التفاصيل التشغيلية
الوجود فى السوق ليس معيارًا للنجاح.. العبرة بالنمو والربحية والهدف
الكيانات الناشئة تحتاج تمويلًا وثقافة قوية مبكراً
بدأت من 10 ملايين جنيه..و استثمرنا فى 23 شركة ناشئة.. وتخارجنا بنجاح من 7 بينها «جوبزيلا» و«اقرأ لي»
ريادة الأعمال أصبحت ضجيجًا بلا محتوى.. ولهذا ابتعدت عن المشهد
الذكاء الاصطناعى ليس غشًا.. بل أداة إنتاج يجب تعميمها على الموظفين
المؤسسات التقليدية لن تنجو دون التكيّف السريع.. والقلق الإيجابى سر البقاء
