كشفت دراسة حديثة أجرتها شركة سيسكو أن الانقطاعات الحادة فى شبكات الاتصالات تكلّف الشركات حول العالم ما يصل إلى 160 مليار دولار سنويًا، وذلك بسبب تأثيرها المباشر على الإيرادات والإنتاجية.
وفى عالم أصبح يعتمد بشكل شبه كلى على الاتصال الرقمى والتكنولوجيا الحديثة، تبرز قضية انقطاعات الشبكات الحادة كأحد التحديات الكبرى التى تهدد استمرارية الأعمال ونموها.
وفى هذا السياق، أظهرت دراسة دولية أجرتها شركة «سيسكو» الرائدة فى مجال الشبكات والبنية التحتية الرقمية، بالتعاون مع شركة Sandpiper Research & Insights، أن الانقطاعات الحادة التى تُصيب شبكات الاتصالات تكبّد الاقتصاد العالمى خسائر هائلة وتسلّط الضوء على خطورة هذا النوع من الأعطال وتأثيره المباشر على المؤسسات والأسواق العالمية.
انقطاعات متكررة.. وأسباب متعددة
تشير الدراسة، التى أُجريت فى ديسمبر 2024 وشملت 8065 مشاركًا من كبار قادة التكنولوجيا والأعمال من مختلف أنحاء العالم، إلى أن أكثر من %77 من المشاركين قد عانوا من انقطاعات حادة فى شبكاتهم خلال العامين الماضيين.
وقد تنوعت أسباب هذه الانقطاعات، إلا أن أكثرها شيوعًا كان الضغط الزائد على الشبكات، نتيجة النمو المتسارع فى استخدام البيانات، والهجمات السيبرانية المعقدة، التى باتت تستهدف البنى التحتية الحساسة بشكل متزايد، والأخطاء فى البرمجيات أو الإعدادات الفنية، والتى قد تؤدى إلى توقف كامل أو جزئى فى خدمات الشبكة.
ورغم اختلاف هذه الأسباب، فإن القاسم المشترك بينها جميعًا هو أثرها المباشر والسلبى على استمرارية الأعمال وتدفق الإيرادات.
الإيرادات فى دائرة الخطر
من النتائج اللافتة فى الدراسة أن أكثر من نصف المشاركين (%52) أكدوا أن أكثر ما يتأثر بهذه الانقطاعات هو الإيرادات، إذ يؤدى انقطاع حاد واحد فقط فى السنة إلى خسائر مالية فادحة، تُقدّر على مستوى العالم بـ 160مليار دولار.
هذا الرقم لا يعكس فقط الأثر اللحظى لهذه الانقطاعات، بل يعكس كذلك الأثر التراكمى المترتب على تراجع الإنتاجية، وفقدان العملاء، وتآكل الثقة فى العلامات التجارية، فضلًا عن تعطّل العمليات الحيوية مثل المعاملات الرقمية، وخدمات الدعم، والتشغيل الداخلي.
تحديات المستقبل
أكدت الدراسة أن هناك تحولًا هيكليًا جوهريًا يحدث فى كيفية فهم الشبكات وتصميمها، وهو ما يدفع نحو اعتماد شبكات أكثر ذكاءً وأمانًا وقابلية للتكيف، تستند إلى تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعى، وإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية.
وقد أظهرت البيانات أن نحو %94 من المشاركين يعتقدون أن هذه التقنيات ستكون المحرك الأساسى للتغير فى شبكات الاتصال خلال العامين المقبلين.
كما يرى %89 أن الاستثمار فى الشبكات الذكية من شأنه أن يؤدى إلى زيادة مباشرة فى الإيرادات، بينما يتوقع %93 تحقيق وفورات كبيرة فى التكاليف، وذلك من خلال خفض الانقطاعات، وتقليل استهلاك الطاقة، وتحسين كفاءة العمليات التقنية.
البنية المؤهلة للذكاء الاصطناعي
أشارت سيسكو فى تقريرها إلى أن الذكاء الاصطناعى بات يتطلب شبكات عالية الكفاءة، ذات قدرة على توفير اتصال دائم وسريع بالبيانات.
إلا أن الكثير من الشبكات الحالية لا تزال عاجزة عن مواكبة هذا التطور، مما يعرّض المؤسسات إلى مخاطر تشغيلية وتقنية متزايدة.
وقد حذّرت سيسكو من أن الاعتماد على بنية تحتية قديمة أو غير مهيأة لتكامل الذكاء الاصطناعى قد يؤدى إلى ضياع جزء كبير من القيمة المضافة التى يمكن تحقيقها من خلال هذه التقنية، وبالتالى تقويض جدوى الاستثمارات الرقمية على المدى الطويل.
الأمن السيبرانى فى قلب الأولويات
مع تزايد تعقيد التهديدات السيبرانية، خاصة تلك المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعى من قبل المهاجمين، أصبحت الشبكات الحديثة تلعب دورًا محوريًا كخط الدفاع الأول.
وقد أشار ما نسبته %98 من المشاركين إلى أن تأمين الشبكات أصبح ضرورة حيوية لسلامة العمليات واستمرارية الأعمال، بينما رأى %61 أن الشبكات الآمنة تُعد بالغة الأهمية للنمو والتوسع.
كما يعتقد %94 أن الشبكات الحديثة ستُسهم فى تعزيز المرونة الأمنية، من خلال اعتماد آليات استباقية فى اكتشاف التهديدات والاستجابة لها فى الوقت الفعلي.
الشبكات الذكية
فى تعليقه على نتائج الدراسة، قال تشينتان باتيل، الرئيس التنفيذى للتكنولوجيا ونائب رئيس هندسة الحلول فى «سيسكو» لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا: «الذكاء الاصطناعى يُغيّر كل شيء، ويُعيد تشكيل كل جانب من جوانب البنية التحتية الرقمية، والشبكات كانت، ولا تزال، هى المحرّك الرئيسى لكل موجات التحول الرقمى التى شهدناها حتى الآن.»
وأضاف باتيل: «نحن نشهد تقاربًا غير مسبوق بين إنترنت الأشياء والحوسبة السحابية، فى بيئة تشهد تزايدًا مطّردًا فى التهديدات السيبرانية، وكل هذا يفرض علينا بناء شبكات ذكية، ذات بنية مرنة وآمنة، قادرة على التكيّف والنمو مع متطلبات المستقبل، المؤسسات التى تستثمر فى هذه البنى التحتية اليوم، ستكون هى من يقود مشهد الذكاء الاصطناعى فى الغد».
