«أوبك+» تدشن استراتيجية النفط الرخيص لاستعادة حصتها السوقية

تُنفّذ أوبك+ استراتيجيةً لخفض أسعار النفط عبر زيادة الإنتاج، مُغيّرةً بذلك تركيزها السابق على خفض المعروض للحفاظ على ارتفاع الأسعار.

أوبك
Ad

تُنفّذ أوبك+ استراتيجيةً لخفض أسعار النفط عبر زيادة الإنتاج، مُغيّرةً بذلك تركيزها السابق على خفض المعروض للحفاظ على ارتفاع الأسعار.

ويُعزى هذا التحرك جزئيًا إلى رغبة السعودية فى استعادة حصتها السوقية وتلبية الطلب الأمريكى بخفض أسعار النفط، مع السعى أيضًا إلى معاقبة الدول الأعضاء فى المنظمة التى أفرطت فى الإنتاج ولم تلتزم بحصصها.

وتتضمن هذه الاستراتيجية زيادةً تدريجيةً فى الإنتاج، مع احتمال تأثيرها الكبير على أسعار النفط العالمية، وقد تُؤدي إلى انخفاض مُطوّل فى الأسعار.

زيادات مفاجئة

فى خطوة مفاجئة للأسواق، قررت منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفاؤها فى تحالف «أوبك، خلال اجتماعها الأخير، زيادة إنتاج النفط بمقدار 548 ألف برميل يوميًا فى أغسطس، مقارنة بزيادة قدرها 411 ألف برميل يوميًا لشهور مايو ويونيو ويوليو، و138 ألف برميل فى أبريل.

وتشمل الزيادة الجديدة ثمانية أعضاء فى «أوبكوهم: السعودية، روسيا، الإمارات، الكويت، سلطنة عمان، العراق، كازاخستان والجزائر.

ويمثل هذا التحرك تسريعًا لوتيرة إنهاء التخفيضات الإنتاجية الطويلة الأمد، والتى بدأ التحالف تطبيقها منذ عام 2022 لدعم الأسعار، لكنه غيّر هذه السياسة فى أبريل الماضي.

وكان المخطط الأصلى لتحالف «أوبكيقضى بزيادة تدريجية فى الإنتاج بمقدار 2.2 مليون برميل يوميًا على مدى 18 شهرًا، إلا أن وتيرة الزيادات تسارعت منذ مايو، ومن المرجح الآن أن يُستعاد كامل الإنتاج المعطّل بحلول نهاية سبتمبر، أى قبل عام كامل من الجدول الزمنى الأصلي.

طلب هش

لكن فى الوقت الذى تراهن فيه «أوبكعلى تعافى السوق، تشير البيانات إلى صورة أكثر تحفظًا، خاصة من جهة الصين، أكبر مستورد للنفط فى العالم، فقد ارتفعت واردات الخام الصينية بنسبة هامشية بلغت 0.3% فقط فى الأشهر الخمسة الأولى من 2025، لتصل إلى 11.1 مليون برميل يوميًا، بحسب بيانات رسمية.

وتتوقع «إل إس إى جي» لأبحاث النفط أن تسجل واردات الصين ارتفاعًا فى يونيو إلى نحو 11.96 مليون برميل يوميًا، مقارنة بـ11.30 مليون برميل فى يونيو 2024، ولكن ذلك يعود إلى عمليات شراء تمت خلال فترات انخفاض الأسعار فى أبريل ومايو، وليس إلى نمو حقيقى فى الطلب.

ومن المرتقب أن تواصل دول أوبك عقد اجتماعات شهرية لمراجعة تطورات السوق ودرجة الالتزام وآليات التعويض، مع تحديد موعد الاجتماع المقبل يوم 3 أغسطس 2025 لاتخاذ القرار بشأن مستويات الإنتاج لشهر سبتمبر.

وتعكس هذه القرارات ثقة الدول الأعضاء فى «أوبكفى أساسيات السوق الحالية، بما فى ذلك انخفاض المخزونات العالمية وتحسن مؤشرات الطلب، لا سيما فى الأسواق الآسيوية، مع استعداد التحالف للتحرك السريع فى حال حدوث أى اضطرابات أو تغيرات فى الطلب العالمى أو الجغرافيا السياسية.

بينما تؤكد «أوبكأن السوق تسير فى الاتجاه الصحيح، يبقى الطلب العالمىوخصوصًا من آسياهو العنصر الحاسم فى تحديد مدى جدوى هذه الزيادة، وإذا لم يترافق القرار مع تحسّن فى الطلب الحقيقى، فإن الفائض النفطى قد يتحول إلى عبء جديد على الأسعار فى النصف الثانى من 2025.

استعادة الحصة السوقية

وقال خورخى ليون، الموظف السابق فى «أوبك» والمستشار فى شركة «ريستاد» للطاقة: «هذه الخطوة ترسل رسالة واضحة لكل من لا يزال فى شك: ‹أوبك+› تتجه الآن بشكل حاسم نحو استراتيجية استعادة الحصة السوقية

وأوضح محللون أن أحد أسباب تسريع وتيرة زيادة الإنتاج هو ارتفاع الطلب على النفط خلال صيف نصف الكرة الشمالى، بسبب زيادة نشاط المصافى وموسم السفر بالسيارات فى الولايات المتحدة وأوروبا.

لكن على المدى البعيد، قد تؤدى هذه الزيادة إلى فائض كبير فى الإمدادات بحلول نهاية العام، وهو ما قد يدفع الأسعار إلى ما دون مستوى 60 دولارًا للبرميل، بحسب توقعات معظم المتداولين.

الدور السعودي

ورغم التأثير السلبى على الأسعار، فإن أعضاء «أوبكوالمطلعين على توجهات التحالف قدّموا تفسيرات متعددة لتمسكهم بإعادة الإمدادات المعلّقة، ويتفق كثيرون على أن وزير الطاقة السعودى، الأمير عبد العزيز بن سلمان، كان القوة الدافعة وراء هذا التوجه، إذ رأى أن عبء التخفيضات لم يكن موزعًا بعدالة.

ففى حين تحملت السعودية الجزء الأكبر من التخفيضات، واصلت دول أخرى ضمن التحالفبما فيها روسياالإنتاج فوق حصصها المقررة، مما قلل من فعالية الجهد الجماعى.

وبحلول أبريل، كانت السعودية قد خفّضت إنتاجها بنسبة %20 مقارنةً بثلاث سنوات مضت، ليصل إلى نحو 9 ملايين برميل يوميًا، وهو أدنى مستوى لها منذ عام 2011، باستثناء فترة جائحة كورونا.

وحاولت السعودية فرض انضباط جديد من خلال اتفاقيات تعويض الفائض فى الإنتاج، لكن بعض الدولخاصة كازاخستانتجاهلت تلك التوجيهات واستمرت فى الإنتاج فوق الحصة.

ومع توقف تأثير التخفيضات على الأسعار، لم يعد من المنطقى لكبار المنتجين، مثل السعودية والإمارات، الاستمرار فى كبح الإمدادات، وفقًا للمحللين.

كسب ود ترامب

وفى تطور يخدم مصالح التحالف من جانبين، سمح رفع الإنتاج وخفض الأسعار بكسب ودّ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى لطالما دعا إلى خفض أسعار النفط، وفى الوقت نفسه ألحق ضررًا بشركات النفط الصخرى الأمريكية، التى تعتمد على أسعار أعلى لتحقيق أرباح.

وفيما يخص المستقبل، قال خورخى ليون من «ريستاد» إن السوق الآن يترقّب ما إذا كان «أوبكسيتجه إلى إلغاء مجموعة ثانية من التخفيضات الطوعية، والبالغة 1.65 مليون برميل يوميًا من الطاقة المعطّلة، والمقرر استمرارها حتى نهاية عام 2026.

آسيا تستغل انخفاض الأسعار

تشير تقديرات «إل إس إى جي» إلى أن واردات آسيا من النفط فى يونيو بلغت 28.65 مليون برميل يوميًا، وهو أعلى مستوى منذ يناير 2023.

لكن هذا الزخم قد لا يدوم، فارتفاع الأسعار لفترة وجيزة فى منتصف يونيو، نتيجة الضربات الإسرائيلية الأمريكية ضد إيران، قد يدفع الصين إلى خفض وارداتها خلال أغسطس وسبتمبر، لا سيما إذا استمرت الأسعار بالارتفاع.