تواجه مصر منذ عقود تحديًا سكانيًا معقدًا يفرض ضغوطًا متزايدة على الموارد والخدمات، ويؤثر على فرص التنمية المستدامة. وفى ظل هذا الواقع، تبذل الحكومة جهودًا حثيثة لتحقيق التوازن بين النمو السكانى والاقتصادى، عبر استراتيجيات وطنية طموحة تستند إلى البيانات والتحليل العلمي.
وخلال احتفالية اليوم العالمى للسكان 2025، أكد الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، أن حل القضية السكانية يمثل مفتاحًا لتجاوز كثير من الأزمات الاقتصادية، مشددًا على ضرورة أن يكون النمو الاقتصادى ثلاثة أضعاف النمو السكانى، وعلى أهمية الاستثمار فى الإنسان كركيزة لمستقبل مستدام.
وأضاف عبدالغفار، فى تصريحات لـ”المال” على هامش مشاركته فى احتفالية اليوم العالمى للسكان 2025، التى عقدت بالقاهرة تحت شعار “تمكين الشباب لبناء الأسر التى يريدونها فى عالم عادل ومفعم بالأمل”، أن الحكومة لا تعتمد على المؤسسات الدولية فى تدبير التمويل لتنفيذ الاستراتيجيات السكانية والتنموية، بل على بناء شراكات استراتيجية تتيح نقل التكنولوجيا والمعرفة، مشيرًا إلى أهمية التعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية للاستفادة من تجارب الدول الناجحة فى إدارة التحول الديموغرافي.
وأكد الوزير أن التعامل مع القضية السكانية لا يجب أن يكون مقتصرًا على مجرد أرقام وإحصاءات، بل يستلزم تخطيطًا استراتيجيًا متكاملا يربط بين التعليم، والتمكين، والتشغيل، ويهدف إلى بناء مجتمع قادر على مواجهة التحديات وتحقيق الاستقرار، لافتًا إلى أن عدد المواليد فى مصر لا يزال مرتفعا ويبلغ نحو 5378 مولودا يوميا، أى ما يعادل مولودا كل ثانية.
استراتيجية وطنية ومؤشرات مشجعة
ولفت الوزير إلى أن الجهود الحكومية أسفرت عن تراجع معدل الإنجاب الكلى من 2.85 طفل لكل سيدة فى عام 2021 إلى 2.41 طفل فى عام 2024، فيما انخفض معدل المواليد من 26.8 لكل ألف نسمة فى 2017 إلى 18.5 فى 2024، وانخفض عدد المواليد السنوى إلى أقل من مليونى مولود لأول مرة فى تاريخ مصر الحديث.
وأوضح أن هذه النتائج والتى وصفها بـ “المشجعة” تعكس فاعلية السياسات الحكومية، خاصة “الخطة العاجلة للسكان والتنمية 2025 - 2027” التى تستهدف تسريع وتيرة الإنجازات بالاعتماد على أدوات تحليلية متقدمة، فى مقدمتها الدليل السكانى الوطنى الذى يضم 29 مؤشرا مركبا، من بينها مؤشرات البطالة، الأمية، والتسرب من التعليم، وزواج الأطفال.
وأكد عبدالغفار أن هذه النجاحات لم تكن لتتحقق دون شراكة فعالة بين الحكومة والمجتمع المدنى والقطاع الخاص، مشددًا على أن القضية السكانية ليست مسؤولية وزارة بعينها، بل مسؤولية وطنية تتطلب تكاتف الجميع لضمان استدامة النتائج وتحقيق التحول الديموغرافى المطلوب.
شباب مصر ركيزة المستقبل
ركزت الاحتفالية، التى شارك فيها ممثلو وزارات ومؤسسات الدولة والأمم المتحدة وشركاء التنمية، على أهمية تمكين الشباب باعتبارهم الفئة الأكثر تأثيرا فى تشكيل مستقبل البلاد.
وأكد عبدالغفار أن الاستثمار فى الإنسان هو الرهان الأذكى لتحقيق تنمية مستدامة، لافتًا إلى أن الفئة العمرية الأقل من 15 عاما تمثل %31.2 من سكان مصر، فيما لا تتجاوز نسبة كبار السن %5.9، وهو ما يمنح الدولة فرصة ديموغرافية نادرة يجب استثمارها جيدًا.
وشدد الوزير على أن التحدى السكانى ليس منعزلًا عن باقى التحديات التى تواجه الدولة، مشيرًا إلى أن نجاح مصر فى كبح جماح النمو السكانى سينعكس إيجابيًا على قطاعات مثل التعليم، والصحة، والتوظيف، والإسكان، بل وعلى العجز فى الموازنة العامة.
الجهاز المركزي: الوجه القبلى لا يزال الأعلى فى معدلات المواليد.
من جانبه، قال اللواء خيرت بركات، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إن عدد سكان مصر بلغ حتى يوليو 2025 نحو 107 ملايين و852 ألف نسمة، مشيرًا إلى أن محافظات الوجه القبلى لا تزال تسجل معدلات مواليد مرتفعة رغم التحسن العام فى المؤشرات السكانية.
وأكد بركات على أهمية البيانات الدقيقة فى وضع السياسات التنموية، مشيرًا إلى أن “مسح الأسرة المصرية 2025” الذى نفذه الجهاز بالتعاون مع وزارة الصحة، قدم معلومات شاملة حول الصحة الإنجابية والحمل غير المخطط، ضمن إطار مبادرة “بداية”، التى أسهمت بدور كبير فى توجيه السياسات العامة.
إشادة دولية بالمبادرات المصرية
فيما أشاد ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان فى مصر، إيف ساسينرات، بدور الحكومة المصرية فى دعم قضايا السكان والتنمية، مثمنا مبادرة “بداية” التى قال إنها قدمت دعمًا فعالًا لقطاعى الصحة والسكان، وساهمت فى انخفاض معدلات الإنجاب، وهو ما اعتبره دليلًا على نجاح السياسات الوطنية.
كما أثنت الدكتورة إلينا بانوفا، منسق الأمم المتحدة فى مصر، على الدور الريادى الذى تلعبه مصر فى ملف التنمية البشرية، مشيرة إلى أن الدولة تتعامل بفاعلية مع التحديات السكانية عبر مبادرات مبتكرة، مؤكدة أن الشباب يظلون الشريك الأهم فى بناء المستقبل.
مؤشرات مركبة تؤكد التحسن المستمر
وخلال مداخلتها، استعرضت الدكتورة عبلة الألفى الخطة العاجلة للسكان والتنمية، مشيرة إلى انخفاض معدل الإنجاب الكلى إلى 2.41 فى 2024، وتحسين الخصائص السكانية فى العديد من المناطق.
كما استعرضت الإصدار السابع لتقرير المؤشرات المركبة، الذى أظهر تحسنًا واضحًا فى مؤشرات التعليم، وتمكين المرأة، ومحاربة زواج الأطفال.
وأكدت الألفى أن التحول فى سلوك الأسر المصرية تجاه الإنجاب يعكس نجاح السياسات السكانية، التى ركزت على رفع وعى الشباب وتحسين الخدمات، من خلال خطط متكاملة تجمع بين التنمية المجتمعية والتمكين الاقتصادي.
وردا على سؤال لـ”المال” حول حجم التمويل المخصص لبرامج تنظيم الأسرة، وهل هناك نية لزيادته، قالت الألفى، إن حجم ما يتم إنفاقه على برامج تنظيم الأسرة هائل جدًا، مشيرة إلى أن الوزارة طالبت فى وقت سابق مجلس الوزراء بالموافقة على تمويل إضافى، وهو ما استجابت له.
وأكدت، أن مجلس الوزراء قدم خلال الأشهر الماضية تمويل إضافى بلغ 620 مليون جنيه، مشيرة إلى أن ما يتم انفاقه سواء على الأدوات والمستلزمات والأدوية وبرامج التوعية يتجاوز الـ 3 مليارات جنيه.
