رجح خبيران مصرفان أن يواصل البنك المركزى المصرى سياسات التيسير النقدى خلال النصف الثانى من العام الجارى، مستندًا إلى تحسن ملحوظ فى مؤشرات الاقتصاد الكلى، وهدوء نسبى فى الأوضاع الجيوسياسية الإقليمية، مما أزال كثيرًا من الضغوط التى كانت تلقى بظلالها على قرارات السياسة النقدية.
وأضافا فى تصريحات لـ «المال» أن معدلات التضخم واصلت تراجعها منذ بداية العام، مدفوعة بتأثير سنة الأساس ونتائج التشديد النقدى السابق، وهو ما يمهد الطريق أمام خفض تدريجى للفائدة.
وأشارا إلى أن تراجع مؤشر مديرى المشتريات دون مستوى التعادل يعكس استمرار الضعف فى الطلب المحلى، وهو ما يرجعه كثيرون إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض، مؤكدين أن ذلك يمثل مبررًا إضافيًا يدفع نحو التوسع فى خفض أسعار الفائدة.
وأكدا أن استقرار سوق الصرف وتراجع الضغوط على الجنيه من العوامل الحاسمة فى تقييم البنك المركزى لخياراته خلال الفترة المقبلة، كما أن الزيادة المسجلة فى الاحتياطى النقدى الأجنبى وصافى الأصول الأجنبية لدى البنوك تدعم هذا الاتجاه.
قال محمد عبد العال، الخبير المصرفى، إنه من المتوقع أن يتوسع البنك المركزى المصرى فى سياسات التيسير النقدى فيما تبقى من العام الجارى، لا سيما فى ظل تحسن معظم مؤشرات الاقتصاد المصرى خلال الربع الحالي.
وعلل «عبد العال» رأيه بتراجع حدة المخاطر الجيوسياسية فى المنطقة، وهى تلك المخاطر التى كانت تلقى بظلالها على اقتصاد مصر، لافتا إلى أن ظروف مصر فى الوقت الراهن أفضل مما كانت عليه خلال الفترة الماضية.
وعلى صعيد عالمى، لفت الخبير المصرفى إلى أن الأسواق بدأت تستوعب مخاطر الرسوم الجمركية التى يتبناها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، كما أن هذه الأسواق بدأت تفهم الآلية التى يفكر بها ترامب، حيث يضغط للحصول على أفضل صفقة ممكنة، وهو ما يفسر عدم تأثر الأسواق بقرارته خلافا لما كان عليه الحال فى بداية الأمر.
وأكد «عبد العال» أن هناك توجه لدى أغلب البنوك المركزية حول العالم لخفض أسعار الفائدة، وهو ما قد يكون مبررا بطريقة غير مباشرة لتحفيز صانع السياسة النقدية المصرى للتوسع فى دورة التيسير النقدى التى كان قد بدأها مطلع هذا العام.
انحسار معدلات التضخم
وأشار محمد عبد العال الخبير المصرفى إلى أن معدلات التضخم فى مصر انخفضت بشكل واضح منذ بداية العام الجارى وذلك مدفوعا بتأثير سنة الأساس وتراكم تأثير سياسات التشديد النقدى التى كان البنك المركزى قد تبناها خلال العامين أو العام ونص العام الماضيين.
وأكد أنه حتى فى حال ارتفاع أسعار بعض السلع مثل السلع الغذائية، فإن ذلك كان ارتفاع محدود ومؤقت، لافتا إلى أن معدلات التضخم التى تحددها الأسواق بنفسها قد انخفضت هى الأخرى وهو مؤشر واضح على أن التضخم فى مصر آخذ فى الانحسار فعليًا.
سجل معدل التغير الشهرى فى الرقم القياسى الأساسى لأسعار المستهلكين، الذى يعده البنك المركزى المصرى، سالب %0.2 فى يونيو 2025 مقابل %1.3 فى يونيو 2024 و%1.6 فى مايو 2025.
وعلى أساس سنوى، سجل معدل التضخم الأساسى %11.4 فى يونيو 2025 مقابل %13.1 فى مايو 2025.
سجل معدل التغير الشهرى فى الرقم القياسى العام لأسعار المستهلكين للحضر، الذى أعلنه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، سالب %0.1 فى يونيو 2025 مقابل %1.6 فى يونيو 2024 و%1.9 فى مايو 2025.
وعلى أساس سنوى، سجل معدل التضخم العام للحضر %14.9 فى يونيو 2025 مقابل %16.8 فى مايو 2025.
أفضل نمو ربعى فى 3 سنوات
وأفاد الخبير المصرفى محمد عبد العال أن اقتصاد مصر قد حقق أفضل نمو ربعى خلال 3 سنوات، وهو الأمر الذى يحتم على البنك المركزى المصرى توفير قوة الدفع اللازمة للاستمرار فى هذا الاتجاه والحفاظ على وتيرة نمو اقتصاد متصاعد.
حقق الاقتصاد المصرى، بحسب بيانات وزارة التخطيط، أعلى معدل نمو ربع سنوى خلال 3 سنوات بنسبة %4.7 بنهاية مارس الماضى مقارنة بمعدل نمو بلغ %2.2 فى الربع المناظر من العام المالى السابق
وسجل %4.2 معدل النمو الاقتصادى فى التسعة أشهر الأولى من العام المالى الجارى مقابل 2.4% فى الفترة المقابلة من العام الماضي.
تصدّر قطاع السياحة معدلات النمو القطاعى فى الاقتصاد المصرى خلال الربع الثالث من العام المالى 2024/ 2025، محققًا نموًا بنسبة 23 فى المئة، يليه قطاع الصناعات التحويلية غير البترولية بنسبة 16 فى المئة، ثم قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنسبة 14.7 فى المئة، ما يعكس تنوع مصادر النمو الاقتصادى خلال الفترة الأخيرة.
وساهمت الصناعات التحويلية غير البترولية بأكبر نسبة فى النمو الاقتصادى الإجمالى خلال الربع ذاته، بمعدل مساهمة بلغ 1.9 فى المئة، مدعومة بزيادة واضحة فى الاستثمارات الصناعية، إلى جانب التسهيلات التى قدمتها الدولة للمصنعين، وهو ما عزز من تعافى القطاع ورفع طاقته الإنتاجية.
مؤشر مديرى المشتريات وضعف الطلب
وأوضح «عبد العال» أن تراجع مؤشر مديرى المشتريات دون نقطة التوازن يعنى أن هناك انخفاضا فى الطلب، وهو الأمر الذى جاء متأثرا بارتفاع تكلفة الاقتراض، وهو عامل آخر من بين تلك العوامل التى تعزز احتماليات اتجاه البنك المركزى المصرى إلى التوسع فى سياسات التيسير النقدي.
انخفض مؤشر إس آند بى جلوبال لمؤشر مديرى المشتريات فى مصر إلى 48.5 فى أبريل من 49.2 فى مارس، مسجلاً أدنى قراءة له فى عام 2025 حتى الآن، ويشير الرقم الذى يقل عن 50 إلى انكماش، بينما يشير الرقم الذى يزيد على 50 إلى نمو.
انخفضت أنشطة التوظيف والشراء، حيث قامت الشركات بتقليص أعداد الموظفين للشهر الثالث على التوالى، بحسب التقرير.
وذكر «عبد العال» أنه من المتوقع أن يصل إجمالى تخفيضات أسعار الفائدة خلال العام الجارى إلى نحو 600 نقطة أساس، وهى ذات القيمة التى رفع بها أسعار الفائدة دفعة واحدة خلال 2024.
وأفاد أن العوائد على أذون الخزانة المصرية آخذة فى التراجع كما أن متوسط التغطية يتراوح بين 4 إلى 6 مرات، وهو مؤشر آخر على احتماليات تراجع أسعار الفائدة على الأمد المتوسط وربما القريب.
استقرار سعر الصرف
فى السياق ذاته، توقع محمد بدرة الخبير المصرفى احتماليات توسع البنك المركزى فى سياسات التيسير النقدى لا سيما فى ظل استقرار سعر الصرف، وخفة الضغوط على الجنيه، وهو عامل حاسم يضعه البنك المركزى بعين الاعتبار ويوليه عناية فائقة.
وأضاف أن انحسار معدلات التضخم أحد أبرز العوامل التى تعزز توجه البنك المركزى إلى تخفيف أسعار الفائدة، بالإضافة إلى زيادة الاحتياطيات الدولية وصافى الأصول الأجنبية للبنوك بشكل جليّ خلال الفترة الأخيرة.
ارتفع صافى الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفى (البنك المركزى والبنوك التجارية) بنحو 1.2 مليار دولار ليصل إلى 14.7 مليار دولار فى مايو الماضى، مقارنةً مع مستواه البالغ 13.6 مليار دولار فى الشهر السابق.
وقد جاء هذا الارتفاع مدفوعا بالتحسن فى صافى الأصول الأجنبية لدى البنوك التجارية ليبلغ أعلى مستوى له منذ فبراير 2021 مسجلاً 4.8 مليار دولار فى مايو الماضى، مقارنة مع 1.6 مليار دولار فى أبريل الماضى، بزيادة قدرها 3.2 مليار دولار.
وارتفع صافى الاحتياطيات الدولية إلى 48.700 مليار دولار بنهاية يونيو 2025. يمثل زيادة قدرها 174 مليون دولار مقارنة بمايو 2025، حيث كان الاحتياطى قد بلغ 48.526 مليار دولار.
وأوضح الخبير المصرفى أن لجنة السياسة النقدية لدى البنك المركزى قد بدأت فى خفض أسعار الفائدة خلال النصف الأول من العام الجارى، والمتوقع بشكل كبير أن تواصل نفس المسار حتى نهاية العام على الأقل.
غير أن «بدرة» أشار إلى أن البنك المركزى المصرى لن يخفّض أسعار الفائدة بوتيرة عنيفة لا سيما فى ظل حرصه على أموال المودعين من جهة وتوفير عوائد مرضية للقطاع العائلى، ومحاولة الحفاظ على الأموال الساخنة من جهة أخرى وحمايتها من الهروب إلى أسواق أخرى منافسة.
