كشف المهندس مصطفى أبو جمرة، المؤسس والرئيس التنفيذى لشركة «ميديا ساي» عن مسار طويل ومركب من الخبرات التكنولوجية والريادية، امتد من أيام ماكينات «NCR» وحتى بناء منصات معتمدة على الذكاء الاصطناعى تخاطب المستثمرين بلغات متعددة.
بدأت رحلته المهنية فى شركة «NCR» الأمريكية ثم فى «AT&T»، قبل أن يؤسس عدة شركات متخصصة فى تكنولوجيا المحمول والإعلانات الرقمية، أبرزها «تكنو وايرلس»، التى كانت من أولى الشركات التى طورت خدمات «SMS» التفاعلية فى المنطقة، وتعاونت مع كيانات كبرى مثل «فودافون» و«MBC»، لكن النقلة الكبرى جاءت بعد عام2013، حين قرر أبو جمرة إعادة تعريف مساره المهنى بإطلاق شركة «ميديا ساي»، التى بنَت واحدة من أكثر المنصات العربية تطورًا فى تحليل البيانات ومتابعة السلوك الرقمى للمستهلكين.
وخلال استضافته فى برنامج «CEOLevelPodcast»، الذى يقدمه حازم شريف رئيس تحرير جريدة «المال»، والمذاع عبر قناة «AlmalTV» على «يوتيوب»، طرح أبو جمرة مفارقة، تكمن فى أن السوق العربية لم تكن مهيأة بعد لأدوات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعى.
وأكد أن التقارير كانت «تُبهر» بصريًا دون أن تقدم قيمة حقيقية لصناع القرار. ومن هنا جاءت فكرة تطوير منصة تفهم العربية وتربط بين مؤشرات الأداء الرقمى والقرارات التجارية.
وإلى نص الحوار...
● حازم شريف: أعدكم أن تكون هذه الحلقة مميزة لأسباب عدة، أولًا، بسبب ما نمر به من تطورات متسارعة ترتبط بالثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعى وانعكاساتهما على مختلف المجالات، ثانيًا، لأننا نعيش فى ظل أحداث ساخنة ومؤسفة تمر بها منطقتنا، من صراعات وتغيرات قد نتطرق إليها بصورة أو بأخرى فى سياق هذا اللقاء، أما السبب الثالث، وربما الأهم، فيكمن فى ضيف هذه الحلقة شخص له حضور مؤثر فى المشهد التكنولوجى الحالي، وتربطنى به معرفة تمتد لسنوات طويلة، دائمًا ما أقول إن هناك أشخاصًا نلتقيهم فى لحظات مفصلية من حياتنا، قد لا نراهم كثيرًا، لكن العلاقة معهم تحتفظ برونقها القائم على الاحترام المتبادل والتبادل المعرفى النقي، الخالى من الغيرة والحسد، التى أصبحت، للأسف، سمة شائعة فى مجتمعات الأعمال.
ضيفى فى هذه الحلقة هو المهندس مصطفى أبو جمرة، المؤسس والرئيس التنفيذى لشركة ميديا ساي. أهلًا بك يا مصطفى.
السؤال الأول، والبداية التقليدية: من هو مصطفى أبو جمرة؟ متى تخرجت؟ ماذا درست؟ كيف تطورت مهنيًا؟ وكم شركة أنشأتها وأغلقتها؟
مصطفى أبوجمرة:اسمى مصطفى أبو جمرة، تخرجت فى كلية الهندسة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة عام1987، بتخصص أساسى فى الميكانيكا وتخصص فرعى فى علوم الكمبيوتر، وقتها كان الكمبيوتر مجرد آلات ضخمة وتقنيات بدائية مقارنةً بما نراه الآن، وكان المشهد التكنولوجى لا يزال فى بداياته.
من حسن حظى أننى بدأت مسيرتى المهنية فى شركةNCR، وهى شركة أمريكية رائدة فى صناعة الأنظمة الإلكترونية، قضيت فيها نحو12سنة،10منها فى مصر. ثم حدث اندماج بين شركتى «NCR» و«AT&T» العالمية، ومع هذا التحول تمت ترقيتى إلى منصب مدير عام فى «إيه تى آند تي» فى عمان وقطر.
ومع دخول الألفية الجديدة، وتحديدًا بعد عام2000، اتخذت قرارًا بالخروج من الإطار التقليدى للعمل فى الشركات الدولية وقررت تأسيس شركتى الخاصة. وقتها كانت أزمة «Y2K» على أشدها، وكانت الشركات تُنفق بسخاء على حلول تكنولوجية لمعالجة المشكلة. شخصيات مؤثرة مثل خالد بشارة، رحمه الله، وهشام سعيد، كانوا من رواد تأسيس شركات فى هذا المجال، وكان هناك حراك كبير وإلهام حقيقي. قلت لنفسي: «حان الوقت»، فبدأت أولى خطواتى فى عالم ريادة الأعمال.
لكن للأسف، لم يكن التوقيت موفقًا تمامًا. فقد أنفقت الشركات معظم ميزانياتها على تكنولوجيا المعلومات لحل مشكلة «Y2K»، ثم دخلت فى حالة من الإفلاس أو التوقف عن الإنفاق. نزلت إلى السوق لأجد الوضع قد تغيّر تمامًا، وكان عليّ أن أتعامل مع واقع صعب منذ اليوم الأول.
● حازم شريف: نبدأ بتوضيح سريع للناس: ما هى أزمة «Y2K»؟
مصطفى أبو جمرة:أزمة «Y2K» كانت ناتجة عن عادة مبرمجى الكمبيوتر فى الثمانينيات والتسعينيات فى تسجيل تاريخ السنة باستخدام رقمين فقط، فمثلًا سنة1999كانت تُكتب «99»، ولما دخلنا سنة2000، أصبح الكمبيوتر يرى «00»، فكان يفسّرها على أنها1900، مما أثار ذعرًا عالميًا حول احتمالية انهيار الأنظمة المعلوماتية المعتمدة على التواريخ.
● حازم شريف: وكانت بالفعل مشكلة كبيرة، والناس كانت فى حالة قلق شديد.
مصطفى أبو جمرة:صحيح، وكان الخوف فى كل مكان. ولكن، بالتزامن مع هذه الأزمة، بدأت تظهر موجة جديدة من شركات التكنولوجيا الناشئة، ومعها بدأ يبرز مصطلح «دوت نت».
● حازم شريف: دعنا نشرح أيضًا للقراء معنى «دوت نت»، حيث كانت تُستخدم للإشارة إلى شركات التكنولوجيا الناشئة المرتبطة بالإنترنت، والتى بدأت فى الظهور منتصف التسعينيات، حين كان الإنترنت فى بداياته.
مصطفى أبو جمرة:بالضبط. فى تلك الفترة، تعاونت مع زملائى فى الجامعة، أيمن عياد وهشام عباس، وأنشأنا شركة كانت تُدعى «إنكيوب». وكانت أول شركة «حاضنة أعمال» لمشروعات «الدوت كوم» فى مصر. بدأنا مبكرًا جدًا، وكان لدينا طموح كبير، لكنها لم تحقق النجاح المتوقع.
مصطفى أبو جمرة: بالفعل، كانت مرحلة من العصف الذهنى حول كيفية تقديم التكنولوجيا للمجتمع. كنا نركّز فى تلك المرحلة على مفهوم «الدوت كوم» وأطلقنا عليه اسم «إنكيوب»، وضخخنا فيه استثمارات كبيرة.
«إنكيوب» التزمت بالأسس الصحيحة، لكننا اصطدمنا بعقبتين. الأولى، أن الجامعات لم تكن تخرج كوادر فنية مؤهلة فى هذا المجال، فلم نجد المواهب التى نستطيع احتضانها. الثانية، أن نموذج الحاضنات يتطلب استثمارًا أوليًا منّا، ثم تبدأ موجات استثمارية تالية من صناديق رأس المال الجريء. كنا قد وقّعنا اتفاقية بالفعل مع شركةCIIC، الذراع الاستثمارية للبنك التجارى الدولي، وكان وقتها ياسر الملوانى يقود الملف. لكن حدثت كارثة عالمية، وهى فقاعة «الدوت كوم».
● حازم شريف: دعنا نتوقف هنا لتوضيح مصطلح «فقاعة الدوت كوم». كانت هناك شركات كثيرة فى أواخر التسعينيات تعمل فى مجال الإنترنت، وارتفعت أسهمها بشدة فى بورصة «ناسداك»، وتدفقت إليها الأموال بطريقة غير منطقية. ثم انهارت فجأة لأن تقييماتها كانت أكبر بكثير من قيمتها الحقيقية. وأتذكر أننى عملت مع أحد بنوك الاستثمار الذين كانوا بصدد إطلاق موقع إلكترونى ضخم، وطلبوا منى مراجعة خطة العمل. اكتشفت أنهم يتوقعون خسائر مستمرة لخمس سنوات، ومع ذلك كانوا سعداء بها!
مصطفى أبو جمرة:هذه هى النقطة الجوهرية. الشركات وقتها كانت تحتفى بالتدفقات الاستثمارية الضخمة دون أن تلتفت إلى الدخل الحقيقى أو الربحية. كان التقييم يعتمد على «كم تحرق من السيولة»، وليس «كم تحقق من دخل». ومع انفجار الفقاعة، انهارت الشركات، وبيعت بأبخس الأثمان. بعضها كان واعدًا جدًا، مثل شركةVerticalNetالتى كانت تجمع طلبات الشراء بالجملة للمصانع والموزعين للحصول على تخفيضات. لكن فقدان الثقة قتل السوق بالكامل. لم ينجُ من هذه المذبحة إلا ثلاث شركات فقط: جوجل، أمازون، وإى باي.
● حازم شريف: نكمل معك الرحلة أنشأت شركة للحاضنات التكنولوجية.
مصطفى أبو جمرة:صحيح، أسست شركة «إنكوبيتور»، لكن للأسف لم نستطع تأمين تمويل كافٍ، فاضطررنا لإغلاقها فى عام2003أو2004، رغم محاولاتنا المستمرة للإبقاء عليها. وفى الوقت نفسه، أسست شركة أخرى اسمها «تكنو وايرلس»، وكانت شركة رائدة فى مجال أنظمةGSMلخدمات تشغيل الهواتف المحمولة.
● حازم شريف: ومن كان عميلك الرئيسى فى ذلك الوقت؟
مصطفى أبو جمرة:عملنا مع شركات كبرى مثل «فودافون»، و«تونيزيانا»، و«موبينيل» (قبل أن تتحول إلى «أورانج”). قدمنا خدمات الإنترنت المحمول (WAP)، وكان لدينا مشروع مميز بالتعاون مع المهندس حاتم دويدار – وكان وقتها مشروعًا متقدمًا جدًا – أقمنا بطولة ألعاب تفاعلية عبر الـWAP، الذى كان يُعد الجيل الأول من الإنترنت على الهواتف المحمولة بالأبيض والأسود.
صممنا ست ألعاب تفاعلية يمكن لعبها عبر الهاتف، وقدمناها لصالح شركة «فودافون»، وحصلنا على عقد جيد جدًا. الفكرة كانت مستوحاة من أن نجاح نظام تشغيل «ويندوز» ارتبط بلعبة «السوليتير»، ففكرنا: لماذا لا نربط انتشار خدمات الـWAPبألعاب؟
وفى الحقيقة، كنت قد اكتسبت خبرة جيدة فى الأنظمة الإعلامية خلال عملى السابق فى شركةNCR. على سبيل المثال، قمت بميكنة دورة الألعاب الأفريقية بالتعاون مع اتحاد الإذاعة والتلفزيون، كما صممت غرفة تحرير الأخبار فى التلفزيون المصري، وهو ما منحنى فهمًا عميقًا للبنية التحتية الإعلامية.
ومن هذا المنطلق، كنت أول من أطلق خدمة إرسال الرسائل القصيرة (SMS) التفاعلية على شاشات القنوات التلفزيونية، وبدأت بها فى مصر والسعودية. قدمت هذه الخدمة لقناة «مزيكا»، وكان الأستاذ محسن جابر سعيدًا جدًا بها. الجمهور كان يرسل رسائل على رقم مخصص تظهر على الشاشة، وكانت الإيرادات تقسم بينى وبين القناة.
أطلقت أيضًا خدمات مثل1515و1516، بالإضافة إلى خدمات «الجزيرة موبايل» و«العربية موبايل»، وكانت كلها تعتمد على الرسائل النصية القصيرة. احتجنا وقتها لتعديل نظم المحاسبة (BillingSystems) عند شركات المحمول حتى نتمكن من تحصيل الاشتراكات الشهرية – كأن أخصم من المستخدم15جنيهًا مثلاً – وكانت هذه الخدمات تُشغل من خلال شركة «تكنو وايرلس»، التى عملت من خلالها أيضًا على تطوير بوابات الـWAPلصالح قنوات مثل «MBC».
ظلت الشركة ناجحة حتى افتتاح مكتبGoogleفى المنطقة عام2007. وائل الفخراني، الذى كان صديقًا مقربًا منذ أيامنا فى قطاع تكنولوجيا المعلومات، زارنى وقتها- عقب انتقاله لجوجل- كنا زملاء قدامى: هو فىIBMوأنا فىNCR، كنا نتنافس لكن بعلاقة طيبة. كذلك مع «مو جودت»، الذى عمل لاحقًا فىMicrosoft، وكان أيضًا زميلى فىNCR.
وقد بنيت شركتى على تقنيات.NETالخاصة بـMicrosoft، وكان الدكتور كريم الفرماوى – أمساه الله بالخير – من أبرز الداعمين لوجود «مايكروسوفت» القوى فى مصر والمنطقة.
عندما ظهرت «Google»، كنت لا أزال أحمل ضغينة داخلية تجاه الإنترنت؛ فقد أنفقت عليه الكثير فى فترة «الدوت كوم» وخسرت. الفارق بين الإنترنت والموبايل كبير: الإنترنت يقدم خدمات كثيرة مجانًا، تدخل على مواقع وسيرفرات تشتغل وتخرج لك نتائج مذهلة دون أن تدفع مليمًا. أما الموبايل، فكل شيء مدفوع، حتى لو بمبالغ صغيرة، وبالتالى كانت المنظومة واضحة وربحية.
● حازم شريف: دعنا نقل إن عدد «شهداء الإنترنت» كثير... لأن الشركات كانت تقدم خدمات مجانية، تموت فى الطريق، ويأتى بعدها من يحصد ثمار ما فعلته.
مصطفى أبو جمرة:بالضبط. كل ما فى الأمر أن النموذج الربحى يتغير فقط ليجعل المشروع مستدامًا. كنت متحمسًا جدًا للموبايل، وبدأنا فى كتابة تطبيقات للهواتف المحمولة حتى قبل ظهور متجرApple. كنا نكتب للتطبيقات على أجهزةBlackBerryوNokia، وهى كانت الأكثر انتشارًا فى ذلك الوقت.
بعد زيارة وائل الفخراني، اكتشفت نموذجًا جديدًا: وكالات الإعلان الرقمى التى تضع الاستراتيجيات وتُفعّل الحملات الإعلانية عبر أدواتGoogleمثلAdWordsوAdSense.
وهنا تغيرت نظرتى للإعلانات؛ كنا نعتقد دائمًا أن الإعلانات ضارة لأنها تدفعك لشراء أشياء لا تحتاجها، وتستهلك أموالك فى غير محلها. لكن «Google» غيّرت هذا المفهوم كليًا. الإعلانات أصبحت موجهة: الإعلان الصحيح، للشخص المناسب، فى الوقت المناسب، وبما يتوافق مع نمط حياته ومحتواه. فأصبحت الإعلانات خدمة، لا عبئًا.
من هنا، جمعت فريقًا صغيرًا من شركتي، وبدأنا التخصص فى الإعلانات الرقمية، وكانت «تكنو وايرلس» أول وكالة دعاية وإعلان رقمية فى مصر.
● حازم شريف: الخدمة التى كنت تقدّمها كانت للمواقع؟
مصطفى أبو جمرة:صحيح، لكن «جوجل» كانت تمتلك المنصة بالكامل. أنا كنت أستخدم نظام التشغيل الإعلانى الخاص بجوجل، أُدخل له بيانات الجمهور المستهدف: الفئة العمرية، الاهتمامات، الموقع الجغرافي، النوع (رجال أو سيدات)... كل شيء.
● حازم شريف: فى تلك المرحلة، كنت تلعب دور الوسيط بين العملاء المحليين وشركةGoogle، لضمان تحقيق أفضل النتائج من الحملات الإعلانية الرقمية، أليس كذلك؟
مصطفى أبو جمرة:بالضبط. وقد استفدنا حينها من ميزة الدخول المبكر إلى هذا المجال، حيث كنا من أوائل الوكالات التى عملت فى الإعلانات الرقمية. أنشأنا داخل الشركة قسمين متخصصين: أحدهما للإعلانات على الهواتف المحمولة، والآخر للإعلانات الرقمية عبر الإنترنت.
● حازم شريف: فى ذلك الوقت، كان وائل الفخرانى هو ممثلGoogleفى المنطقة... هل كان هو من أقنعك بدخول هذا المجال؟
مصطفى أبو جمرة (ضاحكًا):بالتأكيد. وائل لم يكن مجرد بائع، بل كان حاضرًا دائمًا فوق رؤوسنا! كان لدينا عملاء على استعداد لإنفاق100ألف جنيه، فيأتى وائل ويقول: «100ألف فقط؟ لا يصح، يجب أن يدفع500ألف على الأقل!»، فكنت أرد عليه مازحًا: «ورّينى شطارتك».
لكن فى الحقيقة، استفدنا كثيرًا من هذه البداية القوية. فقد كنا الوكالة الرقمية الرسمية لشركة «كوكاكولا» فى تلك الفترة، وبعدها بدأنا التعاون مع شركات كبرى مثل «موبينيل» و«مصر للطيران».
وفيما يخص «مصر للطيران»، أدرنا لها حملات رقمية أسفرت عن بيع نحو12ألف تذكرة سنويًا عبر الإنترنت، وذلك بين عامى2008و2010. وقد أدرنا تلك الحملات فى أكثر من50مدينة حول العالم، وبالعديد من اللغات، حتى جاءت ثورة يناير وغيّرت المشهد.
● حازم شريف: فى تلك الفترة، هل كانت إيرادات شركتكم تأتى بشكل أكبر من الإعلانات الرقمية عبرGoogle، أم من الإعلانات عبر الهاتف المحمول؟
مصطفى أبو جمرة:من الجانبين معًا. كلا الفريقين كان يحقق نتائج ممتازة، والإيرادات والربحية كانت قوية جدًا. واسم «تكنو وايرلس» أصبح له حضور كبير فى السوق.
● حازم شريف: سؤالى هذا سببه معرفتى أنك مررت بفترة صعبة بعد أن استثمرت أموالك فى مشروع الحاضنة التكنولوجية. كنت أود أن أطمئن أن الأوضاع تحسنت لاحقًا.
مصطفى أبو جمرة:بصراحة، المشروع الذى أنقذنا حينها كان «بطولة ألعاب الـWAP» التى نفذناها لصالح شركة «فودافون». حصلنا على مقابل مجزٍ له نظرًا لما تضمنه من ابتكار، فقد كانت أول بطولة ألعاب تفاعلية متعددة الوسائط تُنفذ على الهاتف المحمول، مع نظام إدارة وخدمة عملاء وموقع إلكترونى خاص بها.
وكانت لديّ خلفية قوية من عملى السابق، حيث كنت قد صمّمت دورة الألعاب الأفريقية لصالح اتحاد الإذاعة والتلفزيون، لذلك كنت متمكنًا تمامًا من كيفية إدارة البطولات الكبرى.
بعد الثورة، حدثت طفرة غير مسبوقة. بعد أن كان فى السوق وكالتان أو ثلاث تعمل فى الإعلانات الرقمية، أصبح هناك أعداد ضخمة من الوكالات. كل شخصين أو ثلاثة يملكون بعض المعرفة بوسائل التواصل الاجتماعى قرروا فتح وكالة إعلان خاصة.
وأصبح العميل الذى كان يمنحنا %5من ميزانية الإعلانات، يخصص اليوم30أو %40منها للإعلانات الرقمية فقط، بل أحيانًا تتحول الحملة بأكملها إلى حملة رقمية. لكن للأسف، فقدت السوق الكثير من احترافيتها، وانتشرت الفوضى، وأصبح كثيرون يعملون دون دراسة حقيقية.
ما كان يميز إعلاناتGoogleآنذاك أنها كانت قائمة على الرياضيات والمنهجية الدقيقة. كنا نحسب العائد على الاستثمار (ROI) بدقة، ونعرف عدد النقرات وعدد التفاعلات ونقيس النتائج بالأرقام.
لكن فجأة تغيّر كل شيء. أصبحت السوق تعتمد على «شباب بيكلم شباب»، وكل شيء أصبح «خارج الصندوق». أصبحت الجمل السحرية هي: «إعلان مبهر»، «فكرة مجنونة»، «فيديو جامد»... لكن دون أى مردود بيعي. الإعلان يبدو جذابًا، لكن لا يحقق أى نتائج تجارية فعلية.
ولذلك، اتخذت قرارًا فى عام2013بإعادة التفكير فى مسارى المهني. سافرت إلى وادى السيليكون، فى الولايات المتحدة الأمريكية وأطلقت شركة جديدة، بعد أن استحوذ شريكى على كامل أسهم شركتنا السابقة. هذه الشركة الجديدة هى «ميديا ساي»، وهى التى أُديرها الآن.
فى «وادى السيليكون» اكتشفت أن تحليل البيانات والذكاء الاصطناعى هما المستقبل الحقيقي. لكن فى منطقتنا، لم نكن نمنح هذا المجال الاهتمام الكافى، لأن الأدوات التقنية المتوفرة آنذاك لم تكن تفهم اللغة العربية جيدًا.
كانت بعض المنصات تُنتج تحليلات تبدو جذابة بصريًا -جداول، ألوان، ورسوم بيانية- تعتمد على نشاط المستخدم فى مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها لم تكن متصلة فعليًا بأداء النشاط التجاري.
فكان العميل يتلقى التقرير، ينبهر بالشكل، وربما يعلّقه على جدار مكتبه، لكنه فى النهاية يسأل: ما علاقة هذا بالمبيعات؟ والإجابة: لا شيء.
من هنا جاءت الفكرة. قررت أن أؤسس منصة جديدة تفهم اللغة العربية بعمق، وتُنتج تحليلات ترتبط مباشرة بأداء الأعمال. منصة لا تكتفى بإبهار المدير التنفيذي، بل تساعده فعليًا على اتخاذ قرارات قائمة على بيانات واقعية تخدم أهدافه التجارية.
● حازم شريف: هل الطريقة التى تحدثت عنها تنطبق على كل أنواع الأعمال، أم تقتصر على مجال الإعلام فقط؟
مصطفى أبو جمرة:فى الحقيقة، بدأت أعمل على مفهوم المصادر مفتوحة المصدر» أوOpenSourceIntelligence، وهو علم بدأ فى الانتشار بالتزامن مع صعود مواقع التواصل الاجتماعي، ويعتمد على جمع وتحليل المعلومات المتاحة للعامة – أى ليست سرية أو مخترقة – بهدف استخلاص رؤى تحليلية ذات قيمة.
اتبعنا هذا النهج، وبدأنا ندرسه ونطبقه على أرض الواقع: كيف يمكننا جمع بيانات مفتوحة تعكس أداء منتج معين، أو طبيعة المستهلكين المستهدفين، وخصائصهم النفسية والجغرافية، بالإضافة إلى قدرتهم الشرائية، والمشهد التنافسى المحيط بالمنتجات.
وجدنا أن البيانات المفتوحة أصبحت قادرة على كشف أشياء كثيرة جدًا، واستخدمنا هذا العلم فى مجالات متنوعة مثل صناعة السيارات، والرعاية الصحية، والقطاع المصرفى.
● حازم شريف: هل يمكنك أن تعطينى مثالًا تطبيقيًا؟
مصطفى أبو جمرة:بالتأكيد. أحد عملائنا كان مهتمًا بموضوع علاج سرطان الثدي، وسألني: «هل يمكننا معرفة وضع سرطان الثدى فى مصر من خلال الموارد المفتوحة المصدر؟»
بدأنا نبحث عن مصادر البيانات، واكتشفنا أن المتاح يكفى فعلاً لتقديم تقرير دقيق وشامل عن مستوى الوعى والتشخيص وبروتوكولات العلاج وحتى الأعراض الجانبية والتعايش، وعلى مستوى الجمهورية.
المصريون بطبيعتهم يُفصحون كثيرًا على الإنترنت. شخص مثلاً يكتب منشورًا يقول فيه: «ادعوا لخالتي، عندها الجلسة التانية كيماوي»، ويذكر اسم الدواء.
● حازم شريف: لكن من حيث الدقة، إلى أى مدى يمكن الوثوق بهذه المعلومات؟ خصوصًا أن ما تعلمناه أن أغلب المنشور على الإنترنت لا يخضع للتحقق أو الدقة.
مصطفى أبو جمرة:وهذا صحيح. ولذلك نحن نبدأ بتنظيف البيانات. وكون أن لدينا وفرة هائلة من البيانات يمنحنا رفاهية فرزها بعناية شديدة. وهنا تكمن الفكرة: الاستماع أهم من السؤال.
السؤال قد يُنتج كذبة، إما بدافع الخوف أو الرغبة فى التفاخر أو المعتقدات الدينية.
فى انتخابات ترامب وهيلاري، مثلاً، شركات مثل «نيلسن» و«جالوب» توقعت فوز هيلاري، بينما شركات مثل شركتنا توقعت فوز ترامب.
لماذا؟ لأن المواطن الأمريكى كان يشعر بالحرج من الاعتراف بأنه سيصوّت لرجل يكره النساء والمسلمين والمكسيكيين، لكنه فى جلسة خاصة بين الأصدقاء قد يقول العكس تمامًا.
هنا تتجلى أهمية الرصد والاستماع على المنصات، بدلًا من الاعتماد على استبيانات تقليدية، والتى باتت أقل دلالة فى هذا العصر.
استخدمنا هذه المنهجية كذلك فى قياس نسب مشاهدة البرامج التليفزيونية، من خلال تحليل ما يُقال على وسائل التواصل الاجتماعي، بمقارنة توقيتات إذاعة البرامج مع حجم التفاعل مع كل منها.
وقمنا بضرب هذه النتائج فى نموذج إحصائى علمي. والدى – رحمه الله – كان أستاذًا فى الإحصاء والديموغرافيا، وكان له فضل كبير فى بناء هذه النماذج التحليلية.
● حازم شريف: فى وسط كل هذا التحول من مجال إلى آخر، قلت إنكم بدأتم تدرسون وتبحثون... سؤالى هنا: هل مجرد الدراسة والاطلاع كافٍ؟ أم أن النجاح يتطلب أيضًا وجود مختصين فى المجال؟
مصطفى أبو جمرة:سؤال ممتاز. فى رأيي، نحن مضطرون أن نذاكر كل يوم، ما دمنا نتنفس.
بالتوازى مع عملى فى التكنولوجيا، كنت قد أسّست شركة أخرى اسمها «تكنو فن»، أنتجت مسلسل الرسوم المتحركة الشهير «المغامرون الخمسة».
ما الذى فعلته؟
درست الصناعة: كيف تُنتج الرسوم المتحركة، من هم اللاعبون فى السوق، وما التكاليف؟
ثم بنينا نموذجًا، وذهبنا لنعرضه على التليفزيون المصري، فأعجبهم المشروع وتعاقدوا معنا على الموسم الأول.
وبعد نجاحه، تعاقدوا على الموسم الثاني، واستمر التعاون لخمس سنوات.
الدراسة والمذاكرة كانت حجر الأساس.
الجميل أننا نعيش فى منطقة متأخرة زمنيًا عن الغرب، فنحن نملك ميزة التعلّم من تجاربهم – بما فيها الأخطاء – ونبدأ من حيث انتهى الآخرون.
ثم نُضفى على ذلك طابعًا محليًا ليناسب جمهورنا.
فيما يخص المصادر، أنا اعتمدت بشكل كبير على اليوتيوب.
عندما بدأنا فى عام2014ببناء مشروعBigBrother، بدأنا ندرس الذكاء الاصطناعي، وتحليله بنماذج لغوية.
كنت أخصص ساعة أو ساعتين يوميًا أشاهد فيها فيديوهات تعليمية على يوتيوب، وأدرس وكأنى فى فصل دراسي.
المذاكرة أمر أساسى فى أى مجال.
● حازم شريف: بناءً على ما قلت، واضح أنك درست المفاهيم العامة فى الذكاء الاصطناعي، لكن خلفيتك المهنية لا تشمل كتابة الأكواد أو البرمجة بنفسك. هل هذا لا يشكّل عائقًا؟
مصطفى أبو جمرة:بالعكس. طالما أنت فهمت الأساسيات، يمكنك اختيار الشخص المناسب لتنفيذها دون الحاجة لأن تكون أنت من يكتب الأكواد بنفسه.
لو تعمّقت بشكل مفرط فى التفاصيل الفنية، قد تجد نفسك تتدخل فى كل خطوة. وهذا ليس مطلوبًا دائمًا.
المهم أن تكون قادرًا على توجيه الفريق الفني، وأن تطلب منهم تبرير خياراتهم التقنية.
مثلًا، إذا قرر أحد المطورين أن يعمل بـ«دوت نت» أو «جافا» أو «بايثون»، أطلب منه أن يشرح لى لماذا اختار هذه اللغة تحديدًا.
أعطى الفريق حريته فى استخدام الأدوات التى يتقنها، طالما لديه مبرر منطقى وواضح.
أنا لا أفرض أدوات معينة، لكننى أحتاج أن أقتنع بأن الاختيار فى مصلحة المنتج.
● حازم شريف: النقاش فى هذه النقطة قد يتشعب كثيرًا، لكن نحتاج أن نوضح فكرة مهمة، وهى أن فى بعض الأحيان الشخص الذى يعمل معك قد يدفعك فى الاتجاه الذى يفهمه هو فقط.
مصطفى أبو جمرة:هذا صحيح تمامًا. ولذلك من الضرورى أن تمتلك قدرًا كافيًا من الوعى والمعرفة حتى تقتنع بما تقوم به، لا أن تكون ضحية لتوجيه غير مدروس. كثيرون تعرضوا لمثل هذا النوع من التوجيه دون إدراك حقيقي.
● حازم شريف: والسؤال هنا: إلى أى مدى يجب أن يمتلك صاحب القرار المعرفة حتى لا يقع فى فخ التضليل؟ هذا هو جوهر المسألة من وجهة نظري، إلا إذا كانت لديك رؤية أخرى.
مصطفى أبوجمرة:لا أرى أن المسألة معقدة، لأن اليوم كل شيء متاح ومكشوف، ومميزاته وعيوبه معروضة أمام الجميع. أحد مزايا السوشيال ميديا أنها تفتح لك المجال لمعرفة مزايا وعيوب كل تقنية. على سبيل المثال: إذا قررت العمل مع مايكروسوفت، فستجد تقييمات واضحة توضح ما يميزها وما يعيبها، وكذلك مع جوجل، ومع المصادر المفتوحة.
على سبيل المثال، فى فترة ما، كانت السوق بأكملها تعمل بـ«دوت نت»، ثم ظهرت «جوجل» وبدأ الجميع يتجه إلى «جافا» و«بايثون»، و«PHP» بسبب انتشار «فيسبوك»، بينما أصبح «دوت نت» مكلفًا وأقل شيوعًا. لذا، من الضرورى أن تكون مطلعًا على تطورات السوق.
أذكر أن لدى زميلا كان يستخدم أداة اسمها «ديلفى باسكال»، وكان متمكنًا منها للغاية. وكنت أقول له: «أنا أول مرة أسمع عنها»، فيرد: «أنا مع ديلفى باسكال أكون مثل الفارس». فقلت له: «حسنًا، لكن ماذا إن غبت أو توفيت؟ ماذا نفعل حينها؟»
القصد هنا هو أهمية المعرفة بالسياق العام – محليًا وعالميًا – وهذا ما فعله ستيف جوبز، الذى لم يكن يبرمج بيديه، لكنه كان يمتلك الرؤية.
●حازم شريف: فى هذا التوقيت كانت شركتك تسير فى طريق جيد، ثم سافرت وعدت للعمل فى مجال تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي، وبدأت تتفاعل مع احتياجات عملائك. إلى أين وصلت الآن فى مجال الذكاء الاصطناعى؟
مصطفى أبو جمرة:قبل أن أتحدث عن الذكاء الاصطناعي، أود أن أشاركك بتجربة صادمة مررت بها. اكتشفت أن السوق لا تحب الحقيقة العارية، بل تنفر منها أحيانًا، لأن الحقيقة فى صورتها الكاملة قد تُسبب حرجًا.
أعطيك مثالاً: فى الإعلانات الخارجية «الأوت دور»، تحتاج إلى معرفة اتجاهات حركة المرور لتحديد المواقع الأفضل لوضع الإعلانات. كنا فى السابق نحصل على هذه البيانات من خرائط جوجل، ونعتمد عليها فى إعداد توزيع جغرافى دقيق للحملة.
لكننا فوجئنا بأن بعض العملاء لا يريدون هذه الدقة!
لماذا؟ لأن المسوّق يريد وضع الإعلان كما يحلو له، كأن يضعه فى موقع يمر منه مديره، حتى يراه ويقول: «الواد فلان عامل شغل عالي!»
فى النهاية، المسألة تتحول إلى استعراض أمام الإدارة.
● حازم شريف: وهل كانت الفجوة أو الانحرافات فى هذه الحالات كبيرة فعلًا؟
مصطفى أبوجمرة:نعم، بشكل هائل، وما زالت موجودة.
وقتها كنت أعمل بجد على تطوير منصةBigBrother، وهى منصة متقدمة جدًا بنيتها داخل شركة «ميديا ساي».
المنصة كانت تعتمد على نظام تشغيل روبوتات قادر على محاكاة سلوك الإنسان على الإنترنت: يدخل إلى المواقع، ويستخرج البيانات المفيدة، وينظفها ويعيد تنظيمها.
بدأنا العمل على المنصة منذ عام2014، واستمرت «ميديا ساي» وقتها فى العمل على الجانبين: الإعلانات الرقمية، ومنصة التحليل.
لكن مع الوقت، تقدم بى العمر، وظهرت شركات أقوى فى مجال الإعلانات الرقمية، فقررت فى2020إغلاق هذا الجزء، وركزت على «BigBrother»، وكان قرارًا صائبًا.
فمع جائحة كورونا، زادت الحاجة إلى التحليل الرقمى بسبب وفرة استخدام الإنترنت من جهة، والغموض العام الذى أصاب الأسواق من جهة أخرى.
● حازم شريف: متى بدأت تدرك أن منصة «BigBrother» أصبحت مطلبًا مهمًا فى السوق؟
مصطفى أبوجمرة:فى عامى2021و2022، بدأ الطلب يتزايد بشكل ملحوظ، وظهرت حاجة حقيقية لدى الشركات لفهم السوق وسلوك المستهلك.
مع ازدهار التجارة الإلكترونية، بدأنا نرسل الروبوتات لتحليل بيانات الشراء، وندرس لماذا يشترى الناس منتجًا معينًا دون غيره.
تحليلاتنا أصبحت تمكّن العملاء من اتخاذ قرارات تؤدى مباشرة إلى الربح.
● حازم شريف: وماذا عن المنافسين؟ من ينافس «BigBrother» فى مصر والمنطقة؟
مصطفى أبوجمرة:هناك أدوات أجنبية تنافس، لكنها محدودة بواقع القوانين الأوروبية مثلGDPR، وهى قوانين سياسية فى الأساس، وُضعت لكبح جماح الشركات الأمريكية التى تجتاح السوق الأوروبية مثل «جوجل» و«أبل» و«فيسبوك» و«أمازون» و«نتفليكس».
فى المقابل، هذه القوانين تُضعف من قدرة الشركات المنافسة فى منطقتنا.
نحن أقوى منهم كثيرًا هنا، لأن أدواتهم لا يمكنها العمل بالكفاءة نفسها بسبب تلك القوانين.
كما أننى لا أستخدمAPIsالرسمية للمنصات، بل أعتمد على المسح المباشر للمحتوى الظاهر، مما يجعل البيانات التى نحصل عليها أكثر واقعية وأقل تزييفًا.
●حازم شريف: إذن، «BigBrother» تقدم تحليلًا دقيقًا لبيانات منصات التواصل الاجتماعي... ماذا أضفتم إلى جانب ذلك؟
مصطفى أبوجمرة:فى عام2023، ظهر أمامنا تحول ضخم. شركة «OpenAI» أطلقت نموذج «ChatGPT»، وكان مذهلًا. فى بعض اللحظات تشعر أنك تتحدث مع إنسان حقيقي.
هذا النموذج يمثل لمحة مما يُعرف بـ”الذكاء الاصطناعى العام»، والذى يتوقع أن يظهر بقوة فى السنوات القليلة المقبلة.
بدأنا نتعمق فى هذه التقنية، ووجدنا أنها ستحوّل الحضارة البشرية بالكامل.
فشمرنا عن سواعدنا، وبدأنا العمل مع مايكروسوفت – التى تمتلك %51من «OpenAI» – ودخلنا عبرها إلى عالم هذه التقنية.
أنشأنا نظامًا باسم «ذكاء»، يستخدم تقنياتGPTلتقديم خدمات متقدمة للشركات المصرية، سواء بالعربية أو بالإنجليزية.
مثال: الهيئة العامة للاستثمار فى مصر تتعامل مع مستثمرين من مختلف دول العالم، ويجب أن تمتلك مركز اتصال أو خدمة عملاء تتحدث جميع اللغات بطلاقة، وتفهم القوانين الاستثمارية، والحوافز، واللوائح الوزارية المختلفة.
قمنا بتدريبChatGPTعلى هذه المعلومات، وأنشأنا «شات بوت» قادرًا على التحدث صوتًا وكتابة، بكل لغات العالم، دون أى أخطاء.
هذا أحد التطبيقات التى نفذناها، ويمثل خطوة أولى نحو مستقبل جديد فى خدمة الأعمال بالذكاء الاصطناعي.
الواقع يقول إن هذا النموذج، حين يبدأ فى التفاعل معك بفهم وذكاء، يكون أكثر إقناعًا، مهذبًا، ويعاملك بلُطف واحترام. هو يستمع إليك، ومن خلال صوتك وكلماتك، يستطيع تحليل شخصيتك، ويتعامل معك بناءً على هذا التحليل.
وليس هذا فقط، بل هو أيضًا يتذكرك. لن تبدأ الحديث معه من الصفر كل مرة. بمجرد أن تبدأ، يقول لك: «أهلاً يا مصطفى، كيف حالك؟ ماذا فعلت فى الورقة الفلانية؟”
نحن طبقنا هذا النموذج فى تجربة فى المملكة العربية السعودية، لتقديم خدمة حجز العيادات الخارجية التابعة لوزارة الصحة.
فقط تتحدث، وتقول: «عندى ألم فى الجهة الفلانية من جسمى باللهجة السعودية»، فيرد: «غالبًا تحتاج إلى دكتور باطنة، أخبرنى أين تسكن؟ أقرب عيادة تخصصية لك هى كذا، والمواعيد المتاحة كذا وكذا، هل تود الحجز؟”
ثم يرسل لك رسالة تأكيدية، وينتهى الأمر.
وما زلنا فى بداية هذا التوجه، لم نلمس إلا السطح فقط.
● حازم شريف: إذن أنت تعمل على تطبيقات مبنية على «ChatGPT»؟
مصطفى أبو جمرة:لا، هذا سؤال مهم. ما فعلته هو بناء نظام باسم «ذكاء»، وهو الذى يعرف كيف يُخاطب «ChatGPT»، وما البيانات التى يجب جلبها، ويعرض النتيجة صوتًا وصورة.
حتى الصورة يمكن أن تكون على هيئة «أفاتار» – شخصية رقمية – تتحدث مع العميل، سواء داخليًا أو خارجيًا.
فبدلًا من أن يكون لدى موظف فى الموارد البشرية، على سبيل المثال، لطلب الإجازات أو مراجعة الترقيات، يمكننى التحدث إلى «روبوت» يقوم بكل ذلك.
وكذلك فى إدارات مثل الشؤون القانونية، الموارد البشرية، الشؤون المالية... كلها يمكن تحويلها إلى روبوتات ذكية.
لكن هناك نقطة مهمة: هذه الأنظمة تعمل على (Cloud).
وبعض الشركات بدأت تتخوّف: «هل أسرارنا مباحة إذًا؟».
فأضفنا طبقة حماية: أثناء حديثك، يتم تلقائيًا حذف الكلمات التى تشير إلى هويتك، واستبدالها بنقاط، ثم تُرسل إلى «ChatGPT»، وبعد أن تعود الإجابة، نُعيد إدراج البيانات الشخصية وتقديمها إليك صوتًا أو كتابة.
بمعنى آخر، حلّ وسط بين الخصوصية والاستفادة من الذكاء الاصطناعي.
● حازم شريف: هل يمكن أن تتخذChatGPTأى إجراء ضدكم إذا اكتشفوا أنكم تفعلون ذلك؟
مصطفى أبو جمرة:أبدًا. هم أنفسهم لا يدّعون أنهم يحتفظون ببياناتك أو يستخدمونها.
بل على العكس، لا يوجد نموذج ذكاء اصطناعى صرّح بأنه تم تدريبه على بيانات بعينها. لأن أغلب هذه البيانات، بصراحة، مصدرها غير قانونى أو غير مرخص.
ومع ذلك، بدأت تظهر نماذج أخرى منافسة لـ «OpenAI».
«جوجل»، على سبيل المثال، تراجعت فجأة أمام إطلاق «ChatGPT».
تخيل، «جوجل»، التى لديها أكبر كم من البيانات والاستثمارات فى الذكاء الاصطناعي، والتى صنعت أصعب ألعاب الذكاء مثل التى تتغلب على أبطال العالم فى ألعاب الـ”Go...»، فجأة، تصدمها «OpenAI» بإطلاق نموذج لغوى عملاق.
«جوجل» حاولت الرد سريعًا، فأطلقت نموذجها التجريبي، وكانت نتيجته كارثية.
ثم جاء «Gemini»، لكنه أيضًا لم يرتقِ إلى التوقعات.
المشكلة أن «جوجل» تجنى %85من دخلها من الإعلانات والبحث.
فهل ستتخلى عن هذا النموذج المربح لتقدّم للمستخدم إجابات مجانية بدون مقابل؟
هنا كانت الأزمة.
بينما «OpenAI» اختارت نموذج الاشتراكات الشهرية.
نموذج لم يكن ناجحًا سابقًا. حتى «نتفليكس» – رائدة الاشتراكات – تعاني، وتفكر فى إدخال الإعلانات كمصدر دخل إضافى.
لكن «ChatGPT» غيّر القاعدة: الناس قبلت أن تدفع مقابل خدمة خالية من الإعلانات وتقدم نتائج عالية الجودة.
● حازم شريف: من وجهة نظرك كمراقب للوضع، هل تعتقد أن «ChatGPT» سينهى هيمنة «جوجل»؟ هل أصبحت «جوجل» مهددة فى دورة حياتها كمنتج؟
مصطفى أبوجمرة:هذا سؤال يشغلنا جميعًا.
أستعير هنا مشهدًا من فيلم «أوبنهايمر»، عندما سأل روزفلت: لماذا الألمان قد يسبقوننا فى صناعة القنبلة الذرية؟
أجابه: لأنهم جمعوا كل علمائهم فى مركز واحد، بينما نحن نعمل من60مركزًا.
الحل كان واضحًا: اجمعوا العلماء جميعا فى مكان واحد، وأنتجوا القنبلة.
هذا بالضبط ما يحدث الآن فى أمريكا.
كل الكيانات الكبرى تتصارع: «أبل» تضرب «جوجل»، جوجل تضرب «فيسبوك»، «مايكروسوفت» ضد الكل...
لكن فى النهاية، كلهم أمريكيون، هل سيتمكن ترامب، كما وعد، من توحيدهم؟ لا أعتقد، أمريكا لا تنجح بالاحتكار، بل بالمنافسة.
حتى شركةAT&Tالتى كنت أعمل فيها سابقًا، كُسرت إلى20شركة لأنهم شعروا أنها احتكرت السوق.
لكن اليوم، أمريكا تواجه منافسًا حقيقيًا لأول مرة، «تيك توك»، مثلاً، يأكل السوق من «ميتا»، ويكسب تعاطف «جيلZ» أكثر من «فيسبوك» و«إنستجرام».
كما أطلقت الصين نماذج ذكاء اصطناعى خطيرة مثل «DeepSeek» و«Kunyuan»، فى بلد ممنوع من استيراد معالجات «GPU»، وهى أساس تدريب النماذج الذكية.
تخيل أن كارت شاشة واحدًا من نوعH100يكلف حوالى35ألف دولار.
والصين لم تمتلك هذا العدد الهائل منها، لكنها احترفت الهندسة العكسية، ونجحت فى إنتاج نماذج فعالة تنافس فى الذكاء الاصطناعي.
● حازم شريف: سؤالى لم يكن تحديدًا عن تطور الذكاء الاصطناعى بقدر ما كان عن المقارنة بين «جوجل» ونماذج مثل «تشات جى بى تي» أو حتى النماذج الصينية. هل ترى أن «جوجل» على وشك الانهيار فعلًا؟
مصطفى أبو جمرة:نعم، هناك احتمال كبير لانهيار جوجل، لأن النموذج الذى بُنيت عليه لم يعد ناجحًا. وغالبًا ما يكون النجاح السابق عائقًا أمام تبنى النماذج الجديدة. مثال واضح على ذلك: شركة «IBM» التى تمسكت طويلًا بأنظمتها القديمة رغم أن السوق كانت تتحول نحو الحوسبة الحديثة والبرمجيات، وكانت مايكروسوفت تسيطر تدريجيًا على هذا المجال. لكنها لم تتمكن من التخلى عن بيع «الماكينات» التى كانت تدرّ عليها أرباحًا كبيرة، مقابل برمجيات قد تربح منها5دولارات فقط. أعتقد أن «جوجل» ستواجه مشاكل كبيرة. واليوم، لم تعد هذه الشركات تُعرّف نفسها كشركات «متعددة الجنسيات»، بل أصبحت شركات أمريكية صريحة، مدعومة من الحكومة، ومن ترامب شخصيًا، ويسافر ممثلوها معه ضمن الوفود الرسمية.
لأن ما تبقّى لأمريكا هو هذه الصناعة: صناعة أنظمة التشغيل والذكاء الاصطناعي. بعد أن خسرت الكثير من الصناعات الأخرى، فإن فقدت أيضًا هذه الصناعة، فسينهار النموذج الأمريكى بالكامل.
● حازم شريف: بما أننا تحدثنا عن تراجع «جوجل» وسحب البساط من تحتها، ما تأثير ذلك على صنّاع المحتوى؟ لسنوات طويلة، كنا نعمل ونوظف فرقًا لتحسين محركات البحث لتتمشى مع «خوارزميات جوجل»، حتى نحصل على زيارات وإعلانات. كيف يبدو هذا الوضع اليوم؟
مصطفى أبو جمرة:هذا الوضع سيتغير تمامًا. لأن المحتوى سيبدأ يُخلق بواسطة الذكاء الاصطناعى بشكل متزايد. بدأنا نرى فيديوهات ونصوصًا أصبحت متقنة، وحتى اللغة الإنجليزية فيها باتت سليمة. وهذا سيؤدى إلى وفرة فى المحتوى على الإنترنت.
خذ مثالا إعلان «أورنج» الأخير الذى ظهر فيه كريم عبد العزيز بالطائرة: الإعلان بالكامل تم إنجازه باستخدام الذكاء الاصطناعي. لو تم تنفيذه فعليًا بالتصوير الخارجى والتجهيزات المعتادة، لكان كلف ما يقرب من150مليون جنيه. لكن بالطريقة التى نُفّذ بها فعليًا، لم يتجاوز بضع مئات الآلاف من الجنيهات.
● حازم شريف: لكن هل يمكن أن تقاوم «جوجل» هذا الاتجاه؟ هل هناك بالفعل جهود تبذلها «جوجل» أو غيرها لاكتشاف أو محاربة المحتوى المُنتج بالذكاء الاصطناعي؟
مصطفى أبوجمرة:جوجل حاولت، لكن فى النهاية، سيظل التطور أسرع منها. مثلًا، فى البحوث الأكاديمية، كانوا يقولون: «إذا كتب الطالب بحثًا باستخدام الذكاء الاصطناعي، سنكشفه باستخدام أداة (تشات زيرو)، ومن ثم يُسقط».
● حازم شريف: صحيح... ما مصير الشباب الذى أطلق أداة «تشات زيرو»؟
مصطفى أبوجمرة:ما زال موجودًا، لكنه لا يستطيع اللحاق بالتطور. الحقيقة أن الذكاء الاصطناعى جلب معه ثراءً سريعًا. هناك من حققوا أرباحًا طائلة من أدوات بسيطة: مثل من يغيّر صورتك، يضيف لها شاربا، أو يزيل الملابس مثلًا. وكلما تطور الذكاء الاصطناعي، اقتربنا من لحظة لن نتمكن فيها من التفرقة بين ما هو طبيعى وما هو اصطناعي.
وستختفى القدرة على التحقق من حقيقة المحتوى. وبالتالي، لن نعرف إن كان المحتوى الذى نشاهده ناتجًا عن ذكاء اصطناعى أم لا.
ما يحدث الآن بالفعل هو أن روبوتًا يُنتج صورة، وآخر يضغط «إعجاب»، وثالث يكتب تعليقًا... ونحن نظن أننا نرى تفاعلًا بشريًا، فى حين أن كل ما يحدث غير حقيقي.
● حازم شريف: فى ظل هذا الواقع، ما البديل برأيك؟
مصطفى أبوجمرة:أتصور أن البديل هو العودة إلى الأصل... إلى ما نقوم به الآن، الحدث الحي. مثل عالم الموسيقى.
أذكر حين كنا نعمل على بيع النغمات عبر الرسائل النصية القصيرة، كانت تلك النغمات المنقذة لصناعة الموسيقى، فى وقت لم يكن أحد يدفع مقابل سماع الأغاني.
الوسيلة الوحيدة لتحقيق الربح كانت بيع نغمة الهاتف، وليس الألبوم الكامل.
لكن الحفلات الحية، والأحداث المباشرة، كانت هى التى تجلب الإيرادات الفعلية. وكانت وقتها الخلافات الكبرى تدور حول: هل تذهب العائدات للمنتج أم للمغني؟ وبدأت العقود تُكتب من جديد.
لذا، أتوقع فى المستقبل القريب أن يعود الاهتمام إلى المحتوى البشرى الخالص.
لأن العقل البشرى يمتلك قدرات لا يملكها الذكاء الاصطناعي، مثل الإلهام.
من كان يتخيل أن البشرية تحتاج إلى منصة مثل «تويتر»، والتى لا تسمح إلا بـ140حرفًا؟
هذا لم يكن واضحًا حتى للذين أطلقوها أنفسهم.
● حازم شريف: نتحدث هنا عن فكرة خلق منتج لم يكن فى الحسبان، منتج لم يشعر أحد سابقًا أن هناك حاجة إليه، ثم تكتشف فجأة أن عليه طلبًا مرتفعًا، وأنك لا تستطيع العيش من دونه.
مصطفى أبو جمرة:بالضبط، وهنا يتجلى دور الذكاء الاصطناعي. نحن – فى المجتمعات العربية تحديدًا – نعانى من حالة من الانغلاق الفكرى والثقافي. نتمسك بنموذج واحد ونرفض التغيير، لدرجة أننا قد نضحى بالكثير فقط لنظل متمسكين به.
خذ على سبيل المثال «موسيقى المهرجانات» فى مصر: فى البداية، رفضناها تمامًا، وهاجمناها، ومع ذلك انتشرت وفرضت نفسها.
الذكاء الاصطناعي، على العكس، لا تحكمه هذه الانفعالات أو القوالب المغلقة، هو قادر على تجربة آلاف الاحتمالات والتباديل والتوافيق، حتى يعثر على الفكرة التى «تنير»، فيُخرجها للناس. وهذا ما يجعله متفوقًا.
● حازم شريف: دعنا نعُد للحديث عن الذكاء الاصطناعى فى صناعة المحتوى، وتحديدًا ما يواجهه العاملون فى المجال من صدمة حقيقية فى العالم الرقمي، خصوصًا مع توقع تراجع أهمية تحسين محركات البحث. كيف ترى مستقبل هذه الأدوات؟
مصطفى أبوجمرة:أعتقد أن الحل هو دمج أدوات الذكاء الاصطناعى فى عملية إنتاج المحتوى. سواء كنا نتحدث عن نصوص أو صور أو فيديوهات أو حتى أصوات، فإن هذه الأدوات تُقلل بشكل كبير من تكلفة الإنتاج، وتُزيد من الإنتاجية.
يعنى بدلًا من إنتاج قطعة محتوى واحدة، تستطيع إنتاج عشرين قطعة بالمجهود نفسه والزمن نفسه.
وتستطيع أيضًا أن تطلب من الذكاء الاصطناعى أن يُنشئ المحتوى بحيث يكون محسّنًا تلقائيًا لمحركات البحث – وسيقوم بذلك بدقة.
الآن نحن فى مرحلة مثالية لصناع المحتوى للاستفادة من الذكاء الاصطناعي، والانبهار بنتائجه، وتحقيق دخل جيد من خلاله.
خذ مثلًا قطاع الكول سنتر وخدمة العملاء: إذا استثمرت200ألف دولار فى نظام ذكي، يمكنه أن يوفر لك شهريًا ما يعادل هذا الرقم من الرواتب والمصاريف التشغيلية.
من هنا، جاءت فكرتنا: دعنا نستفِد الآن من الذكاء الاصطناعى إلى أقصى حد، ثم نفكر لاحقًا فى الأثر الاجتماعى السلبى – وربما «خراب البيوت» – الذى قد يُحدثه خلال السنوات المقبلة.
● حازم شريف: وقد يكون فى المقابل «عمار بيوت» لمن يعرف كيف يستفيد منه. وبما أنك ذكرت الكول سنتر، اسمح لى أن أطرح تساؤلًا قد يبدو بسيطًا لكنه مهم: لماذا ما زلنا نرى شركات أجنبية تأتى لتوقّع عقود توسيع أعمال الكول سنتر فى مصر، رغم أنه يمكن اليوم إنجاز هذه الوظيفة ببضعة آلاف من الدولارات عبر الذكاء الاصطناعي. لماذا يحدث هذا؟
مصطفى أبوجمرة:أنا نفسى أطرح هذا السؤال على نفسى كل صباح.
تذكر أيام نغمات الهواتف المحمولة؟ كانت النغمة تُكلف المواطن10إلى15جنيهًا من خلال «فودافون» أو «موبينيل»، بينما يمكنه تحميلها مجانًا من الإنترنت!
السبب فى النهاية بسيط: «اللى ميعرفش يقول عدس».
ربما المستثمر الذى يأتى اليوم لا يزال غير مقتنع تمامًا بالذكاء الاصطناعي.
لا تنسَ أن هذه التكنولوجيا لا تزال فى بدايتها، بدأ انتشارها الحقيقى فقط فى2023، وما زال كثير من المستثمرين يعتبرونها «فى مرحلة الطفولة».
وقد يكون المستثمر أيضًا من جيل أكبر سنًا، لم يواكب هذا التحول بعد.
● حازم شريف: لكننا نتحدث هنا عن شركات كبرى، لديها عملاء فى الخارج، تتعامل مع أسواق دولية، وليست مجرد مراكز اتصال لمحل «طعمية» فى محافظة نائية!
مصطفى أبو جمرة:ستتفاجأ لو عرفت أن مستوى التحول الرقمى فى الخليج – فى السعودية والإمارات مثلًا – يفوق نظيره فى أوروبا وأمريكا.
نعم، أوروبا وأمريكا فى هذا السياق تحديدًا متأخرة جدًا، على الرغم من أنها موطن شركات التكنولوجيا الكبرى مثل «مايكروسوفت» و«SAP».
لكن هذه التقنيات طُبقت بفعالية فى الخليج، ولم تُطبق بالشكل نفسه فى دولهم.
ربما السبب أن هذه المجتمعات الغربية لم تصل بعد إلى النضج الفكرى الكامل الذى يسمح لها بتبنّى هذا النوع من التحولات.
نحن ننبهر دائمًا بالغرب، ونراه النموذج الذى يجب أن نحتذى به. لكن الواقع يقول شيئًا آخر: أوروبا، مثلًا، لم تستطع إنتاج منصة واحدة تستطيع منافسة المنصات الأمريكية.
حتى الولايات المتحدة نفسها توقفت تقريبًا عن إنتاج منصات رقمية قادرة على المنافسة.
«تيك توك» – وهو تطبيق صينى – اجتاح السوق، ولا تستطيع أمريكا إيقافه، رغم كل محاولاتها.
● حازم شريف: «تيك توك» أصبح بمنزلة الساحر. لماذا لم تنجح أمريكا فى خلق بديل له حتى الآن؟
مصطفى أبو جمرة:السبب ببساطة أنهم لم يعودوا يمتلكون الأدوات، ولا الفهم الحقيقى اللازم لتحريك المجتمع، خاصة فئة الشباب.
«جيلZ»، بالتحديد، بات لغزًا كبيرًا بالنسبة لهم.
وهذا الجيل يُشبه إلى حد بعيد الذكاء الاصطناعي: لا يمكن التنبؤ بسلوكه، ولا يُمكن السيطرة عليه بالأدوات القديمة.
ومع اجتماع الذكاء الاصطناعى مع «جيلZ»، فإن الكوكب مقبل على مرحلة مختلفة تمامًا، ومغايرة لما عهدناه فى كل شيء.
حازم شريف: دعنى أطرح سؤالًا مباشرًا الآن: أنا مدير تنفيذى لشركة، فى أى قطاع، ولدى الآن العاملان الأساسيان اللذان تحدثت عنهما: الذكاء الاصطناعى و«جيلZ». ماذا أفعل؟ أنت تقول «اتعلّم»، لكن ماذا أتعلم؟ ومن أين أبدأ؟
إذا كنت أدير شركة – وسنعود لاحقًا للحديث عن المحتوى بالتحديد – فكيف أستعد لعالم تحكمه خوارزميات الذكاء الاصطناعى وسلوكيات «جيلZ» خلال السنوات القادمة؟
مصطفى أبو جمرة:البداية أن تفهمهما. أن تفهم الذكاء الاصطناعي، وإمكاناته الحقيقية.
أنا دائمًا أقول إن كل شركة – صغيرة كانت أو كبيرة – يجب أن تضع الآن خطة فورية لاستخدام الذكاء الاصطناعي. اليوم وليس غدًا.
شعارى فى هذا السياق هو: «الذكاء الاصطناعى أو الفناء»، لا توجد بدائل.
أما «جيلZ»، فهو نوع جديد تمامًا من البشر، مختلف عن أى جيل سبق.
علماء الاجتماع يقولون إن «جيلZ»، فهو يتناول يوميًا ما يصل إلى100ألف فكرة. قدرته على المعالجة الذهنية ثلاثة أضعاف ما لدينا نحن.
لذلك يمكنه الاستماع إليك، ومراسلة صديقه، والعمل على الإنترنت، وفى الوقت ذاته يفكر فى أمر رابع.
هذا ليس استهتارًا ولا قلة احترام، بل قدرة ذهنية حقيقية، لذلك يجب أن نعيد النظر فى طريقة إدارتنا للموظفين من هذا الجيل.
فى السابق، كنت أحب الموظف الذى يمكث معى10أو15سنة، يكبر معنا ونترقى سويًا، الآن، «جيلZ» لا يرغب فى هذا المسار. يريد أن يعمل هنا هذا العام، ويقفز إلى مكان آخر العام المقبل.
هو لا يريد شراء عقار، بل يفضّل الإيجار، ليغيّر مكان سكنه متى أراد، لا يشترى ألماسًا، لأنه يراه خدعة تسويقية، ويرى أن قيمته ستنهار مستقبلًا.
إذا أردت الاستفادة من ذكاء هذا الجيل، فعليك تقبّل فكرة أنه قد يتركك فى أى لحظة، وإذا أردت ولاءه، فاعلم أنه لا يعمل إلا بدافع. لا يمكنك أن تقول له «نفّذ فقط»، لأنه لن يستجيب.
فى السابق، كنا نقبل أن ننفذ تعليمات دون نقاش، حتى إن كانت مشكوكًا فيها. «جيلZ» لا يقبل ذلك، لو طلبت من أحدهم تنفيذ مهمة بها قدر من الغش أو إخفاء المعلومة، سيرفض فورًا، وقد يترك الشركة.
لكن إذا شعر أن هناك قيمة مضافة حقيقية فيما يقوم به، يمكن أن يتنازل عن راتبه من أجل تحقيق هدف نبيل، «جيلZ» عنده الدافع الأخلاقى أو الداخلي، مرتفع للغاية.
● حازم شريف: أحيانًا أشعر أننا نضع حول «جيلZ» هالة أسطورية، نخلق لهم صورة فانتازية فقط لأننا نريد إثبات أنهم مختلفون...
مصطفى أبو جمرة:أتفق معك، لكن فى الواقع هذا الجيل لديه بالفعل الكثير من المشكلات.
أنا أحب زيارة الجامعات والتواصل مع الخريجين الجدد، خاصة من هذا الجيل. هم يعانون من مشكلة حقيقية فى الالتزام، يريد أن يكون متحمّسًا على مدار الساعة، وإذا شعر بالملل لنصف ساعة، قد يترك العمل فجأة لأنه «زهق».
يرفضون فكرة العمل فى مؤسسة، ويحلمون بإطلاق مشروعهم الخاص.
فى محاضراتي، عندما أسأل «من يريد أن يبدأ مشروعه الخاص؟»، أجد القاعة كلها ترفع أيديها.
● حازم شريف: هل تذكر كم كان عدد من يفكر فى إطلاق شركته الخاصة فى دفعتك مثلًا؟
مصطفى أبوجمرة:صفر. كنا نطمح فقط للعمل فى شركة محترمة، نتعلم فيها، وبعد15سنة خبرة قد نبدأ فى التفكير بمشروعنا الخاص، ونحن خائفون! هذا تحوّل جذرى ومقلق.
«جيلZ» أيضًا يعمل فى أكثر من وظيفة فى الوقت ذاته، حتى إن كانت متنافسة، وهذا مقبول عندهم أخلاقيًا، لكن...
● حازم شريف: لا، ليس من الضرورى أن نقبل ذلك!
مصطفى أبو جمرة:هو يقول لك ببساطة: هل هناك مشكلة فى أدائي؟ هل عملى ناقص؟ إن لم يكن، فما المانع؟
● حازم شريف: هذا مبرر سمعناه من أجيال سابقة أيضًا. الموظف الذى يعمل فى وظيفتين ويقول إنه «يعطى كل طرف حقه»، هذا فى الغالب غير دقيق.
فى الحقيقة، لا أحد يمكنه أداء هذا الكم من العمل بجودة حقيقية، خصوصًا إذا كانت الوظيفتان متعارضتين أو بينهما منافسة مباشرة.
هناك فرق بين قبول هذا الواقع، وبين أن نعتبره طبيعيًا وحقيقيًا.
مصطفى أبوجمرة:معك حق تمامًا. وأنا أشكرك على هذا التوضيح. لكن دعنى أختم بهذه الفكرة: هل بإمكاننا تغيير سمات «جيلZ”؟ الإجابة ببساطة: لا.
● حازم: كم تبلغ نسبة الموظفين من «جيلZ» ضمن فريقك؟
مصطفى أبو جمرة:النسبة الكبيرة من الفريق تنتمى لهذا الجيل، يمكن القول إن حوالى %70من العاملين لديّ من هذا الجيل. فى البداية، كنت دائمًا ألوم نفسى وأسأل: كيف أدرّبه وأمنحه الفرصة، ثم يغادر بعد فترة قصيرة؟ لكن مع الوقت، بدأت أتعايش مع هذه الحقيقة، وأصبحت أتقبلها كجزء طبيعى من دورة العمل.
● حازم: وكيف تتعامل معهم؟ هل عملية التعليم تظل مستمرة معهم طوال الوقت؟ هل تحتاج إلى رفع معدلات التدريب والتطوير بشكل دائم؟
مصطفى أبوجمرة:بالضبط. حين نتحدث عن «جيلZ» والذكاء الاصطناعي، يصبح من الضرورى أن تمتلك كل شركة إدارة تغيير تعمل بشكل مستمر. يجب أن يكون لديك أشخاص يرون المستقبل، لا يكتفون بإدارة اللحظة.
● حازم: وهذا يعيدنا إلى نقطة تحدثنا عنها سابقًا. فى ظل رفعك لشعارين أساسيين: «جيلZ» و«الذكاء الاصطناعي»، ومع التغيرات المتسارعة يوميًا، لم يعد بالإمكان وضع خطة طويلة المدى والالتزام بها كما كنا نفعل فى الماضي، أليس كذلك؟
مصطفى أبوجمرة:تمامًا. أذكر فى أيام عملى بشركةAT&T، لو جاءت فرصة أو صفقة خارج الخطة الموضوعة، كانت تُرفض تلقائيًا ولا تُحسب ضمن الإنجاز، لأن التقييم كان يعتمد على مدى التزامك بالخطة وتنفيذك لها. أما اليوم، فمعايير التقييم تتغير كل ليلة.
● حازم: من هو الشخص – أو بالأحرى، ما المسمى الوظيفى – الذى يمكن أن يقود المؤسسة فعليًا ويمنعها من الاندثار فى هذا السياق؟
مصطفى أبوجمرة:هناك مصطلح أصبح يُستخدم اليوم وهو «فيلسوف الذكاء الاصطناعي» (AIPhilosopher). ذلك لأن الذكاء الاصطناعى ليس مجرد تكنولوجيا، بل منظومة تمس المجتمع والاقتصاد والصناعة. لذلك، تحتاج إلى شخص يمتلك فكرًا فلسفيًا إنسانيًا مجتمعيًا عميقًا.
● حازم: لكن فى ذات الوقت، يجب أن تكون لديه أيضًا معرفة مالية، وقدرة على تقييم التأثير الحقيقى لأفكاره على الإنتاج والمؤسسة.
مصطفى أبوجمرة:بالضبط. وجود هذا الشخص فى المؤسسة يشبه وجود «مصباح» يضيء لك الطريق. يُمكنه أن يقول لك: هذه الفكرة لا تناسبنا، فلا نأخذها. وتلك الفكرة ممتازة، فينبغى أن نعتمدها.
● حازم: وأين نجد هذا الشخص؟ كيف نبحث عنه؟
مصطفى أبوجمرة:هؤلاء الأشخاص موجودون بكثرة، خاصة بين شباب جيلZ. على فكرة، المصريون ما شاء الله عليهم بارعون فى هذا المجال. الذكاء الاصطناعى فى جوهره يعتمد على التفاعل بين «السؤال والإجابة»، ونحن بارعون فيه، كما برعنا سابقًا فى إدارة صفحات التواصل الاجتماعى للعلامات التجارية الكبرى عالميًا. الفكرة نفسها تنطبق على الذكاء الاصطناعي. خذ من هؤلاء الشباب شخصًا مستنيرًا، وتحدث معه أسبوعيًا لتبقى دائمًا على اطلاع.
هل تعلم أن كل إصدار جديد من «ChatGPT» يتسبب فى «انقراض» حوالى600شركة كانت تقدّم خدمات ذات قيمة، ثم يقوم هو بتقديمها مجانًا أو بشكل أذكى.
● حازم: دعنا نلخّص ما قلته فى شكل نصائح عملية. أولًا، لا بد من وجود «فيلسوف الذكاء الاصطناعي» فى المؤسسة، هذا المصباح الذى يضيء لك الطريق. ثانيًا، الخطط لا يجب أن تكون طويلة المدى. ما النقطة الثالثة؟
مصطفى أبوجمرة:يجب أن نضع فى الاعتبار ضرورة استبدال العديد من الوظائف، خاصة تلك التى كنا نؤديها بشكل سيئ. خذ مثالًا: فى مجال تطوير البرمجيات، لم نكن بارعين فى واجهات الاستخدام (UI) أو فى تصميم النظام من الخارج (packaging). الذكاء الاصطناعى اليوم يقوم بهذه المهام بكفاءة أعلى.
ومن الضرورى التفكير فى كيفية إحلال هذه الأدوات دون نسيان الجانب الإنسانى والاجتماعي. يجب أن نُطوّر الناس بالتوازي. دعنا لا ننسى أن الثورة الصناعية لم تقتل الوظائف، بل طوّرتها ورفعت كفاءتها.
● حازم: وماذا تقول لصانع القرار فى مصر فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي؟ ما النصيحة الأساسية؟
مصطفى أبوجمرة:نحن لا نهتم بالذكاء الاصطناعى بالقدر الكافى، رغم أن الجميع يتحدث عنه. التطبيق لا يزال ضعيفًا، وإن لم نبدأ الآن سنخسر وقتًا ثمينًا.
ما زلنا بحاجة إلى عدد أكبر من المبرمجين، لكى يستطيعوا دمج الذكاء الاصطناعى بالنماذج المختلفة.
فالعالم يتحرك بالفعل نحو تحويل الأعمال إلى أنظمة مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
القطاعان العام والخاص يجب أن يتحركا بهذا الاتجاه. أنا أرى اهتمامًا رئاسيًا كبيرًا بالذكاء الاصطناعي، وهذا جيد، ولكن التطبيق الفعلى على الأرض لا يزال غير كافٍ.
● حازم: ما المطلوب تحديدًا من الدولة؟
مصطفى أبوجمرة:المطلوب أن تمتلك مصر نماذجها اللغوية الخاصة. نحن نملك تاريخًا ضخمًا ومكتبات زاخرة بالبيانات: مكتبة التلفزيون، الأهرام، دار الكتب، الهيئة العامة للوثائق، والأزهر الشريف. لا توجد دولة أخرى تمتلك هذا المخزون الثقافى والمعرفي. يجب أن نُحمّل هذه البيانات على نماذج محلية يتم تدريبها داخل مصر.
هناك محاولات، لكنها غير كافية، لأننا لا نملك ما يكفى من وحدات المعالجة الرسومية (GPUs). هذه هى الأدوات الأساسية التى تُدرّب بها النماذج. كارت «A100» على سبيل المثال، تبلغ تكلفته حوالى35ألف دولار، لكنه يُعد ثروة قومية. فى السعودية والإمارات لديهم عشرات الآلاف من هذه الوحدات، أما فى مصر، فربما لا نمتلك سوى المئات إن لم يكن أقل.
نحن بحاجة إلى الاستثمار فى البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. النموذج الأجنبى مجاني، نعم، لكن لا بد من تشغيله على بنية محلية وتدريبه على بياناتنا المصرية. لماذا؟ لأن هذه البيانات تعكس حضارتنا، وقيمنا، وقوانيننا، واقتصادنا بشكل تفصيلي.
اليوم، إذا سألت «ChatGPT» عن الاقتصاد، سيُجيب بدقة، لكن إن أردت أن تعرف وضع «بلبن» فى مصر الجديدة؟ لن تجد الإجابة.
● حازم: وماذا عن البنية التشريعية؟ هل ترى أنه يمكن تطويرها أو اتخاذ خطوات محددة بشأنها؟
مصطفى أبو جمرة:بالتأكيد. من الضرورى تشجيع الشركات العاملة فى مجال الذكاء الاصطناعي، لأن هذا سيصنع فارقًا كبيرًا. سيخلق مستقبلاً مجتمعات متقدمة وأخرى متخلفة، ويجب أن أضع ذلك نصب عيني. علينا أن نقدم حوافز لهذه الشركات، ونعفيها من الضرائب، وندعمها بشكل غير عادي، حتى لا نكرر ما حدث مع منصات التواصل الاجتماعى التى ابتلعت السوق المصرية والأسواق العربية، دون أن نملك بدائل محلية. الناشرون تأذوا، والإعلانات أصبحت تُعرض على المنصات الأجنبية، ونحن نحصل على الفتات. لا يجب أن نكرر هذه الخطيئة.
بالنسبة للعنصر البشري، وزارة الاتصالات تبذل جهدًا كبيرًا فى التدريب، لذلك يوجد وفرة فى الكوادر المبتدئة. لكن الكفاءات والمحترفين هربوا إلى الخارج لأن العائد المالى هناك أعلى. لهذا، لا بد من دعمهم حتى لا نخسرهم، مثلما تفعل الهند، التى تدعم نصف تكلفة تشغيل هؤلاء المتخصصين لضمان عدم تسربهم للخارج.
● حازم: برأيك، هل المستقبل سيكون للذكاء الاصطناعى أم للبشر؟ أم مزيج من الاثنين؟
مصطفى أبوجمرة:سأخلع الآن عباءة المهندس، وأرتدى عباءة الفيلسوف والشاعر. أعتقد أننا سنمر بفترة من التخبط، أحيانًا تفوز الآلة، وأحيانًا يتفوق الإنسان. وفى النهاية سيظهر «الإنسان الثنائي» – بشر يحتوى داخله على أجزاء من الآلة، سواء كانت مزروعة فى دماغه أو جزءًا من أدواته اليومية كالنظارات أو حتى فى جسده. سيكون لديه اتصال عصبى مباشر بالآلات، ويمكنه استدعاء مهارات مثل الكاراتيه، حتى إن لم يكن قد مارسها مسبقًا. نحن نتحدث عن زمن أقل من10سنوات.
الذكاء الاصطناعى سيسهم فى إطالة العمر، من خلال تحليل الحمض النووى (DNA) والقدرة على إيقاف الأمراض مثل السرطان. كما سيمكننا من اختيار من يُولد ومن لا، عبر قياس كفاءة الجينات، واستخدامها فى التلقيح للحصول على أجيال أكثر ذكاءً، وأقوى بدنيًا، وأكثر مقاومة للأمراض. وسيرتفع متوسط العمر بشكل كبير، مما سيخلق فجوة ضخمة بين مجتمعات متطورة للغاية وأخرى شديدة التخلف. هذا ما تنبأ به الدكتور مصطفى محمود حين قال إن بعض المجتمعات ستصبح بمثابة «حديقة قرود» مقارنة بأخرى.
● حازم: للأسف، أتباع مصطفى محمود لا يدركون ذلك. فمع التطورات فى الذكاء الاصطناعى والهندسة الوراثية، فإن من يعجز عن التعامل معها سيبدأ باللجوء إلى الميتافيزيقا والماورائيات.
مصطفى أبوجمرة:بالضبط.
هناك نماذج كثيرة من هذا النوع. هناك شاب يظهر على القنوات يقول إن «ChatGPT» هو «جن» يعيش داخل الآلة! ويبدأ بتفسير ذلك بشكل خرافي، بل ويقول إن «سام ألتمان» نفسه ليس بشريًا بل كائن فضائي.
● حازم: من المؤكد أنه كلما زادت الفجوة المعرفية، زادت مساحة الخرافة، لأن الناس لا تملك أدوات التقدم.
مصطفى أبوجمرة:صحيح، واللافت أن مؤسس «DeepMind» فى جوجل استقال، وكان يخشى من تلك السيناريوهات المستقبلية.
● حازم: هو لم يخشَ الخرافة، بل خاف من نفسه، ومما يصنعه وتصوراته لما سيحدث لاحقًا.
مصطفى أبوجمرة:وهناك جانب غامض فى المسألة. نحن لا نعلم كيف يعمل الذكاء الاصطناعى بدقة، أو كيف يتخذ قراراته، أو حتى كيف يخطئ. المعادلات أصبحت معقدة للغاية.
● حازم: دعنا نعًد إلى واقعك العملي. بعد «بيج برازر» والذكاء الاصطناعي، ما الذى تغير فى أعمالك؟
مصطفى أبوجمرة:قبل عام2023، لم يكن هناك وعى كافٍ، لكن بعد هذا التاريخ شهدنا انفجارًا فى الأعمال. السوق بدأت تتقبل، وبدأنا نوقع عقودًا فى مصر والخليج. فى مصر، كان التركيز الأكبر مع الحكومة، خصوصًا مع وزارة العدل، حيث نفذنا مشروعًا لتقطيع الأحكام. يقوم القاضى بكتابة الحكم، فيتولى النموذج إعادة صياغته قانونيًا بدقة، ويختصر ست مراحل كانت تُنجز يدويًا، وكان يحدث بها تلاعب أحيانًا.
● حازم: هل شركة «ميديا ساي»، شركتك الأساسية الآن، تحقق أرباحًا؟ وهل تفكر فى طرحها فى البورصة؟
مصطفى أبوجمرة:نحقق أرباحًا جيدة. وسأكون صريحًا: كنت شغوفًا بالجديد أكثر من المال، وربما كان ذلك خطأ. لكن الآن، ومع التقدم فى العمر، أفكر فى التخارج وتسليم الراية، رغم أننى ما زلت أستطيع العطاء بكفاءة. إذا كان متوسط سن النجاح فى «وادى السيليكون» هو50عامًا، فأنا لست ضد الشركات الناشئة، لكننى ضد أن نستبعد من هم فى سن متقدمة طالما لا يزالون قادرين على الابتكار والإنتاج.
● حازم: هل تفكر جديًا فى قيد الشركة فى البورصة؟ وهل حجمها يسمح بذلك؟
مصطفى أبوجمرة:شركات الذكاء الاصطناعى تمتلك قيمة عالية، حتى إن لم تكن مبيعاتها ضخمة، لأنها تقدم «قيمة» حقيقية. وكل الشركات والحكومات ستحتاج لها. قريبًا جدًا، ستفتح المواقع الإلكترونية، وستجد أمامك شخصية ترحب بك وتتحدث معك فورًا – وهذا بالضبط ما أعمل عليه، وأنا سعيد بذلك.
● حازم: وما السيناريو المتوقع للتخارج؟
مصطفى أبوجمرة:منتجى له استخدامات أمنية، وأنا سعيد أنه منتج مصرى بالكامل. لذلك، من الممكن أن أبيع لشريك مصري، أو لمستثمر إماراتى أو سعودي. لكننى متأكد أننى لن أستطيع الاستمرار لأكثر من5سنوات. أنا منفتح على وجود شخص جديد، يحمل دماً واستثماراً جديداً.
أنا قضيت فى «تكنو وايرلس» حوالى12عامًا، ثم قررت أن الوقت حان لضخ دماء جديدة. الشخص الذى خلفنى حقق نتائج مالية تفوقنى بثلاثة أضعاف، لكنه لم يقدّم إضافات أو ابتكارات جديدة. وهذا ليس سيئًا، بل جيد، ويكفى أن تعيش هذه النجاحات لعشر سنوات إضافية.
● حازم: هل تفكر فى إشراك الجيل الثانى فى مجال عملك نفسه؟ أقصد، هل ابنك كريم مثلاً يشاركك فى النشاط؟
مصطفى أبو جمرة:عندى كريم وزينة. زينة تعمل فى وكالة رقمية، وكلاهما مصدر دخله قائم على الابتكار. كريم أسّس شركته الخاصة تحت اسم «بيس كيك».
●حازم: بالفعل، وكان نجمًا فى عدد من حلقات البودكاست خلال الأسبوعين الماضيين، فقلت لننافس نحن اليوم بالنسخة الأصلية!
مصطفى أبوجمرة:فى الحقيقة، كلاهما لم يرغب فى العمل معي. حتى زينة لا تحب فكرة العمل مع شقيقها.
●حازم: كل أولادنا متشابهون فى هذا الأمر، لا تشعر بأنك وحدك فى هذه المسألة.
مصطفى أبوجمرة:بعد سن معينة، نتحول إلى مستشارين فقط. ما يفرحنى أن كليهما يعمل فى مجال الإبداع، وهذا أمر يسعدنى جدًا، لأن مهنتيهما ستبقيان حيويتين فى المستقبل. هما لم ينجذبا إلى العمل معى لأن طبيعة شغلنا تميل للجفاف؛ تحليل بيانات، بناء نماذج، تدريب على البيانات... لا يوجد فيه الجانب الإبداعى الذى يعيشانه فى حياتهما العملية.
● حازم: فى الختام، أنا سعيد جدًا بهذا اللقاء معك. الحديث كان ممتعًا، ولم أشعر بالوقت. فى نهاية هذا اللقاء، أتوجه بالشكر الجزيل للمهندس مصطفى أبو جمرة، المؤسس والرئيس التنفيذى لعدة شركات، آخرها «ميديا ساي». شكرًا جزيلًا لك على وقتك.
«الجيلZ» نوع جديد من البشر.. يتعامل يوميًا مع100ألف فكرة
من لا يفهم الذكاء الاصطناعى و«جيل Z» سيخرج من السوق
«جيل Z» يرفض الوظيفة التقليدية ويبحث عن مشروعه الخاص منذ اليوم الأول
إدارة التغيير أصبحت ضرورة دائمة داخل المؤسسات
مصر تحتاج إلى نماذج لغوية مدربة على بياناتها التراثية والمعاصرة
الاستثمار فى وحدات المعالجة الرسومية (GPUs) أصبح ضرورة إستراتيجية
نحتاج إلى سياسة حوافز حقيقية لشركات الذكاء الاصطناعى المحلية
الاحتفاظ بالكفاءات يجب أن يكون أولوية وطنية حتى لا نهدرها للخارج
الإنسان الثنائى قادم.. وسيحمل داخله مكونات «AI» مزروعة
سنصل إلى مرحلة يتم فيها تعديل الجينات لاختيار المواليد
«GPT» أنتج لنا مشروع قانون استثمار موحد يفوق التوقعات
الخوف من التطور يدفع البعض للجوء إلى الأساطير والخرافات
منصة «Big Brother» تراقب وتحلل الإنترنت كما يفعل مليون موظف
فيلسوف الذكاء الاصطناعي: الدور المحورى المنتظر داخل أى شركة
الشباب المصريون بارعون فى نماذج الحوار.. مثلما تفوقوا فى السوشيال ميديا
600شركة تنقرض مع كل موديل جديد من «ChatGPT»
الذكاء الاصطناعى قادر على استبدال الوظائف الرديئة وتحسين الكفاءات
2023كان عام الانفجار فى الطلب على الـ«AI»
التفاعل مع الخدمات الحكومية سيصبح عبر واجهات مدعومة بأدوات جديدة
الروبوتات ستحل محل إدارات الموارد البشرية والشؤون القانونية قريبًا
معظم عمليات «تعليم الآلة» تعتمد على بيانات غير مرخصة
التحول الرقمى فى الخليج أسرع من أوروبا وأمريكا
«تيك توك» نموذج لفشل الغرب فى التفاعل مع «الجيل Z»
الصين تتحدى الحظر الأمريكى وتنتج نماذج فعالة
مستقبل صناعة الميديا سيُبنى على وفرة التطبيقات الحديثة
عودة الاهتمام بالجانب البشري الحي ستكون حتمية
المحتوى المُنشأ آليًا سيكون محسنًا لمحركات البحث بشكل فوري
حتى الآن بعض الشركات لا تؤمن بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي
