فى ظل التحولات الاقتصادية الكبرى التى تشهدها مصر، برزت الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص كأحد الأعمدة الرئيسية لتحقيق التنمية العمرانية المستدامة، لا سيما فى مشروعات الإسكان والتخطيط الحضري، هذا النموذج التعاونى لم يعد خيارًا بل أصبح توجهًا استراتيجيًا تتبناه الدولة ضمن رؤيتها المستقبلية “مصر 2030” ومخطط 2052.
وطالب خبراء وقيادات لشركات التطوير العقارى من وزارة الإسكان بضرورة العمل على طرح مزيد من الشراكة مع القطاع الخاص فى مختلف المشروعات الحكومية، سواء المرتبطة بالاسكان الاجتماعى أو الاستثماري، مع الوصول لاتفاقيات مالية مقتعة ومرضية للطرفين.
كل ما سبق أكده وزير الإسكان، المهندس شريف الشربيني، والذى أشار فى تصريحات سابقة إلى أن الوزارة لا تعتبر القطاع الخاص مجرد منفذًا بل شريكًا فى صناعة القرار وتوجيه التنمية.
وشدد على أن الدولة وسّعت مظلة التعاون لتشمل تنفيذ مشروعات ضخمة باستثمارات تتجاوز تريليون جنيه، ما أدى إلى خلق آلاف فرص العمل، وتسريع وتيرة تنفيذ مشروعات مدن الجيل الرابع ومبادرات مثل “حياة كريمة” و”سكن لكل المصريين”، وذلك عبر بيئة استثمارية مرنة ومحفزة.
وهذا التوجه التشاركى حظى بإشادة قوية من قبل كبار المطورين العقاريين، ممن أكدوا نجاح النموذج فى خلق توازن بين الجودة والسرعة والتكلفة فى تنفيذ المشروعات الكبرى.
وبدأت وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية دراسات فعلية لإقرار آلية تسمح بمشاركة القطاع الخاص فى تنفيذ وحدات الإسكان الاجتماعى فى المدن الجديدة.
وقالت مصادر مقربة إن وزير الإسكان المهندس شريف الشربينى عقد اجتماعاً موسعاً مع أعضاء غرفة التطوير العقارى باتحاد الصناعات المصرية، لتناول كافة مقترحاتهم لتيسير عمل الشركات وإقرار مزيد من التيسيرات للمطورين.
وذكرت المصادر لـ “المال” أن الوزير وعد بدراسة مشاركة القطاع الخاص فى تنفيذ وبيع وحدات الإسكان الاجتماعي، وجارى حالياً دراسة نسب المشاركة المثالية بين الطرفين.
وأوضحت المصادر أن التصور الأولى للوزارة يشمل تقسيم وحدات المشروع بالمناصفة بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة والمطور، فيما طالب أعضاء الغرفة بزيادة نسبة القطاع الخاص مع الأخذ فى الاعتبار ارتفاع التكاليف من مواد البناء والتشطيبات، وبالتالى يتيح له الفرصة لتحقيق مكاسب أو تجنب الخسائر فى النهاية.
ولفتت المصادر إلى أن هذه الشراكة مفيدة للطرفين، فمنها تخفف الأعباء المالية عن الوزارة، كما تجنب المطور لأى تكاليف مالية نظير شراء الأرض، وبالتالى سيوجه السيولة المالية لتسريع الإنشاءات وضمان إتاحة عدد كبير من الوحدات ،سيتم تسويقها من خلال المطور بنفس الآليات المتبعة من جانب الوزارة.
وأشارت إلى أن الوزير سيعقد اجتماعات دورية مع غرفة التطوير العقارى لحل المشكلات التى تواجه العاملين بالسوق ،كما أعلن عن تفعيل المنصة العقارية وبدء التسجيل المبدئى قريباً، والتى تعتبر إنطلاقة جديدة فى ملف بيع الأراضى وتسويق الوحدات الحكومية والخاصة
وأكدت أن الوزارة ستعمل على إتاحة المزيد من الفرص الاستثمارية بمختلف الأنشطة، والتوسع فى مشروعات الشراكة مع القطاع الخاص، مع دعم كل أنماط الاستثمار بالمدن الجديدة، بالتزامن مع العمل لتعزيز التعاون مع كافة المطورين العقاريين بشأن الفرص الاستثمارية بمختلف أنواعها خلال الفترة المقبلة.
و أكد خبراء القطاع أن “عقلية الشراكة” هى كلمة السر فى النجاحات المحققة مؤخرًا، خصوصًا عند الجمع بين الحكومة والمطور المحلى والمستثمر الأجنبي، فهذا التكامل الثلاثى لا يسهم فقط فى تسريع المشروعات، بل يعزز من قدرة الدولة على استغلال مواردها ويمنح المستثمرين الثقة فى بيئة العمل.
واعتبروا أن القطاع العقارى يقود أكثر من90صناعة مرتبطة، مما يجعل تحريكه عاملًا حاسمًا فى دعم النمو الاقتصادى وخلق فرص عمل مستدامة، داعين لاستمرار هذا النهج من خلال إصلاحات تشريعية، وتفعيل الحوار بين أطراف المنظومة العقارية، وتجاوز البيروقراطية، لتحقيق بيئة أكثر جاهزية وجذبًا للاستثمار.
وأكد المهندس شريف الشربينى وزير الإسكان فى تصريحات له، أن الوزارة تضع تعزيز الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص فى صميم رؤيتها للتنمية، إذ تعد ركيزة أساسية لتحقيق نمو عمرانى شامل ومستدام، موضحا أن الوزارة تؤمن إيمانًا راسخاً بأن القطاع الخاص ليس مجرد منفذ للمشروعات، بل هو شريك أصيل فى صياغة وتوجيه التنمية، وتعمل على تمكينه من خلال خلق بيئة استثمارية قائمة على التكامل وتوزيع الأدوار بشكل فعال.
وتابع أن الدولة توسّعت بشكل ملحوظ فى الشراكة مع القطاع الخاص ضمن منظومة التنمية العمرانية، عبر تنفيذ عشرات المشروعات ، بإجمالى استثمارات تعدت تريليون جنيه، ساهمت فى توفير آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة
وأشار إلى أن هذا التوجه يتماشى مع الرؤية الاستراتيجية مصر2030و2052، مضيفًا أن الدولة تعتمد على هذه الشراكات لتعظيم فاعلية التخطيط الحضرى والتنمية المستدامة،ضمن إطار مدن الجيل الرابع الذكية، ومبادرات مثل «سكن لكل المصريين».
ولفت إلى أن الوزارة تعمل على تذليل العقبات أمام المطورين، سواء بتبسيط تراخيص البناء أو توفير محفّزات استثمارية، وتقديم حزم أراضٍ صناعية وتجارية بأقل سعر، ضمن إطار من المرونة لدعم الشراكات بكافة أشكالها، بما فى ذلك جذب الاستثمار الأجنبى .
قال أحمد صبور رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة “الأهلى صبور”، إن الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص باتت تمثل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية العمرانية المستدامة فى مصر، مشيرًا إلى أن هذا النموذج من التعاون يُعد أحد أبرز أدوات تسريع وتيرة تنفيذ المشروعات الكبرى وبناء المدن الجديدة طبقًا لأحدث المعايير.
وأوضح صبور أن تجربة الشراكة بين الحكومة والمطورين العقاريين أثبتت جدواها خلال السنوات الأخيرة، ليس فقط فى ضخ المزيد من الاستثمارات داخل السوق، وإنما أيضًا فى تحقيق توازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية.
وأكد أن الشراكة تنقسم إلى شقين رئيسيين، الأول يتمثل فى الدور الحيوى للدولة، حيث تقوم بتوفير الأراضى للمطورين، وتُسهم فى تيسير الإجراءات الإدارية وتوصيل المرافق الأساسية، بما يضمن جاهزية المشروعات للانطلاق بسرعة وكفاءة.
أما الشق الثاني، بحسب صبور، فهو يقع على عاتق القطاع الخاص، الذى يتحمّل مسئولية أعمال التصميم والتنفيذ والتمويل، ويعتمد على خبراته الواسعة فى تقديم منتجات عقارية متنوعة تتماشى مع احتياجات السوق، ويخاطب قاعدة عريضة من العملاء والمشترين من مختلف الشرائح.
وأضاف أن هذا التكامل بين أدوار الدولة والمطورين يمثل صيغة نجاح حقيقية يجب البناء عليها، مؤكدًا أن شركات القطاع الخاص تمتلك من الخبرات الفنية والتمويلية ما يؤهلها لتنفيذ مشروعات عمرانية كبرى بأعلى جودة، شريطة وجود دعم مؤسسى وتشريعى مستمر من الحكومة.
تدفق الاستثمارات الخليجية
وأكدت الدكتورة نورهان الطور الرئيس التنفيذى لشركة “جيت واى للاستشارات العقارية”، أن الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص فى مجال التطوير العقارى لم تعد خيارًا بل أصبحت ضرورة استراتيجية لتحقيق التنمية الشاملة.
وأشارت إلى أن التجربة المصرية خلال السنوات العشر الأخيرة أظهرت بوضوح أن هذه الشراكات تؤدى إلى نتائج ملموسة على مستوى الجودة، والسرعة، وجذب الاستثمارات.
وقالت إن الحكومة المصرية تبنت نهجًا متقدمًا فى توفير الأراضى وتسهيل إصدار التراخيص، بينما يتولى القطاع الخاص مهمة التطوير والتنفيذ، مما ساهم فى تسريع وتيرة الإنجاز وتحسين جودة المشروعات العقارية.
وتابعت أن التجربة أثبتت نجاحها فى مشروعات كبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة، والعلمين الجديدة، والمنصورة الجديدة، من خلال دمج موارد الدولة مع خبرات القطاع الخاص، ما أسفر عن تنفيذ مشروعات عمرانية بمواصفات عالمية وبوتيرة إنجاز غير مسبوقة.
وأوضحت أن مساهمة القطاع الخاص لم تقتصر فقط على التمويل أو التنفيذ، بل امتدت إلى تعزيز ثقة المستثمرين الأجانب والعرب فى السوق المصرية، خصوصًا فى ظل وجود شريك حكومى واضح يضمن استقرار البيئة الاستثمارية.
وأشارت إلى تدفق الاستثمارات الخليجية إلى السوق المصرية فى مشروعات مثل زايد ديونز وميفيدا، مستفيدة من وجود الدولة كشريك أساسى يمنح هذه المشروعات مصداقية عالية وقوة جذب استثماري.
وفيما يتعلق بتخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة، أكدت الطور أن الشراكة تتيح للدولة التركيز على المهام الجوهرية كإقامة البنية التحتية وتوفير المرافق، بينما يتكفل المطور الخاص بالتطوير العقارى والتسويق والإدارة.
وتابعت أن هذا النموذج يقلل من الضغط على موارد الدولة المالية، ويعزز كفاءة تخصيص الإنفاق العام.
أما عن جودة المنتج العقاري، فأشارت إلى أن المنافسة بين المطورين أسهمت فى رفع مستوى التصميمات والمعايير الفنية، كما أن مرونة التشريعات سمحت بظهور طرز معمارية مبتكرة، مؤكدة أن المستهلك العقارى أصبح أكثر وعيًا وطلبًا للجودة، وهو ما يدفع المطورين لتقديم حلول أكثر تطورًا واستدامة.
وشددت فى الوقت نفسه على أن هناك تحديات لا تزال قائمة، وعلى رأسها البيروقراطية فى الحصول على الموافقات، وارتفاع تكاليف التمويل ومواد البناء، إلى جانب الفجوة القائمة أحيانًا بين رؤية الدولة والمطورين، وغياب التخطيط العمرانى المتكامل فى بعض المحافظات.
واختتمت بالتأكيد على أن تجاوز هذه التحديات يتطلب تطوير منظومة اتخاذ القرار العقاري، وتفعيل آليات الحوار الدائم بين الحكومة والمطورين، والعمل على تقليص فجوة الثقة وتحسين البيئة التشريعية.
وأضافت أن النجاح المشترك فى القطاع العقارى ليس مجرد معادلة اقتصادية، بل هو أساس لبناء مدن حديثة تحقق تطلعات المواطن المصرى والمنافسة العالمية.
كلمة السر فى عقلية الشراكة
قال الدكتور عبد الرحمن خليل، الخبير والمطور العقاري، إن معظم الإنجازات الحقيقية التى شهدها القطاع العقارى فى مصر خلال السنوات الأخيرة كانت مدفوعة بعقلية الشراكة، مشيرًا إلى أن “كلمة السر” وراء هذه النجاحات تكمن فى ما أسماه عقلية الشراكة.
وأوضح أن هذه الشراكة أخذت عدة أشكال، أولها التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص المحلي، وثانيها فتح المجال أمام الشراكات مع المستثمرين الأجانب، كما فى صفقة رأس الحكمة.
وأشار إلى أن النموذج الأمثل هو “الشراكة الثلاثية”، التى تجمع بين الحكومة، والمطور العقارى المحلى بخبراته، والمستثمر الأجنبى برأسماله وتطلعاته.
وأكد أن هذا التكامل الثلاثى يعزز من قدرة الدولة على تعظيم استثمار مواردها سواء كانت أراضى أو مشاريع أو أفكار جديدة أو حتى تكنولوجيا، قائلاً إنه عندما تتكاتف الأطراف الثلاث، نستطيع تحريك عجلة التنمية بفاعلية.
وشدد خليل على أن القطاع العقارى يعد قاطرة للاقتصاد المصري، إذ تقوم عليه أكثر من90صناعة مرتبطة ، موضحًا أن تنشيطه ينعكس مباشرة على خلق فرص عمل، وتحريك الاستثمارات، وتنشيط قطاعات متعددة داخل الاقتصاد.
وأضاف أن الصفقات الكبرى، مثل رأس الحكمة، لا يمكن أن تنجح دون شراكة واضحة بين القطاع الحكومى والخاص، مشيرًا إلى أن وجود الحكومة كمشارك فى أى مشروع يمنح المستثمر الأجنبى شعورًا بالاطمئنان، خاصةً فى ظل التحديات القانونية والتنظيمية المحتملة.
وأكد على أن المستثمر الأجنبى عندما يرى شراكة بين الحكومة والمطور المحلي، يدرك أن هناك نقاط قوة متكاملة يمكن الاعتماد عليها، سواء فى الإدارة أو التنفيذ أو التشغيل.
ولفت إلى أن الحكومة تمثل ضمانة استقرار، بينما يجلب القطاع الخاص الخبرات المحلية والكوادر المدربة، وهو ما يشجع المستثمر الأجنبى على الدخول بثقة أكبر.
وأشار إلى أن الشراكة بين الأطراف الثلاثة لا تُسهم فقط فى إنجاح المشروعات الحالية، بل تُعد عاملاً مؤثرًا فى جذب استثمارات أجنبية جديدة، قائلاً إننا بحاجة إلى تنمية هذا النموذج وتعزيزه لما أثبته من نجاحات، خصوصًا خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأكد خليل أن تعزيز عقلية الشراكة سيسرع من وتيرة النمو الاقتصادي، ويمكن الدولة من مواجهة التحديات المستقبلية بشكل جماعى لا فردي، قائلاً إنه لابد أن نكفّ عن التفكير بمنطق الجزر المنعزلة، ونتجه نحو التفكير المشترك من أجل تحقيق المصلحة العامة.
ووجّه رسالة إلى المسؤولين فى القطاعين العام والخاص دعاهم فيها إلى تجاوز المصالح الضيقة والتركيز على الأهداف الوطنية الأكبر، مضيفًا أن مصر بدأت بالفعل فى اتخاذ خطوات جيدة فى هذا الاتجاه، لكنها بحاجة إلى مواصلة هذا النهج وتحويله إلى استراتيجية مستدامة.
وأوضح أن الأثر الإيجابى لهذه الشراكات يتجسد بوضوح فى الأرقام، من حيث معدلات النمو، وخلق فرص العمل، وتنشيط حركة الاستثمار الأجنبي، وسد الفجوة فى العملة الصعبة، قائلاً إن المواطن يلمس هذه الفوائد مباشرة عندما يرى مشروعًا حكوميًا بالشراكة مع القطاع الخاص والمستثمر الأجنبي، يقوم بالتنفيذ سريعا ويوفر فرص العمل.
وختم خليل حديثه بالتأكيد على أن فوائد الشراكة الحكومية حدود لها، موضحا أن استمرار هذا النهج وتطويره سيعود بالنفع على جميع الأطراف، وسيدعم مسيرة التنمية الاقتصادية فى مصر لعقود قادمة.
شريف الشربيني: شركات القطاع الخاص لم تعد مُنفذًا فقط
أحمد صبور: توفير البنية التحتية سهل المهمة وقاد لتسريع وتيرة الإنجاز
نورهان الطور: العاصمة الإدارية والعلمين والمنصورة خير دليل
عبدالرحمن خليل: وجود الحكومة كمشارك يمنح «الأجنبي» شعورًا بالاطمئنان
