فى ظل التحول الرقمى المتسارع الذى يشهده العالم، أصبحت المخاطر السيبرانية تمثل تهديدًا حقيقيًا ومؤثرًا على الشركات والمؤسسات بمختلف أحجامها.
ومع تزايد التهديدات الرقمية مثل الهجمات الإلكترونية والاختراقات، أصبح التأمين السيبرانى أداة ضرورية لحماية الأصول الرقمية وتفادى الخسائر الناتجة عن الهجمات إلا أن هذا النوع من التأمين لا يزال يواجه تحديات كبيرة فى السوق المصرية، حيث تفتقر العديد من الشركات إلى البيانات اللازمة لتسعير التغطيات بشكل دقيق، كما يواجه القطاع تحديات فى زيادة الوعى بأهمية الأمن السيبراني.
ورغم هذه الصعوبات، فإن التأمين السيبرانى يوفر فرصًا كبيرة للنمو عبر تحسين آليات تسوية المطالبات وتطوير الكوادر الفنية المتخصصة فى هذا المجال من خلال تحليل الوضع الحالى للتأمين السيبرانى فى مصر.
وفى هذا التحقيق نتناول التحديات التى تواجه الشركات فى تقديم هذه الخدمة، والفرص المتاحة لتطوير هذا النوع من التأمين، إضافة إلى دور التشريعات فى تنظيم السوق.
تحديث القوانين
يقول محمود دهشان، رئيس قطاع تكنولوجيا المعلومات بشركة جى آى جى لتأمينات الحياة التكافلى – مصر، إن تطور مشهد التهديدات الإلكترونية فى ظل التحول الرقمى المتسارع، يحتم على شركات التأمين أن تتجاوز دورها التقليدى كمجرد جهة تعويض، لتصبح شريكًا حقيقيًا فى منظومة الحماية الإلكترونية.
وأوضح أن التأمين السيبرانى لم يعد مجرد وثيقة تُفعل بعد وقوع الضرر، بل أصبح جزءًا من استراتيجية متكاملة لإدارة المخاطر، تبدأ من التقييم المسبق للأصول الرقمية، مرورًا بإجراءات الوقاية، وحتى خطط الاستجابة للطوارئ.
وفيما يتعلق بدور شركات التأمين فى إدارة مخاطر الأمن السيبراني، أكد دهشان أن الشراكة الفعلية تبدأ من تصميم منتجات تأمينية مبنية على فهم عميق لطبيعة المخاطر السيبرانية الخاصة بكل قطاع، مشيرًا إلى أهمية التعاون مع العملاء لتحديد الفجوات الأمنية وتقليص فرص التعرض للهجمات.
وفى محور تحديات تسوية التعويضات، أشار إلى أن بعض الشركات تواجه صعوبات فى إثبات تفاصيل الحوادث السيبرانية وتعقيدات مرتبطة بتقدير حجم الضرر، وهو ما يتطلب وجود آليات تقييم مرنة وخبرات فنية متخصصة داخل شركات التأمين.
وحول الإطار التشريعي، شدد دهشان على ضرورة تحديث القوانين المنظمة للتأمين السيبرانى فى السوق المصرية، قائلًا: “البيئة القانونية الحالية تحتاج إلى مزيد من الوضوح والتنظيم، حتى تتيح لشركات التأمين العمل بثقة، وللعملاء الحصول على حقوقهم دون تعقيدات بيروقراطية”.
شراكة فاعلة
وفيما يخص تطور أساليب الجريمة الإلكترونية، أكد دهشان أن التحول الرقمى السريع يقابله تطور مماثل فى الأدوات والتقنيات التى يستخدمها المهاجمون، مما يتطلب من شركات التأمين الاستثمار فى فرق متخصصة وقدرات تحليلية تكنولوجية عالية لتحديث منتجاتها باستمرار.
وأضاف أن التحول فى دور التأمين السيبرانى من التعويض إلى الوقاية ليس رفاهية، بل ضرورة تفرضها طبيعة التهديدات الحديثة، وعلى شركات التأمين أن تكون جزءًا أصيلًا من منظومة الدفاع السيبرانى فى المؤسسات.
وأوضح، أن التهديدات الإلكترونية لم تعد مجرد احتمالات بعيدة، بل أصبحت واقعًا يوميًا يواجه المؤسسات بمختلف أحجامها.
وأكد أن تطور هذه التهديدات فى ظل التحول الرقمى المتسارع يحتم على شركات التأمين أن تتبنى دورًا جديدًا يتجاوز مرحلة التعويض بعد الكارثة، نحو شراكة فاعلة فى إدارة المخاطر والتصدى الاستباقى للهجمات.
ولفت دهشان إلى أن إدارة مخاطر الأمن السيبرانى لم تعد تقتصر على استجابة ما بعد الحادث، بل أصبحت تبدأ من مرحلة ما قبل التعاقد حيث باتت بعض شركات التأمين تقدم خدمات تقييم الفجوات السيبرانية، وتنظيم اختبارات اختراق، وتوفير تدريبات توعوية للموظفين، بالإضافة إلى دعم تقنى فورى فى أوقات الأزمات وهذا النموذج يرسخ علاقة شراكة تقوم على الوقاية والتقليل من المخاطر، مما ينعكس إيجابًا على نتائج الطرفين ويخفض تكاليف الحوادث.
ضرورة استراتيجية
وفيما يتعلق بتحديات تسوية التعويضات بعد الهجمات، أوضح دهشان أن إثبات الضرر الناتج عن هجوم إلكترونى يشكل واحدة من أكثر النقاط حساسية، خاصة فى ظل غياب أدلة مادية مباشرة وقد يؤدى عدم التزام العميل بالإجراءات الأمنية الواردة فى وثيقة التأمين إلى رفض المطالبة جزئيًا أو كليًا.
وأشار إلى أهمية وجود تقارير فنية دقيقة صادرة عن جهات متخصصة فى التحليل الجنائى الرقمى لتقييم حجم الضرر وتحديد مصدر الهجوم، رغم أن غياب معايير موحدة لهذه التقارير يظل تحديًا قائمًا.
وشدد على أن التشريعات فى مصر لا تزال بحاجة إلى تطوير لدعم التأمين السيبرانى بشكل حقيقى فبالرغم من صدور قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، لا توجد حاليًا إلزامات قانونية تفرض التأمين السيبرانى على القطاعات الحيوية.
وأكد أهمية وضع أطر تشريعية تربط بين التغطية التأمينية ومدى التزام المؤسسة بمعايير حماية البيانات، إلى جانب إنشاء جهة رقابية متخصصة لتنظيم هذا النوع من التأمين.
ولفت إلى أن وتيرة تطور الجريمة الإلكترونية أصبحت تفوق فى بعض الأحيان قدرات الدفاع التقليدية، ما يستوجب من شركات التأمين تطوير منتجاتها باستمرار.
وبين أن هناك توجهًا متزايدًا لإدخال تغطيات جديدة مثل هجمات الفدية، والابتزاز الرقمي، وخسائر انقطاع الأعمال، والتعويضات المرتبطة باختراق البيانات موضحًا أن نقص الوعى بهذه التغطيات يمثل عائقًا حقيقيًا، وهو ما يستدعى رفع مستوى الثقافة التأمينية لدى العملاء.
واختتم دهشان تصريحاته بالتأكيد على أن التأمين السيبرانى لم يعد خيارًا ثانويًا، بل هو ضرورة استراتيجية لكل مؤسسة تعتمد على التكنولوجيا فى عملياتها اليومية لافتًا إلى أنه رغم التقدم الذى تحققه بعض شركات التأمين فى هذا المجال، فإن نجاح المنظومة يتطلب تكاملًا بين تطوير المنتجات، وتحديث التشريعات، ورفع الوعي، مع الالتزام المؤسسى بمنظومة أمن سيبرانى تبدأ من الداخل ولا تعتمد فقط على الحلول الخارجية.
حماية الشركات
من جانبها أكدت الدكتورة باسمة مندور، نائب رئيس قطاع منطقة القناة بشركة ثروة للتأمين، أن التأمين ضد المخاطر الإلكترونية أصبح أحد المحاور الحيوية لحماية الكيانات الاقتصادية فى ظل تسارع وتيرة التحول الرقمى وتزايد الهجمات السيبرانية.
وقالت إن هذا النوع من التأمين يوفّر تغطية مالية للشركات والمؤسسات ضد الخسائر الناتجة عن الحوادث الإلكترونية مثل اختراقات البيانات، وهجمات الفدية، وتعطل الأعمال، مشيرة إلى أن شركات التأمين تواجه تحديات كبيرة فى تقديم هذه التغطية بسبب التعقيد المتنامى للطبيعة التقنية للتهديدات.
وأضافت أن أبرز التحديات تتمثل فى التطور المستمر لأساليب الهجوم الإلكتروني، مما يصعب من عملية التنبؤ بالمخاطر وتسعير الوثائق بشكل دقيق، إلى جانب نقص البيانات التاريخية الموثوقة، نظرًا لحداثة هذا النوع من التأمين، وهو ما يؤثر على قدرة الشركات فى تقدير احتمالات الخسارة.
وأوضحت أن الجانب الفنى المعقد يمثل عائقًا أمام بعض الشركات التى لا تمتلك الكفاءة التقنية الكافية لتحليل الهجمات وفهم آلياتها، وهو ما ينعكس أيضًا على صعوبة تسعير الوثائق وتسوية المطالبات التى تتطلب خبرات متخصصة فى الأمن السيبراني.
وأشارت إلى أن هناك تغيرات مستمرة فى التشريعات واللوائح المتعلقة بحماية البيانات، مما يستوجب من شركات التأمين مواكبتها لضمان توافق وثائق التأمين مع الإطار القانونى والتنظيمي.
ونوهت إلى أن ضعف الوعى لدى عدد من الشركات حول أهمية التأمين السيبرانى يقلل من حجم الإقبال على هذا النوع من التغطيات، رغم تصاعد معدلات المخاطر بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة.
برامج الفدية
حول أبرز التحديات الواقعية، لفتت مندور إلى أن هجمات برامج الفدية أصبحت أكثر شيوعًا، إذ تُجبر الشركات على دفع مبالغ ضخمة مقابل استعادة بياناتها، كما أن انتهاكات البيانات قد تترتب عليها خسائر مالية ضخمة تشمل تكاليف قانونية ومراقبة ائتمانية ونفقات علاقات عامة، فضلًا عن الأثر السلبى الكبير على السمعة التجارية للمؤسسات.
وفيما يتعلق بالحلول المقترحة، شددت مندور على أهمية استثمار شركات التأمين فى التكنولوجيا الحديثة والأدوات التحليلية لرفع كفاءة تقييم المخاطر، إلى جانب تكوين شراكات استراتيجية مع خبراء الأمن السيبرانى لتقديم الدعم الفني، سواء فى مرحلة تقييم الوثائق أو عند وقوع الحوادث.
واختتمت مندور تصريحاتها بالتأكيد على أن مستقبل التأمين السيبرانى واعد، لكنه يتطلب مواكبة متواصلة للتكنولوجيا، وتطوير الكفاءات الفنية داخل الشركات، ورفع الوعى المجتمعى بقيمة الحماية التأمينية فى عالم يتجه سريعًا نحو الرقمنة الكاملة.
أبرز التحديات
بدوره قال الدكتور محمد جودة، رئيس قسم التأمين والعلوم الاكتوارية بكلية التجارة جامعة القاهرة سابقًا، عضو لجنة قيد خبراء المعاينة وتقدير الأضرار، ولجنة الخبراء الاستشاريين بالتأمين بالهيئة العامة للرقابة المالية، عضو لجنة التعليم بمعهد مصر للتأمين، إن التأمين ضد المخاطر السيبرانية أصبح من الملفات الحيوية فى ظل تصاعد وتيرة التحول الرقمي، مشيرًا إلى أن مؤتمر التأمين متناهى الصغر يمثل منصةمهمةلمناقشة التحديات والفرص فى هذا المجال المستجد.
وأوضح أن من أبرز التحديات التى تواجه شركات التأمين فى تسعير تغطيات المخاطر السيبرانية غياب قاعدة بيانات تاريخية يمكن الاعتماد عليها لتقدير احتمالية وقوع الخطر أو حجم الخسائر المتوقعة.
ولفت إلى أن هذه الفجوة تمثل عائقًا جوهريًا أمام بناء نماذج تسعير دقيقة، بخلاف ما هو متوفر فى فروع التأمين التقليدية.
وأشار إلى أن طبيعة الهجمات السيبرانية تتغير بشكل مستمر، ما يجعل من الصعب توقع نمط الخطر أو الاعتماد على نماذج تسعير ثابتة كما أن تقييم المخاطر السيبرانية يتطلب معرفة تقنية دقيقة بالبنية الرقمية للمؤمن عليه، وهو أمر معقد ويستلزم توافر خبراء مختصين فى الأمن السيبرانى لدى شركات التأمين.
ونوّه إلى أن تقييم طلب التأمين السيبرانى يتم من خلال استمارات مفصلة تتيح لشركة التأمين التعرف على مدى استعداد العميل لصد الهجمات الإلكترونية، من خلال معايير تشمل عدد الأجهزة المرتبطة، وأنظمة الحماية المستخدمة، وصلاحيات الدخول، وغيرها من البيانات الفنية.
تصاعد التهديدات
أكد جودة أن التفاوت الكبير فى الجاهزية السيبرانية بين العملاء – من حيث البنية التحتية ومستوى الحماية – يمثل تحديًا إضافيًا عند التسعير، حيث يتطلب التعامل مع كل حالة على حدة.
وأشار إلى أن مرحلة الاكتتاب تواجه أيضًا صعوبات، بسبب نقص المعلومات الفنية اللازمة حول نوعية المخاطر التى قد تتعرض لها الشركات، مما يؤدى فى بعض الأحيان إلى إصدار بوالص تأمينية غير مناسبة أو تحمل شركات التأمين خسائر مالية فادحة.
وأكد أن هناك فجوة ملحوظة فى وعى الشركات والأفراد بمخاطر الهجمات الإلكترونية وأهمية التأمين السيبراني، خاصة لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة التى لا تمتلك عادة موارد كافية للاستثمار فى حماية البنية التحتية الرقمية.
وأوضح أن الوعى بأهمية الأمن السيبرانى بدأ يتحسن نسبيًا خلال السنوات الأخيرة، لكنه لا يزال غير كافٍ لمواكبة تصاعد التهديدات الرقمية، كما أن هناك نقصًا فى فهم تأثير هذه الهجمات على الأداء المالى والسمعة المؤسسية، إلى جانب غياب المعرفة بوجود منتجات تأمينية يمكن أن توفر حماية فعلية ضد هذه المخاطر.
وشدد على أن التحول الرقمى الذى تشهده معظم القطاعات يفرض على الشركات أن تنظر إلى التأمين السيبرانى باعتباره ضرورة استراتيجية، وليس خيارًا ثانويًا، خاصة فى ظل تعرض بيانات العملاء والمعلومات المالية لمخاطر متزايدة.
فرص واعدة
وفيما يتعلق بمدى جاهزية شركات التأمين المصرية للتعامل مع المطالبات الناتجة عن هجمات سيبرانية معقدة، أوضح جودة أن هذه السوق لا تزال فى مراحل تطورها الأولى على هذا الصعيد، حيث تعانى الشركات من نقص فى الكوادر الفنية المدربة على إدارة هذا النوع من المطالبات، بالإضافة إلى غياب بروتوكولات واضحة لمعالجة الحالات المعقدة التى تتطلب تحليلاً تقنيًا وفنيًا معمقًا.
وأضاف أن غياب الأدوات والإجراءات الموحدة قد يؤدى إلى تأخير تسوية التعويضات، وهو ما قد يؤثر سلبًا على ثقة العملاء فى فعالية التغطية.
وأكد أن السوق المحلية تمتلك فرصًا واعدة للنمو فى هذا المجال، من خلال زيادة الاستثمار فى تطوير الكوادر الفنية، وتقديم منتجات تأمينية مبتكرة تتناسب مع طبيعة المخاطر المتغيرة، إلى جانب الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعى وتحليل البيانات الضخمة لتحسين تقييم الخطر وتسريع عمليات التسوية.
وتابع، أن شركات إعادة التأمين تلعب دورًا محوريًا فى دعم السوق المحلية لمواجهة المخاطر السيبرانية، وذلك من خلال تحمل جزء كبير من الأعباء المرتبطة بهذه التغطيات التى تتجاوز فى كثير من الأحيان قدرة الشركات المحلية على الاكتتاب منفردة.
إقبال محدود
وقال جودة إن معيدى التأمين يزودون السوق المحلية بخبرات فنية متقدمة فى تقييم وإدارة الأخطار، ويساهمون فى وضع نماذج تسعير معيارية يمكن أن تكون مرجعًا لشركات التأمين الوطنية.
وأشار إلى أن دور الإعادة لا يقتصر على الدعم المالى فقط، بل يمتد إلى تقديم خدمات التدخل السريع وقت وقوع الحادث لتقليل حجم الخسائر والسيطرة على تبعاته.
وأشار إلى أن معظم عمليات إعادة التأمين فى هذا الفرع تتم على أساس اختياري، نظرًا لعدم توافر الخبرات الكافية لدى بعض الشركات المحلية، موضحًا أن تسوية التعويضات تتم غالبًا من خلال شركات مستقلة متخصصة فى هذا النوع من الحوادث ورغم ذلك، لا يزال الإقبال على التأمين السيبرانى محدودًا بسبب ندرة الكوادر القادرة على تسويق هذه المنتجات بشكل فعّال وزيادة وعى العملاء بأهميتها.
وأكد جودة أن العلاقة بين السوق المصرية ومعيدى التأمين فى هذا المجال لا تزال محدودة وتحتاج إلى تطوير شامل، سواء من خلال بناء كوادر فنية جديدة أو عبر دعم تنظيم السوق.
ثغرة رئيسية
شدد جودة على أن غياب إطار قانونى واضح للتأمين السيبرانى يمثل ثغرة رئيسية تعيق تطور هذا النوع من التأمين، مؤكدًا الحاجة الملحة لتدخل تشريعى ينظم هذا الفرع ويضمن استقراره.
وأوضح أن التشريعات المطلوبة يجب أن تتضمن تعريفًا دقيقًا للهجمات السيبرانية، وشروطًا واضحة للتغطية والاستثناءات، إلى جانب تنظيم العلاقة بين شركات التأمين والمؤمن لهم، خاصة فيما يتعلق بتقديم المستندات الفنية والدعم التقنى أثناء وبعد وقوع الحوادث.
وأشار إلى أن إصدار لائحة تنظيمية من الهيئة العامة للرقابة المالية سيعزز ثقة السوق فى هذا النوع من المنتجات ويفتح الباب أمام مزيد من الاستثمارات فى تطوير التأمين السيبراني.
وأوضح أن شركات التأمين فى السوق المصرية بدأت تركّز اهتمامها على عدد من القطاعات الحيوية التى تمثل أولوية فى برامج الحماية السيبرانية، وفى مقدمتها القطاع المصرفى والمالى نظرًا لحساسية البيانات التى يتعامل معها وارتفاع احتمالات تعرضه للهجمات، بالإضافة إلى قطاع الرعاية الصحية بسبب الطبيعة السرية للمعلومات الطبية، إلى جانب شركات التكنولوجيا والمنصات الإلكترونية الكبرى، وقطاع التعليم الذى شهد تحولًا رقميًا واسعًا فى السنوات الأخيرة.
وأشار إلى أن هناك ترددًا من بعض الشركات فى تغطية القطاعات الأقل تنظيمًا أو التى لا تمتلك سياسات واضحة لأمن المعلومات، وهو ما يعكس الحاجة إلى تعزيز البنية المؤسسية فى هذه القطاعات لزيادة فرص الحصول على التغطية.
نقلة نوعية
حول تأثير التحول الرقمى على صناعة التأمين، قال جودة إن هذا التحول يمثل نقلة نوعية لا يمكن تجاهلها، فهو يسهم فى تحسين كفاءة العمليات وتقليل التكاليف وتسريع تقديم الخدمات للعملاء لكنه فى الوقت ذاته، قد يفتح الباب لمخاطر جديدة فى حال غياب إجراءات حماية سيبرانية فعالة.
وأوضح أن التحول الرقمى فى شركات التأمين يجب أن يصاحبه تطبيق استراتيجيات صارمة للأمن السيبراني، تشمل تشفير البيانات، وتدريب الكوادر البشرية بشكل دوري، وإجراء اختبارات اختراق بشكل منتظم، بالإضافة إلى تطوير خطط استجابة للطوارئ تضمن التعامل السريع والفعال مع أى تهديد.
وأكد أن رقمنة العمليات التأمينية تساهم فى رفع مستوى رضا العملاء، لا سيما مع استخدام أدوات متقدمة مثل روبوتات المحادثة التى تتيح ردودًا فورية على الاستفسارات المتعلقة بالتسعير والتعويضات، بدعم من تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وشدد جودة على أهمية التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية والأمن السيبرانى لتعزيز قدرة شركات التأمين على تقديم حلول متقدمة تقلل من حدة الهجمات، وتحسن من دقة تحليل البيانات، وتسهل عمليات تسوية التعويضات.
تطوير السوق
قال إيهاب خضر، وسيط التأمين وخبير الإدارة الاستراتيجية، إن التأمين السيبرانى لم يعد رفاهية بل ضرورة استراتيجية تتماشى مع رؤية الدولة للتحول الرقمى الآمن.
وأوضح أن السوق المصرية شهدت نموًا سنويًا بنسبة %45فى أقساط التأمين السيبراني، مدفوعة بزيادة الهجمات الإلكترونية بنسبة تجاوزت %200وتفعيل الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبرانى التى تلزم القطاعات الحيوية بتبنى سياسات حماية متكاملة.
وأشار خضر إلى أن السوق تواجه تحديات حقيقية، أبرزها نقص البيانات المحلية الخاصة بحجم الخسائر، ما يضطر الشركات للاعتماد على نماذج تسعير أجنبية غير ملائمة.
ولفت إلى تفاوت معايير الأمن السيبرانى بين الشركات، وضعف ثقافة الحماية الإلكترونية، خاصة لدى المنشآت الصغيرة، إلى جانب ضعف جاهزية شركات التأمين للتعامل مع المطالبات المعقدة، نتيجة نقص الكفاءات المحلية والاعتماد على خبراء من الخارج.
وأكد أن السوق المحلية لا تزال تعتمد بشكل كبير على شركات إعادة التأمين الأجنبية بشروط مرهقة، ما يقلل من ربحية الشركات المحلية.
وشدد على أهمية تطوير تشريعات متخصصة، تشمل تعديل قانون التأمين الموحد، وفرض تغطيات إلزامية، وإنشاء صندوق وطنى لتعويض الخسائر الكبرى الناتجة عن الكوارث السيبرانية.
واختتم بتوصيات لتطوير السوق، فى مقدمتها دمج التوعية التأمينية ضمن برامج الدولة، ودعم الابتكار من خلال حاضنات متخصصة فى التأمين السيبراني، وبناء كوادر محلية مدربة من خلال الأكاديمية الوطنية للأمن السيبراني، إلى جانب إنشاء قاعدة بيانات وطنية لحوادث الاختراق تدعم اتخاذ القرار وتُحسّن من دقة تسعى الوثائق.
