أظهرت الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران - والتي استمرت12يومًا خلال شهر يونيو الماضي - ملامح جديدة لتحولات الأسواق المالية العالمية عبر الأصول المتنوعة.
هذه التحولات، التي رصدها الخبير الاستثماري الأمريكي جاي بيلوسكي، مؤسس شركةTPWAdvisory، تتيح للمستثمرين فهما أعمق لما يجري حاليًا في الأسواق، وتقدم إشارات حول ما يمكن توقعه خلال النصف الثاني من العام الجاري.
عدم صعود الدولار.. ظاهرة غير معتادة
رغم اندلاع حرب في المنطقة بين قوتين إقليميتين، فإن الدولار الأمريكي لم يشهد أي صعود كبير، وهو ما اعتُبر ظاهرة غير معتادة.
فمؤشر الدولار (DXY) كان عند أدنى مستوياته خلال ثلاث سنوات، عندما شنت إسرائيل هجومها على منشآت نووية إيرانية يوم13يونيو، ومع ذلك، لم يستجب الدولار بشكل تقليدي كمصدر أمان، مما يعكس فقدان جزء من جاذبيته التاريخية كملاذ للمستثمرين في أوقات التوتر.
لا اندفاع على السندات الأمريكية
على نحو مماثل، لم تشهد سوق السندات الأمريكية أي اندفاع استثماري رغم تصاعد المخاطر الجيوسياسية، بل على العكس ارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل10سنوات بنحو10نقاط أساس مباشرة بعد الهجوم الإسرائيلي، قبل أن يتراجع لاحقًا لأسباب تتعلق بسياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي وليس بالأزمة نفسها، هذا السلوك يعزز وجهة نظر متزايدة في الأسواق وهي أن الولايات المتحدة لم تعد في كل الأوقات “رجل الإطفاء العالمي”، بل قد تكون في بعض الأحيان “الشرارة”.
الأسهم تتفوق خارج الولايات المتحدة
واحدة من النتائج اللافتة للنظر كانت تفوق أداء أسواق الأسهم خارج الولايات المتحدة مقارنة بالسوق الأمريكية، فقد ارتفع مؤشرMSCIACWX(الذي يقيس أداء الأسهم العالمية خارج أمريكا) بأكثر من %13منذ بداية العام، مقابل نمو ضعيف لم يتجاوز %1لمؤشرS&P500، هذه البيانات تعزز أطروحة خروج “القيادة العالمية” من السوق الأمريكية إلى أوروبا وآسيا، وربما إلى الأسواق الناشئة.
عودة التوازن الرأسمالي
يشير بيلوسكي إلى أن هذا التحول في قيادة السوق يرافقه ضعف واضح في الدولار الأمريكي، الذي تراجع بنحو %10منذ بداية العام، ويعكس هذا الاتجاه موجة من إعادة توزيع رؤوس الأموال من الولايات المتحدة إلى الأسواق الخارجية، وهي سابقة لم تحدث سوى في مرات نادرة خلال العقد الماضي.
تألق المحافظ المتنوعة
حققت المحافظ الاستثمارية المتنوعة التي تجمع بين الأسهم غير الأمريكية، والسندات الائتمانية، والسلع، أداءً أفضل من سوق الأسهم الأمريكية خلال النصف الأول من2025.. ووفقًا لتقرير صادر عن بنك الاستثمار الفرنسي “سوسيتيه جنرال”، فإن هذا الأداء لا يتكرر إلا نادرًا، وقد حدث مرتين فقط منذ عام2009.
السلع.. فئة استثمارية رابحة
ويتوقع الخبراء، ومنهم بيلوسكي، أن تكون السلع هي الفئة الاستثمارية الأوفر حظًا خلال النصف الثاني من العام، بعد سنوات من التراجع، ويرتبط أداء السلع عادة بالنشاط الاقتصادي العالمي، الذي يُظهر حاليًا إشارات إيجابية رغم ضبابية المشهد السياسي، فعلى سبيل المثال، ارتفع مؤشر المفاجآت الاقتصادية العالمية الصادر عن “سيتي جروب”، مدفوعًا بتحسن الأداء الأوروبي.
ومن أبرز التطورات التي تدعم توجه السلع، تبني إدارة الرئيس ترامب سياسة اقتصادية تقوم على دفع الاقتصاد إلى ما فوق طاقته الإنتاجية، أي السماح للنمو بتجاوز المعدلات المستهدفة مؤقتًا من أجل الحفاظ على الفجوة بين الناتج المحلي الإجمالي الاسمي وأسعار الفائدة، وتهدف هذه الاستراتيجية إلى احتواء أعباء الدين القومي، وتُعتبر داعمة للنمو العالمي، مما يعزز الطلب على السلع.
وعلى الصعيد الفني، بدا أن مؤشرS&PGSCIللسلع في طريقه لاختراق مستويات مقاومة مهمة، إذ تجاوز مستوى580نقطة خلال الأسبوع الذي تصاعد فيه الصراع في الشرق الأوسط، هذا الاختراق الفني يعطي دفعة ثقة للمستثمرين الذين يفضلون الدخول حين تتوافق المؤشرات الأساسية مع الفنية.
لكن هذه الصورة ليست خالية من المخاطر، فالتقلبات المتوقعة في سياسات الإدارة الأمريكية - خاصة في ظل احتمالات فرض رسوم جمركية جديدة أو قرارات غير متوقعة - قد تؤثر سلبًا على النمو العالمي، ومع ذلك، فإن مواقف الرئيس دونالد ترامب منذ منتصف أبريل الماضي توحي بأنه يتجنب اتخاذ قرارات قد تزعزع استقرار الأسواق.
ورغم الدور المحوري للسلع في الأسواق، فقد تراجعت هذه الفئة من الأصول مقارنة بالأسهم خلال العقد الماضي، فمؤشرS&PGSCIللسلع سجل عائدًا سنويًا أقل من %3في حين حقق مؤشرS&P500أكثر من %11سنويًا، هذا التفاوت التاريخي قد يشير إلى إمكانية “تصحيح” قادم لصالح السلع، خاصة في ظل المؤشرات التقنية الأخيرة.
إعداد: عبد الحميد الطحاوي
