ارتفعت أسعار النفط في الأسواق العالمية اليوم الأربعاء، على خلفية التوترات الجيوسياسية الناتجة عن إعلان إيران تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، إلى جانب ترقب الأسواق لزيادة مرتقبة في الإمدادات من كبار المنتجين، وتراجع نسبي في سعر الدولار الأمريكي، وفق تقرير وكالة رويترز.
وبحلول الساعة 11:25 بتوقيت غرينتش، صعد خام برنت بمقدار 92 سنتًا، أي بنسبة 1.4%، ليصل إلى 68.03 دولار للبرميل، بينما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي (WTI) بقيمة 89 سنتًا أو 1.4% ليبلغ 66.34 دولار للبرميل. ويتحرك خام برنت منذ 25 يونيو ضمن نطاق تداول يتراوح بين 66.34 دولار و69.05 دولار للبرميل، وسط انحسار المخاوف من اضطرابات الإمدادات في منطقة الشرق الأوسط بعد الهدنة المؤقتة بين إيران وإسرائيل.
إيران تتخذ موقفًا تصعيديًا تجاه الوكالة الذرية
في تطور مثير للقلق، فعّلت إيران اليوم الأربعاء قانونًا جديدًا يشترط حصول أي عمليات تفتيش مستقبلية لمنشآتها النووية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية على موافقة مسبقة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. وقد اعتبرت طهران أن الوكالة باتت منحازة للغرب وتستخدم تقاريرها كذريعة لتبرير الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على أراضيها.
وتعليقًا على هذا التطور، قال جيوفاني ستاونوفو، محلل شؤون السلع في بنك UBS السويسري: "الأسواق تسعّر حالياً ما يمكن اعتباره علاوة مخاطرة جيوسياسية نتيجة الخطوة الإيرانية بشأن الوكالة الدولية. لكن حتى الآن، لا توجد مؤشرات فعلية على تعطل الإمدادات النفطية".
وفي سياق متصل، تستعد منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاؤها في تحالف أوبك+، وعلى رأسهم روسيا، لضخ كميات إضافية من النفط إلى الأسواق اعتبارًا من الشهر المقبل، في إطار خطط متفق عليها مسبقًا. لكن المحللين يرون أن هذه الزيادة قد تم استيعابها بالفعل ضمن تسعير الأسواق، وبالتالي فإنها لن تشكّل مفاجأة أو صدمة في الوقت الراهن.
وقالت بريانكا ساشديفا، كبيرة المحللين في الأسواق لدى شركة فيليب نوفا: "الأسواق المالية قامت بتسعير الزيادة المتوقعة في الإمدادات مسبقًا، ولن يكون لها تأثير حاد على تحركات الأسعار في المدى القريب ما لم يطرأ تغير جوهري جديد".
أنظار المستثمرين تتجه إلى بيانات التوظيف الأمريكية
من جهة أخرى، تترقب الأسواق بيانات الوظائف غير الزراعية في الولايات المتحدة، المقرر صدورها يوم الخميس، والتي من شأنها أن تشكل ملامح السياسة النقدية القادمة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي)، خصوصًا فيما يتعلق بتوقيت وشدة تخفيض أسعار الفائدة خلال النصف الثاني من 2025.
وقال توني سيكامور، المحلل في شركة IG المتخصصة في تداول الأسواق المالية: "إذا أظهرت البيانات تباطؤًا في نمو الوظائف، فقد يعزز ذلك التوقعات بخفض وشيك في أسعار الفائدة، وهو ما قد يدفع النشاط الاقتصادي إلى التحسن ويزيد من الطلب على النفط".
المخزونات الأمريكية تواصل الارتفاع خلافًا للمعتاد في الصيف
من جهة أخرى، أظهرت بيانات أولية صدرت مساء الثلاثاء عن معهد البترول الأمريكي (API)، أن مخزونات النفط الخام الأمريكية ارتفعت بمقدار 680 ألف برميل خلال الأسبوع الماضي، في وقت تُسجل فيه عادة سحوبات موسمية في المخزون بسبب زيادة الطلب في فصل الصيف.
ومن المنتظر أن تُصدر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) بياناتها الرسمية اليوم الأربعاء عند الساعة 10:30 صباحًا بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة، حيث ستعطي رؤية أوضح لحالة الإمدادات وتوازن العرض والطلب في السوق الأمريكي.
تراجع الدولار يدعم الأسعار
في جانب آخر يدعم الأسعار، شهد الدولار الأمريكي تراجعًا أمام سلة العملات العالمية، وهو ما جعل النفط، المُسعّر بالدولار، أكثر جاذبية للمشترين الدوليين. ويُعرف أن العلاقة بين الدولار وأسعار السلع الأولية، وعلى رأسها النفط، علاقة عكسية، حيث يُؤدي تراجع الدولار عادة إلى ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية.
يبدو المشهد العام لأسواق النفط خلال الفترة الراهنة معقدًا ومركبًا. فبينما يحافظ السوق على هدوء نسبي من حيث الإمدادات الفعلية، تظل التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط حاضرة بقوة كعامل نفسي مؤثر على قرارات المستثمرين.
إلى ذلك، تزداد الترقبات بشأن التحركات المقبلة لتحالف أوبك+، ومدى التزام أعضائه بخطط الإنتاج وسط تصاعد الضغوط من بعض الدول المستهلكة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لضخ كميات أكبر لدعم الاستقرار السعري.
وفي الخلفية، يقف المشهد النقدي العالمي بصفته أحد اللاعبين الخفيين المؤثرين في الطلب على الطاقة، إذ إن أي تخفيف في السياسة النقدية الأمريكية قد ينعكس إيجابًا على الأسواق العالمية، ويزيد من شهية الاستثمار والطلب الصناعي والنقل.
في النهاية، تبقى مرونة السوق، واستعداد الدول المنتجة للتفاعل مع المستجدات، وقدرة البنوك المركزية على دعم الاقتصاد العالمي، هي العوامل الحاسمة في تحديد المسار القادم لسوق النفط العالمي.
