تباينت آراء عدد من خبراء قطاع تكنولوجيا المعلومات بشأن أهمية إنشاء جهة مستقلة تتمتع بصلاحيات ومسئوليات كاملة لإدارة ملف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى فى مصر وتطبيقهاتها بمختلف القطاعات الاقتصادية كإحدى المحاور الأساسية للتنمية المستدامة وتحقيق رؤية مصر 2030 .
فقد أكد الفريق الأول على أن الأولوية يجب أن تكون لإنشاء وزارة للاقتصاد الرقمى منوطة بالإدارة والإشراف على تطوير البنية التحتية الرقمية ، فضلًا عن وضع الإطار المؤسسى المناسب لتكامل تقنيات الذكاء الاصطناعى فى مختلف القطاعات.
فى المقابل، يرى آخرون أن ملف التحول الرقمي، بما يشمله من توظيف للذكاء الاصطناعى فى الهيئات والمؤسسات الحكومية، يمكن أن يظل تابعًا بشكل مباشر لوزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
واتفق الجميع على أهمية الإسراع فى تبنى تقنيات الذكاء الاصطناعى ونشرها على نطاق واسع، مع ضرورة أن يتم ذلك وفق رؤية وطنية واضحة، تضمن الاستخدام المسؤول والفعال لهذه التكنولوجيا فى خدمة المواطن وتحقيق التنمية الشاملة.
وكان المهندس وائل الفخراني، الرئيس التنفيذى لشركة «إيدنريد» لمنطقة الشرق الأوسط اقترح فى حواره مؤخرا مع برنامج «CEOLEVELPODCAST» الذى يقدمه حازم شريف رئيس تحرير جريدة المال ويذاع مساء كل أحد على منصات التواصل الاجتماعى بأهمية تعيين وزير للذكاء الاصطناعى فى مصر لاسيما وأنها تمتلك فرصة ذهبية – على حد تعبيره لقيادة مستقبل تطبيقات هذه التقنية فى أوروبا .
يشار إلى أن مجلس الوزارء وافق فى نوفمبر2019على مشروع قرار بإنشاء المجلس الوطنى للذكاء الاصطناعى برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى، ووزير الاتصالات وعضوية عددًا من الوزارء ورؤساء الهيئات.
وتمتلك مصر استراتيجية وطنية لـAIحتى عام2030تم إطلاق الإصدار الأول منها فى مايو2021، والثانى خلال يناير2025.
وزارة الاقتصاد الرقمي
قال الدكتور خالد العطار، خبير التحول الرقمي، إن مصر فى حاجة مُلحَّة إلى إنشاء وزارة للاقتصاد الرقمي، تكون بمثابة المظلة والإطار المؤسسى لكافة عمليات الميكنة التى تشهدها البلاد، وتشمل فى نطاقها الذكاء الاصطناعى كأحد أبرز أدوات هذا التحول الحيوي.
وأوضح العطار أن إنشاء مثل هذه الوزارة لم يُعد ترفًا إداريًا، بل ضرورة حتمية لمواكبة التحولات العالمية فى الاقتصاد والخدمات لاسيما وأنها ستُسهم فى تسريع وتيرة الرقمنة، وتحديث نماذج الأعمال، وتطوير المهارات والوظائف الرقمية، ما يفتح آفاقًا واسعة لتوظيف التكنولوجيا فى خدمة المواطن، ويعزز من قدرة مصر على المنافسة إقليميًا وعالميًا فى الاقتصاد الرقمي.
وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعى يُعد أداة مزدوجة التأثير؛ فهو قادر على إحداث نقلة نوعية فى تحسين الخدمات وكفاءة اتخاذ القرار، لكنه قد يمثل خطرًا إذا لم تتم إدارته ضمن أطر مؤسسية وتشريعية واضحة، لذا فإن دمج الذكاء الاصطناعى تحت مظلة وزارة الاقتصاد الرقمى يضمن أن يتم استخدام هذه التقنية ضمن منظومة حوكمة متكاملة، تضع قواعد واضحة لاستخدامه، وتشرف على تطبيقه وفقًا لمبادئ أخلاقية وتشريعات تنظم الحدود والصلاحيات.
وأكد أن تفعيل الذكاء الاصطناعى على نطاق واسع يتطلب بنية تحتية مؤسساتية وتشريعية، تتضمن إعداد كود أخلاقى حاكم لهذه التقنية، وإنشاء كيانات مختصة تُشرف على تنفيذ السياسات المرتبطة بها، وتضمن أن تظل فى خدمة الإنسان والمجتمع، لا العكس.
وشدد على أن الهدف الرئيسى من إنشاء وزارة للاقتصاد الرقمى لا يجب أن يكون تقنيًا فقط، بل إنسانيًا فى المقام الأول، حيث ينبغى أن تسعى الوزارة إلى رفع جودة حياة المواطن المصري، وزيادة مستوى رضائه عن الخدمات الحكومية، وتسهيل تعاملاته اليومية مع مختلف الجهات عبر قنوات رقمية متطورة وسريعة وفعالة.
كما دعا العطار إلى تبنى نماذج أعمال مبتكرة تتيح تقديم الخدمات بشكل أفضل وأسرع وأكثر استدامة، مؤكدًا أن ذلك سيساهم أيضًا فى تسريع عملية اتخاذ القرار الحكومى وتعزيز الشفافية والكفاءة.
خطوة متقدمة للغاية
من جانبه يرى أحمد عبد اللطيف، عضو فى جمعية إنترنت مصر، أن إنشاء وزارة مستقلة للذكاء الاصطناعى يُعد خطوة متقدمة للغاية لا تتناسب حاليًا مع طبيعة المرحلة التى تمر بها مصر، مؤكدًا أن الأولوية يجب أن تُمنح لتأسيس وزارة للاقتصاد الرقمي، باعتبارها الخطوة التمهيدية والمنطقية لأى تحول رقمى شامل.
وأوضح أن دولاً مثل الأردن وتونس سبقت مصر فى هذا المجال، من خلال إنشاء وزارات معنية بـ”الاقتصاد الرقمي” أو “البنية التحتية الرقمية”، وهو ما ساهم بشكل مباشر فى تسريع وتيرة التحول الرقمى لديها، عبر توفير كيان مؤسسى مركزى يملك صلاحيات التنفيذ والتنسيق بين مختلف القطاعات.
وأضاف أن اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعى لا يمكن أن يتحقق فعليًا إلا فى ظل وجود بنية تحتية رقمية متكاملة، فى حين أن الواقع الإدارى والاقتصادى فى مصر لا يزال تقليديًا إلى حد كبير، مشيرًا إلى أن الهيكل الحكومى الحالى أقرب فى تركيبه إلى نماذج السبعينيات والثمانينيات، حيث تقتصر الوزارات على قطاعات مثل التجارة والزراعة والصناعة، من دون تمثيل حقيقى للاقتصاد الرقمى فى بنية الدولة.
وأشار إلى أن المسار الطبيعى والمنطقى هو البدء بإنشاء وزارة للاقتصاد الرقمي، على أن يكون من نتاج تطورها لاحقًا تأسيس وزارة متخصصة بالذكاء الاصطناعي، شريطة أن تكون هذه الوزارة مُمكّنة فعليًا، ولديها صلاحيات كاملة تضمن تنفيذ قراراتها، أما إنشاء وزارة شكلية دون أدوات تمكين حقيقية، فسيؤدى - بحسب تعبيره - إلى زيادة الأعباء على الهيكل الإدارى دون أى مردود فعلى ملموس.
ولفت إلى أنه فى الوقت الحالى هناك مجلس أعلى للذكاء الاصطناعى يتبع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إلا أنه، رغم إصداره لبعض الوثائق والتوصيات، يفتقر إلى الصلاحيات التنفيذية الملزمة، مما يجعل معظم مخرجاته غير قابلة للتطبيق العملى وتظل حبيسة الأدراج دون أثر فعلى على مستوى السياسات العامة.
واختتم عبد اللطيف حديثه بالتأكيد على أن وزارة الاقتصاد الرقمى فى حال إنشائها، يجب أن تكون قادرة على دمج الأدوات والتقنيات التكنولوجية الحديثة فى مختلف القطاعات، بما يُسهم فى تسهيل حياة المواطنين ورفع مستوى رضاهم عن الخدمات الحكومية ضاربًا مثالاً على ذلك بإمكانية تطبيق نظام القياسات البيومتريةBiometricsفى المطارات، ضمن منظومة مؤمنة لتخزين البيانات، كما هو معمول به فى عدد من الدول المتقدمة مثل الإمارات وقطر ودول أوروبية أخرى، مما يسهم فى رفع كفاءة الإجراءات وتحسين جودة الخدمات.
مجلس تابع للرئيس
قال الدكتور حمدى الليثي، الرئيس التنفيذى لشركة “ليناتل” لحلول الشبكات، إن وزارة الاتصالات تمتلك من الخبرات والإمكانات ما يؤهلها للإشراف على تضمين ونشر تقنيات الذكاء الاصطناعى داخل المؤسسات الحكومية والخاصة على حد سواء، وذلك عبر تأسيس مجلس أعلى للذكاء الاصطناعى يتبع جهة سيادية مثل رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية مباشرة لضمان فاعليته واستقلال قراره.
وأشار إلى أن إنشاء هذا المجلس فى التوقيت الحالى يمثل خطوة استراتيجية ذكية، شريطة أن تكون مرجعيته لمجلس الوزراء أو لرئاسة الجمهورية مباشرة، مما يضفى عليه الطابع الوطنى العام ويضمن التنسيق بين جميع الجهات.
وشدد على ضرورة أن يضم المجلس فى تشكيله ممثلين من كافة القطاعات الحيوية فى الدولة، وخبراء متخصصين حقيقيين يتم اختيارهم على أساس الكفاءة والخبرة العملية، لا على أساس الوظيفة أو المنصب الإداري، مؤكدًا أن هذا هو السبيل الحقيقى لضمان نجاح المجلس فى أداء مهامه.
وأضاف أن المجلس الأعلى للذكاء الاصطناعى يجب أن يُمنح صلاحيات واسعة تتيح له العمل بحرية واستقلالية، بما يشمل القدرة على الوصول إلى البيانات والمعلومات اللازمة من جميع المؤسسات، دون عوائق بيروقراطية، حتى يتمكن من تقييم الأداء، ووضع سياسات وطنية متكاملة لتوظيف الذكاء الاصطناعى فى خدمة خطط التنمية.
وأكد أن تطوير وتوظيف الذكاء الاصطناعى لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة حتمية فى ظل تسارع التحول العالمى نحو الاقتصاد الرقمي، موضحًا أنه بات يمس جميع جوانب الحياة، من الاقتصاد والتجارة، إلى التعليم، والرعاية الصحية، والنقل، والإدارة الحكومية، بل وتُحدث تغييرات جذرية فى نمط الحياة البشرى بشكل لم يسبق له مثيل فى التاريخ.
وأشار إلى أن الدول المتقدمة تسارع اليوم إلى تسخير الذكاء الاصطناعى لخدمة مواطنيها، وتطوير نماذج أعمالها بما يتماشى مع متطلبات المستقبل، فى حين أن مصر لا تزال أمامها فرصة كبيرة لتستعيد مكانتها الإقليمية والدولية من خلال الاستثمار الذكى فى هذا المجال الواعد.
ولفت إلى أن العديد من المؤشرات الدولية الخاصة بمصر، سواء فى القطاع الصناعى أو التجارى أو فى مجالات التعليم والصحة، شهدت تراجعًا ملحوظًا خلال العقد الأخير وفق تقارير الأمم المتحدة، وهو ما يستدعى تحركًا جادًا.
ورأى أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يكون بوابة مصر للعودة إلى المنافسة العالمية، إذا ما أحسنت توظيفه وواكبت الثورة التكنولوجية الحالية التى تؤسس لبداية عصر جديد فى تاريخ البشرية.
واقترح عددًا من الأسماء الجديرة بعضوية المجلس الأعلى للذكاء الاصطناعي، لما تتمتع به من خبرات علمية وعملية واسعة فى مجالات التحول الرقمى والتكنولوجيا، منهم الدكتور أحمد درويش، والمهندس عصام لالا، والدكتور محمد خليف، والدكتورة ماريان عازر، والدكتور هانى محمود.
وأكد أن هؤلاء يمثلون نماذج مشرفة للكفاءات الوطنية القادرة على الإسهام بفاعلية فى تأسيس منظومة إدارية وتشريعية متكاملة للذكاء الاصطناعى فى مصر.
كما شدد الليثى على أن هناك عشرات الخبراء المصريين المؤهلين الذين يمكن أن يشكلوا إضافة نوعية حقيقية للمجلس، بما يدعم وضع استراتيجية وطنية طموحة تعتمد على الخبرة لا المناصب الشكلية، وتستند إلى رؤية علمية ومنهجية للتقدم التكنولوجي.
إيجابيات وتحديات محتملة
تحدث الدكتور وائل الشهاوي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذى لمجموعة “الشهاوى للاستثمار”، عن أن فكرة إنشاء وزارة مستقلة للذكاء الاصطناعى تحمل فى طياتها وجهين متناقضين، إذ يمكن أن تحمل إيجابيات استراتيجية واضحة، إلا أنها ستواجه بعض التحديات الاقتصادية والإدارية المحتملة.
وأوضح أن الجانب الإيجابى يتمثل فى أن وجود وزارة مخصصة لهذا المجال من شأنه أن يعزز توجه الدولة نحو اعتماد الذكاء الاصطناعى بشكل مؤسسى ومنهجى فى مختلف القطاعات، بما يشمل الصحة، والتعليم، والزراعة، والنقل، وغيرها.
ورأى أن تشكيل وزارة مستقلة لـلذكاء الاصطناعى سيكون بمثابة رسالة قوية بأن مصر تأخذ تطبيق هذه التكنولوجيا على محمل الجد، مما قد يُسرع من وتيرة دمج الذكاء الاصطناعى داخل الهياكل الحكومية ويشجع المؤسسات على مواكبة هذا التوجه.
فى المقابل، أشار إلى أن الواقع الإدارى الحالى فى مصر يشهد تعددًا كبيرًا فى أعداد الوزارات القائمة إذ يتجاوز30وهو ما يجعل إضافة أخرى جديدة بموازنتها وهيكلها الإدارى الكامل من موظفين، وأجور، وتجهيزات، يمثل عبئًا ماليًا إضافيًا على الدولة، لا سيما فى ظل التحديات الاقتصادية التى تمر بها البلاد.
واقترح “الشهاوي” حلاً وسطًا أكثر مرونة وفعالية فى الوقت الراهن، يتمثل فى أن يتولى وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات قيادة ملف الذكاء الاصطناعى على المستوى الوطني، مؤكدًا أن هذا الخيار قابل للتطبيق شريطة توافر إرادة سياسية واضحة تدعم هذا التوجه وتمنحه الأولوية، دون الحاجة إلى استحداث وزارة جديدة فى الظروف الحالية.
وفى سياق متصل أوضح أن مجموعة الشهاوى بدأت بالفعل فى اتخاذ خطوات استراتيجية جادة نحو تبنى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى ضمن خططها المستقبلية، مشيرا إلى استضافة شركته لـ تيرى موباك “ThierryMoubax” ، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذى لشركةAICOMPASS، إحدى الشركات العالمية المتخصصة فى مجال الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن يلقى محاضرة متخصصة تتناول أحدث الاتجاهات والتطبيقات العملية لتقنيات الذكاء الاصطناعى قريبًا.
وتابع قائلًا: مهما بلغت درجة تقدم القطاع الخاص فى مجالات الذكاء الاصطناعى وتبنى تقنياته، فإن العامل الحاسم فى تسريع هذا التحول يظل مرهونًا بقدرة الدولة والجهات الحكومية على قيادة المسار الرقمى بشكل منظم وشامل.
وأكد الشهاوى أن الدور الحكومى يظل هو الركيزة الأساسية فى وضع الأطر التنظيمية، وتوفير البنية التحتية، وتفعيل السياسات التى تُمكّن من دمج الذكاء الاصطناعى بشكل فعّال ومستدام.
◗❙ العطار: لم تعد ترفًا إداريًا بل ضرورة حتمية لمواكبة التحولات العالمية
◗❙ عبد اللطيف: الأردن وتونس من التجارب التى تستحق الدراسة
◗❙ الليثي: يجب أن تكون الجهة المسئولة عن إدارة هذا الملف تابعة للرئاسة
◗❙ الشهاوي: المجلس الأعلى هو الحل ولكن غياب الصلاحيات يضعف أثره
