ارتبطت السياسة الخارجية الأمريكية بعدة استراتيجيات للتعامل مع النزاعات والصراعات فى العالم، ليس فقط من منظور أمنى أو إنسانى، بل أيضًا من منظور المصالح الذاتية واستدامة الهيمنة الأمريكية، ففى الوقت الذى تعانى فيه بلدان عديدة من تداعيات الحروب، اقتصاديًا وإنسانيًا وسياسيًا، غالبًا ما تبرز الولايات المتحدة كأحد المستفيدين الكبار من اندلاع الحروب والصراعات، بطرق مباشرة أو غير مباشرة.
وباتت الولايات المتحدة توظف الحروب كأداة لتحقيق مكاسب استراتيجية، مثل تعزيز النفوذ العسكرى، وتسويق الصناعات العسكرية، وفرض النفوذ السياسى على المناطق المضطربة، بالإضافة إلى التأثير فى أسواق الطاقة والاقتصاد العالمى، وفى كثير من الحالات لا تبدأ واشنطن الحرب بنفسها، لكنها تدخل كطرف «مُنقذ» أو «وسيط»، لتعيد رسم خريطة موازين القوى بما يخدم مصالحها الكبرى.
وفى هذا السياق، يبرز تساؤل جوهرى حول كيفية جنى الولايات المتحدة لثمار الحروب فى العالم.
بعد الفزع.. شركات الأسلحة تفوز بعقود بالمليارات
تنفق الولايات المتحدة مئات المليارات من الدولارات محليا ودوليا لتعزيز مصالحها، لكن من بين أكبر المستفيدين شركات عالمية كبرى، ففى عام2022، وقّع الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن قانونا تم من خلاله تخصيص816.7مليار دولار لوزارة الدفاع الأمريكية، بحسب تقرير نشره “مركز رينولدز لصحافة الأعمال”TheReynoldsCenterforBusinessJournalism.
ووفقًا لتقرير من وزارة الدفاع الأمريكية، فقد تم إنفاق جزء كبير من المخصصات، حوالى389.5مليار دولار، على عقود عسكرية مع شركات دفاعية لتأمين الأسلحة والخدمات، إذ تُضاف هذه الأسلحة إلى مخزونات الولايات المتحدة، ويشحن جزءًا منها للخارج إلى الحلفاء.
ووفقًا لوزارة الدفاع الأمريكية، تشمل قائمة أكبر شركات الدفاع الأمريكية التى تم التعاقد معها عام2022(لوكهيد مارتن، ورايثيون تكنولوجيز، وجنرال ديناميكس)، وتبلغ القيمة السوقية لهذه الشركات مجتمعةً297.68مليار دولار.
فى عام2022، بلغت قيمة مشتريات وزارة الدفاع الأمريكية من شركة لوكهيد مارتن44.5مليار دولار، ومن رايثيون25.4مليار دولار، ومن جنرال ديناميكس21.5مليار دولار.
وفى العام ذاته، بلغ إجمالى إيرادات رايثيون67.1مليار دولار، إذ أسهمت الولايات المتحدة بما يقرب من %40من هذا الرقم، وبلغت قيمة مشترياتها من الشركة25.4مليار دولار.
وتُحافظ “لوكهيد” على علاقة قوية مع الولايات المتحدة بما يضمن استمرارية أعمالها، ففى عام2022، استحوذت الحكومة الأمريكية على %73من إجمالى مبيعات الشركة.
وبحسب لوكهيد، فإن الشركة تعتمد بشكل كبير على العقود المبرمة مع الحكومة الأمريكية فى نسبة كبيرة من أعمالها، ووفقًا لتقرير صادر عن الشركة ، فقد يكون لأى تغيير فى أولويات الحكومة الأمريكية، أو تأخير أو تخفيض فى الإنفاق، تأثير سلبى ملموس على أعمالها.
وتُعدّ الولايات المتحدة أكبر مُصدّر عالمى للأسلحة، ومن بين أكبر المشترين السعودية واليابان وأستراليا، وفقًا لمعهد “ستوكهولم” الدولى لأبحاث السلام.
وعندما تندلع الحروب، يتوقع المصنعون العسكريون زيادة فى المبيعات، فمنذ الغزو الروسى لأوكرانيا عام2022، قدّمت الولايات المتحدة لأوكرانيا مساعدات عسكرية بقيمة44.2مليار دولار، ويستفيد المصنعون العسكريون من هذا الوضع، إذ تشترى الولايات المتحدة معدات عسكرية من هذه المؤسسات وترسلها إلى أوكرانيا.
على سبيل المثال، فى سبتمبر2022، سارعت وزارة الدفاع الأمريكية إلى استبدال عقود بقيمة1.2مليار دولار من مخزونات الجيش الأمريكى لصالح الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا.
وذكر تقرير مركز “رينولدز” أن العملية العسكرية الحالية فى غزة تُعدّ مصدر رزقٍ ثمينا للمصنعين العسكريين، إذ تزداد عائداتهم مع لجوء الحكومة الأمريكية إليهم لتجديد مخزوناتها.
وبحسب المركز فقد سارعت الولايات المتحدة إلى توفير تمويل عسكرى إضافى لإسرائيل فى خضم عمليتها العسكرية فى غزة، وأفادت وكالة “بلومبرج” بأن البنتاجون يُلبّى – سرًا - طلب إسرائيل للحصول على صواريخ مُوجّهة إضافية لطائرات الأباتشى، ومدافع عيار155ملم، ومعدات الرؤية الليلية، وقنابل خارقة للتحصينات، ومركبات مُدرّعة.
وخلال رئاسة بايدن، اقترحت الإدارة الأمريكية إرسال14.3مليار دولار إضافية إلى إسرائيل لدعم عمليتها العسكرية، وكانت الحزمة المُقترحة تشمل10.6مليار دولار لدعم أمورٍ مثل الدفاع الجوى والصاروخى، واستثماراتٍ فى القواعد الصناعية لدعم القبة الحديدية، كما تم تخصيص3.7مليار دولار لتعزيز جيش الاحتلال وأمن السفارة الأمريكية.
وفى طلب الميزانية التكميلية، اقترحت إدارة بايدن تعديل المادة12001من قانون مخصصات وزارة الدفاع، بما يرفع القيود المفروضة على مخزونات الأسلحة للسماح لإسرائيل بالحصول على الأسلحة والذخائر، وإضافةً إلى ذلك كما أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن إدارة بايدن سعت إلى تزويد إسرائيل بمعدات عسكرية بقيمة320مليون دولار.
وحصلت صحيفة “نيويورك تايمز” على رسالة من وزارة الخارجية تُخطر الكونجرس بنقل معدات دفاعية وبيانات فنية وخدمات دفاعية إلى إسرائيل.
الشرق الأوسط تقود «الاسهم العسكرية» إلى مستويات قياسية
وبحسب التقرير فقد وصف عدد كبير من المتابعين العامين الماضيين فى الشرق الأوسط بأنهما “كارثةً شاملة”، وفى خضم هذه التوترات، حقق المستثمرون فى أسهم شركات الأسلحة مكاسب قياسية، متجاوزين بشكل كبير مؤشرات الأسهم الرئيسية، فى انتعاشٍ للأسهم، أرجعه المحللون إلى العنف وعدم الاستقرار فى الشرق الأوسط، بحسب تقرير نشرته مجلةResponsibleStatecraftالتابعة لمعهدQuincyInstituteforResponsibleStatecraft.
ومع امتداد الحرب إلى لبنان، وإيران، سعت إسرائيل لتحقيق أهدافها الحربية الغامضة فى لبنان وقطاع غزة، فى الوقت الذى تواصل فيه الولايات المتحدة تزويد إسرائيل بأسلحة بمليارات الدولارات لتنفيذ حربها المتسارعة.
وشكّل هذا الدعم المالى لإسرائيل، إلى جانب تزايد الطلب الإسرائيلى والعالمى على الأسلحة فى فترة تتسم بعدم الاستقرار، وقودًا قويًا لأسعار الأسهم.
وبحسب التقرير، حققت شركة “لوكهيد مارتن” - أكبر شركة أسلحة فى العالم، والمصنّعة لطائرات إف-35التى تستخدمها إسرائيل فى قصفها المنتظم لغزة - عائدًا إجماليًا بلغ %54.86فى العام الذى تلا هجمات7أكتوبر، متفوقةً على مؤشر “ستاندرد آند بورز500“ بنحو %18.
وبمعنى آخر، كان استثمار بقيمة10.000دولار أمريكى فى شركة تصنيع طائرات إف-35قبل هجمات7أكتوبر مباشرةً سيحقق بعد عام واحد، عائدًا قدره5486دولارًا، أما استثمار مماثل فى صندوق مؤشر “ستاندرد آند بورز500” فكان سيحقق عائدًا قدره3689دولارًا فقط، وفقا للتقرير.
وأوضح التقرير أن شركة “رايثيون”، ثانى أكبر شركة أسلحة، تُزوّد إسرائيل بقنابل “خارقة للتحصينات”، وهى أسلحة يُحظر استخدامها فى المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وقد استخدمت إسرائيل هذه الأسلحة مرارًا وتكرارًا فى مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة فى كل من غزة ولبنان، ما أسفر عن خسائر بشرية كبيرة.
وأدى ارتفاع الطلب على هذه الأسلحة وغيرها إلى ارتفاع سعر سهم شركة “رايثيون”، محققا عوائد هائلة للمستثمرين، وفى عام2023بلغ إجمالى عائد رايثيون للمستثمرين %82.69، متفوقًا على مؤشر ستاندرد آند بورز500بنحو %46، وكان استثمار10.000دولار فى رايثيون قبل هجمات7أكتوبر سيحقق عائدًا قدره8269دولارًا.
أما شركة “جنرال ديناميكس”، وهى شركة أخرى مُصنّعة للقنابل الخارقة للتحصينات، والتى أنتجت قنابلBLU-109التى استخدمتها إسرائيل فى اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله، فقد حققت مكاسب أقل، لكنها حققت عائدًا إجماليًا بنسبة %37للمستثمرين، متجاوزةً مؤشر ستاندرد آند بورز500بأكثر من %3.
ورغم أن الربح من الحروب قد يكون غير مرحب به بالنسبة للبعض، إلا أن محللى الدفاع فى بنوك استثمارية كبرى استجوبوا مسئولين تنفيذيين فى شركات الأسلحة حول كيفية استفادة الشركات ومستثمريها من الحرب فى غزة.
وقال “كاى فون رومور” من شركة “تى دى كوين”: لقد خلقت “حماس” طلبًا إضافيًا.
وبعد مرور عامين، ثبتت صحة توقعات هؤلاء المحللين، مع استمرار الحرب الإسرائيلية، إذ لا يستطيع البيت الأبيض وقف إطلاق النار فى غزة، بينما يُزود إسرائيل - فى تناقض ظاهرى - بالأسلحة اللازمة لمواصلة القتال.
باكستان: شهادة تاريخية على مخطط واشنطن المعتاد
أصبحت صناعة الأسلحة – التى تنتعش بتصاعد التوترات والصراعات الجيوسياسية - قوةً اقتصاديةً رئيسية، وفى هذا السياق تستحوذ الشركات الأمريكية على نصيب الأسد من عائدات الصناعة.
وفى تقريره لعام2024، كشف معهد “ستوكهولم” الدولى لأبحاث السلام (SIPRI) أن عائدات صناعة الأسلحة العالمية بلغت632مليار دولار فى عام2023، بزيادة قدرها %4.2عن العام السابق، وتستأثر الشركات الأمريكية بما قيمته317مليار دولار من هذه العائدات.
وأثار وزير الدفاع الباكستانى، خواجة آصف، عاصفة من الجدل الواسع بعد أن اتهم الولايات المتحدة بتأجيج الصراعات العالمية عمداً لصالح صناعة الأسلحة، وفقا لصحيفةTheFinancialExpressالهندية.
وذكرت الصحيفة أن تصريحات المسئول الباكستانى البارز انتشرت فى مقطع فيديو، على نطاق واسع على منصة التواصل الاجتماعىX( تويتر سابقا)، ما أثار جدلًا وانتقادات حادة حول العالم.
وقال آصف فى الفيديو: إن الولايات المتحدة كانت فى قلب العديد من الصراعات الدولية خلال القرن الماضى، وفى المائة عام الماضية أشعل الأمريكيون الحروب، لقد خاضوا260حربا، بينما لم تشارك الصين إلا فى ثلاثة حروب فقط.
وأضاف، ومع ذلك تواصل الولايات المتحدة جنى الأرباح، فصناعتها العسكرية قطاع ضخم وقوى، وتُشكل جزءا كبيرا من ناتجها المحلى الإجمالى، ولهذا السبب تواصل افتعال الصراعات.
وفى إشارة إلى دول مثل سوريا وأفغانستان وليبيا، فقد صرّح آصف بأن هذه الدول كانت مزدهرة فى الماضى، لكنها الآن مُدمّرة بسبب الحروب الطويلة.
وقال: كانت هذه الدول غنية فى الماضى، وهى الآن مُفلسة، مُشيرًا إلى أن التدخل الأمريكى ساهم فى انهيارها.
وأضاف أن الولايات المتحدة تلعب على طرفى نقيض فى الحروب للحفاظ على ربحية قطاعها الصناعى العسكرى.. واصفا قطاع الدفاع الأمريكى بأنه آلة اقتصادية تزدهر فى ظل الفوضى والاضطراب.
ورغم أن تصريحات وزير الدفاع الباكستانى قوبلت بانتقادات بسبب العلاقات العسكرية بين بلاده والولايات المتحدة، إلا أنها أثارت ردود فعل قوية على الإنترنت، إذ أشار الكثيرون إلى المساعدات العسكرية التى تتلقاها باكستان من واشنطن، وأيضا شراء معدات دفاعية أمريكية.
وقال أحد المستخدمين: “عندما احتاجت باكستان المساعدة، سارعت إلى مساندة أمريكا، والآن بعد وقف إطلاق النار عادت إلى إلقاء اللوم على أمريكا، وكتب آخر: “هذا ما يقوله وزير دفاع دولة تعتمد عقيدتها العسكرية بالكامل على دولة أجنبية”.
ومع ذلك، أيّد بعض المستخدمين تصريح آصف جزئيًا، وأشار مستخدم ثالث إلى أن هذا صحيح إلى حد ما، فجميع الدول الكبرى تُورّد الأسلحة، وإنهم دائمًا ما يسعون إلى إثارة التوتر فى العالم لبيع أسلحتهم.
جلوبال تايمز: الصراعات من أكثر الأمور التى تألفها الولايات المتحدة
ربما يكون أكثر أمر تألفه الولايات المتحدة هو الحرب، بحسب صحيفة “جلوبال تايمز” الصينية، وفى كتابه الصادر مؤخرًا بعنوان “عالم الأعداء: حروب أمريكا فى الداخل والخارج من عهد كينيدى حتى بايدن”، شرح أسامة خليل، أستاذ التاريخ بكلية “ماكسويل” للمواطنة والشئون العامة بجامعة “سيراكيوز” بشمال ولاية نيويورك، بالتفصيل كيف وقعت واشنطن فى فخ حروب لا نهاية لها، فى الخارج والداخل، وفى هذا السياق، أجرت الصحيفة حوارا مع المؤرخ حول سبب ميل الولايات المتحدة للحروب، وما يمنعها من ممارسة السياسة والدبلوماسية التقليدية.
“جلوبال تايمز”: يروى كتابك كيف تبنت أمريكا، التى ابتليت بمخاوف تراجع قوتها ونفوذها، حروبًا خارجية وداخلية، وقلت إن السياسة العسكرية الأمريكية وفشلها لم تسهم إلا فى تعزيز مخاوف الضعف.. كيف ترى هذا الأمر؟
خليل: كان هناك تركيز مُفرط على القوة العسكرية، لأن الولايات المتحدة تمتلك أقوى جيش فى العالم، إذ يسود اعتقادٌ بقدرتها على تحقيق إنجازاتٍ مذهلةٍ تعجز الدبلوماسية عن تحقيقها، أو بقدرتها على فرض حلٍّ دبلوماسى، لكن ما يتحدثون عنه هو فرض الاستسلام، لذا، عندما لا يحقق جيشها العديد من الأهداف السياسية التى حددتها مثل إحلال الديمقراطية فى العراق أو الشرق الأوسط، أو ادعاء نصرٍ ساحق فى الحرب على الإرهاب، فإن ذلك يُعزز فكرة ضعف الولايات المتحدة، وأنها لم تعد قادرة على التفوق، وأنها لا تستطيع فرض شروطها على بقية العالم.
وأضاف، للأسف كل ما يفكر فيه صانعو السياسات الأمريكيون وخبراء الأمن القومى، هو استخدام الجيش لأغراض سياسية، بدلًا من الاعتماد على الدبلوماسية أو إدراك أن الجيش لا يمكنه تحقيق سوى أهداف محددة للغاية، وليس كل شيء.
وتابع: لقد رأينا منطقًا مشابهًا فيما يتعلق بعسكرة الشرطة المتزايدة فى الولايات المتحدة، فلقد ضعفت شبكة الأمان الاجتماعى فى الولايات المتحدة، تمامًا كما حدث مع الجيش فى الخارج، ولذلك يتم الاعتماد على الشرطة فى عدد متزايد من محاولات حل المشكلات المجتمعية، مثل الجريمة والمخدرات وقضايا الصحة العقلية، وتلقت الشرطة الأمريكية كميات هائلة من المعدات العسكرية الفائضة على مدى العقود الثلاثة الماضية، لكن الإفراط فى الاعتماد على القوة العسكرية له عواقب محلية وخارجية.
“جلوبال تايمز”: أنت تعتقد أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة الاستثمار فى أدوات السياسة والدبلوماسية التقليدية، إذن ما الذى يمنع واشنطن من ممارسة السياسة والدبلوماسية التقليدية؟
خليل: لنأخذ حرب فيتنام مثالا، فى كتابى أتحدث عما حاولت الولايات المتحدة فعله، وهو إملاء شروط الاستسلام على فيتنام الشمالية، فلم تهتم بالدبلوماسية، ولم تؤمن بأن فيتنام الشمالية طرف مستقل، ولقد رفضت الاعتراف بوجود حرب أهلية فى جنوب فيتنام وبتمرد تتزايد شعبيته، ببساطة خططت واشنطن لاستخدام القوة العسكرية والتفوق الجوى لإملاء الشروط، وجعل الشمال يتوسل للسلام، وأن السلام سيكون بشروط أمريكية.
وأضاف، فى حقبة ما بعد الحرب الباردة، كان هناك اعتقاد بما أسماه البعض بالهيمنة الليبرالية، إذ اعتقد الديمقراطيون والجمهوريون أن الولايات المتحدة قادرة على إملاء شروطها على بقية دول العالم من خلال القوة العسكرية، فى الوقت نفسه تميل أمريكا إلى تجنب القضايا الدبلوماسية الشائكة، على سبيل المثال سعت إلى استخدام القوة العسكرية، بشكل مباشر أو غير مباشر، لفرض حل للصراع الإسرائيلى الفلسطينى وعملية السلام، بدلا من الانخراط فى مفاوضات معقدة أو صعبة، وهو ما قد يتطلب تنازلات، لا ترغب هى وإسرائيل فى تقديمها.
“جلوبال تايمز”: لماذا الحرب متأصلة فى جينات الولايات المتحدة؟
خليل: الولايات المتحدة لم تُعانِ فى صراعات كبرى، فهى محمية بمحيطين، ولم تشهد دمارًا كبيرًا كما حدث فى الحرب العالمية الأولى والثانية، أو حتى فى فيتنام، فقد كانت حرب فيتنام التى قُتل فيها أكثر من50ألف أمريكى، صادمة للغاية لأمريكا فى الداخل، لكنها كانت ضئيلة مقارنةً بالملايين الذين قُتلوا فى فيتنام الشمالية والجنوبية ولاوس وكمبوديا.
وأضاف خليل، فى حقبة ما بعد حرب فيتنام، كان لدى الولايات المتحدة جيشا من المتطوعين، ما يعنى أن آثار الحرب ضئيلة جدًا من حيث عدد الأفراد والعائلات المنخرطة أو المتأثرة بشكل مباشر بالصراعات، وإذا سألت معظم الأمريكيين اليوم: هل الولايات المتحدة فى حالة حرب؟ فإنهم سيقولون لا، على الرغم من أن الولايات المتحدة منخرطة بشكل كبير فى عدد من الصراعات فى (العراق وسوريا وغزة واليمن)، ناهيك عن أوكرانيا والصومال، وقواتها التى لا تزال متمركزة فى كوريا الجنوبية، والقوات الخاصة الأمريكية العاملة فى جميع أنحاء العالم.
وتابع: فى الوقت نفسه، ترسخت فكرة الحروب فى الثقافة الأمريكية، فمن منظور اجتماعى وثقافى، لا يمكنك تشغيل لعبة فيديو لا ترتبط بأى شكل من الأشكال بالصراع العسكرى، إذ يتجلى الجيش والحرب على الإرهاب فى جميع المسلسلات التلفزيونية الأمريكية، وفى كل شيء من أفلام الأبطال الخارقين إلى برامج التجسس المعتادة.
وقال: كما أن الآثار الاقتصادية للحرب متأصلة بعمق فى النظام الأمريكى، فبعد هجمات7أكتوبر على إسرائيل، سأل أحد الصحفيين وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين: هل تستطيع الولايات المتحدة تحمل تكاليف دعم حربين فى أوكرانيا وإسرائيل؟ فكان ردها: “بالتأكيد”، واللافت للنظر أن ما سمعه معظم الأمريكيين فى ظل الإدارات المتعاقبة هو أنه لا يمكن تحمل تكاليف التعامل مع تغير المناخ، ولا يمكن تحمل تكاليف الرعاية الصحية الشاملة، ولا يمكن تحمل تكاليف معاشات التقاعد وحضانات الأطفال والتعليم العالى، لكن هناك دائمًا أموال للحرب.
“جلوبال تايمز”: شنت الولايات المتحدة حروبا تحت ستار الحضارة والديمقراطية على مدى نصف القرن الماضى.. ما رأيك فى هذا الخطاب؟
خليل: ليس هذا هو المبرر الحقيقى لهذه الصراعات، فالحرب من أجل الحضارة هى فى الواقع شكل آخر من أشكال الدعاية، فما تفعله الولايات المتحدة هو تهميش لأعدائها وتشويه لسمعتهم، ففكرة أن الولايات المتحدة تشن حربًا من أجل الديمقراطية أو الحضارة هى للمساعدة فى ترويج هذه الفكرة فى الداخل لجمهور لا يُعرها اهتمامًا حقيقيًا، كما أنها تُساعد فى تبرير العديد من هذه الصراعات.
