تقوم شركات السيارات الصينية بتضخيم أرقام مبيعاتها منذ سنوات عبر سوق غير رسمية مدعومة من الحكومة، من خلال تسجيل السيارات الجديدة فور خروجها من خطوط الإنتاج، ثم يتم تصديرها إلى الخارج تحت اسم “سيارات مستعملة”، رغم أنها لم تُستخدم قط.
هذا الأسلوب، المعروف باسم “السيارات عديمة الأميال” (Zero-Mileage Cars)، يحقق هدفين: أولاً، يظهر نموًا وهميًا فى المبيعات، وثانيًا، يساعد فى تصريف مخزون السيارات الذى يصعب بيعه فى السوق المحلية المتأثرة بفائض الإنتاج والحرب الشرسة فى الأسعار، وفق تحقيق لوكالة “رويترز”.
حرب أسعار وإغراق للأسواق الخارجية
يقول “تو لي”، مؤسس شركة Sino Auto Insights فى ميتشيجان: “هذه هى نتيجة حرب الأسعار التى استمرت أربع سنوات، إذ اضطرت الشركات لبيع أى شيء بأى ثمن.”
وقد لاقت هذه الممارسة الانتقاد فى مايو الماضى عندما وجه رئيس شركة “جريت وول موتورز” انتقادات علنية لبيع هذه السيارات داخل السوق المحلية. وفى 10 يونيو، وصفت صحيفة “الشعب” الرسمية هذا الاتجاه بـ “الفوضى السوقية”، داعيةً إلى فرض إجراءات تنظيمية أكثر صرامة.
لكن المفارقة تكمن فى أن حكومات محلية فى الصين تدعم هذه الصادرات لتحقيق أهداف النمو الاقتصادى التى فرضتها بكين، وفقًا لوثائق حكومية ومصادر محلية. وتعتبر الحكومات الإقليمية أن تضخيم أرقام المبيعات يوفر فرصًا لترقية المسؤولين المحليين، حتى وإن كان هذا النمو غير حقيقى.
دعم حكومى ممنهج
أظهر تحقيق “رويترز” أن أكثر من 20 حكومة محلية، من بينها قوانغدونغ وسيتشوان، تدعم تصدير السيارات عديمة الأميال من خلال سياسات مثل: تخصيص تراخيص تصدير إضافية، وتسريع إجراءات رد الضرائب وإنشاء مستودعات مجانية قرب الحدود وتنظيم فعاليات ترويجية لتسويق هذه الصادرات.
وفى مدينة “شنتشن”، قامت لجنة التخطيط فى فبراير 2024 بتوسيع صادرات هذه السيارات ضمن خطة لتصدير 400 ألف سيارة سنويًا. وفى قوانغتشو، تم تخصيص حصص تسجيل إضافية لتسهيل تصدير سيارات البنزين من هذا النوع، رغم القيود البيئية التى تفرضها المدينة.
آلية البيع: سيارة جديدة تُباع مرتين
الآلية بسيطة: يقوم المصدّر بشراء السيارة الجديدة من المصنع أو الوكيل، ثم يسجلها فى الصين ويعلنها كسيارة “مستعملة” للتصدير. بذلك تُسجَّل السيارة كـ “مبيعة” فى بيانات الشركة، مما يعزز الإيرادات والأرقام الرسمية. كما أن بيع السيارة نفسها مرتين يزيد من القيمة المعلنة للتداول، مما يرفع الناتج المحلى الإجمالى للمنطقة.
حجم السوق واتجاهاتها
فى عام 2024، تم تصدير 436 ألف سيارة مستعملة من الصين، ويُقدّر أن %90 منها كانت فى الواقع سيارات “عديمة الأميال”، حسبما ذكر وانغ مينغ من جمعية تجار السيارات الصينية. وفى 2023، أصبحت الصين أكبر مُصدّر عالمى للسيارات متفوقة على اليابان، بعد تصديرها 6.41 مليون سيارة.
ورغم أن معظم السيارات المصدّرة تعمل بالبنزين، فإن السيارات الكهربائية المدعومة من الحكومة تشكل أيضًا جزءًا كبيرًا من هذه الصادرات.
تصاعد الانتقادات وخطر الإضرار بالصورة العالمية للعلامات التجارية الصينية
فى مؤتمر للسيارات الصينية فى 7 يونيو، دعا “تشو هوارونغ”، رئيس “شانغان”، إلى حظر هذه الممارسة، محذرًا من أنها قد تضر بسمعة العلامات التجارية الصينية فى الأسواق العالمية.
وفى تصريحات مماثلة، قال “شينغ لي”، مؤسس AutoXing فى ماساتشوستس: “لا أحد يعرف كم من هذه المبيعات حقيقية، وكم منها مجرد أرقام مضخمة.”
اتهامات بـ “الإغراق” ومقاومة من أسواق خارجية
فى وقت تزداد العلاقات التجارية توترًا مع الولايات المتحدة، تسعى الصين لتوسيع أسواقها فى مناطق مثل آسيا الوسطى والشرق الأوسط. لكن بعض الدول بدأت تتخذ إجراءات ضد هذا الأسلوب، فروسيا منعت فى 2023 دخول سيارات “عديمة الأميال” من علامات لها موزعون رسميون مثل شيرى وجيلى كما أن الأردن بدأ بتعديل تعريف السيارات المستعملة قانونيًا لتقييد هذا النوع من الواردات.
ويضيف “ويليام إنغ” من “Huanyu Auto” أن المنافسة من التجار الصغار وحتى البائعين عبر منصات مثل “تيك توك” أصبحت تهدد هامش الربح، قائلًا: “من كانوا يبيعون الأوانى والنبيذ أصبحوا يبيعون سيارات. إنها فوضى.”
تباطؤ فى الإنتاج لدى BYD
فى وقت لاحق، شهدت شركة BYD، أكبر مصنع للسيارات الكهربائية فى العالم، تباطؤًا فى إنتاجها خلال الأشهر الماضية، بما فى ذلك إلغاء نوبات العمل الليلية وتأجيل خطط التوسعة، وفقًا لوكالات أنباء. هذا التباطؤ جاء رغم التخفيضات الكبيرة فى الأسعار وتراجع الطلب فى السوق المحلية. وحتى فى بعض المصانع، انخفض الإنتاج بمقدار الثلث مقارنة بالطاقة القصوى.
