رهانات صينية على تكنولوجيا القيادة الذاتية وسط تفاقم تحديات «تسلا»

Ad

أصبحت تكنولوجيا القيادة الذاتية، التى كانت فى البداية مجرد حلم فى خيال المهندسين والمستثمرين، واقعًا يكتسح أسواق السيارات العالمية، وأحد المحركات الرئيسية لتوجهات الاستثمار فى الوقت الراهن. ففى مؤتمر “سون” السنوى للاستثمار فى هونغ كونغ، الذى شارك فيه كبار صناديق التحوط من جميع أنحاء العالم، تم الإعلان عن رهانات استثمارية جديدة تعكس الاهتمام المتزايد بهذه التكنولوجيا، وتحديدًا فى الصين. ولكن فى الوقت الذى تشهد فيه هذه التقنية تطورًا سريعًا، تواجه شركة “تسلا” الأمريكية، التى كانت رائدة فى هذه المجال، تحديات متزايدة فى أسواق مهمة مثل أوروبا والهند.

شهدت الصين فى السنوات الأخيرة تقدمًا ملحوظًا فى مجال تكنولوجيا القيادة الذاتية، وهو ما جعلها وجهة رئيسية للمستثمرين الذين يرون فيها فرصة كبيرة لتحقيق عوائد مرتفعة. ويُعتبر مشروع “Apollo Go” من شركة “بايدو” الصينية من أبرز المشاريع التى لاقت دعمًا كبيرًا فى مؤتمر “سون”.

وبحسب تصريحات جاى كاهن، مؤسس “Flight Deck Capital” المتخصصة فى الاستثمارات التقنية، فإن “Apollo Go” تتميز بأنها الشركة الوحيدة فى الصين التى لا تعتمد على التمويل الخارجى للتوسع، وهو ما يمنحها استقلالية كبيرة ويضعها فى مقدمة الشركات التى تتنافس فى مجال السيارات ذاتية القيادة.

توقعات النمو لهذا القطاع فى الصين تشير إلى أن قيمة سوق سيارات الأجرة ذات القيادة الذاتية فى البلاد قد تصل إلى نحو 237 مليار دولار بحلول عام 2034، مع إمكانية استحواذ “Apollo Go” على حصة قدرها 15% من السوق. ورغم أن هذا السوق لا تزال فى مرحلة مبكرة من حيث التقييم المالي، فإن الإقبال الكبير من المستثمرين فى “بايدو” يعكس الثقة الكبيرة فى المستقبل القريب لهذا القطاع. هذه التوقعات تجعل “بايدو” فى موقع قوى للهيمنة على السوق المحلية وتصدير التكنولوجيا إلى أسواق أخرى.

من جهة أخرى، طرحت شركة “Apeiron Capital”، التى تتخذ من هونج كونج مقرًا لها، شركة “DiDi Global” الصينية كواحدة من أهم الفرص الاستثمارية المستقبلية. وتستند هذه الرهانات إلى التحسن الكبير فى هوامش الربح التى حققتها “DiDi” فى السوق المحلية، بالإضافة إلى نمو حصتها السوقية فى أمريكا اللاتينية. ومع احتدام المنافسة فى أسواق النقل التقليدية والرقمية، يُنظر إلى “DiDi” كواحدة من الشركات التى تمتلك القدرة على التفوق فى هذا المجال خلال السنوات المقبلة.

أما “Triata Capital”، فقد اختارت شركة “PDD” المالكة لمنصة “Temu” كمحور استثمارى واعد. ووفقًا للتقارير، فإن عدد المستخدمين النشطين شهريًا على منصة “Temu” قد تجاوز أولئك الموجودين على منصة “أمازون”، ما يشير إلى النمو الكبير الذى تحقق فى السوق الصينية والدولية.

تحديات خطيرة فى الهند وأوروبا

فى الوقت الذى تتزايد فيه رهانات الاستثمار على تكنولوجيا القيادة الذاتية فى الصين، تواجه شركة “تسلا” الأمريكية تحديات متزايدة فى أسواق حيوية مثل الهند وأوروبا.

ففى الهند، أكّد وزير الصناعات الثقيلة، هـ. دي. كوماراسوامي، أن “تسلا” لا تُظهر اهتمامًا كبيرًا بإقامة مصانع محلية فى البلاد، رغم الإجراءات الحكومية التى تهدف إلى جذب استثمارات الشركات الأجنبية من خلال تخفيض الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية. وبالرغم من أن الحكومة الهندية صممت هذه السياسة بشكل خاص لاستقطاب “تسلا”، فإن الشركة لم تُبدِ أى رغبة فى التوسع داخل السوق الهندية، بل تفضل استيراد سياراتها مباشرة.

يشير هذا التوجه إلى أن “تسلا” تركز أكثر على الأسواق التى تتمتع بنظام تصنيع قائم ومنتجات جاهزة للبيع دون الحاجة للاستثمار الكبير فى إنشاء خطوط إنتاج محلية. من جهة أخرى، أبدت شركات أخرى مثل “مرسيدس-بنز” و”فولكسفاجن” و”هيونداي” رغبة كبيرة فى الاستفادة من التسهيلات التى تقدمها الحكومة الهندية، وهو ما قد يؤدى إلى زيادة المنافسة فى السوق الهندية.

على صعيد آخر، تواجه “تسلا” تحديات كبيرة فى أسواق أوروبا. ففى مايو 2023، أظهرت التقارير تراجعًا كبيرًا فى مبيعات سيارات “تسلا” فى العديد من الدول الأوروبية. ففى السويد، على سبيل المثال، انخفضت مبيعات “تسلا” بنسبة %53.7 بينما شهدت البرتغال تراجعًا بنسبة %68 فى حين سجلت مبيعاتها فى فرنسا انخفاضًا حادًا بلغ %67 يأتى هذا التراجع فى وقت تسجل فيه مبيعات السيارات الكهربائية بشكل عام نموًا بنسبة %25 فى تلك الأسواق.

المنافسة الشرسة والابتكار المتأخر

يرجع المحللون هبوط مبيعات “تسلا” فى أوروبا إلى عدة عوامل، أبرزها الجمود فى تشكيلة الطرازات التى تقدمها الشركة.

ومنذ عام 2020، لم تُطلق “تسلا” أى طراز جديد رئيسي، وهو ما جعلها متأخرة عن منافسيها. شركات مثل فولكسفاجن وBYD الصينية التى دخلت السوق الأوروبية بقوة قد بدأت فى تقديم طرازات كهربائية جديدة وبأسعار معقولة، مما جعل المنافسة أكثر حدة.

كما أن شركات السيارات التقليدية التى بدأت فى تعزيز استثماراتها فى السيارات الكهربائية أصبحت تهدد هيمنة “تسلا”. فعلى سبيل المثال، تفوق طراز “ID.7” الكهربائى من فولكسفاجن على مبيعات “موديل Y” من “تسلا” فى السويد. كما أن السيارات الكهربائية من بورشه وBYD وشركات أخرى أصبحت تتفوق على مبيعات “موديل 3” من “تسلا” فى بعض الأسواق.

ورغم تقديم “تسلا” بعض الحوافز المالية لجذب الزبائن، مثل العروض الخاصة على طراز “موديل Y” فى النرويج وألمانيا، فإن هذه الاستراتيجيات لم تُحقق النجاح المطلوب. يرى الخبراء أن الشركة بحاجة إلى تسريع وتيرة الابتكار والتوسع فى تشكيلة طرازاتها لتظل قادرة على المنافسة فى الأسواق المتغيرة.

السيارات الكهربائية في الهند

فى الهند، تسعى الحكومة إلى زيادة حصة السيارات الكهربائية فى سوقها بشكل كبير. فى عام 2024، لم تتجاوز مبيعات السيارات الكهربائية %2.5 من إجمالى مبيعات السيارات فى البلاد، ولكن الحكومة الهندية وضعت هدفًا طموحًا يتمثل فى زيادة هذه النسبة إلى %30 بحلول عام 2030. ووفقًا لهذه الخطة، ستُعتبر السياسات الجديدة لجذب استثمارات الشركات الأجنبية فى القطاع أمرًا حيويًا.

ومع ذلك، قوبلت هذه السياسات بمعارضة من بعض الشركات المحلية مثل “تاتا موتورز” و”ماهيندرا آند ماهيندرا”، اللتين استثمرتا بشكل كبير فى تصنيع السيارات الكهربائية داخل الهند. تلك الشركات تخشى أن يؤدى تسهيل استيراد السيارات إلى تراجع حصتها فى السوق، ما يعقد التوقعات المستقبلية لمبيعات السيارات الكهربائية فى البلاد.

مستقبل «تسلا»

يبدو أن “تسلا” تواجه تحديات كبيرة على عدة جبهات. التراجع فى مبيعاتها فى أسواق أوروبية حيوية، بالإضافة إلى عدم اكتراثها بالسوق الهندية، يعكس نوعًا من الجمود فى استراتيجيتها الحالية. فى المقابل، تحرز الشركات الصينية مثل “بايدو” و”DiDi” تقدمًا ملحوظًا فى تطوير تكنولوجيا القيادة الذاتية، وهو ما يفتح أمامها آفاقًا جديدة للاستثمار والنمو. مع تزايد المنافسة فى السوق الأوروبية وازدياد التركيز على الابتكار، سيكون على “تسلا” تكثيف جهودها لتطوير طرازات جديدة وتحقيق التوازن بين إستراتيجيات التوسع المحلية والتكيف مع التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية.