فى ظل التحولات الجذرية التى يشهدها قطاع النقل البحرى المصري، تتجه الأنظار إلى دور التأمين البحرى كعنصر حاسم فى دعم مشروعات التوسع فى الموانئ لتحقيق مستهدفات رؤية مصر 2030، مع تسارع وتيرة تطوير الموانئ الرئيسية مثل شرق بورسعيد والسخنة والإسكندرية، يتنامى الطلب على خدمات التأمين التى تواكب هذه الطفرة فى البنية التحتية.
ويؤكد خبراء الصناعة أن التوسع الجارى لا يقتصر على تعزيز القدرة الاستيعابية للموانئ، بل يخلق واقعًا جديدًا يدفع إلى ضرورة تطوير منظومة التأمين البحرى فى مصر، سواء على مستوى الوثائق، أو البنية التكنولوجية، أو الكوادر البشرية.
منظومة قوية
قالت باسمة مندور، نائب رئيس قطاع منطقة القناة بشركة ثروة للتأمين، أن التوسع الجارى فى الموانئ المصرية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بنمو قطاع التأمين البحري، نظرًا لما يشهده من تأثير مباشر على حركة السفن وتداول البضائع داخل المياه الإقليمية.
وأوضحت أن زيادة الطاقة الاستيعابية للموانئ تؤدى بدورها إلى ارتفاع كبير فى حجم وعدد السفن، إلى جانب الزيادة المتواصلة فى حجم البضائع المتداولة، ما يساهم فى خلق بيئة أكثر نشاطًا لكنها تحمل فى طياتها مخاطر محتملة أكبر على المستويين التشغيلى واللوجستي.
وأضافت أن من بين هذه المخاطر الحوادث البحرية، والأضرار المادية التى قد تلحق بالسفن أو البضائع، فضلًا عن احتمالية وقوع خسائر بشرية، مما يستدعى وجود منظومة تأمينية قوية قادرة على إدارة هذه المخاطر بكفاءة.
وأشارت إلى أن هذا النمو فى النشاط البحرى أدى بطبيعة الحال إلى ارتفاع ملحوظ فى الطلب على خدمات التأمين البحري، التى باتت تُعد من الأدوات الأساسية لحماية جميع الأطراف المتعاملة فى مجال النقل والتجارة البحرية، من ملاك السفن، وشركات الشحن، وحتى المستوردين والمصدرين.
وشددت على أن التأمين البحرى يوفر تغطيات شاملة تشمل مختلف أنواع المخاطر، من بينها الحوادث، والحرائق، والاندفاعات، والسرقات، إلى جانب الأضرار الناتجة عن الكوارث الطبيعية أو الظروف المفاجئة التى قد تواجه البضائع أثناء النقل.
وتابعت أن التأمين البحرى يمثل عنصر أمان رئيسيًا للمستثمرين فى قطاع النقل البحرى والموانئ، حيث يمنحهم الثقة والضمانات اللازمة لضخ استثمارات جديدة والمساهمة فى تطوير البنية التحتية وتعزيز موقع مصر كمركز لوجستى إقليمى ودولي.
حماية شاملة
أكدت نائب رئيس قطاع منطقة القناة بشركة ثروة للتأمين، أن التوسع فى الموانئ المصرية لا يقتصر فقط على تعزيز حركة التجارة، بل يسهم أيضًا فى تنشيط قطاع التأمين البحري، الذى أصبح بدوره عاملًا جاذبًا للمستثمرين من خلال توفير حماية مالية شاملة ممتلكاتهم ومصالحهم فى بيئة ملاحية متغيرة.
وأشارت إلى أن هذا التوسع يصاحبه نمو ملحوظ فى حجم وأهمية قطاع التأمين البحري، والذى يلعب دورًا محوريًا فى دعم الاقتصاد الوطنى من خلال تقديم خدمات تأمينية متكاملة لأصحاب المصالح العاملين فى مجالات الشحن والنقل والتجارة البحرية، مشيرة إلى أن التأمين البحرى يُعد من بين أهم هذه الخدمات، لدوره فى ضمان سلامة السفن والبضائع والتقليل من أثر المخاطر المحتملة.
وأوضحت أن هذا التطوير لا ينعكس فقط على الجانب الفنى والتجاري، بل يساهم أيضًا فى توفير فرص عمل جديدة فى مجالات النقل البحرى والتأمين، مما يعزز من قدرة سوق العمل على استيعاب الكفاءات وتوسيع قاعدة التشغيل.
ضرورة استراتيجية
من جهته قال أكد الدكتور علاء العسكري، أستاذ التأمين والعلوم الاكتوارية بجامعة الأزهر، أن التوسع فى حجم الموانئ البحرية يعكس توسعًا موازيًا فى حركة التجارة البحرية، ويترتب عليه بالضرورة زيادة فى عدد السفن، وهو ما ينعكس مباشرة على نشاط التأمين البحري، سواء من حيث التأمين على أجسام السفن أو على البضائع المنقولة عبرها.
وأوضح الدكتور العسكرى أن كل توسع فى البنية التحتية للموانئ يعنى زيادة فى عدد السفن التى ستستخدم هذه الموانئ، مما يؤدى بدوره إلى نمو الطلب على خدمات التأمين البحري.
وأضاف أن هذا القطاع يعد أحد المكونات الأساسية لتأمين الممتلكات والمسؤوليات، نظرًا لطبيعته المرتبطة بالتجارة العالمية.
ولفت إلى أن السوق المصرية بات مستعدًا لمواكبة هذا التوسع، مشيرًا إلى أن شركات التأمين المحلية قادرة على زيادة عدد وثائق التأمين البحرى بشكل كبير، بما يعزز من مساهمة هذا النوع من التأمين فى الاقتصاد الوطني.
وبين أنه على الرغم من أن التأمين البحرى يحتل مرتبة متأخرة فى ترتيب فروع التأمين مقارنة تأمينات الحريق والسيارات، إلا أن أهميته العالمية تجعل من تطويره ضرورة استراتيجية.
منافسة شرسة
أشار العسكرى إلى أن التحديات التى تواجه شركات التأمين فى مصر، وعلى رأسها المنافسة، تمثل عائقًا رئيسيًا أمام نمو التأمين البحري.
وقال إن المنافسة فى هذا القطاع باتت شرسة، خاصة مع اتجاه معظم دول العالم نحو نموذج التأمين الرقمي، والذى يشكل ثورة فى قطاع التأمين منذ أكثر من 30 عامًا.
وأضاف أن مصر بدأت مؤخرًا فى التحرك نحو التحول الرقمى والشمول المالي، موضحًا أن البنوك قطعت شوطًا ملحوظًا فى هذا الاتجاه، بينما بدأت شركات التأمين هذه الرحلة متأخرة نسبيًا معتبرًا أن بطء هذا التحول قد يمثل أحد أبرز التحديات خلال المرحلة المقبلة.
وأكد على أن التأمين البحرى يعد صناعة عالمية بطبيعتها، لافتًا إلى أن المنافسة فيه ليست محلية بل تمتد إلى مستوى دولي، وهو ما يفرض على الشركات المصرية تطوير أدواتها وآلياتها لمواكبة هذه السوق العالمية الديناميكية.
وأشار إلى أن مصر تضم أقدم شركات التأمين فى منطقة الشرق الأوسط، وهذه الشركات تمثل كيانات تاريخية بمحافظ استثمارية ضخمة، وبعض وثائقها تحمل أعمارًا تضاهى أعمار دول قائمة.
وأوضح أن التوسع فى الموانئ البحرية سينعكس بشكل مباشر على نشاط التأمين البحري، لما له من تأثير على حجم التجارة وعدد وحجم السفن القادمة والعابرة، مما يعنى توسعًا فى حجم التأمين سواء على أجسام السفن أو على البضائع المنقولة.
مخاطر جديدة
شدد العسكرى على أن العامل الوحيد المؤكد عالميًا هو وجود المخاطر، موضحًا أن وجود المخاطر يعنى الحاجة الدائمة إلى وثائق تأمين فعّالة، وهو ما يستدعى أن تكون وثائق التأمين أكثر تفاعلية وحداثة، لأننا نواجه يوميًا أنواعًا جديدة من المخاطر تتطلب تغطيات مستحدثة.
وأشار إلى أن أحد أبرز العوائق التى تواجه السوق حاليًا هو غياب التطوير المستمر فى وثائق التأمين.
وقال إنه على الرغم من أن أول شركة تأمين تأسست فى مصر منذ أكثر من قرن، إلا أن التشكيلة العامة لوثائق التأمين لم تتغير بشكل كبير مضيفًا نحن بحاجة إلى إدارة بحوث وتطوير متخصصة تكون مهمتها الأساسية ابتكار وثائق جديدة وتحديث الوثائق الحالية باستمرار.
وأضاف أن هذا التحديث لا يقتصر فقط على أنواع الوثائق، بل يجب أن يشمل أيضًا آليات التسعير، مؤكدًا أن هناك تفاوتًا فى معدلات الخسائر وتذبذبًا فى طبيعة المخاطر يفرض على الشركات تبنى استراتيجيات تسعير أكثر مرونة ودقة.
خطوة محورية
بدوره أكد أحمد إبراهيم، مدير وكالة أول بشركة الكويت للتأمين، أن التوسع الجارى فى الموانئ البحرية المصرية يمثل خطوة استراتيجية محورية تدعم رؤية مصر 2030 لتحويل البلاد إلى مركز لوجستى وتجارى عالمي.
وأشار إلى أن المشروعات العملاقة التى يتم تنفيذها حاليًا، مثل تطوير ميناء شرق بورسعيد وتوسعة ميناء السخنة وتحديث ميناء الإسكندرية، ستؤدى إلى زيادة القدرة الاستيعابية للموانئ المصرية، ما يفتح آفاقًا جديدة أمام قطاع التأمين البحري.
وأكد أن هذا التوسع سيؤدى إلى ارتفاع الطلب على مختلف أنواع التأمين، لافتًا إلى توقعات بزيادة تأمين أجسام السفن بنسبة تصل إلى %35 ونمو تأمين البضائع بنسبة %45 بالإضافة إلى توسع تأمين المنشآت البحرية بنحو %60 وزيادة تأمين المسؤولية %25.
وأكد إبراهيم أن السوق المصرية تمتلك المقومات اللازمة لاستيعاب هذا النمو، سواء من حيث الكوادر البشرية المتخصصة أو البنية التنظيمية للقطاع.
وتوقع أن تشهد سوق التأمين البحرية المصرية تضاعفًا فى حجمه خلال السنوات الخمس المقبلة، مدفوعة بزيادة حركة التجارة البحرية وتوسع الموانئ.
تحديات كبيرة
لفت إبراهيم إلى أن سوق التأمين البحرةى فى مصر تواجه تحديات كبيرة فى مواكبة النمو السريع لحركة التجارة الناتجة عن توسع الموانئ.
وأوضح أن هناك فجوة واضحة بين قدرات السوق الحالية والمتطلبات المستقبلية، رغم التطور الملحوظ خلال السنوات الماضية.
وأشار إلى أن شركات التأمين المصرية تتمتع بملاءة مالية جيدة وفقًا لتقارير الهيئة العامة للرقابة المالية، لكنها ما زالت تفتقر إلى القدرة الاستيعابية الكافية، وهو ما يتجلى فى الحصة الضئيلة التى لا تتجاوز 0.5% من سوق التأمين البحرية العالمية، ما يعكس حجم الإمكانات غير المستغلة.
وأضاف أن نقص الكفاءات المتخصصة فى تقييم المخاطر وتسوية المطالبات، إلى جانب محدودية الأنظمة التكنولوجية المعتمدة، يمثل تحديًا فنيًا حقيقيًا.
وأكد أن تطوير ترتيبات إعادة التأمين وتعزيز الاحتياطيات الفنية أمر ضرورى لرفع القدرة على مواجهة المخاطر المعقدة والمتزايدة.
وأوضح أن التوسع فى الموانئ البحرية يفتح الباب لتطوير منتجات تأمينية مبتكرة، خاصة فى مجالات سلاسل التوريد والمخاطر البيئية داعيًا إلى توفير وثائق تغطى التلوث البحري، والكوارث الطبيعية، والأزمات السياسية، بما يعزز قدرة الشركات على المنافسة إقليميًا ودوليًا.
استقرار الاستثمارات
شدد إبراهيم على ضرورة تعزيز الشراكات الإقليمية والدولية من خلال تحالفات استراتيجية مع شركات التأمين وإعادة التأمين العالمية، والمشاركة الفعالة فى الهيئات والمنظمات الدولية المتخصصة.
واعتبر أن إنشاء مجمع إقليمى للتأمين البحرى فى مصر سيكون خطوة استراتيجية نحو تحقيق هذا الهدف.
وأشار إلى أن التأمين البحرى يوفر حماية شاملة ضد مجموعة واسعة من المخاطر غير المتوقعة مثل الكوارث الطبيعية، والحوادث البحرية، والأعطال الفنية، مما يسهم فى تقليل حجم الخسائر المحتملة ويعزز من استقرار الاستثمارات فى هذا القطاع الحيوي.
وتابع أن مؤسسات التمويل الدولية تشترط غالبًا وجود تغطية تأمينية متكاملة لتمويل المشاريع البحرية الكبرى، ما يجعل من تطوير سوق التأمين البحرية المصرية ضرورة لتأمين التمويلات الدولية اللازمة لمشروعات التوسع فى الموانئ والبنية التحتية اللوجستية.
وأشار إبراهيم إلى أن التأمين البحرى بات عنصرًا حاسمًا فى المنافسة بين الموانئ الإقليمية، حيث تفضل الشركات العالمية التوجه نحو الموانئ التى توفر حلولًا تأمينية متكاملة وفعالة، موضحًا أن التقارير الدولية تشير إلى إمكانية خفض تكاليف الشحن بنسبة تصل إلى %15 بفضل تحسين كفاءة سوق التأمين البحرية.
◗ العسكري: القطاع صناعة عالمية والمنافسة فيه دولية لا محلية
◗ إبراهيم: جهود التحديث سترفع الطلب على وثائق السفن %35 والبضائع %45
◗ مندور: يزيد الطاقة الاستيعابية فى ظل بيئة محاطة بالمخاطر
