أجلت الحرب الإيرانية الإسرائيلية طموحات وآمال تعافى الشحن البحرى خلال 2025، بعد عدد من الأزمات المتلاحقة التى عاصرها القطاع منذ عام 2020.
فمنذ 2020 وظهور مرض فيروس كورونا “كوفيد-19”، الذى تسبب فى توقف حركة الشحن لفترة طويلة، مرورًا بالحرب الأوكرانية الروسية، فضلًا عن حرب إسرائيل على غزة، لتصل الحلقة الأحدث حتى الآن والمتمثلة فى الحرب الجديدة التى تدور رحاها الآن بين إيران وإسرائيل.
قال الربان عمرو قطايا، رئيس مجلس إدارة شركة إنتربرايز للخدمات البحرية، أن استمرار الحرب الإيرانية الإسرائيلية ستكون تأثيراته سلبية على الشحن البحري، خاصة وأن هناك عددًا من السفن اليونانية والبريطانية التجارية تبحر حاليًا بعيدًا عن نطاق الخليج العربى باعتبارها منطقة خطرة.

وأوضح “قطايا “أن التوترات الحالية أدت إلى ارتفاع أسعار البترول والغاز بنحو %15 وقابلة للارتفاع وفقًا لمدة الحرب، فضلًا عن أسعار التأمين ونوادى التعويضات والنوالين التى أخذت فى الزيادة.
ضرب السفن
من جهته قال اللواء إيهاب البنان، رئيس مجلس إدارة شركة كلاركسون، إن الحرب الإيرانية الإسرائيلية لن تكون طويلة وتأثيرها حتى الآن غير ملموس على النقل البحري، مضيفًا أن انعكاساتها قد تتفاقم فى حال تدخل الحوثيون مرة أخرى فى ضرب السفن مما سيزيد من معاناة الإبحار فى تلك المنطقة.

وتوقع “البنان” استمرار إبحار الخطوط الملاحية بطريق رأس الرجاء الصالح والتى حققت مكاسب كبيرة من أرتفاع النوالين واعتمادها عليه بجانب عدم المجازفة فى ظل التصعيد الحالي.
فى الاطار ذاته، أشار اللواء على الحايس نائب رئيس هيئة ميناء الإسكندرية السابق، إلى صعوبة التنبؤ بما ستنتهى إليه الحرب بين اسرائيل وإيران، إلا أنه مبدئيًا سيكون هناك محاولات من قبل طهران إغلاق مضيق هرمز، وهذا سيؤثر على حركة التجارة العالمية وسترتفع أسعار البترول بشكل كبير.
ويرى خالد صبري، أمين عام شعبة خدمات النقل الدولى واللوجستيات بالغرفة التجارية بالاسكندرية، أن السوق الملاحية العالمية والمحلية تتأثر بالأوضاع الراهنة، خاصة إذا اشترك الحوثيون فى هذه الحرب، مما يؤثر على قناه السويس إذ ستظل السفن معتمدة على طريق رأس الرجاء الصالح كمسار بديل لقناة السويس.
وأضاف “صبري” أن هناك تخوفًا من تأثير سلاسل الإمداد فى حالة غلق مضيق هرمز الذى يمر من خلالها جزء كبير من ناقلات النفط فى العالم.
وتوقع ارتفاع أسعار النوالين وذلك نتيجة التأثر بفعل صعود أسعار النفط، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة التأمين.
الوضع مقلق
قال المهندس أحمد العقاد، رئيس مجموعة العقاد للملاحة، إن الوضع الحالى مقلق للغاية والأمور تتغير من لحظة لأخرى، موضحًا أن أى تنبؤات فى الوقت الراهن سوف تكون غير منطقية ومبكرة جدًا.

وأضاف العقاد، أن التداعيات بشكلها الأولى تشير إلى أن إرتفاع أسعار النفط سوف يكون مؤثرًا جدًا فى عدم استعادة حركة قناة السويس فى القريب العاجل وكذلك سيؤدى إلى إرتفاع أسعار نوالين النقل البحرى وانكماش حركة التجارة العالمية.
وأوضح أسامه عدلى أمين عام الجمعية المصرية للملاحة، أن شركات التأمين أعلنت اعتبار الخليج العربى وشمال شرق المتوسط منطقة حرب.
وأضاف أن هذا الإجراء من شأنه أن يعمل على رفع أقساط التأمين، وبالتالى ستقوم شركات الملاحة برفع أسعار النوالين البحرية، خاصة على الطرق الملاحية المتاخمة للمنطقة.
وأشار إلى أن معظم البضائع تتجه من آسيا إلى أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية.
وقال عادل اللمعى رئيس غرفة ملاحة بورسعيد، أنه من المبكر التوقع بتأثير هذه الأحداث على السوق الملاحية العالمية والمحلية، إلا أن التأثير المبدئى سيتمثل فى ارتفاع أسعار الخامات والمنتجات، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار النوالين البحرية، كما يمكن أن تشهد سلاسل الإمداد ارتباكًا خلال الأيام المقبلة.

سلاسل الإمداد
بدوره قال سعيد العرجانى استشارى التصدير، إن الأزمة سيكون لها تأثير كبير على سلاسل الإمداد، ما لم تتدخل القوى الأمريكية لوقفها، خاصة وأن %26 من تدفقات البترول العالمية تأتى من منطقة الخليج العربي، وبالتالى من الصعب وقف مضيق هرمز.
وتوقع ارتفاع أسعار النوالين البحرية لمستويات قياسية، خاصة وأن المستفيد الأكبر من ذلك هى الخطوط الملاحية العالمية.
وطالب بضرورة التوجه إلى النقل البرى خلال الفترة المقبلة “بالشاحنات“ إلى منطقة الخليج العربي، وذلك كبديل للنقل البحرى مؤقتًا، أمام الصادرات المصرية، أو الواردات الخليجية إلى مصر، نتيجة التأخير المتوقع فى السفن، وتكدس الموانئ خاصة إذا كانت تجارة الترانزيت ستركز على الموانئ المصرية.
وأشار إلى أن الرئة الجديدة للتجارة المصرية إلى الخليج والسعودية، ستكون ميناء جده، وهو الأسهل والأكثر أمانًا، أما قطر والإمارات والبحرين والعراق فمن المتوقع أن تشهد ارتفاعًا فى الأسعار، بالاضافة إلى التأخيرات، مشددًا على ضرورة التأمين على البضاعة، واختيار سفن لا تحمل أعلام مشتركة فى الصراع الجديد.
وأكد “العرجاني” أيضَا على ضرورة أن يكون هناك خطًا ملاحيًا مصريًا سواء بالشراء أو الإيجار لترفع العلم المحلي، ليكون طوق النجاة بين الخليج وأوروبا والولايات المتحدة، وهذا المقترح يبرز أهميته منذ أزمة الحوثيين التى تعرضت للعديد من السفن التى تحمل أعلامًا مختلفة، بالإضافة إلى الوقت الراهن مع أزمة الحرب الاسرائيلية الإيرانية.
صدمة للأسواق
أكد أحمد الشامى الخبير البحري، أن التأثيرات المباشرة ستنعكش على أسعار البترول، خاصة وأن الهجوم على منشآت نفط إيرانية أو إغلاق مضيق هرمز - يمر عبره %20 من النفط العالمي- قد يُسبب صدمة فى الأسواق العالمية، وبالفعل زادت أسعار البترول %8 منذ اندلاع الحرب.
كما توقع “الشامي” أنه مع تصعيد هجمات إيران على أهداف إسرائيلية أو منشآت بحرية فإن هذا يوسع نطاق الأزمة ويُهدد الملاحة فى البحر الأحمر، مما سيؤثر مباشرة على قناة السويس.
وقال محمد أبو حشيش مدير فرع الشركه الدوليه للملاحه ببورسعيد، إن أى تصعيد عسكرى قد يؤدى إلى إغلاق أو تهديد الملاحة فى مضيق هرمز، ومن ثم توجه السفن إلى طرق بديلة أطول وأكثر تكلفة بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الشحن وتأخير تسليم البضائع بتأثر سلاسل الإمداد.
وأوضح أن ارتفاع أسعار الوقود يؤدى إلى زيادة نوالين الشحن نتيجة ارتفاع تكاليف تشغيل السفينة كما أن بعض الخطوط الملاحية ستضطر إلى فرض غرامة “مخاطر حرب”، وقد تلجأ إلى تغيير مسارات رحلاتها للبعد عن مناطق النزاع مما يؤدى إلى نقص فى أعداد السفن نتيجة اضطرابات فى جداول الشحن وسعة الموانئ.
وتوقع أبو حشيش أن تقوم شركات التأمين برفع تكاليف التغطية التأمينية للسفن المتجهة إلى أو المارة قرب الخليج العربي، أو احتمالية إدراج مناطق جديدة ضمن “المنطقة عالية الخطورة” مثل مضيق هرمز، والبحر الأحمر، وشرق المتوسط.
الخطر الحقيقى
من جانبه أكد عاطف الطناوى رئيس شركة كريستال للملاحه، أن الحرب الإسرائيلية الإيرانية ستؤدى إلى تعطيل سلاسل التوريد للنفط، والغاز، والمعادن، والبتروكيماويات، بالإضافة إلى تأخير توريد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، خاصة فى الصناعات التى تعتمد على مكونات واردة من آسيا أو الشرق الأوسط، مما يؤدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتضخم عالمى فى أسعار بعض السلع.
وأكد الطناوى أن الخطر الحقيقى على حركة الملاحة فى قناة السويس يتمثل فى هجمات الحوثيين فى مضيق باب المندب، التى أدت إلى انخفاض عدد السفن العابرة للقناة بنسبة %40.
من جانبه، توقع إبراهيم شلبي، رئيس شعبة النقل الدولى واللوجستيات بغرفة تجارة بورسعيد ، أن تؤدى الأحداث الحالية إلى زيادة أسعار نوالين الشحن بنسبة لا تقل عن %60 للدول الواقعة على مضيق هرمز والمتاخمة له.
ولفت إلى أن الصادرات المصرية تتراجع معدلاتها إلى تلك الدول، كذلك تنخفض حجم البضائع الواردة من دول الخليج العربى بنسبة %10 مقارنة بالدول الأخرى.
وتوقعت بسمه مندور مدير بشركة ثروة للتأمين، أن ترتفع تسعير التغطية التأمينية بنسبة %25 نتيجة لتصاعد الأحداث الحالية وتأثيراتها على الممرات الملاحية العالمية.
الخطوط العالمية
كشف مصدر مطلع بمكتب أحد الخطوط الملاحية العالمية، أن شركة ايفر جرين التايوانية أوقفت عملياتها فى البحر الأحمر بعد الهجمات على السفن وكذلك شركة ميرسك التى أعلنت عن تعليق مؤقت لعملياتها فى البحر الأحمر بعد الهجمات على سفنها ، وشركة هاباج لويد الألمانية بسبب تحذيرات بشأن احتمال تأخير العمليات نتيجة الظروف الأمنية.
ويرى السيد حلمى رئيس مجلس إدارة شركة نيكست شوت للملاحة، أن مضيق هرمز وبحر العرب والبحر الأحمر مناطق استراتيجية تمر بها خطوط التجارة من آسيا إلى أوروبا وأن أى اشتباكات أو تهديدات للسفن الماره بها تؤدى إلى تأخير فى الشحن، واضطرار السفن لاستخدام طرق بديلة أطول مثل طريق رأس الرجاء الصالح
ولفت إلى أن اتجاه الشركات للطرق البديلة سيؤدى حتمًا إلى عدم عودتها سريعًا للعبور من قناة السويس بعد أن شهدت مؤخرًا وقبل اندلاع الحرب الإيرانية الإسرائيلية تحسنًا فى مؤشرات العبور بعد هدوء وتيرة هجمات الحوثيين على السفن بباب المندب جنوب البحر الأحمر.
وتستهدف قناة السويس المصرية تحقيق 7 مليارات دولار إيرادات بنهاية العام الحالي، بحسب أسامة ربيع، رئيس هيئة القناة، فى تصريحات سابقة خلال أبريل الماضي.
وسجلت إيرادات القناة فى العام الماضى تراجعًا حادًا بنسبة %61 لتحقق 3.9 مليار دولار، مقارنة بنحو 10.2 مليار دولار فى عام 2023، وذلك بعد تحويل عدد كبير من السفن مسارها إلى رأس الرجاء الصالح تجنباً لهجمات الحوثيين فى البحر الأحمر.
وواصلت إيرادات قناة السويس تأثرها سلبًا خلال الربع الأول من 2025، باضطرابات الملاحة فى البحر الأحمر، وتراجعت إيراداتها بنحو %6 على أساس سنوى إلى 904 ملايين دولار، بينما انخفضت %60 مقارنة مع الفترة المماثلة من عام 2023، والذى شهد فى نهايته اندلاع الحرب على غزة.
ارتفاع الأسعار
فى سياق متصل، قال محمد العرجاوى نقيب مستخلصى الإسكندرية، ونائب رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية، إنه من المتوقع ارتفاع أسعار النفط ومن ثم ارتفاع أسعار النوالين وقد تتأثر سلاسل الإمداد بالطبع بارتفاع تكلفة التصنيع،لاسيما مع خفض الإنتاج من الغاز الطبيعى مما قد يتسبب فى تعطيل بعض خطوط الإنتاج ولكن على الجانب الآخر من المتوقع أن تزداد عدد الشحنات على الموانى المصرية بالبحر المتوسط مثل إسكندرية ودمياط وبورسعيد، بسبب استقرار الأوضاع المصرية.
وتابع أنه من الضرورى تنفيذ توجيهات القيادة السياسية بإنشاء مراكز توزيع لوجيستية وخاصة مستلزمات الإنتاج والسلع الاستراتيجية، والتى تعد الملاذ الآمن فى تلك الظروف السياسية الراهنة.
وأضاف “العرجاوي” أن مستودعات التوزيع مازالت السوق المحلية فى حاجة إليها، خاصة وأن لها عددًا من المزايا ودعامة أساسية لتحسين الكفاءة وتقليل التكاليف فى سلاسل الإمداد، وخاصة فى الصناعات كثيفة الاستهلاك للمستلزمات،وسد الاحتياجات من السلع الاستراتيجية بالإضافة إلى مستلزمات الإنتاج.
وتابع نقيب مستخلصى الإسكندرية، أن هذه المراكز ستعمل على تقليل تكاليف النقل والتخزين، وتقليل المسافات بين الموردين ومواقع الإنتاج من خلال التمركز الاستراتيجي، وتجميع الشحنات وتقسيمها، والاستفادة من وفورات الحجم فى النقل والتخزين.
كما أن هذه المراكز ستعمل على تسريع وتيرة الإنتاج وتقصير زمن الدورة، وتوافر مستلزمات الإنتاج فى الوقت المناسب، وتقليل زمن توقف خطوط الإنتاج بسبب نقص المواد.
وبين أنه سيتم تحسين إدارة المخزون، من خلال تقليل الحاجة لمخزون عالٍ فى المصنع، بالاضافة إلى مرونة أعلى فى الاستجابة لتغيرات الطلب بفضل قرب المركز من خط الإنتاج، وهو ما طبقته العديد من الشركات الألمانية بعد جائحة كورونا .
وأشار إلى أن التوسع فى المراكز اللوجستية حاليًا سيعمل على تعزيز القدرة التنافسية، وإمكانية تقليل تكلفة الوحدة المنتجة مما يعزز التنافسية السعرية، وسرعة أكبر فى تلبية الطلبيات المحلية والتصديرية، بالاضافة إلى دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
وطالب بضرورة وجود منصة مشتركة لتخزين وتوزيع المواد الخام، وتقليل الحاجة لاستثمارات رأسمالية فى بنية لوجستية خاصة، بالاضافة إلى جذب الاستثمارات الصناعية، وتوافر بنية لوجستية داعمة تشجع المستثمرين على إقامة مصانعهم قرب المركز، وكذلك دعم المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة والموانى الجافة والإيداعات الجمركية .
المناطق اللوجستية
اتفق أيمن الشيخ رئيس شعبة خدمات النقل الدولى واللوجستيات بالغرفة التجارية بالقاهرة، مع الرأى السابق، موضحًا أنه أصبح هناك ضرورة للتوسع من قبل مصلحة الجمارك فى منح أراض لشركات النقل الدولى ومرحلى البضائع لإنشاء إيداعات جمركية، يتم من خلالها الإفراج عن البضائع بأنظمة مختلفة.
وأوضح أن هناك حاجة لدخول القطاع المصرفى لتمويل مثل هذه المشروعات، مشيرًا إلى أن السوق المصرية مؤهلة لإنشاء 1000 مشروع من هذه النوعية، ويكون بها بضائع تكفى للسوق المحلية لمدة 6 أشهر تكون جاهزة فى وقت الأزمات كالفترة الراهنة.
وأشار “الشيخ” إلى أن التوسع فى إنشاء المناطق اللوجستية والايداعات الجمركية يتم من خلال سحب كافة البضائع من الموانئ وسرعة عمليات الشحن والتفريغ، وتوفير ما يزيد عن 20 مليار دولار يتم دفعها سنويًا غرامات للخطوط الملاحية.
