يُعد الصراع «الإسرائيلى - الإيراني» أحد أكثر الملفات الجيوسياسية تعقيدًا فى منطقة الشرق الأوسط، بالنظر إلى تداعياته الإقليمية والدولية الواسعة، ومع تصاعد المواجهات العسكرية بين الطرفين، يتزايد القلق من انعكاسات هذا الصراع على الاستقرار العالمى، وخاصة فى الجانب الاقتصادى.
ولما كان هذا الصراع يحدث فى منطقة تُعد شريانا حيويا لأسواق الطاقة العالمية، وتضم عددًا من أهم الممرات البحرية الاستراتيجية مثل مضيق هرمز، فإن أى تصعيد عسكرى فى هذه المنطقة لا يؤثر فقط على الدول المنخرطة مباشرة فى النزاع، بل يمتد تأثيره إلى الاقتصاد العالمى بأسره من خلال ارتفاع أسعار النفط، واضطراب سلاسل الإمداد، وتقلب الأسواق المالية، وزيادة الضغوط التضخمية على الاقتصادات الكبرى والناشئة على حد سواء.
وفى هذا السياق، تبرز الحاجة إلى فهم شامل لتداعيات هذا الصراع على الاقتصاد العالمى، وتحديد السيناريوهات المحتملة التى قد تتشكل مع استمرار المواجهات.
طول أمد الصراع يهدد بعودة التضخم إلى أوروبا
أحدثت الضربات الجوية التى شنتها إسرائيل على مواقع نووية وعسكرية إيرانية صدمةً فى الاقتصاد العالمى، بحسب تقرير نشره موقع Euractiv.
ورغم أن خطر التصعيد النووى منخفض، فإن طول أمد الصراع فى الشرق الأوسط قد يؤدى إلى عودة التضخم فى مختلف أنحاء أوروبا، وتراجع ثقة المستهلكين وضعف أنشطة الشركات.
وأوضح التقرير أن جزءا كبيرا من التأثير الأولى كان متوقعًا، فقد ارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوى لها منذ أشهر، وتراجعت الأسهم الأمريكية، والأوروبية (رغم ارتفاع أسهم شركات الدفاع)، وارتفعت السندات الأمريكية والألمانية، مع بحث المستثمرين عن الأمان وسط اضطرابات السوق.
وبحسب التقرير، فإنه يصعب توقع الآثار طويلة المدى للهجمات الإسرائيلية، نظرًا لاعتمادها على حدة تصعيد الصراع.
وأشار إلى أنه رغم ذلك فإن المؤشرات الأولية بعيدة كل البعد عن التفاؤل، فقد صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بأن الصراع سيستمر لأى عدد من الأيام، محذرا الإسرائيليين من أنه من المحتمل أن يضطروا إلى البحث عن ملاجئ لفترة طويلة من الزمن.
وحال استمرار الصراع، فمن المؤكد أن أسعار النفط ستبقى مرتفعة، مما يفاقم معاناة الصناعات الأوروبية كثيفة الاستهلاك للطاقة، وقد يؤدى إلى عودة ضغوط الأسعار التى خفت حدتها بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، وفقا للتقرير.
من جانبه، حذر كارستن برزيسكى، رئيس قسم الاقتصاد الكلى فى ING للأبحاث، من أن التصعيد الكبير للصراع سيزيد من إضعاف ثقة المستهلكين والشركات فى منطقة اليورو، ما يؤدى إلى انخفاض مستويات الطلب والاستثمار الضعيفة أصلًا.
وقال برزيسكى: إن التأثير المشترك لارتفاع أسعار الطاقة وحالة عدم اليقين، قد يضيف على مدى فترة زمنية أطول عنصر ركود تضخمى إلى توقعات منطقة اليورو، إذ سيترسخ التضخم المرتفع وضعف النمو فى جميع أنحاء المنطقة.
بدوره، قال فيليب لاوسبرج، كبير المحللين فى مركز السياسة الأوروبية: إن مثل هذا السيناريو يُذكرنا بالركود التضخمى المُدمر الذى شهدته أوروبا فى أعقاب حرب أكتوبر عام 1973.
وأضاف أن تجدد ضغوط الأسعار سيُجبر البنك المركزى الأوروبى على رفع أسعار الفائدة، ما يُعيق الاستثمار والنمو فى قطاع الأعمال.
وتابع: يريد البنك المركزى الأوروبى خفض أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد، لكن مكافحة التضخم هى هدفه الرئيسى، لذا سيضطر إلى رفع أسعار الفائدة مرة أخرى، وذلك لن يكون فى صالح أوروبا.
المخاوف النووية
يتضمن أسوأ سيناريو على الإطلاق استخدام إسرائيل للأسلحة النووية، ما قد يُشعل حربًا أوسع نطاقًا فى الشرق الأوسط، وقد يُشعل فتيل حرب نووية شاملة تضم الولايات المتحدة أو غيرها من القوى الغربية أو الإقليمية.
ومع ذلك، وفقا للتقرير، فقد قلل الخبراء من مخاطر تصاعد الصراع الحالى إلى حرب نووية عالمية أو حتى إقليمية.
وقالت سوزى سنايدر، منسقة برنامج الحملة الدولية لإزالة الأسلحة النووية (ICAN)، ومقرها جنيف: أعتقد أن خطر التصعيد النووى ليس منعدما، لكننى لا أعتقد أن الخطر كبير جدًا، إلا إذا شنت إيران هجمات تُقصى القيادة الإسرائيلية.
وأضافت أن الاحتمال الضئيل لاستهداف طهران للقيادة العسكرية الإسرائيلية، يُعزى على الأرجح إلى افتقارها للقدرة لا إلى رغبتها.
وتابعت: الخطر الأكثر واقعية هو التهديد الذى قد يشكله صراع طويل الأمد فى الشرق الأوسط على سلاسل التوريد العالمية، إذ يمر جزء كبير من الشحن العالمى، بما فى ذلك ما يقرب من ربع نفط العالم، عبر مضيق هرمز قبالة سواحل إيران، ويُعد خليج عدن قبالة سواحل اليمن، الذى يسيطر عليه الحوثيون ممر آخر للشحن العالمى.
توقعات بارتفاع أسعار الشحن حال استمرار المواجهات
أدى الصراع “الإيرانى - الإسرائيلي” إلى تفاقم حالة عدم اليقين الاقتصادى حول العالم، ما أثر على حركة التجارة العالمية، بما فيها الصادرات، إذ من المتوقع أن تؤدى التوترات إلى ارتفاع أسعار الشحن الجوى والبحرى، بحسب صحيفة The Economic Times الهندية.
وقال مصدرون: إن صادرات الهند إلى أوروبا ودول أخرى مثل روسيا قد تتأثر جراء الحرب.
وبحسب الصحيفة، فإنه إذا استمر الصراع لفترة طويلة، فستتأثر حركة السفن التجارية عبر طرق مثل مضيق هرمز.
وقال اتحاد منظمات التصدير الهندية: ستُلحق الحرب ضررًا كبيرا بالتجارة العالمية، فقد كان الوضع يتحسن تدريجيًا، لكن حركة التجارة ستتأثر مجددًا، وقد تتأثر صادراتنا إلى أوروبا ودول أخرى مثل روسيا، ومن المتوقع ارتفاع أسعار الشحن والتأمين.
وأضاف أن شحنات الصادرات الهندية بدأت تدريجيًا بالمرور عبر طريق البحر الأحمر، لكنها ستتأثر مجددًا.
وقال “إس. كيه. ساراف”، رئيس مجلس إدارة شركة “تكنوكرافت إندستريز المحدودة”: إن التداعيات المباشرة للصراع ستكون ارتفاع رسوم الشحن والتأمين بعد فترة من الهدوء، مع عودة طرق البحر الأحمر إلى طبيعتها ببطء.
وأشار إلى صعوبة الوضع على التجارة العالمية إذا استمرت الحرب بين إيران وإسرائيل لمدة أسبوع، مضيفًا: “إيران وإسرائيل أيضًا شريكتان تجاريتان كبيرتان للهند”.
ووفقا للتقرير فقد عادت سفن الشحن تدريجيًا إلى طرق البحر الأحمر، مما وفر عليها 15-20 يومًا أثناء انتقالها إلى الولايات المتحدة وأوروبا من الهند ومناطق أخرى من آسيا.
وأضاف رئيس الشركة: ستتجنب السفن التجارية البحر الأحمر مجددًا، مما سيؤدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن التى سيتحملها التجار، وإذا استمرت الحرب لأكثر من أسبوع، فقد ترفع أسعار الشحن بنحو %50.
بدوره، قال أجاى سهاى، المدير العام لاتحاد منظمات النفط والغاز فى الهند: يعتمد كل شيء على ما إذا كان الصراع سيبقى محليًا أم سيتوسع ليشمل دولًا أخرى، وسيظهر تأثيره أولًا على أسعار النفط العالمية.
وإلى جانب طريق البحر الأحمر، يُعدّ المرور عبر مضيق هرمز هذه المرة عاملًا آخر يُثقل كاهل تجارة الطاقة العالمية، بحسب الصحيفة.
ويربط مضيق هرمز - الواقع بين عُمان وإيران - الخليج العربى بخليج عُمان وبحر العرب، ويمرّ حوالى %21 من المواد البترولية العالمية عبر هذا المضيق.
وتعتبر (الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية) الوجهات الرئيسية للنفط الخام المنقول عبر المضيق، كما تستخدم عُمان هذا الطريق لتزويد الهند بالغاز الطبيعى المُسال.
يشار إلى أنه فى العام الماضى، تصاعد الوضع حول مضيق باب المندب، وهو طريق ملاحى حيوى يربط البحر الأحمر والبحر المتوسط بالمحيط الهندى، بسبب هجمات شنّها الحوثيون المتمركزون فى اليمن على بعض السفن.
يذكر أن نسبة %80 من تجارة البضائع الهندية مع أوروبا تمر عبر البحر الأحمر، كما تمر تجارة كبيرة بينها وبين الولايات المتحدة عبره أيضًا.
ويعد مضيق البحر الأحمر محوريًا لـ %30 من حركة الحاويات العالمية، ولـ %12 من التجارة العالمية.
وانخفضت صادرات الهند إلى إسرائيل بشكل حاد إلى 2.1 مليار دولار فى السنة المالية 2024 - 2025، من 4.5 مليار فى 2023 - 2024.
طهران تواجه معوقات تضعف قدرتها على التحمل
تتصاعد المواجهة بين إيران - التى تمتلك احتياطيات من النقد الأجنبى تبلغ 33 مليار دولار، وتعانى من تضخم بلغ %32 - وإسرائيل - 223 مليار - وسط عقوبات وتراجع للنمو فى إيران، بحسب تقرير نشره موقع Firstpost.
واندلعت المواجهة فى الساعات الأولى من يوم الجمعة 13 يونيو، عندما شنّ سلاح الجو الإسرائيلى هجومًا واسع النطاق على طهران، مُستهدفًا القيادة العسكرية، ومواقع تخصيب اليورانيوم، وبعد ساعات ردّت إيران بأكثر من 100 طائرة مُسيّرة، منخفضة التكلفة، لاستهداف مواقع إسرائيلية.
وبحسب التقرير، فإنه على الرغم من أن الهجمات الإسرائيلية قد تسببت فى الكثير من الأضرار التى لحقت بالمواقع النووية الإيرانية، وأدت إلى مقتل قادة عسكريين بارزين، وبعض كبار العلماء النوويين، إلا أن الهجوم المضاد الإيرانى الأول كان أقل ضررا.
وأصدرت إسرائيل بيانات، تفيد بأن إيران قد وصلت إلى نقطة اللاعودة فى برنامجها لتخصيب اليورانيوم، والذى وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بأنه تهديد لبقاء بلاده.
وأعلن الجيش الإسرائيلى أن إيران طورت سرًا خطة للتقدم التكنولوجى فى جميع مراحل تطوير سلاح نووى.
وبحسب “جيش الاحتلال”، فإن تضافر جهود النظام الإيرانى لإنتاج آلاف الكيلوجرامات من اليورانيوم المخصب، إلى جانب مُركبات التخصيب اللامركزية والمحصنة فى منشآت تحت الأرض، تمكّن النظام الإيرانى من تخصيب اليورانيوم إلى مستويات عسكرية، ما يُمكّنه من الحصول على سلاح نووى فى غضون فترة قصيرة.
ووفقا للتقرير، فإن إيران تواجه معوقات اقتصادية جسيمة من شأنها أن تحد بشدة من قدرتها على تحمل صراع ممتد مع إسرائيل، فعلى الرغم من الزيادات الأخيرة فى الإنفاق العسكرى، فإن ضعف هيكل الاقتصاد الإيرانى والعقوبات المفروضة عليها، وتناقص الموارد، يقوض قدرة طهران المالية، لذا تبدو ضعيفة اقتصاديًا مع دخولها فى صراع عسكرى مع إسرائيل.
وتشير التقديرات، بحسب التقرير، إلى نمو الناتج المحلى الإجمالى لإيران %0.3 فقط فى عام 2025، وهو انخفاض حاد عن تقديرات سابقة لصندوق النقد الدولى بلغت %3، ويؤدى التضخم المزمن، الذى سجل %32 فى يناير 2025، إلى تآكل القوة الشرائية، إذ يعيش %27 من الإيرانيين على أقل من دولارين يوميًا.
ووفقا لتقرير موقع Firstpost فقد هبطت قيمة العملة الإيرانية (الريال) أمام الدولار إلى أكثر من مليون ريال للدولار الأمريكى مؤخرا، ما أدى إلى خفض الحد الأدنى الحقيقى للأجور إلى 120 دولارًا شهريًا، وهو ما يشكل ضغطًا على المالية العامة ويحد من قدرة الحكومة على تمويل العمليات العسكرية الطويلة.
وأوضح التقرير أن العقوبات الأمريكية فى عهد الرئيس دونالد ترامب، قد أدت إلى خفض صادرات إيران النفطية، ومن المتوقع أن ينخفض الإنتاج بمقدار 300 ألف برميل يوميًا فى عام 2025، ورغم تخصيص 420 ألف برميل يوميًا (%24 من الصادرات) للتمويل العسكرى، بقيمة 12.7 مليار دولار، إلا أن الإيرادات لا تزال محدودة.
ويتوقع المراقبون الإيرانيون انخفاضًا حادًا فى الصادرات قدره 500 ألف برميل يوميًا، مما يؤدى إلى تفاقم العجز المالى.
وبلغ إجمالى احتياطيات إيران من النقد الأجنبى 33.8 مليار دولار فى يناير 2025، مقارنة مع ما سجلته فى عام 2015 البالغ 128.4 مليار دولار، فى حين سجلت احتياطيات إسرائيل رقمًا قياسيًا بلغ 223.6 مليار دولار فى مايو 2025.
وبحسب التقرير، فإن احتياطيات طهران المحدودة من النقد الأجنبى تقيد قدرتها على استيراد السلع الأساسية، أو استقرار عملتها خلال الصراع.
وأشار التقرير إلى أن الميزانية العسكرية لإيران لعام 2025 قد تضاعفت لتصل إلى 12.7 مليار دولار، ما يُشير إلى التحول من الدبلوماسية إلى العسكرة، ومع ذلك، تأتى هذه الأولوية فى ظل عجز مالى متزايد وركود صناعى، مع توقف %50 من الطاقة الإنتاجية فى بعض القطاعات بسبب نقص الطاقة.
الاقتصاد الإسرائيلي
وذكر التقرير أن الاقتصاد الإسرائيلى نما بنسبة %3.4 فى الربع الأول من عام 2025 رغم الصراعات المستمرة، مدعومًا بصادرات تكنولوجية قوية.
وبحسب التقرير، سيرتفع الإنفاق الدفاعى فى إسرائيل إلى 45 مليار دولار فى عام 2025، وعلى عكس إيران، تستفيد إسرائيل من الضمانات الأمنية الأمريكية وإمكانية الوصول إلى الأسواق المالية العالمية، ما يوفر لها دعمًا استراتيجيًا.
زيادة برميل النفط يعزز الدولار ويقلل فرص خفض الفائدة
يتوقع مراقبون أن يؤدى تصاعد المواجهات الإيرانية الإسرائيلية إلى ارتفاع أسعار النفط إلى ما يزيد عن 80 دولارًا للبرميل، ما يعنى المزيد من الصعود للدولار، وكان من المرجح أن يُبقى مجلس الاحتياطى الفيدرالى أسعار الفائدة ثابتة حتى الربع الثالث 2025. إلا أن التطورات الأخيرة تُعزز هذا التوجه، بحسب تحليل نشرته مؤسسة ING Think.
واتهمت إيران واشنطن بالتواطؤ مع الجانب الإسرائيلى، وقد تستهدف طهران أصولًا أمريكية فى المنطقة فى الوقت الذى تصاعدت فيه المخاطر الأمنية البحرية فى مضيق هرمز والخليج العربى والمياه المحيطة به، وهى ممرات حيوية لتجارة النفط والغاز العالمية.
ورغم أن البنية التحتية للطاقة فى إيران لم تُستهدف بعد، إلا أن خطر الضربات المستقبلية قد يعطل سلاسل الإمداد، ويزيد من ارتفاع الأسعار.
ويتوقع محللون أنه فى حالة إغلاق مضيق هرمز فسيكون هناك تأثير بعيد المدى قيود على التجارة البحرية، وذلك فى حالة إذا ما قررت طهران اللجوء لحصار المضيق كوسيلة انتقامية فعّالة، بدلا من الاستهداف المباشر للأصول الأمريكية الإقليمية.
التأثير على أسواق الطاقة
يتطلب ارتفاع مستوى عدم اليقين الجيوسياسى فى أسواق الطاقة، احتساب علاوة مخاطر كبيرة نظرًا لاحتمال انقطاع الإمدادات.
وشهدت أسعار النفط ارتفاعًا فى بداية الأحداث بنسبة %13 بعد الهجمات على إيران، وستحتاج السوق إلى احتساب علاوة مخاطر أكبر مما كانت عليه قبل الهجمات، وأى تصعيد يؤدى إلى انقطاع فى تدفقات النفط الإيرانى سيكون داعمًا أكبر للأسعار.
يُعدّ السيناريو الأكثر خطورة هو أن يؤدى التصعيد إلى انقطاع فى الشحن عبر مضيق هرمز، ما قد يؤثر على تدفقات النفط من الخليج العربى. ولهذا التصعيد أيضًا تداعيات على سوق الغاز الأوروبية، ولارتفاع أسعار الغاز بشكل ملحوظ، فإن الأمر يحتاج إلى رؤية أسوأ سيناريو يتحقق، وهو انقطاع الشحن عبر مضيق هرمز ، مع الأخذ فى الاعتبار أن قطر هى ثالث أكبر مُصدّر للغاز الطبيعى المسال، إذ تستأثر بحوالى %20 من تجارة الغاز العالمية، ويجب أن يمرّ كل هذا العرض عبر المضيق، ورغم أن سوق الغاز العالمية تشهد توازنًا حاليًا، إلا أن أى اضطرابات ستُدخلها فى عجز، وستزيد من المنافسة بين المشترين الآسيويين والأوروبيين.
تداعيات ارتفاع أسعار النفط على البنوك المركزية
قبل عشر سنوات، كانت البنوك المركزية، بما فى ذلك الاحتياطى الفيدرالى، تنظر إلى ارتفاع أسعار النفط على أنه عامل تيسيرى لأسعار الفائدة، وعادةً ما كان ضعف النمو يفوق المخاوف بشأن ارتفاع قصير الأمد فى التضخم، لكن هذا التفكير تغير بشكل كبير منذ جائحة كورونا. ففى أوروبا، غذّى ارتفاع أسعار الغاز والنفط فى عام 2022 انتعاشًا طويل الأمد فى تضخم قطاع الخدمات، وفى هذا السياق، فقد حذر بنك التسويات الدولية البنوك المركزية من أنه سيكون من الصعب تجاهل صدمات العرض.
ومن الواضح أن ارتفاع أسعار النفط يقلل من فرص خفض الاحتياطى الفيدرالى لأسعار الفائدة خلال الربع الثالث 2025، كما تُصعّب هذه التطورات الأمور على البنك المركزى الأوروبى، فقد ظل التضخم فى منطقة اليورو منخفضًا خلال الأشهر الأخيرة بفعل انخفاض أسعار الطاقة، إلا أن هذه التطورات تنذر بالتغيير الآن، حيث تُشكّل التكاليف المرتفعة مصدر قلق آخر لقطاع التصنيع.
ويُظهر سيناريو البنك المركزى الأوروبى أن ارتفاع أسعار الطاقة بنسبة %20 قد يُخفّض النمو بمقدار 0.1 نقطة مئوية فى عامى 2026 و2027. وسيكون التضخم أعلى بمقدار 0.4 و0.6 نقطة مئوية، على التوالى، مقارنةً بتوقعاته الأساسية، أما ارتفاع تقلبات أسعار الطاقة فيعنى أن البنك المركزى الأوروبى سيُجرى مراجعةً أكثر تعمقًا للتضخم الأساسى، ومن المتوقع أن يجرى “المركزى الأوروبي” خفضًا آخر لأسعار الفائدة فى سبتمبر.
التأثير على سوق العملات الأجنبية
انتعش الدولار الأمريكى على خلفية التطورات الأخيرة فى الصراع “الإسرائيلى - الإيراني”، لكنه لا يزال بعيدًا عن تعويض خسائره التى تكبدها فى وقت سابق، وإذا تصاعدت التوترات إلى صراع أوسع نطاقًا وارتفعت أسعار النفط أكثر، فمن المتوقع أن يكون المجال أكبر لارتفاع الدولار، الذى يعانى بالفعل من بيع مفرط ومُقوّم بأقل من قيمته الحقيقية بشكل حاد على المدى القريب.
التأثير على أسواق الائتمان فى الآونة الأخيرة، استوعبت أسواق الائتمان جميع العوامل الخارجية المثيرة للقلق وتجاهلتها، وقد أدت وفرة السيولة إلى انخفاض كبير فى العرض، بينما تقلصت الفوارق الائتمانية (الفارق بين العائدات على الأصول، وتلك على السندات الحكومية ذات تواريخ الاستحقاق المماثلة)، بشكل كبير، وغالبًا ما وصلت إلى أدنى مستوياتها هذا العام، ومع ذلك، لا يزال عدم اليقين طويل الأجل بشأن الميزانيات العمومية للشركات يهيمن، كما يؤثر ارتفاع أسعار السلع الأساسية والتضخم على هوامش الأرباح، وهو عامل سلبى آخر يؤثر على الائتمان.
