الحرب بين إسرائيل وإيران تسرِّع سباق التكنولوجيا العسكرية والأمن السيبراني عالميًا

Ad

تتجه الأنظار مجددًا هذه الأيام نحو الشرق الأوسط بعد الضربة العسكرية الإسرائيلية الواسعة على مواقع نووية وعسكرية إيرانية، فى إطار عملية أطلقت عليها تل أبيب اسم الأسد الصاعد Rising Lion.

هذا التصعيد، وإن كان عسكريًا فى ظاهره، إلا أنه فى جوهره يعكس تحوّلًا جذريًا فى طبيعة الحروب الحديثة، حيث بات الذكاء الاصطناعي، والطائرات المسيّرة، والحرب السيبرانية فى صدارة المواجهات.

العملية الإسرائيلية التى استهدفت أكثر من 100 موقع داخل إيران، من بينها منشآت نووية وقواعد قيادة عسكرية، حملت توقيع تكنولوجيا متقدمة، مثل الطائرات المقاتلة من طراز F-35 والذخائر الذكية الموجهة بالأقمار الصناعية، إلى جانب هجمات سيبرانية وصفت بالدقيقة عطّلت الدفاعات الجوية الإيرانية، وفقا لما نشرته وكالة رويترز.

وفى تطور لافت، اعتمدت إسرائيل فى هجماتها على اختراقات إلكترونية سبقت القصف الجوي، وهو ما يرجح ضلوع جهاز “الموساد” فى شن هجمات سيبرانية استباقية، عطلت أنظمة القيادة والسيطرة الإيرانية. هذا الأسلوب، الذى يجمع بين الهجوم الإلكترونى والعمل الميداني، يؤشر إلى نمط جديد من “الحرب المحدودة” عالية التقنية، تسعى من خلالها تل أبيب لتقويض قدرات إيران دون الانزلاق إلى حرب شاملة.

ارتفاع أسهم الدفاع و«الأمنية»

انعكس هذا التصعيد مباشرة على أسواق المال، إذ شهدت أسهم شركات الدفاع والتكنولوجيا الأمنية ارتفاعًا ملحوظًا وبرزت أسهم شركات إسرائيلية مثل: Rafael Advanced Defense Systems: المطوّرة لنظام القبة الحديدية وقنابل Spice 2000 الذكية وElbit Systems (ESLT): الرائدة فى أنظمة الطائرات دون طيار، والمراقبة الجوية، والتقنيات السيبرانية.

كما ارتفع الاهتمام بشركات الأمن السيبرانى مثل Check Point وCyberArk، وهما من أبرز المزودين للبنية التحتية الدفاعية ضد الهجمات الإلكترونية التى ترعاها الدول.

ووفقًا لتحليلات الأسواق، شهدت ميزانيات الدفاع فى الشرق الأوسط نموًا سنويًا بنسبة 8% بين 2019 و2023، ويتوقع أن يتسارع هذا المعدل فى ظل تصاعد التهديدات الإقليمية.

هذا الاتجاه يعزز الطلب العالمى على المعدات المتقدمة مثل أنظمة الدفاع الجوي، الذكاء الاصطناعى العسكري، والطائرات المسيّرة، ما ينعكس إيجابًا على شركات التصنيع الدفاعى عالميًا.

فرص طويلة المدى

ينظر المستثمرون إلى هذه التطورات بوصفها فرصًا استراتيجية طويلة المدى، حيث تشير التحليلات إلى أن الحروب المقبلة ستكون أكثر اعتمادًا على أدوات رقمية وتقنيات التحكم عن بعد. ويعدّ الاستثمار فى صناديق مؤشرات مثل:Global X Cybersecurity ETF (KCY) وiShares U.S. Aerospace & Defense (ITA) طريقة فعالة للاستفادة من هذا التحوّل، عبر تنويع الاستثمارات وتقليل المخاطر المرتبطة بشركة بعينها.

وبات الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران يتخطى الحدود العسكرية التقليدية، ليشكل منصة لتجريب واختبار أحدث تقنيات الحرب السيبرانية والذكاء الاصطناعي.

وفى الوقت الذى يحذر فيه بعض الاستراتيجيين من تهاون الأسواق فى التعامل مع هذه التوترات، تتجه الأنظار إلى شركات التكنولوجيا العسكرية كمحركات رئيسية لعصر جديد من المواجهات الجيوسياسية.

انخفاض العملات الرقمية

فى ظل التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران، تتكشف أبعاد جديدة لصراعات الشرق الأوسط، لم تعد تقتصر على المواجهات التقليدية، بل امتدت إلى مجالات التكنولوجيا المتقدمة والحرب السيبرانية، مُشكلةً نموذجًا معاصرًا لـ”الردع الرقمي” و”القصف السيبراني”، بما له من تداعيات استراتيجية على الاقتصاد العالمي، والأمن القومى للدول، وأولويات الاستثمار فى التكنولوجيا.

الأمر الذى أدى إلى قفزة فى الطلب على الحلول السيبرانية، وخصوصًا فى الدول المجاورة كالإمارات والسعودية، وكذلك فى أوروبا، حيث تسعى الحكومات لتحديث شبكاتها الدفاعية ضد الهجمات الرقمية.

ومع بداية التصعيد، شهدت أسواق العملات الرقمية انخفاضًا حادًا فى عملات مثل البيتكوين والإيثريوم، نتيجة القلق من تعطيل البنى التحتية الرقمية أو فرض عقوبات جديدة. فى الوقت نفسه، ازدادت أهمية الأنظمة البديلة للدفع الرقمى والتحويلات العابرة للحدود، ما سلط الضوء على أهمية التشفير والأمن السيبرانى فى عالم الفينتك.

وأصبحت أوروبا أكثر انخراطًا فى بناء بنية تحتية دفاعية رقمية، فى ظل تخوف من أن تمتد الهجمات السيبرانية فى حين تراقب الولايات المتحدة الموقف دون تدخل مباشر، لكنها تدعم من الخلف عبر التكنولوجيا والتنسيق الاستخباراتي.

من جانبهما روسيا والصين تتابعان بقلق، خشية أن تتوسع الحرب لتؤثر على أمنهما السيبرانى واقتصاداتهما الرقمية.

التكنولوجيا أداة للردع والمواجهة

وتؤكد تحليلات الخبراء أن ما نشهده ليس سوى بداية لما يمكن أن يكون “حقبة الحرب الرقمية”، حيث تصبح الطائرات المسيّرة، البرمجيات الخبيثة، والتكنولوجيا القائمة على الذكاء الاصطناعى أدوات حرب فعلية.

فى سياق متصل ، أطلقت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” منذ مطلع العام برنامجًا لتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعى فى أنظمة الدفاع والاستهداف، وهو ما أثار جدلاً عالميًا بشأن “أخلاقيات السلاح الذكي”

وفيما يعيد المستثمرون ترتيب محافظهم، تعيد الحكومات رسم سياساتها... لكن المؤكد أن التكنولوجيا لم تعد حليفة فقط للتنمية، بل باتت أيضًا أداة للردع والمواجهة.

وفى سياق متصل، أعلنت شركة ميتا “المالكة لفيسبوك” عن استثمار ضخم بقيمة 14.8 مليار دولار فى شركة Scale AI الناشئة والمتخصصة فى تصنيف البيانات، إلى جانب تعيين مديرها التنفيذى ضمن صفوف ميتا، ما يُعد اختبارًا جديدًا لمدى تقبل الإدارة الأميركية، فى عهد الرئيس دونالد ترامب، لما يُعرف بصفقات “الاستحواذ عبر التوظى “acquihire”.

الصفقة، التى تم الإعلان عنها الخميس الماضي، تمنح ميتا حصة %49 غير تصويتية فى الشركة، ما يجنّبها الخضوع للمراجعة الرسمية من قبل الجهات التنظيمية لمكافحة الاحتكار فى الولايات المتحدة. ومع ذلك، حذّر خبراء من احتمال فتح تحقيق لاحق إذا ثبت أن الصفقة صُممت لتجنب التدقيق التنظيمى أو تقويض المنافسة.

وتضم شركة “سكيل AI”، التى تعتمد على قوة عاملة مرنة لتصنيف البيانات يدويًا، بين عملائها شركات كبرى مثل مايكروسوفت وOpenAI، ما أثار قلقًا من أن الصفقة قد تمنح ميتا رؤية داخلية حول عمليات منافسيها.

وبالفعل، أفادت “رويترز” أن جوجل قررت إنهاء علاقتها مع “سكيل” بعد الإعلان عن الصفقة، فيما يفكر عملاء آخرون فى اتخاذ خطوات مماثلة.

وفى بيان رسمي، أكدت “سكيل AI” التزامها بحماية بيانات عملائها واستمرار نشاطها القوى مع الحكومات والشركات، لكنها امتنعت عن التعليق على قرار غوغل تحديدًا.

وبموجب الاتفاق، سينتقل ألكسندر وانغ، الرئيس التنفيذى البالغ من العمر 28 عامًا، إلى العمل ضمن ميتا، مع بقائه عضوًا فى مجلس إدارة “سكيل”، مع فرض قيود صارمة على وصوله إلى المعلومات الحساسة، بحسب مصادر مطلعة.

التنافس المتصاعد فى Ai

ويشير خبراء قانون المنافسة إلى أن شركات التكنولوجيا الكبرى قد ترى أن بيئة الشراكات فى مجال الذكاء الاصطناعى باتت أكثر مرونة تحت إدارة ترامب، مقارنة بسياسات التدقيق الصارمة التى اتبعتها إدارة بايدن.

ورغم أن مسؤولى مكافحة الاحتكار فى إدارة ترامب أبدوا حذرًا تجاه عمالقة التكنولوجيا، إلا أنهم أعلنوا رفضهم تنظيم تطور الذكاء الاصطناعى بشكل مفرط.

وفى الوقت الذى فتحت فيه لجنة التجارة الفيدرالية “FTC” فى عهد بايدن تحقيقات سابقة فى صفقات مماثلة مثل استحواذ أمازون على خبراء من شركة Adept، وصفقة مايكروسوفت البالغة 650 مليون دولار مع شركة Inflection AI – إلا أن هذه التحقيقات لم تسفر حتى الآن عن إجراءات تنفيذية، ما يشير إلى تباطؤ فى ملاحقة هذا النوع من الصفقات.

من جانبه، قال ديفيد أولسون، أستاذ قانون المنافسة فى كلية بوسطن، إن اتخاذ ميتا لحصة غير تصويتية كان خطوة ذكية لتفادى التدقيق، لكنه لم يستبعد إمكانية مراجعة الصفقة مستقبلًا من قبل المنظمين.

ولم تمر الصفقة دون انتقادات سياسية؛ إذ دعت السيناتورة الديمقراطية إليزابيث وارن إلى تحقيق فوري، مؤكدة أن “ميتا يمكنها وصف الصفقة كما تشاء، لكن إذا كانت تسعى للهيمنة عبر وسائل غير قانونية، فعلى الجهات المعنية التدخل ومنعها”.

ورغم أن ميتا تواجه دعوى احتكار قائمة بالفعل من قبل لجنة التجارة الفيدرالية، إلا أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الصفقة مع “سكيل AI” ستخضع لتحقيق مماثل.

وفى ظل التنافس المتصاعد فى مجال الذكاء الاصطناعي، تظل العلاقة بين صفقات الاستثمار الكبيرة ومراقبة المنافسة محط جدل ومتابعة مكثفة من الجهات التنظيمية، خاصة فى ظل تحول تلك الاستثمارات إلى أدوات نفوذ إستراتيجى فى سوق التكنولوجيا العالمي.

خطة مايكروسوفت لحماية

بيانات عملائها

فى اوروبا، أعلنت شركة مايكروسوفت، عن التزامها بإبقاء بيانات عملائها السحابيين فى أوروبا داخل القارة وتحت مظلة القوانين الأوروبية، على أن تتم إدارة العمليات بواسطة موظفين محليين، مع منح العملاء السيطرة الكاملة على بياناتهم.

ويأتى هذا الإعلان استجابةً لمخاوف متزايدة لدى الشركات والحكومات الأوروبية بشأن احتمال نقل بياناتها إلى خارج القارة، لا سيما إلى الولايات المتحدة، مما قد يعرّض تلك البيانات لتدخلات قانونية أجنبية. وقد دفعت هذه المخاوف شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى، مثل مايكروسوفت، إلى اتخاذ تدابير إضافية لضمان خصوصية البيانات وحمايتها.

وكانت “مايكروسوفت” كشفت فى أبريل الماضى عن خطط لتوسيع بنيتها التحتية فى مجالات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعى فى أوروبا، مع التزام واضح بالامتثال للتشريعات الأوروبية الرامية إلى الحد من هيمنة عمالقة التكنولوجيا.

وذكرت الشركة فى بيانها أن أى عملية وصول عن بُعد من قبل مهندسى مايكروسوفت إلى الأنظمة التى تخزن وتعالج بيانات المستخدمين الأوروبيين، ستخضع للموافقة والمراقبة الفورية من قبل موظفين مقيمين فى أوروبا.

وأوضحت مايكروسوفت أن خدمتها الجديدة المسماة “السحابة السيادية الخاصة” Sovereign Private Cloud لا تزال فى المرحلة التجريبية، ومن المتوقع أن تكون متاحة بشكل عام فى وقت لاحق من العام الحالي.

ويمثل هذا الإعلان خطوة مهمة نحو تعزيز الثقة الرقمية بين شركات التكنولوجيا العالمية والمستخدمين الأوروبيين، فى ظل بيئة تنظيمية صارمة تعطى أولوية قصوى لحماية البيانات والسيادة الرقمية.