توقع عدد من مسئولى صناديق رأسمال المخاطر حدوث تباطؤ فى جولات تمويل شركات التكنولوجيا الناشئة وبالأخص فى المراحل التأسيسية خلال المرحلة المقبلة، على خلفية التوترات بين اسرائيل وإيران حاليا ، مع اتجاه المستثمرين للتحوط فى الذهب والسندات.
أكد المهندس طارق القاضى الشريك المؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة «أليكس إنجلز» للاستثمار الملائكى فى الشركات الناشئة ، أن التوترات الجيوسياسية غالباً ما تقترن بتحركات احترازية من جانب المستثمرين، حيث تتجه شريحة منهم إلى سحب استثماراتهم من أسواق الأسهم والبورصات وتأجيل ضخ الأموال فى الشركات الناشئة، مفضلين الأصول الآمنة مثل الذهب، النفط، والسندات.
وأضاف «القاضى» فى تصريحات خاصة لـ «المال» أن أسواق المال شهدت بالفعل تراجعًا ملحوظًا منذ بداية المواجهات بين حركة حماس وإسرائيل، فى انعكاس مباشر لحالة القلق التى تسود فى مثل هذه الظروف.
وأشار إلى أن الصدمات الناتجة عن الأزمات الجيوسياسية عادةً ما تكون قصيرة إلى متوسطة الأمد، تبدأ الأسواق بعدها فى التعافى السريع حال عدم تأثر سلاسل الإمداد بشكل جوهرى.
وتابع أن الوضع الحالى، الذى يشهد تصعيدًا فى التوتر بين إسرائيل وإيران، لا تزال ملامحه غير واضحة، مرجحًا استمرار حالة الغموض لفترة قادمة، وهو ما ينعكس على قرارات الاستثمار فى السوق.
وفيما يخص بيئة تمويل الشركات الناشئة، أكد «القاضى» أن المراحل التأسيسية هى الأكثر تأثرًا فى مثل هذه الظروف، حيث يميل المستثمرون إلى تأجيل ضخ رؤوس الأموال، خصوصًا فى القطاعات التقليدية، حتى تتضح الرؤية وتتراجع مستويات الضبابية المرتبطة بالنزاع.
و لفت إلى وجود قطاعات فى مجال ريادة الأعمال تحافظ على جاذبيتها التمويلية حتى فى أوقات الأزمات، أبرزها الشركات العاملة فى الأمن السيبرانى، وتكنولوجيا الحروب، بالإضافة إلى الذكاء الاصطناعى وتحليلات البيانات، وكل ما يندرج تحت مظلة «التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج»، والتى يمكن الاستفادة منها مدنيًا وعسكريًا على حد سواء، مشيرًا إلى أن هذه القطاعات تحظى باهتمام وتمويل من قبل صناديق سيادية.
ولفت إلى أن الشركات المتخصصة فى تقنيات الأقمار الاصطناعية والاتصالات الفضائية (الستالايت) لا تزال تحظى بفرص قوية لجذب استثمارات حتى فى أوقات التوترات الكبرى.
وفى المقابل أكد أن قطاعات مثل اللوجستيات والتجارة الإلكترونية تشهد تراجعًا فى شهية المستثمرين خلال فترات الحروب، حيث يصبح المستثمرون أكثر انتقائية، ويخضعون الشركات لعمليات تدقيق وفحص أشد صرامة لضمان جدوى الاستثمار وقابليته للنمو فى الأسواق الإقليمية والدولية.
واختتم كلامه بالإشارة إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعى تمكنت خلال الأعوام الثلاثة الماضية من ترسيخ مكانتها على خارطة الاستثمار، سواء على المستوى المحلى أو الإقليمى، بل وحتى العالمى، ما يجعلها من أبرز القطاعات الواعدة فى الوقت الراهن.
و قال الدكتور هشام عبد الغفار الشريك المؤسس فى صندوق » ميناجورس » لرأسمال المخاطر إن التوترات الجيوسياسية تمثل عاملاً سلبيًا ضاغطًا لا سيما على صعيد استثمارات رأس المال المخاطر، التى تتسم بطبيعتها بدرجة عالية من المجازفة، ما يدفع العديد من جولات التمويل الحالية إلى الدخول فى مرحلة التجميد المؤقت لحين وضوح الرؤية.

وأضاف «عبد الغفار» أن تصاعد الأزمات السياسية غالبًا ما يؤدى إلى انكماش مفاجئ فى التدفقات المالية، بنسبة تتراوح بين %20 و%30، الأمر الذى ينعكس على قدرة الشركات الناشئة على جذب التمويل، خاصة تلك التى لا تمتلك نموذج عمل واضح أو لا تندرج ضمن قطاعات استراتيجية أو حيوية.
وأشار إلى أن المستثمرين، بطبيعتهم، يتجهون إلى التحوّط خلال فترات الاضطراب، من خلال إعادة توجيه استثماراتهم نحو الأسواق المستقرة، أو الدخول فى أدوات أكثر أمانًا مثل صناديق التحوط والمعادن الثمينة، وعلى رأسها الذهب، باعتباره ملاذًا تقليديًا فى أوقات الأزمات.
ولفت إلى أن التأثيرات الجيوسياسية لا تقتصر على مناطق الصراع المباشر، مشيرًا إلى أن التوترات فى دول مثل أفغانستان والهند، رغم بعدها الجغرافى النسبى، تنعكس على مناخ الاستثمار فى منطقة الشرق الأوسط، مبينًا أن المستثمر الأجنبى كثيرًا ما ينظر إلى هذه الدول باعتبارها جزءًا من نطاق جغرافى أوسع يضم منطقة جنوب وغرب آسيا والشرق الأوسط، مما يرفع مستوى القلق العام ويزيد من ميل المستثمرين نحو الحذر.
