أجمع عدد من خبراء الأمن السيبرانى على أن تطور تقنيات الذكاء الاصطناعى لن يُغنى عن الحاجة إلى كوادر بشرية مؤهلة، مشددين على أن هذه التقنيات ستلعب دورًا محوريًا فى رفع كفاءة العمل وتسريع أدائه، لكنها لن تكون بديلاً عن العنصر البشرى المتخصص.
وأكدوا أن أحد أبرز التحديات التى تواجه قطاع الأمن السيبرانى فى مصر هو هجرة الكفاءات إلى الخارج، سواء للعمل فى شركات عالمية أو فى مؤسسات خاصة بدول الخليج، مرجعين السبب وراء ذلك إلى الفجوة الكبيرة فى مستويات الأجور، حيث توفر هذه الشركات رواتب مجزية تفوق بكثير ما تقدمه نظيراتها داخل السوق المصرية.
شلتوت: توجد 4 ملايين وظيفة شاغرة عالميا بالقطاع
وأكد شريف شلتوت، المدير التنفيذى لشركة «Liquid C2» لحلول الأمن السيبرانى وخدمات التخزين السحابي، على أهمية تأهيل وتدريب الخريجين الجدد لتمكينهم من دخول سوق العمل فى مجال الأمن الرقمي، منوهًا بأن شركته تتعاون مع عدد من المؤسسات داخل مصر وأفريقيا، من بينها معهد تكنولوجيا المعلومات(ITI).
وأضاف “شلتوت” أن شركته أطلقت برنامجا تدريبيا فى عام 2024، إلا أنه كان محدود النطاق، لافتا إلى وجود فجوة عالمية فى المهارات البشرية المتخصصة فى هذا القطاع، تُقدّر بنحو 4 ملايين وظيفة شاغرة حول العالم.
وأوضح أن هذا التحدى الأكبر لا يقتصر على السوق المصرية فحسب، بل يشمل جميع الأسواق العالمية أيضا.
وأشار إلى أن التطور السريع فى تقنيات الذكاء الاصطناعى يمكن أن يسهم بشكل فعّال فى تقليص هذه الفجوة، عبر تحسين كفاءة العمل دون الحاجة إلى أعداد كبيرة من الكوادر البشرية، مؤكدا أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعى سيكون أحد الحلول المستقبلية لدعم هذا القطاع الحيوي.
وشدد على أن الحكومة المصرية، ممثلة فى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، تولى اهتماما بالغا بتطوير مهارات الشباب فى مجال الأمن السيبراني، وتسعى إلى بناء كوادر وطنية مؤهلة، منوها بأن الدولة تعمل على خلق بيئة محفزة لتخريج دفعات جديدة من المتخصصين، من خلال تقديم الحوافز وتشجيع الشركات العالمية على الاستثمار داخل مصر، وإنشاء مراكز تميز لخدمة الأسواق الإقليمية والدولية.
هال: سد فجوة المهارات يتطلب التعاون مع المؤسسات الأكاديمية
فيما قالوائل هال، مدير عام شركة“Cylert” للأمن السيبراني،إن التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعى التوليدي، رغم إمكانياتها المتقدمة، لا يمكنها فى المرحلة الراهنة أن تُشكل بديلًا كاملًا للعنصر البشرى أو للكوادر المؤهلة والمدرّبة فى مجال الأمن السيبراني، بل تمثل أداة مساعدة فقط تمكن من العمل بكفاءة أعلى ووقت أسرع.
وأوضح “هال” أن سد الفجوة فى المهارات السيبرانية يتطلب التعاون مع المؤسسات الأكاديمية عن طريق عقد شراكات مع عدد من الجامعات لتوفير تدريب عملى لطلاب كليات علوم الحاسوب والهندسة داخل الشركات، وذلك لاكتشاف الكفاءات والطاقات المتميزة تمهيدًا لضمّها إلى فريق العمل بعد التخرج.
وشدّد على أن الإبداع فى مجال الأمن السيبرانى يتطلب شغفًا حقيقيًا واهتمامًا أصيلًا، مؤكدًا أن النجاح فيه لا يتحقق بدافع الرواتب المرتفعة أو مجرد كونه مجالًا رائجًا حاليًا، بل يتطلب موهبة وإبداعًا وتفكيرا خارج الصندوق والنظم التقليدية.
وأضاف أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يُحدث نقلة نوعية فى أتمتة أنظمة المعلومات، إلا أنه لم يصل بعد إلى مرحلة النضج الكافية التى تؤهله ليحلّ محل الإنسان، مبينًا أن كفاءة الذكاء الاصطناعى تعتمد بدرجة كبيرة على حجم البيانات المُدخلة، فكلما زادت البيانات، ازدادت دقة النتائج، مما يعنى أن الأمر لا يزال بحاجة إلى مزيد من الوقت والتطوير.
وأشار إلى أن عددًا متزايدًا من الشباب بات يُقبل على مجال أمن المعلومات، ويسعى إلى اكتساب المهارات والشهادات الاحترافية، حتى من خارج التخصصات التقليدية مثل الهندسة وعلوم الحاسوب، مضيفًا أن بعض هؤلاء الشباب يُظهرون أداءً عمليًا يفوق أحيانًا خريجى التخصصات الأكاديمية ذات الصلة، مما يدل على أن المجال مفتوح أمام الموهوبين من مختلف الخلفيات.
ولفت إلى أن عددًا من المهندسين ذوى الكفاءات العالية اتجهوا مؤخرًا للعمل مع شركات أجنبية، إما عن بُعد أو من خلال الانتقال للعمل فى الخارج، نظرًا للرواتب المجزية التى لا تزال خارج متناول العديد من الشركات المصرية.
حسام: نعانى هجرة عدد كبير من الكوادر للخليج وبالأخص للسعودية
وقالمحمد حسام،المدير الإقليمى لقنوات التوزيع بشركة سايبر نايت لحلول الأمن السيبرانى فى بلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا، إن الدولة المصرية، ممثلة فى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتحت رعاية الدكتور عمرو طلعت، تبنّت توجهًا واضحًا لدعم وتمكين الشباب فى مجال الأمن السيبراني، من خلال إطلاق مبادرات وشراكات موسعة تهدف إلى تدريب الكوادر وتأهيل جيل جديد واعد من المتخصصين فى هذا القطاع الحيوي.
وأوضح “حسام” أن نقص المهارات البشرية المؤهلة للعمل فى هذا المجال يُعد من أبرز التحديات الراهنة، مرجعًا السبب وراء ذلك بشكل أساسى إلى توجه عدد كبير من الكفاءات الهندسية المصرية إلى الأسواق الخليجية، خصوصًا السعودية، والتى توفر حوافز مالية مغرية، مما أدى إلى فجوة ملحوظة فى توفر الكوادر محليًا.
وأضاف أن الشركات متعددة الجنسياتالتى افتتحت فروعًا لها فى مصر، تعانى أيضا من صعوبة إيجاد الكفاءات المطلوبة فى مجالات مثل أمن الشبكات.
وأشار إلى أن الجامعات المصرية بدأت خلال السنوات الخمس الماضية فقط فى إدراج الأمن السيبرانى ضمن مناهجها الأكاديمية استجابة للتوسع فى مشروعات التحول الرقمي، ومع ذلك، ما تزال الجهات التدريبية المتخصصة فى تأهيل مهندسى أمن المعلومات محدودة للغاية، ولا يتجاوز عددها القليل من المؤسسات.
وأكد أن هذا المجال يتمتع بخصوصية عالية، نظرًا لتعقيداته وحساسيته، ويتطلب كفاءات استثنائية تجمع بين المهارات التقنية والشخصيةمثل سرعة البديهة، القدرة على اتخاذ القرار تحت الضغط، ومهارات التواصل الفعال، إلى جانب المؤهلات العلمية والشهادات المتخصصة.
وفيما يتعلق بتأثير الذكاء الاصطناعي(AI)، شدد على أنه لا يمكن فى المرحلة الحالية أن يكون بديلا للعنصر البشري، خاصة فى مجال دقيق مثل الأمن الرقمي، لكنه أشار إلى أهمية دمج الذكاء الاصطناعى مستقبلا فى منظومات الحماية السيبرانية، مع ضرورة تأهيل الكوادر الشابة على كيفية التعامل معه بفاعلية، لضمان قدرتهم على مواكبة التطور التقنى العالمى المتسارع.
ونبه إلى أن العمل فى مجال أمن المعلوماتيتطلب من المهندسين مواصلة التعلم والاطلاع المستمر على أحدث التقنيات والهجمات الإلكترونية وأساليب الحماية المتقدمة.
واعتبر أن مصر تُعد من بين أفضل الدول تصنيفًافى مجال الأمن السيبرانى على مستوى القارة الأفريقية والمنطقة العربية، نظرًا لما تمتلكه من بنية رقمية قوية وشبكات حماية تُعد من بين الأقوى إقليميًا.
وأكد أن التخصص فى مجال الأمن السيبرانى لا يتطلب بالضرورة الحصول على شهادة من كلية الهندسة أو دراسة أكاديمية تمتد لخمس سنوات، بل إن الفرصة متاحة أمام أى خريج جامعي، من مختلف التخصصات، للانخراط فى هذا المجال من خلال الالتحاق ببرامج تدريبية أو دورات متخصصة، قد تمتد من ستة أشهر إلى عام، تُمكّنه من اكتساب المهارات الأساسية التى تؤهله لدخول سوق العمل فى هذا القطاع الحيوي.
وشدد على أن سوق العمل فى أمن الشبكات ما زال مليئا بفرص عديدة غير مستغلة بشكل كافٍ من قبل الشباب المصري، داعيًا إلى الاستفادة من هذه الإمكانيات المتاحة واستثمار الوقت والجهد فى اكتساب المهارات اللازمة لدخول هذا المجال الذى وصفه بالواعد.
السيد: «ألفا ديفنس» تخطط لإطلاق برنامج لحديثى التخرج فى نظم تأمين الشبكات
من جانبه، قال شريف السيد، الرئيس التنفيذى لشركة “Alpha Defense” المتخصصة فى الأمن السيبراني، إلى أن الفترة الأخيرة كشفت بشكل واضح عن الحاجة المتزايدة إلى وجود كوادر بشرية مؤهلة ومتخصصة فى مجال أمن المعلومات، لاسيما فى ظل التهديدات السيبرانية المتصاعدة التى باتت تشكّل تحديًا حقيقيًا لمختلف المؤسسات الحكومية والخاصة على حد سواء.
وأوضح أن الجامعات المصرية بدأت فى الاستجابة لهذه المتغيرات، حيث أدرجت بعض الكليات ضمن مناهجها الأكاديمية مقررات دراسية عن الأمن السيبراني، الأمر الذى اعتبره خطوة إيجابية نحو بناء قاعدة من المتخصصين المؤهلين علميًا لدخول هذا المجال.
وأضاف أن إقبال الشباب على تعلم الأمن السيبرانى شهد نموًا ملحوظًا خلال الفترة الأخيرة، ليس فقط من خلال المسارات الأكاديمية، بل أيضًا عبر البرامج التدريبية والدورات المعتمدة التى توفر محتوى عمليا وتطبيقيًا يساعدهم على فهم طبيعة التهديدات الرقمية وسبل مواجهتها.
وأشار إلى أن هذا الوعى المتزايد انعكس بوضوح فى حرص طلاب الجامعات على حضور المؤتمرات والفعاليات المتخصصة فى مجال الأمن السيبراني، من أجل الاطلاع على أحدث التقنيات، والتواصل مع الخبراء والمختصين، والتعرف على التجارب العملية للخبراء فى هذا القطاع سريع التطور.
وأكد أن هذه المؤشرات تعكس تحولًا إيجابيًا فى نظرة الشباب تجاه الأمن السيبراني، حيث لم يعد يُنظر إليه كمجرد تخصص تقني، بل كمسار مهنى واعد يفتح آفاقًا واسعة للابتكار والعمل فى مجالات حيوية مثل حماية البيانات، أمن الشبكات، التحليل الجنائى الرقمي، والاستجابة للحوادث السيبرانية.
وكشف أن شركته قامت بضم عدد من حديثى التخرج إلى فريق العمل، فى إطار حرصها على استقطاب الكفاءات الشابة ودعمها فى بداية مسيرتها المهنية، موضحًا أن سياسة الشركة تقوم على فتح المجال بشكل دورى أمام الشباب من خريجى الجامعات للانضمام إلى بيئة العمل، بما يُسهم فى تطوير مهاراتهم العملية وتوسيع قاعدة المتخصصين فى المجال.
وأكد أن الشركة تعتزم إطلاق برنامج تدريبى متخصص فى نظم أمن الشبكات مطلع العام المقبل، يستهدف حديثى التخرج، ويهدف إلى تأهيلهم بالمعرفة والخبرة التطبيقية اللازمة للاندماج فى سوق العمل، منوها بأن البرنامج سيتضمن فرص توظيف للمتميزين داخل شركته.
وأوضح أن الذكاء الاصطناعى يُعد أداة مساعدة تعمل تحت إشراف العنصر البشري، ولا يمكن أن تحل محل الكوادر المؤهلة القادرة على اتخاذ القرارات، بل يهدف إلى تطوير أساليب العمل وتحسين كفاءة النتائج.
