شهدت سوق الدواء المصرية خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2025، ديناميكية واضحة وتنافسا قويا بين كبرى شركات الأدوية المحلية والعالمية، وسط استمرار التحديات المرتبطة بسلاسل الإمداد، وتقلبات أسعار الصرف، وتزايد الطلب على علاج الأمراض المزمنة والمستحضرات الحيوية.
وكشف تقرير صادر حديثا عن مؤسسة «آى كيوفيا» المعنية برصد حركة مبيعات سوق الدواء، حصلت «المال» على نسخة منه، عن الترتيب الأخير لأكثر 20 شركة من حيث قيمة المبيعات، وأيضا تفوق الشركات المحلية فى الاستحواذ على حصة مؤثرة من السوق، إلى جانب استمرار الحضور القوى للكيانات العالمية.
«فاركو» تتصدر القائمة
تصدرت «فاركو» المصرية قائمة الشركات الأعلى مبيعا، بإجمالى نحو 4.17 مليار جنيه، خلال الفترة من يناير حتى أبريل 2025، ما يعكس نجاح استراتيجيتها التسويقية وانتشار منتجاتها، خاصة فى مجال أدوية الكبد والمضادات الحيوية، كما تعد «فاركو» من أبرز النماذج الوطنية التى استطاعت أن تنافس بقوة فى سوق تتسم بتعدد اللاعبين وتنوع المنتجات.
«جلاكسو سميثكلاين»
ثانيا.. الحضور العالمى مستمر
جاءت شركة «جلاكسو سميثكلاين -GSK « متعددة الجنسيات فى المركز الثانى بإجمالى مبيعات نحو 3.99 مليار جنيه، مستفيدة من تواجدها القوى فى السوق المصرية منذ عقود، إذ تغطى مجموعة واسعة من الأدوية، من ضمنها الخاصة بالجهاز التنفسى والمضادات الحيوية ومكملات المناعة.
«سانوفى الفرنسية»
ثالثا.. أداء ثابت يعزز التوسع
احتلت «سانوفي» الفرنسية المركز الثالث بإجمالى مبيعات نحو 3.81 مليار جنيه، لتثبت مكانتها كشركة عالمية ذات انتشار قوى فى مجال أدوية السكر والقلب والمناعة.
تستفيد الشركة من اتساع قاعدة مرضى السكرى فى مصر لتعزيز مبيعات منتجاتها الرئيسية، وتسعى لزيادة عدد الأصناف لتسجيلها فى السوق المحلية، بعد الحصول على موافقات من هيئة الدواء المصرية.
«أمون» فى المركز الرابع
.. نموذج للاستحواذ الناجح
جاءت شركة «أمون» المصرية للأدوية فى المرتبة الرابعة بإجمالى مبيعات 3.39 مليار جنيه، مستفيدة من توسع محفظة منتجاتها فى مختلف التخصصات، مثل أدوية البرد، والمضادات الحيوية، والمكملات الغذائية.
وتعد من الشركات التى شهدت تحولات مهمة بعد استحواذ كيانات عالمية عليها خلال الفترة الماضية، مما عزز قدراتها التصنيعية والتسويقية، وسط توقعات بقيام الشركة بضخ المزيد من الاستثمارات خلال المرحلة المقبلة.
«نوفارتس» و«إيبيكو/ أكديما»
.. حضور أوروبى ومحلي
شركة «نوفارتس» السويسرية جاءت المركز الخامس بمبيعات بلغت نحو 2.59 مليار جنيه، وتعد من شركات أدوية الأمراض المزمنة، مثل السرطان والقلب.
بينما جاءت «إيبيكو- أكديما» المصرية فى المركز السادس بإجمالى مبيعات 2.50 مليار جنيه، مما يعكس استمرار قوة شركات قطاع الأعمال العام فى السوق المحلية، خاصة فى إنتاج الأدوية الأساسية.
وبحسب عدد من المعنيين، فإن الفترة المقبلة ستشهد زيادة فى إجمالى مبيعات الشركة، خاصة مع انطلاق مشروعها الأكبر فى منطقة الشرق الأوسط، لإنتاج الأدوية البيولوجية .
شركات محلية تفرض نفسها بقوة
من اللافت للنظر وجود عدد كبير من الشركات المحلية ضمن العشر الأوائل، إذ حيث جاءت شركة «بيوميد فارما» المحلية فى المركز السابع بإجمالى مبيعات 2.41 مليار جنيه، و»ماركيرل» المصرية فى المركز الثامن بإجمالى 2.41 مليار جنيه.
فيما احتلت شركة «أبيكس فارما» المصرية المركز التاسع بإجمالى مبيعات 2.09 مليار جنيه، و»إيفا فارما» المحلية فى المركز العاشر بمبيعات بلغت 2.01 مليار جنيه.
وتظهر هذه الشركات قدرة متزايدة على النمو والتوسع محليا مستفيدة من حجم السوق، فضلا عن توسعها فى عملية التصدير لعدة دول أفريقية وعربية.
المراكز من 11 إلى 20
.. تنوع بين المحلى والعالمي
وبحسب تقرير «أى كيوفيا» فإن الشركات التى احتلت المراكز من 11 وحتى الـ 20 تنوعت بين المحلية والأجنبية، بعدما كشف عن تحقيق شركة «الحكمة» الأردنية إجمالى مبيعات بلغ 1.97 مليار جنيه، محتلة المركز الـ 11 .
فيما جاءت شركة «أسترازينيكا» البريطانية السويدية، فى المركز الـ 12 بإجمالى مبيعات 1.95 مليار جنيه، و»إى يو جى فارما» المصرية الـ 13 بمبيعات بلغت 1.85 مليار جنيه، و»أبوت» الأمريكية الـ 14 بمبيعات 1.84 مليار جنيه، والـ 15 جاءت «أكديما» المصرية بإجمالى 1.82 مليار جنيه.
وأظهر تقرير «أى كيوفيا» تسجيل شركة «فايزر» الأمريكية مبيعات بلغت 1.73 مليار جنيه لتحتل المركز الـ 16، والـ 17 جاءت «راميدا» المصرية بـ 1.6 مليار جنيه، إذ حققت معدلات نمو مرتفعة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق 2024، و»جلوبال نابي» المصرية الـ 18 بمبيعات بلغت 1.4 مليار جنيه.
كما كشف التقرير عن تحقيق شركة «نوفو نورديسك» الدنماركية مبيعات بإجمالى 1.39 مليار جنيه، لتحتل المركز الـ 19، فيما تأتى «هيرو» السويسرية الـ 20 بمبيعات 1.2 مليار جنيه.
قراءة فى إجمالى السوق ومعدل التنافسية
تشير الأرقام إلى أن السوق المحلية تشهد منافسة قوية بين الشركات، إذ أن الفارق فى المبيعات بين بعض المراكز قريب نسبيا، ما يعكس توازنا نسبيا فى توزيع الحصص السوقية.
كما أن دخول شركات جديدة أو اندماج الكيانات الحالية قد يعيد رسم خريطة المنافسة خلال الشهور المقبلة، بالتزامن مع مساعى عدة شركات لتسجيل أصناف جديدة، علاوة على انطلاق خطوط إنتاج جديدة ومصنع للأدوية البيولوجية تابع لواحدة من شركات قطاع الأعمال.
وبحسب القائمة، تجدر الإشارة إلى أن 12 شركة من أصل 20 فى القائمة تنتمى إلى القطاع المحلى، بينما تتوزع الشركات العالمية على 8 مراكز، ما يعزز من أهمية الدعم الحكومى والتسهيلات التشريعية لتعزيز مكانة الشركات المحلية فى السوق.
عوامل النجاح.. التصنيع المحلى والتنوع فى خطوط الإنتاج
الدكتور سيد خطاب، أستاذ اقتصاديات الدواء، قال فى تصريحات لـ»المال»: إن غالبية الشركات المتصدرة تجمع عدة عوامل ساهمت فى زيادة مبيعاتها، من بينها، الاعتماد على التصنيع المحلى لتقليل التكاليف ومجابهة تقلبات سعر الصرف، بالإضافة لتنويع المنتجات لتشمل (الأدوية المزمنة، والمسكنات، والمضادات الحيوية، والمكملات الغذائية).
وأضاف أن الاستثمار فى حملات التوعية والتسويق المبنى على العلاقة المباشرة مع الأطباء والصيادلة، علاوة على عمليات التوسع فى قنوات التوزيع، خاصة فى صعيد مصر والمناطق الريفية، أسهم بشكل كبير فى نمو عدد من الشركات خاصة المحلية خلال المرحلة الحالية.
واعتبر أن صناعة الدواء تأتى ضمن القطاعات التى تواجه مشكلات متراكمة، وتحتاج لحلول جذرية، مشيرا إلى أن الحكومة اتخذت بالفعل خطوات جادة لدعمها، منها إعادة تسعير العديد من الأصناف العلاجية لجميع الشركات العاملة فى السوق، لكن هذه الخطوة غير كافية.. على حد قوله.
وطالب بضرورة تفعيل مبادرة من خلال البنك المركزى المصرى، لتقديم تمويلات للشركات بفائدة مخفضة، خاصة للشركات التى لديها دراسات توسعية، مما سينعكس بالضرورة على وضع السوق المحلية، ويعزز من زيادة فاتورة الصادرات المصرية، سواء للدول العربية أو الأفريقية التى تثق فى جودة المنتج المصرى.
تحديات محتملة خلال النصف الثانى من 2025
من جانبه قال الدكتور محى عبيد، النقيب السابق للنقابة العامة للصيادلة: إنه على الرغم من الأداء القوى لسوق الأدوية خلال 2025، إلا أن هناك تحديات تواجه السوق خلال المرحلة الحالية.
وأضاف لـ»المال»، أن التحديات التى تواجه السوق تتمثل فى أزمة الخامات المستوردة، خاصة فى ظل التوترات الإقليمية وتأثر سلاسل الإمداد، علاوة على الحاجة إلى تسريع إجراءات التسجيل الدوائى لتقليل مدة طرح المنتجات الجديدة.
وتابع: التعامل مع تذبذب أسعار العملة وتأثيره على تكاليف الإنتاج، يعد أحد التحديات، بالإضافة لضغط الخصومات التجارية من قبل سلاسل الصيدليات الكبرى على الشركات المصنعة، والصيدليات الصغيرة.
واعتبر عبيد، أن نتائج مبيعات السوق خلال 2025، تعكس واقعا متغيرا فى ظل حالة من التنافس القوى، فى الوقت الذى تبرز فيه عدة شركات محلية كلاعبين أساسيين إلى جانب الكيانات العالمية الكبرى.
وتوقع أن تكون القدرات التى تمتلكها كل شركة هى التى ستحدد مستقبل القطاع بدرجة كبيرة فى ظل حالة التوسع الذكى، والابتكار، وتوطين الصناعة لمواجهة المتغيرات الاقتصادية والطلب المتنامى على الرعاية الصحية.
88 مليار جنيه مبيعات السوق خلال 4 أشهر
تجدر الإشارة إلى أن سوق الدواء المصرية سجلت إجمالى مبيعات منذ يناير 2025 وحتى أبريل الماضى 88 مليار جنيه، بنسبة نمو تقدر بـ %54.
وسجلت السوق مبيعات خلال أبريل فقط 22.6 مليار جنيه، بإجمالى 253.5 مليون عبوة، بزيادة قدرها %11.9، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى 2024.
هيئة الدواء تتوقع نموا يقدر بـ%15
بنهاية عام 2025
الدكتور على الغمراوى، رئيس هيئة الدواء المصرية، توقع فى وقت سابق أن تتمكن السوق المحلية من تحقيق نموا فى إجمالى المبيعات بنهاية العام الجارى، تقدر بـ %15، بعد أن سجلت مبيعات بقيمة 307 مليارات جنيه خلال 2024، وبما يعادل 6.2 مليار دولار.