واصل الدولار الأمريكى تراجعه أمام الجنيه خلال الفترة الأخيرة، متأثرًا بانخفاض مؤشره عالميًا أمام سلة من العملات، نتيجة الضغوط الاقتصادية التى تواجهها الولايات المتحدة، لا سيما مع تفاقم التوترات التجارية بين أمريكا والصين وفرض رسوم جمركية على صناعة الصلب، مما أدى إلى انخفاض الطلب على العملة الخضراء والأصول المقومة بها عالميًا.
وعلى الصعيد المحلي، ساهمت زيادة التدفقات النقدية على أذون الخزانة وأدوات الدين المحلية فى استقرار الجنيه، كما شهدت تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر زخماً ملحوظًا، بالإضافة إلى تحسن تحويلات المصريين العاملين بالخارج والتى سجلت قفزات تاريخية، مما دعم موارد العملة الأجنبية وخفف من حدة الضغوط على الجنيه.
وتوقع خبراء تحدثوا لـ «المال» أن يستمر انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الجنيه خلال النصف الثانى من 2025، على أن يتأرجح ضمن نطاق سعرى بين 49 و51 جنيهًا.
وعلى الرغم من ذلك حذر بعض الخبراء من أن انخفاض الدولار بشكل مفرط قد يؤثر على تنافسية الصادرات، ويزيد من مخاطر تخارج المستثمرين الأجانب، خاصة مع استمرار ضغوط مدفوعات الطاقة وارتفاع الواردات السلعية.
وقال محمد سمير الخبير المصرفى إن التراجع الذى خيّم على وحدة النقد الأمريكية أمام الجنيه خلال الفترة الأخيرة جاء مدفوعًا بتراجع مؤشر الدولار عالميًا أمام سلة من العملات، كنتيجة لتلك الضغوط التى يواجهها الاقتصاد الأمريكى فى الفترة الأخيرة، لا سيما بعد تفاقم حدة التوترات التجارية بين أمريكا والصين .
وأضاف أن التوترات العالمية تتفاقم حاليا خاصة بعد فرض الرئيس الأمريكى رسوما جمركية على صناعة الصلب، مشيرا إلى أن كل هذه التوترات وغيرها تدفع باتجاه تراجع الطلب على الدولار والأصول المقومة بوحدة النقدية الأمريكية، مما يشكل ضغطا على الدولار ومن ثم يؤدى إلى تراجع قيمته عالميًا أمام سلة العملات الأخرى.
عوامل استقرار الجنيه
وعلى الصعيد المحلي، لفت الخبير المصرفى إلى أن هناك عدة عوامل أدت إلى استقرار الجنيه خلال الفترة الأخيرة أبرزها زيادة التدفقات النقدية على أذون الخزانة وأدوات الدين المحلية، وهو الأمر الذى يؤدى إلى وفرة الموارد الدولارية ومن ثم تخفيف الضغط على الجنيه.
وارتفع إجمالى استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة بنحو 2.49 مليار دولار خلال شهر واحد، لترتفع من 1.74 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر الماضى ، إلى 1.87 تريليون جنيه بنهاية أكتوبر، مع العلم أنه تم احتساب سعر الدولار بنحو 49.5 جنيه.
كما أن تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر تشهد زخما هى الأخرى، مما يدعم موقف الجنيه ويخفف من حدة الضغوط عليه.
قال الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء إنه جارٍ العمل مع الجانب القطرى على تفاصيل حزمة الاستثمارات المباشرة التى تعتزم قطر ضخها فى مصر بإجمالى 7.5 مليار دولار، والتى تم الاتفاق عليها خلال زيارة الرئيس السيسى لقطر، موضحًا أنه سيتم الإعلان عن الحزمة عقب الانتهاء من بحث كافة التفاصيل الخاصة بها.
وتخطط الحكومة المصرية لتنفيذ صفقات مماثلة لصفقة رأس الحكمة مع الإمارات؛ بهدف تعزيز الاستثمار الأجنبى المباشر، لكنه امتنع عن ذكر تفاصيل إضافية، بحسب تصريحات سابقة لحسن الخطيب، وزير الاستثمار.
وكانت الحكومة المصرية، قد وقعت، نهاية فبراير 2024، عقدًا لتطوير مشروع رأس الحكمة بشراكة إماراتية، مضيفة أن المشروع سيستقطب استثمارات تزيد قيمتها عن 150 مليار دولار خلال مدة تطويره، تتضمن 35 مليار دولار استثمارا أجنبيا مباشرا للدولة المصرية خلال شهرين.
وأوضح محمد عبد العال الخبير المصرفى أن سعر صرف الدولار يخضع بشكل أساسى لقوى العرض والطلب، مشيرًا إلى وجود مبررات قوية تدعم توقعاته بانخفاضه.
ولفت إلى أن تدفق تحويلات المصريين العاملين فى الخارج، وزيادة فى الإيرادات الناتجة عن قطاع السياحة، بالإضافة إلى التدفقات الاستثمارية المتوقعة من خلال برنامج الطروحات الحكومية، ستعمل على خفض العملة الدولارية.
وتواصل تحويلات المصريين العاملين بالخارج مسارها التصاعدى مسجلة قفزة تاريخية غير مسبوقة خلال الفترة يوليو/مارس 2025/2024، حيث ارتفعت بمعدل %82.7 على أساس سنوى لتصل إلى نحو 26.4 مليار دولار (مقابل نحو 14.4مليار دولار).
كما شهد الربع الأول من 2025 ارتفاعاً بمعدل 86.6% على أساس سنوى لتصل إلى نحو 9.4 مليار دولار ، مقابل نحو 5 مليارات.
وعلى المستوى الشهري، ارتفعت تحويلات شهر مارس 2025 بمعدل %63.7 على أساس سنوى لتصل إلى نحو 3.4 مليار دولار ، مقابل نحو 2.1 مليار.
و أشار الخبير المصرفى إلى احتمالية تحويل بعض الودائع الموجودة لدى البنك المركزى المصرى إلى استثمارات أجنبية مباشرة، مما سيعزز من المعروض من العملة الأجنبية.
توقعات مستقبلية
وأوضح «سمير» أنه من غير المرجح تراجع الدولار إلى مستوى الـ 45 جنيها خلال الفترة القادمة، موضحا أنه حتى وإن كان انخفاض الدولار أمام الجنيه ينطوى على مكاسب جمة من دون شك، إلا أنه يفقدك الميزة التنافسية فى مسألة الصادرات، بالإضافة إلى أنه يضعنا أمام خطر تخارج المستثمرين الأجانب من أذون الخزانة، على حد قوله.
وأشار إلى أن مدفوعات الطاقة لا زالت تشكل ضغطا على الدولار، لا سيما وأنه من المتوقع أن ترتفع هذه المدفوعات خلال العام الجارى مقارنة بما كانت عليه فى 2024.
وارتفعت المدفوعات عن الواردات السلعية بمعدل %31.6 لتصل إلى نحو 46.2 مليار دولار خلال النصف الأول من 2024/ 2025، بحسب النشرة الشهرية الصادرة عن البنك المركزي.
ويرجع ذلك بحسب النشرة الشهرية إلى ارتفاع كل من الواردات غير البترولية بنحو 7.7 مليار دولار لتصل إلى نحو 36.6 مليار %84.7 من إجمالى المدفوعات عن الواردات السلعية)، والواردات البترولية بنحو 1.3 مليار لتصل إلى نحو 7.6 مليار %79.1 من إجمالى المدفوعات عن الواردات السلعية).
وتوقع محمد عبد العال الخبير المصرفي، انخفاضًا ملحوظًا فى سعر صرف الدولار مقابل الجنيه خلال النصف الثانى من عام 2025.
وحدد نطاقًا لسعر الدولار يتراوح بين 49 جنيهًا كحد أدنى و51 جنيهًا كحد أقصى، مدفوعًا بعدة عوامل اقتصادية إيجابية من المتوقع أن تشهدها مصر خلال تلك الفترة.
