قال خبيران مصرفيان إن ضبط السياسة النقدية فى مصر يعتبر حجر الزاوية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، حيث نجح البنك المركزى فى استخدام أدواته، مثل أسعار الفائدة وإدارة السيولة وسعر الصرف، فى احتواء التضخم الذى وصل لذروته فى عام 2023.
وأضافا أن هذه الإجراءات تمثلت فى رفع أسعار الفائدة بشكل كبير ثم خفضها تدريجيًا، وتوحيد سعر الصرف، مما ساهم فى استعادة الثقة فى الجنيه المصري، وجذب الاستثمارات الأجنبية، والقضاء على السوق الموازية ، وزيادة الاحتياطى النقدى للبلاد، مؤكدين أن هذه الخطوات المدروسة تعكس استراتيجية فعالة للبنك المركزى فى مواجهة التحديات الاقتصادية الأخيرة.
وفى وقت سابق قال سايمون ويليامز كبير الخبراء الاقتصاديين لدى بنك HSBC لمناطق أوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأوسط وأفريقيا:« إن التضخم يبدأ فى الاستقرار، والعملة تحافظ على قيمتها، وعجز الموازنة يبدأ فى التراجع مع بدء انخفاض أسعار الفائدة»، ومع أن هذا يعنى أن إعادة التوازن فى مصر تسير الآن فى الاتجاه الصحيح، إلا أن الانضباط فى السياسة النقدية سيكون أساسيًا لإتمام هذه العملية، خصوصا فى ظل انخفاض إيرادات قناة السويس، وضغوط قطاع الطاقة، والمخاطر الجيوسياسية التى لا تزال دون حل».
وأكدا الخبيران أن السياسة النقدية وحدها لا تكفى لضمان التوازن الاقتصادى المستدام فى ظل التحديات الإقليمية والعالمية الراهنة، مثل الأزمات الجيوسياسية وضغوط الطاقة وتقلبات الأسعار العالمية، لذلك يجب أن تتكامل هذه السياسات مع إصلاحات هيكلية شاملة، بما فى ذلك تحسين بيئة الأعمال، ودعم القطاعات التصديرية، وتنويع مصادر الدخل القومي.
وأوضحا أن نجاح البنك المركزى فى إدارة السياسة النقدية يعد جزءاً أساسياً من استراتيجية اقتصادية أوسع نطاقاً، تتطلب تعاوناً وتنسيقاً بين مختلف القطاعات لضمان تعافى الاقتصاد المصرى وقدرته على مواجهة التحديات المستقبلية.
وقال الدكتور حازم وجدى زيدان الخبير المصرفي، إن ضبط السياسة النقدية فى مصر يعنى أن البنك المركزى يدير أدواته النقدية- مثل أسعار الفائدة، حجم السيولة، وسعر صرف الجنيه- بحكمة لتحقيق هدفين رئيسيين؛ استقرار الأسعار، والحفاظ على قيمة العملة الوطنية، مع دعم النمو الاقتصادى المستدام.
وأفاد زيدان أنه فى مصر خلال السنوات الأخيرة، واجهنا تحديات كبيرة على صعيد التضخم والعملة، خاصة بعد تحرير سعر الصرف فى 2024 ،وارتفاع أسعار السلع العالمية.
وأشار زيدان إلى أن البنك المركزى اتخذ إجراءات صارمة، مثل رفع أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية تجاوزت %27 فى 2024، للسيطرة على التضخم ،والذى وصل إلى ذروته بنحو %38 فى سبتمبر 2023.
وأوضح أن السياسة النقدية المشددة بدأت تؤتى ثمارها، حيث شهدنا انخفاضاً تدريجياً فى التضخم الأساسى إلى حوالى %13.1 بنهاية مايو الماضي، بينما بلغ التضخم العام على مستوى الجمهورية %16.8 .
وكشف البنك المركزى أن معدل التضخم الأساسى سجل على أساس سنوى %13.1 فى مايو 2025 ،مقابل %10.4 فى أبريل الماضي.
وقال زيدان إن البنك المركزى بدأ فى تخفيف السياسة النقدية عبر خفض أسعار الفائدة المتوالى، و آخرها خفض فى مايو 2025، بمقدار 100 نقطة أساس، وهو مؤشر إيجابى يعكس تحسن المؤشرات الاقتصادية، وثقة «المركزي» فى استمرار تراجع التضخم، خاصة مع استمرار تعافى النشاط الاقتصادي.
وأكد أن ضبط السياسة النقدية فى مصر ليس فقط رفع أو خفض الفائدة، بل يشمل أيضاً توحيد سعر الصرف، والذى ساعد على تقليل الفجوة بين السوق الرسمية والموازية، مما أعاد الثقة فى الجنيه وجذب تدفقات نقدية من المصريين فى الخارج والاستثمارات الأجنبية.
وأوضح أن السياسة النقدية وحدها ليست كافية لإعادة التوازن الاقتصادي، حيث تواجه مصر تحديات كبيرة على المستويين الإقليمى والعالمى ومنها الأزمات الجيوسياسية فى المنطقة مثل النزاع فى غزة، الحرب فى السودان، والاضطرابات فى ليبيا ومنطقة البحر الأحمر ،والتى تؤثر على إيرادات قناة السويس التى تعتبر شرياناً حيوياً للعملة الصعبة، كما ترفع من أعباء الإنفاق الحكومي، خاصة على الأمن والدعم الاجتماعي.
وأوضح أن هناك ضغوطًا مستمرة على قطاع الطاقة بسبب زيادة الواردات المصرية منها بالإضافة الى ارتفاع الأسعار العالمية، والتوترات الاقتصادية والتجارية بين القوى الكبرى، و التى تؤثر على أسعار السلع الأساسية وتكلفة الواردات، وفقًا للخبير المصرفي.
وتابع أن نجاح ضبط السياسة النقدية فى مصر يعتمد بشكل كبير على تكاملها مع إصلاحات هيكلية مستمرة، تشمل تحسين بيئة الأعمال، ودعم القطاعات التصديرية، وتنويع مصادر الدخل القومي، بعيداً عن الاعتماد على الواردات أو التمويل الخارجى فقط، كما أن إدارة المخاطر الجيوسياسية عبر سياسات دبلوماسية واقتصادية فعالة ضرورة للحفاظ على استقرار الاقتصاد.
واختتم أن البنك المركزى المصرى يسير فى الاتجاه الصحيح عبر ضبط السياسة النقدية بحذر ومرونة، مع استجابة مستمرة للتطورات الاقتصادية المحلية والعالمية، مما ساعد فى احتواء التضخم وتحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، لكنه يحتاج لأن يكون جزءً من استراتيجية شاملة تشمل الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والإقليمية ، لضمان إعادة توازن حقيقية ومستدامة للاقتصاد المصرى فى ظل الظروف الراهنة.
وأكد محمد عبد المنعم الخبير المصرفي، أن السياسة النقدية التى يتبعها البنك المركزى المصري، تحت إشراف محافظ البنك ولجنة السياسة النقدية، تقوم على مجموعة من التوازنات الدقيقة.
وأشار عبد المنعم إلى أن هذه اللجنة تجتمع بانتظام لمراقبة اتجاهات التضخم وأسعار الفائدة؛ بهدف اتخاذ قرارات مدروسة تخدم الاقتصاد الوطني، وتُعد هذه التوازنات حجر الزاوية فى استراتيجية البنك المركزى للحفاظ على الاستقرار المالى والنقدى فى البلاد.
وشدد عبد المنعم على أن البنك المركزى لا يمكنه إجراء تخفيضات كبيرة أو مفاجئة فى معدلات الفائدة، ويعود ذلك إلى حرصه على جذب الاستثمارات قصيرة الأجل، أو ما يُعرف بـ “الأموال الساخنة”، والتى تبحث عن عوائد مرتفعة فى بيئة اقتصادية مستقرة مثل مصر.
وأوضح عبد المنعم أن أى خفض مفاجئ قد يؤدى إلى هروب هذه الاستثمارات، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد. لهذا السبب، يربط البنك المركزى معدلات العائد بالفائدة، وقد اضطر فى بعض الأحيان لرفع أسعار الإقراض والخصم، قبل أن يقوم بتخفيضها مرتين متتاليتين فى اجتماعات لجنة السياسة النقدية الأخيرة.
وقال إن أدوات البنك المركزى تتجاوز مجرد تحديد أسعار الفائدة، حيث تشمل أيضًا عمليات السوق المفتوحة، والتى تعد أداة حيوية فى إدارة السيولة فى السوق ، وتوجيهها نحو الأهداف الاقتصادية المرجوة.
وأفاد أن أحد الأدوات الأخرى التى يستخدمها البنك المركزى بكفاءة هى معدلات الاحتياطى الإلزامي، والتى يمتد تأثيرها على السيولة المتاحة داخل السوق، سواء بزيادتها أو خفضها.
وأوضح أنه من خلال تعديل هذه النسبة المتعلقة بالاحتياطى الإلزامي، يمكن للبنك المركزى التحكم فى حجم الأموال التى تحتفظ بها البنوك التجارية، وبالتالى التأثير على قدرتها على الإقراض وتوفير السيولة فى الاقتصاد، وفقًا للخبير المصرفى.
وأشار عبد المنعم إلى أن البنك المركزى قد حقق نجاحًا كبيرًا فى تطبيق هذه الأدوات مجتمعة، وأثمر هذا النجاح عن خفض ملموس فى معدلات التضخم، مما انعكس إيجابًا على القوة الشرائية للمواطنين واستقرار الأسعار فى السوق، كما أدت هذه السياسات إلى زيادة الاحتياطى النقدى الموجود فى مصر، مما يعزز من قوة المركز المالى للدولة، وقدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية.
وأشار إلى أن من أبرز النتائج الإيجابية لنجاح السياسة النقدية، إلغاء السوق الموازية للعملات، والتى كانت تمثل تحديًا كبيرًا للاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى ذلك، هناك استقرارًا فى سعر الصرف.
وأضاف أن الجنيه شهد ارتفاعا أمام العملات الأجنبية ، مما يعد شهادة على فعالية السياسة النقدية المطبقة وقدرتها على تحقيق أهدافها.
