فى وقت يشهد فيه قطاع توزيع الدواء فى مصر اضطرابات حادة بسبب أزمة السيولة وتراكم المديونيات، برزت شركة ناشئة تسعى لسد الفجوة بين المصنعين وشركات التوزيع والمخازن والصيدليات، لإعادة رسم خريطة التوزيع باستخدام أدوات رقمية.
“آى سابلاي” المتخصصة فى توزيع الأدوية والمستلزمات الصحية، يقودها إبراهيم إمام، والذى يمتلك خبرة تمتد لأكثر من 20 عاما فى السوق المصرية، شغل خلالها مناصب عديدة فى شركة ابن سينا فارما - أحد أكبر موزعى للدواء فى مصر خلال المرحلة الحالية، كان آخرها رئيس القطاع التجارى والاستراتيجي، والعضو المنتدب للذراع الاستثمارية للشركة.
فى هذا الحوار الذى أجرته “المال” يكشف إمام عن ملامح التحول الذى يشهده القطاع، وأسباب تعثر عدد من الكيانات الكبرى، ورؤية شركته لتقليل المخاطر المالية على الصيدليات، علاوة على رؤيته لضرورة التحول الرقمى فى إدارة القطاع، معتبرا أنه حتمى لتطوير منظومة التوزيع الدوائى فى مصر.
فى بداية الحوار تحدث إمام عن رحلته فى قطاع توزيع الأدوية، قائلا إنه بدأ عمله فى هذا القطاع منذ عام 2001، وكانت تجربته بالكامل داخل شركة “ابن سينا فارما”، أحد أبرز شركات توزيع الأدوية فى مصر.
وأضاف أنه خلال هذه الفترة، تنقل بين مواقع مختلفة، وتولى مسؤوليات عديدة، حتى وصل إلى منصب رئيس القطاع التجارى والاستراتيجي، والعضو المنتدب الذراع الاستثمارى للشركة فى عام 2021.
واستكمل أن هذه الرحلة منحته خبرة كبيرة فى إدارة سلاسل الإمداد، خصوصا فى قطاع حيوى كالأدوية، الذى يضيف بعدا مهنيا وإنسانيا إضافيا إلى أى خبرة تجارية، خاصة وأن التعامل مع منتج مرتبط بحياة الناس يفرض مسؤولية ومعايير مختلفة تماما عن أى صناعة أخرى.
وانتقل إمام للحديث عن الدوافع وراء قرار تأسيس مشروع خاص، مؤكدا أنه فى 2021، كان على دراية جيدة بالتحديات التى تواجه السوق، وكان لديه يقين أن الوقت قد حان لتأسيس كيان خاص خارج المنظومة التقليدية.
وأضاف أنه استشرف أزمة المديونيات، خاصة مع اعتماد الصيدليات على شركات التوزيع فى تمويل عمليات شراء الدواء، وكان واضحا أن هناك فجوة تمويلية قادمة، وها نحن نشهد اليوم أزمة سيولة خانقة فى السوق، أثرت حتى على كبار الصيدليات، نتيجة التراجع فى حجم التمويل المتاح من الموزعين والبنوك فى نفس الوقت.
وحول أسباب تعثر عدد من الكيانات الكبرى فى قطاع التوزيع رغم حالة النمو التى كان يعيشها السوق سواء على المستوى المحلى أو الدولي، قال إمام إن القطاع الصحى فى العالم شهد قفزات هائلة، و عام 2024 عاما استثنائيا، وكذلك السوق المصرية التى حققت نموا بنسبة تقترب من %45 وعلى الرغم من هذا النمو، فإن شركات التوزيع واجهت أزمات حادة بسبب مشاكل فى دورة رأس المال.
ولفت إلى أنه لم يكن ليتوقع أحد أن موزعا كبيرا، سيتعرض لأوضاع صعبة تصل حد توقف الشركة عن العمل، فى الوقت الذى كانت تستحوذ على الحصة الأكبر من سوق توزيع الدواء فى مصر.
واستكمل أنه وببساطة، وعلى الرغم من أن الشركات أصبحت تنقل علبة الدواء بسعر أعلى، ما يفترض أنه ينعكس إيجابيا على الربحية، إلا أن المشكلة الحقيقية كانت فى السيولة، خاصة وأن البنوك أصبحت أكثر تحفظا فى تمويل القطاع، ما دفع الشركات للتعامل بالكاش، وهو ما لم يكن متاحا دائما.
واعتبر أن هناك شركات يمكن اتخاذها كمثال، عند النظر لمؤشراتها الربحية، لكن هذه المكاسب لا تعكس التدفقات النقدية، لأن السوق كانت تبدو رابحة، لكنها من الداخل يعاني، خاصة وأن “الكاش” هو أساس الاستمرارية، وهذه كانت الفقاعة التى فجرتها أزمة سلاسل الصيدليات.
وأضاف أنه عندما تجد كيانا لديه أزمة مالية، فسرعان ما ننظر إلى حجم التدفق المالى ولا ننظر إلى الأرباح، لأن إدارة كيان فى قطاع الدواء يختلف بشكل كامل عن أى قطاع أخر، لأن الأمور تبدو أنها تحقق ربحية، لكن مع غياب التدفقات المالية ستجد أزمة حقيقة وهو ما تعرض له العديد خلال المرحلة الماضية.
وحول الفكرة الأساسية التى قامت عليها شركة “آى سابلاي”، قال إمام إنها ببساطة منصة رقمية هدفها رقمنة سلسلة الإمداد فى القطاع الصحي، مع تركيز خاص على قطاع الأدوية، خاصة وأننا نعمل على تقديم حلول رقمية ومالية متكاملة لكل أصحاب المصلحة من المصنع إلى الموزع وصولا إلى الصيدلية.
وأوضح أنه تم الانطلاق من رؤية واضحة، وهى أن الرقمنة ضرورة وليست رفاهية، وأن الحلول التمويلية يجب أن تدمج داخل النظام نفسه، ولهذا تقدمنا بالفعل للحصول على ترخيص من الهيئة العامة للرقابة المالية، لنتمكن من ممارسة أنشطة تمويلية للصيدليات وصغار الموزعين، وربما تشمل الأنشطة عمليات التخصيم.
وأضاف أن الشركة تستهدف الكيانات الصغيرة والمتوسطة، وتعمل على تسهيل توريد البضائع الدوائية، وربط جميع الأطراف رقميا بداية من المصنع وحتى الصيدلية، ولدينا بالفعل عقودًا موقعة مع موزعين وصيدليات ومخازن ومصانع، كما أننا نعمل أيضا مع شركات فى قطاع الرعاية الصحية.
وحول جاهزية البنية التحتية الرقمية فى مصر وهل تمثل تحديا أمام نشاط الشركة، أكد الشريك المؤسس والرئيس التنفيذى لشركة “آى سابلاي” أن هناك تحديات، لكنها ليست مستعصية، مشيرا إلى أن المشكلة ليست فى جاهزية البنية التحتية الرقمية فى مصر إجمالا، بل فى بناء نظام رقمى متكامل ومؤهل يلبى احتياجات مختلف الأطراف.
وأوضح أن التعامل مع البنية التحتية يجب أن يتم بشكل تفصيلى ومجزأ، بحيث يتم تحليل كل مكون، سواء صيدلية، موزع، أو مصنع، وتقديم حلول مخصصة تتناسب مع متطلباته، مشيرا إلى أنه خلال الفترة الماضية عملنا مع الموزعين الصغار والمتوسطة على بناء بنيتهم الرقمية، ولدينا الآن أكثر من 400 شركة توزيع صغيرة ومتوسطة ضمن المنظومة، وأجرينا دمجا تقنيا بين أنظمتهم ونظامنا.
وأضاف أن التحدى الحقيقى هو الوصول إلى الصيدليات المترامية فى القرى، إذ أن نحو %40 من الإجمالى والتى تقدر تقريبا بـ82 ألف صيدلية لا يتوفر لديها الإمكانيات، لتكون جاهزة رقميًا وتمتلك الإمكانات اللازمة للاندماج فى النظام الرقمى المتكامل، وهذه الفجوة نحاول سدها عمليا.
وأشار إلى أن عملية التحول الرقمى فى إدارة منظومة الرعاية الصحية، خاصة فى قطاع الدواء يمكنها أن تعالج واحدة من الأزمات التى تحاول الحكومة السيطرة عليها منذ سنوات وهى ظاهرة “الدخلاء”، وهم غير المؤهلين لبيع الأدوية للجمهور.
وردا على وجود تشابه بين نظام الربط الإلكترونى الذى تحاول آى سابلاى تنفيذه ب مشروع “التتبع الدوائي” الذى تعمل عليه هيئة الدواء المصرية، وبالشراكة مع هيئة الشراء الموحد قال إمام: «نحن نكمل هذا المشروع، لا ينافسه، والهدف من التتبع الدوائى هو رقابى فى المقام الأول، أما نحن نستهدف تحسين الكفاءة التجارية واللوجستية».
وتوقع أن يكون للنشاط المقدم من الشركة دورا هائلا فى خدمة المنظومة الجديدة، خاصة وأنه يتمثل فى تهيئة الصيدلية تكنولوجيا، علاوة على تأهيل الصيدلى نفسه للتعامل مع أى تطور تكنولوجى جديد.
وأضاف أن بناء البنية التحتية للصيدليات والمنظومة ككل يخدم أهداف الرقابة والحوكمة معا، ونحن قادرون على تقديم دعم حقيقى لهذا المشروع، ونؤكد استعدادنا الكامل للمشاركة، فى أى مشروع وطني، خاصة وأننا لدينا دعم من أكثر من 6 صناديق استثمار محلية ودولية.
وأشار إلى أن هذه الصناديق لديها شهية للانخراط فى مشروعات بهذا الشكل، ويمكنها تقديم التمويل المطلوب لإتمام شراكات جادة، تلبى الرغبة فى نجاح المنظومة الجديدة.
وأكد أن رؤية الشركة قائمة على دمج التقنية فى كل مراحل سلسلة الإمداد، كما أن الجاهزية التى حققناها فى السوق تؤهلنا للمساهمة بفعالية، وهو ما نسعى لتوضيحه للمعنين بملف التتبع الدوائى خلال المرحلة المقبلة، تمهيدا للمشاركة بفاعلية فى هذا المشروع الوطني.
وأوضح أن الشركة توفر للصيدلى تطبيقا يتيح له التعامل مع موزعين معتمدين من هيئة الدواء، ويختار بنفسه الأصناف التى يريدها، كما أننا لا نلزم الصيدلى بالشراء من خلالنا، بل نتيح له سوقا مفتوحا من الموزعين، أكثر موثوقية، ونحصل على مقابل نظير الخدمات الرقمية المضافة.
وأشار إلى أن البضائع التى يتم طلبها عبر التطبيق لا يتم تسليمها من خلال “آى سابلاي”، بل تتم العملية من خلال الموزع نفسه، وهو كما أكدت لابد وأن يكون لديه تراخيص بممارسة النشاط من هيئة الدواء المصرية.
وانتقل «إمام» لآلية الاعتماد على الذكاء الاصطناعى فى أنشطة الشركة، مشيرا، إلى أن “آى سابلاي” ومن خلال فرق مؤهلة تعمل دائما على تحسين كفاءات الخدمات المقدمة، كما أنها تمتلك أكثر من نموذج تكنولوجى لإدارة الكيانات المرتبطة بقطاع الدواء.
وأوضح أن نموذج العمل الأساسى لدى الشركة يعمل على إدارة التخطيط وعمليات الشراء وهو ما نسميه إعادة بناء المخزون، كما أننا نقدم برامج أخرى تمكن الصيدلى من تحسين كفاءة إدارة رأس المال، وهو ما يتمثل أيضا فى إدارة المخزون، وهو ما يعد أحد البرامج الهامة فى ظل ما يقدمه من معلومات استباقية، علاوة على عملية إدارة المشتريات والتشغيل.
ولفت إلى أن الشركة لديها حاليا 4 نماذج عمل وتطبيقات رقمية ناجحة تساهم فى ربط جميع الأطراف رقميا، بداية من المصنع وحتى الصيدلية ، كلا منها يقدم حلول مختلفة بداية من إدارة الشركة وصولا لإدارة الصيدلية، وهو ما يمكننا من القول إننا نعمل على الجاهزية لإدارة منظومة متكاملة، خاصة لو تمكنا من الدخول فى شراكات متوقعة مع جهات حكومية.
وحول المواقع الجغرافية التى تقع فيها الصيدليات التى تربطها شراكات مع آى سابلاي، أكد إمام أن التركيز خلال السنوات الثلاث الماضية، كان فى القاهرة الكبرى والتى تضم محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، بالإضافة إلى الإسكندرية والبحيرة والغربية وبعض محافظات الصعيد.
وأضاف أن الشركة تعمل على التوسع والتواجد فى كافة محافظات الجمهورية، خاصة مدن الصعيد بنهاية العام الجارى 2025، بعد أن تم الانتهاء من تنفيذ نماذج عمل للمناطق القديمة المترامية الأطراف.
وأكد أن الشركة ينصب تركيزها حاليا على بناء شبكة تربط كافة أصحاب المصلحة، ولدينا تصميم على بنائها بشكل يضم تواجد كافة الأطراف فى المنظومة.
واستكمل أنه ربما عندما نتمكن من الوصول إلى 50 ألف صيدلية، سنعيد التفكير فى الأمر مرة أخرى، علاوة على أننا يمكننا تقديم خدمات جديدة، من شأنها أن نحقق أرباحا إضافية للشركة.
وحول إجراءات الحوكمة داخل الشركة، قال إمام إنه منذ اليوم الأول نعمل على تطبيق الحوكمة، لأن الامر أكبر من فكرة التزام إداري، لأن نجاح الشركة يعتمد فى المقام الأول على الجودة والمراقبة، مؤكدا على أهمية التكنولوجيا فى دعم عمليات الرقابة لأنها دائما ما تكون مدعومة بالمعلومات الدقيقة.
وردا على سؤال “المال” حول الخطط التوسعية للشركة خلال المرحلة المقبلة، قال الشريك المؤسس والمدير التنفيذى لشركة “آى سابلاي” إنه على المستوى المحلى نعمل على تغطية كافة محافظات الجمهورية بنهاية العام الجاري، فيما يعد الحصول على رخصة الرقابة المالية أحد المستهدفات الهامة للشركة خلال الوقت الحالي، خاصة وأن الحصول على الرخصة يمهد الأرض لمزيد من التوسع والانتشار.
ولفت إلى أن الشركة لديها خططًا للتوسع خارجيا، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، متوقعا أن تكون المملكة العربية السعودية أولى الأسواق التى تتواجد فيها الشركة خلال المرحلة المقبلة، فى ظل دراسة عدد من الفرص هناك، وجميعها بشراكة مع مستثمرين سعوديين.
وأكد أن أحد أسباب استهداف السوق السعودية، هو حجم التوسع والفرص التى تقدمها المملكة للمستثمرين خاصة الجادين، لعل أبرزها سهولة الحصول على التمويل، وسرعة إنهاء إجراءات التأسيس، بالإضافة للدعم الكبير للشركات العاملة فى التكنولوجيا.
وأوضح أن رأس مال الشركة بلغ 2.5 مليون دولار، علاوة على نجاحها فى إتمام عمليات تمويل كان آخرها الحصول على قرض مطابق للشريعة بقيمة 3 ملايين دولار، وهو ما يعنى أن الشركة لديها سيولة مالية.
وأشار «إمام» إلى أن “أى سابلاي”، تمكنت فى العام الأول من تأسيسها تحقيق معدلات نمو مرتفعة، فيما حققت فى الثانى 10 أضعاف معدلات النمو، وفى الثالث حققت نموا بلغ 3 أضعاف ، متوقعا أن تحقق الشركات معدلات نمو بنهاية العام الجارى ستكون هى الأكبر منذ تأسيسها.
وأوضح أن مستقبل سوق توزيع الدواء فى مصر سيكون لمن يتمكن من استخدام التكنولوجيا والتمويل الذكى معا، خاصة وأن الحلول التقليدية لن تصمد طويلا، ويجب على جميع الأطراف أن تدرك أن الرقمنة هى السبيل الوحيد فى الوقت الحالي، سواء فى التحصيل أو التوزيع أو التمويل، متمنيا أن يرى يوما ما علبة الدواء يتم تتبعها لحظة بلحظة بدء من المصنع، مرورا بشركات التوزيع والمخازن وصولا ليد المريض؛ فالأمر قابل للتنفيذ، وليس مستحيلا.
