في حلقة جديدة من «CEO Level Podcast»: من تطوير المجتمعات إلى صناعة المحتوى.. تجربة «مدينة مصر» حول إعادة تشكيل الهوية المؤسسية ودور القيادة التنفيذية في بناء الوعي

Ad

فى حلقة جديدة من برنامج «CEO LEVEL PODCAST» والذى يقدمه رئيس تحرير جريدة «المال» حازم شريف، نفتح نافذة على تجربة مهنية تمثل واحدة من النماذج المعاصرة لتحولات القيادة فى السوق المصرية، نبتعد فى هذا اللقاء عن الطروحات التقليدية التى تكتفى بمناقشة الأرقام والمؤشرات المالية، لنقترب أكثر من الأسئلة الجوهرية التى تواجه الشركات فى بيئة عمل تتغير بسرعة، ويتداخل فيها الاقتصادى بالتقني، والاجتماعى بالإعلامي.

فى حلقة جديدة من برنامج «CEO LEVEL PODCAST» والذى يقدمه رئيس تحرير جريدة «المال» حازم شريف، نفتح نافذة على تجربة مهنية تمثل واحدة من النماذج المعاصرة لتحولات القيادة فى السوق المصرية، نبتعد فى هذا اللقاء عن الطروحات التقليدية التى تكتفى بمناقشة الأرقام والمؤشرات المالية، لنقترب أكثر من الأسئلة الجوهرية التى تواجه الشركات فى بيئة عمل تتغير بسرعة، ويتداخل فيها الاقتصادى بالتقني، والاجتماعى بالإعلامي.

فى هذه الحلقة، نستضيف المهندس عبدالله سلام، الرئيس التنفيذى لـ «مدينة مصر»، وهى شركة ذات تاريخ طويل فى مجال التطوير العقاري، مرت خلال السنوات الأخيرة بعملية تحول شاملة طالت اسمها، وهويتها المؤسسية، وإستراتيجيتها التسويقية، وطريقة تواصلها مع المجتمع.

الحوار يسلط الضوء على عدد من القضايا الحيوية فى عالم الأعمال، وعلى رأسها العلاقة المتجددة بين الشركات والمحتوى الرقمي: لماذا أصبحت شركات التطوير العقارى تنتج محتوى عبر منصات مثل «يوتيوب”؟ وما الهدف من الاستثمار فى «البودكاست”؟ وهل للمحتوى تأثير فعلى على المبيعات؟ أم أنه مجرد نشاط علاقات عامة؟ كيف يمكن قياس العائد من بناء صورة ذهنية جديدة؟ وما حدود هذا التأثير؟

كما يناقش اللقاء التحديات المرتبطة بإعادة التموضع، سواء على مستوى العلامة التجارية للشركة، أو حتى على مستوى القيادة التنفيذية ذاتها، إذ يتحول المدير التنفيذى أحيانًا إلى «شخصية عامة»، ويتخذ حضوره على وسائل التواصل الاجتماعى بعدًا يتجاوز موقعه الإداري، ما يفتح بابًا واسعًا للتأثير لكنه فى الوقت ذاته يفرض مسؤوليات إضافية.

نتناول أيضًا فى هذا الحوار إستراتيجيات التوسع داخل وخارج مصر، ودراسة الأسواق الإقليمية، وموقع شركة «مدينة مصر» وسط المنافسة المحتدمة فى القطاع، خصوصًا مع غيابها حتى الآن عن مشروعات الساحل الشمالي، رغبتها فى التوجه نحو دخول أسواق خارجية مثل السعودية، وإلى نص الحوار..

● حازم شريف: ضيفى اليوم هو المهندس عبدالله سلام، الرئيس التنفيذى لشركة «مدينة مصر»، أرحب بك معنا.

سؤالى الأول سيكون صادمًا بعض الشيء، ولكن فى رأيى هو محوري: شركة مدينة مصر تعمل فى مجال التطوير العقارى لماذا يكون لديها قناة على «يوتيوب» تنتج محتوى؟

عبدالله سلام: هذا السؤال غاية فى الأهمية، لأنه فى الحقيقة يُعد مؤشرًا على تحوّلات كبرى يشهدها العالم فى الوقت الراهن، لقد شهدنا خلال العقدين الماضيين تحولات جذرية فى عالم الاتصال، تبعها ما يمكن اعتباره «ثورة حقيقية» فى عالم المحتوى، لا يخفى على أحد أن منصة «يوتيوب» مؤخرًا احتفلت بمرور 20 عامًا على انطلاقها، وعرضت خلال الاحتفال أول فيديو نُشر عليها، وكان بسيطًا للغاية لشخص يقف فى حديقة حيوانات ويتحدث بشكل عفوي، دون أن يدرك أن هذا الفعل البسيط سيكون له شأن كبير يومًا ما.

دائمًا ما أقول إن منصات مثل «يوتيوب» فجّرت طاقات وإمكانيات فنية وإبداعية وتعليمية وتثقيفية هائلة – رغم وجود جانب مظلم لا مجال للخوض فيه الآن.

ما أود الإشارة إليه هو أن هناك تغييرًا حقيقيًا فى فهمنا لمعنى «المحتوى»، ومن هو صانع المحتوى، وما مدى تأثير هذا المحتوى على الأفراد، وعلى الكيانات، سواء كانت علامات تجارية أو شخصيات عامة أو مؤسسات.

لذلك، حين نتحدث عن توجه «مدينة مصر» نحو إنتاج محتوى رقمى عبر منصة مثل «يوتيوب»، فإن الأمر لا يتعلق فقط بقرار تسويقى تقليدي، بل هو انعكاس لفهم جديد لطبيعة التواصل والتأثير، اليوم، أى شركة تقريبًا، سواء كانت فى المجال العقارى أو غيره، تمتلك حسابًا على «يوتيوب»، وصفحات على «فيسبوك»، و«إنستجرام»، و«تيك توك»، وغيرها من المنصات.

كنت مؤخرًا أتحدث مع أحد الرؤساء التنفيذيين لشركة اتصالات كبيرة، وقال لى جملة لافتة: «فى رمضان، أصبحنا نُنتج أغاني»، هذا تعبير حقيقى عن التحول فى طبيعة الشركات – لم تعد فقط تقدم خدمات أو منتجات، بل أصبحت كذلك صانعة للمحتوى، ومنافسة فى سوق الإبداع.

فى الوقت الحاضر، خاصة خلال شهر رمضان، والذى يُعد موسم الإعلانات والإعلام بامتياز، نجد عددًا كبيرًا من الشركات – ونحن من بينها – تقدم أعمالًا فنية مثل الأغاني، وقد يتساءل البعض: «ما علاقة الأغانى بشركة تعمل فى مجال العقارات؟» لكن فى الواقع، هذا جزء من التحوّل الكبير الذى حدث، حيث أصبحنا جميعًا جزءًا من عالم صناعة المحتوى.

لم يعد الأمر اختيارًا، بل أصبح ضرورة حتمية، لقد تسببت ثورة الاتصال والتكنولوجيا فى إعادة تشكيل طريقة التواصل بين الأفراد، وخلقت ما يمكن تسميته بـ «التواصل من خلال المحتوى».

اليوم، إذا أرادت أى علامة تجارية أن تتواصل مع جمهورها، أو حتى مع جمهورها المستهدف، فعليها أن تقدم محتوى مختلفًا وجذابًا، الناس أصبحت تنتظر هذا النوع من التواصل، وأصبحت معايير الانتباه والتركيز أقصر بكثير، مما يتطلب مستوى عاليًا من الجودة والإبداع فى صناعة المحتوى.

ولذلك الأمر أصبح مفروضا علينا، لم يعد بإمكاننا القول «دعونا نخض تجربة صناعة المحتوى»، بل الواقع هو أننا أصبحنا – شئنا أم أبينا – صناع محتوى، وما يُميز صانع محتوى عن آخر هو جودة المحتوى ذاته، والأهداف التى تقف خلف صناعته.

أصبح الأمر بمثابة سباق تسويقى بين الشركات: من يصنع محتوى أفضل؟ من يرتبط محتواه بشكل فعال بأهداف الشركة، ورسالتها، ورؤيتها، ومنتجاتها؟

أكثر من هذا.. اليوم، بضغطة زر، ومن خلال تطبيق مثل «تشات جى بى تي»، يمكن لأى شخص حتى عبر هاتفه المحمول دون الحاجة إلى جهاز حاسوب متطور أن يبتكر حملة كاملة أو محتوى متكامل، قد يفوق ما كانت تنتجه سابقًا فرق عمل كاملة.

كل هذه الإمكانات جعلت المنافسة على «انتباه الجمهور» أشدّ من أى وقت مضى، وهذا هو جوهر المسألة: الكل يتنافس على انتزاع لحظة من وعى الناس، من أجل إيصال رسالة، أو بيع منتج، أو تعزيز حضور علامة تجارية، وعلى المستوى الشخصى أيضًا – كما تفضلت بالقول – إذا كان الشخص نفسه هو «المنتَج»، أو إذا كانت مهنته تقوم على حضوره الشخصي، كأن يكون نجمًا أو شخصية عامة، فالسؤال الأهم هو: كيف يبرز نفسه؟ وكيف يُقدم ذاته كعلامة؟ وكيف يُصبح هو المحتوى بحد ذاته؟

● حازم شريف: دعنا نُقسّم الموضوع إلى جانبين رئيسيين: الوجه الأول وهو النشاط الأساسى للشركة فى مجال التطوير العقاري، والوجه الثانى وهو النشاط المرتبط بإنتاج المحتوى، الآن، اسمح لى أن أضع نفسى مكان أحد المساهمين فى الشركة، وأتخيل أننى جالس معك فى اجتماع الجمعية العمومية، وأطرح عليك السؤال التالي: «أنتم تقومون بإنتاج محتوى مميز ولافت – وربما يمكن وصفه بأنه ينافس صناع المحتوى المستقلين – وهذا أمر جيد، ولكن ما العائد الفعلى على الشركة؟ كيف يمكننى كمساهم أن أفهم العلاقة بين هذا الإنتاج من جهة، وبين أهدافنا كمؤسسة تعمل فى التطوير العقارى من جهة أخرى؟

هل يمكننا اعتبار هذا المحتوى جزءًا من إستراتيجية العلامة التجارية أو «البراندينج”؟ وإن كان الأمر كذلك، فهل توجد مؤشرات واضحة تُبيّن كيف انعكس ذلك على المبيعات؟ وهل لديكم أدوات أو منهجية تقيس مدى تأثير هذا النوع من المحتوى، خاصة البودكاستات التى تظهرون فيها، والتى – بصراحة – لا تتحدث بشكل مباشر عن مشروعات عقارية أو قرارات بيع، بل تتناول مواضيع عامة؟

وكيف أسهم هذا الظهور فى تحسين أداء المبيعات، أو فى تعزيز صورة الشركة لدى العملاء”؟

عبدالله سلام: أولًا، دعنى أوضح نقطة مهمة، ظهورى فى بعض البودكاستات يختلف عن أن يكون لدينا بودكاست خاص بالشركة، بالفعل، بدأنا إنتاج بودكاست داخل الشركة فى فترة معينة وكان يتمحور حول فكرة «النمو»، وكيف نساعد الناس على تحقيق أحلامهم، لكنه تطور لاحقًا وأصبح كيانًا مستقلًا، ونحن اليوم ندعمه كشركة من خلال الرعاية فقط وليس كمنتَج خاص بنا.

إذن، لا نملك اليوم قناة إعلامية خاصة أو بودكاست عقاريًا خاصًا بالشركة، لكننا ندعم أو نشارك فى إنتاج بعض أنواع المحتوى، على سبيل المثال، أنتجنا مشروع «نظارة نيفو» مع نيفين، وهو محتوى مدعوم نحاول من خلاله إيصال رسالة تتسق مع قيم ورؤية الشركة، كذلك نتعاون مع الإعلامى محمود مصطفى فى برنامجه «المدير»، ونحن رعاة لبرنامج مثل «Shark Tank»، وهو أيضًا محتوى لا يرتبط مباشرة بالعقارات، بل بريادة الأعمال والاستثمار.

فى هذا السياق، أحيانًا نتلقى تساؤلات من العملاء أو المساهمين: لماذا تصرف الشركة ميزانية على هذا النوع من المحتوى؟ وهذا سؤال مشروع جدًا.

وللإجابة على سؤالك حول كيفية قياس أثر هذا النوع من الاستثمار فى العلامة التجارية، فأقول إن هناك بالفعل أدوات قياس واضحة لذلك، نحن لا نعتمد على مشاعرنا أو انطباعاتنا الخاصة، بل نستعين بشركات أبحاث سوقية مستقلة، ومحايدة تمامًا، لا نملكها، ولا نؤثر على نتائجها، بل نشترى منها نتائج دقيقة ومدروسة كى نتمكن من رؤية خريطة السوق بشكل واضح.

هذه الأبحاث تُجرى على عينات من الجمهور، ويُطرح عليهم أسئلة مثل: من أفضل مطور عقارى فى رأيك؟

ويتم ذلك بطريقتين: يُعرض على العميل قائمة بأسماء مطورين ليختار منها، أو يُترك ليذكر الاسم من ذاكرته دون أى مساعدة.

والنوع الثانى من الأسئلة أكثر دلالة، لأنه يقيس من هو المطور الذى رسخ اسمه فعليًا فى ذهن العميل دون أى مؤثر خارجي، وتبدأ هنا نتائج البحث فى إظهار مدى تأثير الحضور الذهنى للعلامة التجارية.

نحن، فى مدينة مصر، نتابع هذه الأبحاث دوريًا، ونتتبع تطور موقعنا فى السوق خلال السنوات الثلاث الماضية، لنفهم هل نحن نتقدم فعلاً فى هذا السباق أم لا، لكن الأهم أن الأبحاث لا تتوقف عند مجرد ذكر الاسم، بل تدخل فى عمق الانطباع.

فالعميل لا يكتفى بذكر اسم المطور، بل يُسأل: ماذا يمثل لك هذا المطور؟ وهنا تظهر الجواهر الحقيقية: هذا المطور يمثل الثقة، هذا المطور يمثل الإنجاز، هذا المطور هو الوطني، ونحن حين نستمع إلى هذه الردود، نقارنها مباشرة بالرسالة التى أردنا إيصالها للجمهور.

● حازم شريف: ماذا تريد أن يقول عنك الناس؟

عبدالله سلام: الحقيقة أننا فى شركة مدينة مصر لدينا رسالة واضحة ومكتوبة ومعلّقة على الجدران، نكررها فى اجتماعاتنا، ونسترشد بها فى قراراتنا الإستراتيجية، سواء عند التفكير فى دخول قطاع جديد أو سوق جديدة، رسالتنا ببساطة: «ندفع النمو فى مصر عبر تطوير مجتمعات مستدامة تجعل الحياة أفضل، وأسهل، وأكثر أمنًا»، وكل كلمة فى هذه الرسالة مختارة بعناية، وتحمل فى طياتها فلسفة شركتنا وهويتنا فى السوق.

أحيانًا، حين يُعرض علينا محتوى أو فكرة برنامج أو حملة، نبدأ أولًا بإسقاط هذه الفكرة على رسالتنا: هل تسهم فى دفع النمو؟ هل لها علاقة بالاستدامة؟ هل ترتبط بالمجتمعات؟ وكلمة «مجتمعات» بحد ذاتها بحر واسع.. ماذا نعنى بالمجتمع أصلًا؟، ندخل فى تفاصيل: ماذا تعنى تربية الأطفال؟ ماذا يعنى النمو؟ كيف يبدأ الإنسان حياته معنا؟ مثلًا: شاب تزوّج للتو، كيف سيكمل مسيرته معنا؟

نغوص فى عمق معانى «المجتمع»، و«الاستدامة»، ونُعرف هذه المفاهيم وفق رؤيتنا، ثم نعود لنراجع القيم التى اخترناها بعناية، والتى نعتبرها معايير أساسية فى قراراتنا: أن نجعل الحياة أسهل، وأفضل، وأكثر أمانًا.

سأضرب مثالًا بسيطًا على كيفية تفكيرنا فى هذه الأمور: قمنا مؤخرًا بتغيير أسطول السيارات داخل الشركة، واخترنا سيارات من علامة «فولفو»، ولم يكن هذا الاختيار عشوائيًا، بل جاء بعد دراسة، لأن فلسفة شركة فولفو تتطابق إلى حد كبير مع القيم الثلاث التى نؤمن بها، وأحييهم هنا على الشراكة التى أبدوا فيها حماسًا يوازى حماسنا تمامًا.

● حازم شريف: دعنى أطرح سؤالًا قد يبدو ساذجًا: بعد كل هذه المقدمة، هل تتوقع أن تقول عينة من الناس فى الشارع، عندما يُسألون عن «مدينة مصر»، إن أول ما يخطر ببالهم هو «الاستدامة» أو «النمو«؟ بالتأكيد لا.

عبدالله سلام: لن يقول ذلك أحد إلا من قرأ واستوعب رؤيتنا جيدًا. ولكن الأهم أن يقولوا كلمات «تصُب» فى هذه المعانى نفسها، بل أحيانًا، تُظهر نتائج الأبحاث أننا بحاجة إلى تركيز أكبر فى بعض الجوانب، فحتى لو قال الناس شيئًا جيدًا، لكنه لا يُعبر تمامًا عن الرسالة التى نريد ترسيخها، فإننا نأخذ ذلك بعين الاعتبار.

جميل أن تكون لديك صورة ذهنية إيجابية، ولكن هل هذه هى الصورة التى نريد أن تعرفنا بها السوق؟

● حازم شريف: ما نسبة تحقيق ذلك من خلال إنتاجك لهذا المحتوى والحملات الخاصة بكم سواء حملات إعلانية أو «براندنج”؟

عبدالله سلام: نحن فى شركة مدينة مصر واجهنا، تحديدًا، مهمة صعبة للغاية، لم يكن هدفنا فقط أن نجعل عملاءنا يفكرون فينا بالشكل الذى نتمناه، بل كنا كذلك نحاول تغيير منظور قديم عن الشركة منظور لم يكن دقيقًا فى حقيقته.

كان الانطباع السائد أننا «شركة قديمة»، أو أن «منتجاتنا تقليدية»، أو أننا «شركة قطاع عام»، وهذا -وإن لم يكن فيه ما يعيب- لم يكن صحيحًا، فمنذ عام 1998، بدأت الشركة تتحول إلى القطاع الخاص عندما طُرحت فى البورصة ضمن برنامج الخصخصة، وبدأ يتغير هيكل الملكية تدريجيًا حتى أصبحت بالفعل شركة خاصة.

أحد أكبر التحديات التى واجهناها كانت تغيير الصورة الذهنية، وكان تغيير الاسم جزءًا مهمًا من هذه المعركة، وهنا أعود إلى نقطة حضرتك أثرتها: تغيير الاسم لم يكن مجرد إجراء شكلي.

لقد أجرينا أبحاثًا سوقية، ووجدنا أن اسم «مدينة نصر للإسكان والتعمير» كان مرتبطًا جغرافيًا بحى مدينة نصر تحديدًا، فى حين أن إستراتيجيتنا الجديدة كانت التوسع فى مختلف أنحاء مصر، وهنا ظهر التحدي: كيف يمكن أن نقول مثلًا «مدينة نصر فى الساحل الشمالي”؟ العبارة ببساطة غير منسجمة.

وبالتالي، أصبح من الضرورى تغيير الاسم، ولكن كيف؟ كانت هناك عدة خيارات: هل نغيره إلى اسم مختلف تمامًا؟ هل نستخدم اختصارًا؟ هل نعيد التسمية بشكل جذري؟

وبعد مشاورات طويلة وجولات كثيرة من النقاش، والتى أثارت بالفعل الكثير من الجدل، أعتقد أننا وُفّقنا «بل أُلهمنا» بفكرة أراها غاية فى العبقرية: أن نغيّر حرفًا واحدًا فقط، تحول الاسم من «مدينة نصر» إلى «مدينة مصر».

وهذا التغيير، رغم بساطته الظاهرية، غيّر المعنى تمامًا، وفتح أمامنا آفاقًا جديدة، وفى الوقت نفسه، ظل الاسم عالقًا فى أذهان الناس لأن النطق لا يختلف كثيرًا، ظل لديهم ارتباط ذهنى واضح بأن «مدينة مصر» هى ذاتها «مدينة نصر» سابقًا.

وقد دعمنا هذا التغيير بحملة إعلانية ذكية، استُخدمت فيها عبارة لاقت رواجًا كبيرًا: «مدينة نصر بقت مدينة مصر... وهتعمر فى كل حتة فى مصر»، فترسخ الاسم الجديد، وتعمّق المعنى الجديد، وبقيت الصلة بالاسم القديم محفوظة فى ذهن الناس.

أنا شخصيًا، أقولها دائمًا وبكل فخر: أعتقد أن حملة تغيير اسم الشركة من «مدينة نصر» إلى «مدينة مصر» هى من أنجح، إن لم تكن أنجح حملة على الإطلاق، فى تاريخ تغيير اسم شركة بهذا الحجم، وهذا التاريخ، وهذه العراقة.

● حازم شريف: دعنا نعد إلى المساهم، فحتى الآن الحديث جميل جدًا، ولكنه ما زال بعيدًا بعض الشيء عن لغة المساهمين، ما العائد الملموس؟ كيف انعكس هذا النجاح فى إعادة بناء العلامة التجارية، والمحتوى الذى تم إنتاجه، والتغير الذى حدث فى نظرة الناس، على الأرباح؟ ماذا استفدت كمساهم فى شركة «مدينة مصر”؟

عبدالله سلام: هناك بطبيعة الحال أمور ملموسة يمكن قياسها، وهناك أمور غير ملموسة لا يمكن إغفالها أيضًا وهذا أمر معترف به عالميًا، ففى الخارج، على سبيل المثال، تُجرى دراسات متقدمة جدًا لقياس قيمة العلامة التجارية، وتُستخدم معادلات معينة. يقولون مثلاً: «شركة مثل آبل، قيمتها السوقية تُقدّر بتريليونات الدولارات»، لكن ما النسبة التى تمثلها العلامة التجارية نفسها من هذه القيمة؟ يتم قياس ذلك بدقة، وعندهم أدوات وآليات لاحتساب هذا الجزء غير الملموس، لأنهم يُدركون أن للعلامة التجارية قيمة اقتصادية حقيقية.

أما عندنا، فى مصر، فما زال هذا المفهوم ليس منتشرًا بالشكل الكافى فى أوساط الشركات، وهذا من الأمور التى تواجهنا حين يُسأل المسؤول: «أنفقت مبلغًا معينًا على حملة دعائية، أو على رعاية برنامج معيّن، فما العائد؟»، فى رأيي، هذا العائد لا يُقاس فقط بالأرقام التقليدية، ولكن أيضًا من خلال تحسن الصورة الذهنية، وزيادة ثقة السوق، وتغيير الطريقة التى ينظر بها الآخرون إلى شركتك.

● حازم شريف: ما تقديرك لتقييم العلامة التجارية للشركة؟ وبنسبة كم ارتفع عن الماضي؟

عبدالله سلام: أقول لك بكل وضوح: لو أردنا أن نقيس ارتفاع قيمة علامة «مدينة مصر» التجارية، مقارنةً بما كانت عليه من قبل، فقد تكون ارتفعت بمقدار 100 ضعف، بمعنى إذا كانت قيمة العلامة التجارية سابقًا تعادل «1»، فهى اليوم تساوى «100» وأنا لا أقول هذا من باب المبالغة، بل بناءً على ما أراه فى السوق، ولماذا أقول هذا بثقة؟ لأننى أراه فى تعاملاتنا اليومية.

بعيدًا عن العملاء، فقط أنظر إلى تعاملى مع المؤسسات المالية: كيف كانت تنظر إلى الشركة سابقًا؟ وكيف تنظر إليها الآن؟ كم زادت ثقتها فى الشركة؟، نحن اليوم نتلقى عروضًا من جهات تقول لنا: «تعالوا نطرح مشروعًا مشتركًا، تعالوا نمول لكم مشروعًا معينًا» هذه المبادرات لم تكن موجودة من قبل، وهذا، بطبيعة الحال، لا يأتى من فراغ.

نعم، المؤسسات تنظر إلى الميزانيات والأرقام، ولكن وجودها أصلاً على بابك لتعرض التعاون، هذه ثقة فى العلامة التجارية، وهذا لا يحدث إلا عندما تكون الصورة الذهنية للشركة قد تغيرت فعلاً.

ثم ننتقل إلى أثر العلامة التجارية على العميل، والذى ينعكس بدوره على المساهم أيضًا، فبإمكاننا أن نقيس هذا التأثير من خلال عدة مؤشرات بسيطة ولكن قوية: كم كنا نبيع فى السابق؟ وكم نبيع الآن؟، كم عدد العملاء الذين كنا نتعامل معهم؟ وكم أصبح عددهم اليوم؟ ما سعر المتر الذى كنا نطرحه؟ وكم أصبح الآن؟

عبدالله سلام: الشركة تضاعفت 20 ضعفًا فى حجم الأعمال بالسوق خلال السنوات الثلاث الماضية.

● حازم شريف: نحن نتحدث عن كيف استفدت من هذا فى السعر الذى تبيع به. ما نسبة زيادتك مقارنةً مع نسبة السوق؟

عبدالله سلام: إذا قمنا بالقياس على السنوات الثلاث الماضية، فمتوسط السوق قد ارتفع بنسبة %200 فإننا فى «مدينة مصر» قد حققنا زيادة تقترب من %300 فى الأسعار، أى أننا تجاوزنا معدل السوق بوضوح.

وهنا تكمن قوة العلامة التجارية، لو كنا ما زلنا نعمل تحت اسم «مدينة نصر» القديم، المرتبط بمنطقة جغرافية واحدة وصورة ذهنية تقليدية، لما استطعنا الوصول إلى هذا المستوى من التسعير أو هذا الحجم من التوسع، مع ذلك، وبكل احترام وتقدير لعملائنا، لا نغفل أن شركة «مدينة مصر» ما زالت تحتفظ بخصوصية شديدة، وقدرة مميزة على تحقيق هذه النتائج، وهى أمور لا تتوفر بسهولة فى كل الشركات.

نحن فى «مدينة مصر» نمتلك القدرة على مخاطبة شرائح متعددة من العملاء، وهذا لا يعنى أننا نفتقر إلى التخصص، بل بالعكس، صحيح أن هناك مدارس تسويقية تحترم بشدة، تقوم على مبدأ مخاطبة شريحة واحدة فقط والتركيز الكامل عليها، وهذا فى كثير من الأحيان يكون أسلوبًا صحيًا وفعالًا.

لكننا، لدينا المرونة والقدرة على التفاعل مع شرائح متنوعة دون أن نسبب تضاربًا أو تشويشًا فى صورة العلامة التجارية.

● حازم شريف: ما الفئة التى تستهدفها الشركة؟

عبدالله سلام: نحن نخاطب شريحة واسعة جدًا من العملاء، وهذه نقطة يراها البعض تحديًا، لكننا نراها ميزة، والدليل أن العلامة التجارية «مدينة مصر» قادرة على احتواء الجميع بثقة، فعلى سبيل المثال، نحن لدينا مشروع للإسكان الاجتماعي، ما زالت أسعار وحداته تبدأ من مئات الآلاف من الجنيهات، وفى الوقت نفسه نطرح مشروعًا جديدًا يضم فيلات تبلغ قيمتها ملايين الجنيهات، ولدينا العميل الذى يشترى الشقة الاقتصادية، ولدينا العميل الذى يشترى الفيلا الفاخرة، وكلاهما يثق بالشركة ويشعر بالانتماء لها.

● حازم شريف: نأتى الآن إلى الحديث عنك مباشرة حقيقة أن عبدالله سلام نفسه خضع لما يمكن أن نسميه «إعادة تموضع للعلامة الشخصية – Personal Rebranding»، عبدالله معروف منذ سنوات، وله سمعته الطيبة، ولكن فى الفترة الأخيرة، أصبحتَ حاضرًا بقوة على وسائل التواصل الاجتماعي، وصرت تنتج محتوى مصورًا تتحدث فيه فى مواضيع مختلفة، وتقدم أفكارًا وأحيانًا رسائل محددة، وهنا، سأتحدث كمساهم فى الشركة، وأسأل: ما الذى استفدته كمساهم من هذا الحضور الرقمى لعبدالله سلام؟، بمعنى: ما الفائدة الاستثمارية أو المؤسسية من ذلك الظهور؟

عبدالله سلام: أجيبك على ذلك فى شقين، الأول شخصي: لم أكن أسعى لهذه المساحة أو الظهور منذ البداية، يمكن أن نحكى القصة فى وقت لاحق، لكن باختصار، لم يكن هذا أمرًا مخططًا له من قبلي، ومع ذلك، عندما حدث، لم أرفضه ولم أتهرّب منه، بل على العكس، وجدت نفسى فيه.

● حازم شريف: وجدت نفسك فى ماذا؟

عبدالله سلام: وجدت نفسى فى إيصال الرسائل، شعرت أن لدى ما أريد مشاركته، أفكارًا أو معلومات يمكن أن تصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس، وعندما تجد من يستمع إليك ويثق فيما تقول، فهذه مسؤولية عظيمة، لكنها أيضًا فرصة حقيقية للتأثير الإيجابي.

● حازم شريف: هذا على الجانب الشخصى والإنساني، أما على مستوى الشركة؟ قد يتساءل البعض: ما الفائدة التى جنتها الشركة من كونك «شخصًا ظاهرًا» أو معروفًا على السوشيال ميديا؟

عبدالله سلام: فى الواقع، حدث موقف طريف، مسؤول البيع عندنا جاء يشكرنى مرة، وقال لي: «أخيرًا بقى عندنا وش معروف»، يقصد أن الناس بدأت تربطنا باسم واضح، رغم أننى شخصيًا ما زلت غير مقتنع بهذا المبدأ، لكن، كما يقولون: هذا هو سلوك السوق الآن.

أنا فى الأصل ضد فكرة ربط المشروع باسم شخص، أيام شركتى السابقة، قبل أن تستحوذ عليها شركة «مدينة مصر»، كنت دائمًا أقول لفريق المبيعات: لا تُعرفوا المشروع باسمى أو باسم عائلتي، بل باسم الشركة، لأن الولاء يجب أن يكون للعلامة التجارية، لا للشخص.

وهذا مبدأ نشأت عليه، فحتى على مستوى العائلة، نحن كعائلة أعمال، لم نسم شركاتنا بأسماء عائلية، رغم أن ذلك شائع جدًا فى العالم كله، أن تسمّى شركتك باسم العائلة أمر معتاد: فورد، مارس، هيوليت-باكارد (HP)... كلها شركات بأسماء مؤسسيها، بل حتى فى مصر، هذا الاتجاه منتشر جدًا.

لكننا – كأسرة «سلام» – لم نتبع هذا المنهج، رغم أن «نيازى سلام» معروف مثلًا بأنه مؤسس «أوليمبيك»، الفكرة أننا نؤمن بأن المؤسسة ينبغى أن تُبنى على قيم، على علامة تجارية محترفة، لا على شخص مهما كانت مكانته.

وحدث أن جاءنى أحد المسؤولين عن المبيعات فى شركة «مدينة مصر»، وقال لي: «أنا أشكرك، أخيرًا صار لدينا اسم واضح يمكننا أن نُخبر الناس به»، فقلت له: «من فضلك، لا تُطلقوا على المشروع اسما شخصي، أنا أريد الولاء للعلامة التجارية».

فى الحقيقة، ما قاله له جانب من المنطق المحمود، لأن سلوك الصناعة يسير بهذا الشكل، فعندما تُذكر أسماء مثل «نجيب ساويرس»، تجد أن الناس تتفاعل مباشرة، وتقول: «مشروع نجيب ساويرس»، دون حتى أن يُشيروا إلى اسم الشركة.

نجيب ساويرس، مثلًا، استثمر فى بناء علامة تجارية عالمية مثل «أورا»، ولكنه فى الوقت ذاته لا يتوانى عن الظهور بنفسه فى الحملات الإعلانية، لأنه يدرك أن الناس تثق به وبنجاحه، وهو قد يكون تلقى من فريقه توصية مفادها: «نحن بحاجة إليك فى الواجهة، الناس تعرفك وتثق بك، وتربط نجاح مشروعاتك بك شخصيًا».

هذه الديناميكية أصبحت جزءًا من طبيعة الصناعة، خصوصًا فى السوق المصرية، ففى كثير من الأحيان، نجد أن الثقة تُبنى على أسماء أشخاص يعرفهم الناس، ويثقون فى كفاءتهم ونزاهتهم.

فهل هذا التوجه أفاد الشركات؟ أعتقد نعم، رغم أننى شخصيًا لا أحبذه كثيرًا.

لكنه واقع فعلي، والنتيجة أننا - والحمد لله - صرنا ضمن العشرة الأوائل، ففى الربع الأول من العام، حللنا فى المرتبة التاسعة، أنهينا السنة السابقة فى مرتبة أعلى من ذلك، ولكن كما تعلم، الأرقام تتغير من ربع إلى آخر.

ومع ذلك، أنا دائمًا أقول لفريقي: «لا أريد أن أُشغل بالى بالترتيب فقط، بل بأهدافنا، إلى أين نريد أن نصل؟ كم دولة نريد أن نكون فيها؟ ما هو الشكل المثالى لمنتجنا؟».

● حازم شريف: أود أن أُنهى هذا الجزء من الحديث بالانتقال إلى ملف المنافسة، بالنسبة لشركة «مدينة مصر»، فدعونا نُلخص وضعها الحالي، نحن نتحدث عن نحو 22 أو 23 مشروعًا قيد التنفيذ، لا أذكر الرقم الدقيق، لكنه فى هذا النطاق، ونتحدث أيضًا عن حوالى 12 مليون متر مربع من المساحات وعن مبيعات تتجاوز 8 مليارات جنيه، وفقًا للإيرادات المسجلة فى القوائم المالية لعام 2024، وليس التعاقدات، أما المبيعات التعاقدية، فهى تخطت حاجز الـ40 مليار جنيه، وهذا فارق مهم يجب أن يدركه الناس، لأن كثيرين لا يفرقون بين الأرقام المحاسبية الفعلية وتلك التى تُعلن كحجوزات أو تعاقدات.

أما على صعيد الأرباح، فقد سجّلنا نحو 2 مليار جنيه، بزيادة لم تكن ضخمة جدًا، حوالى 30% مقارنة بالعام الماضي، دعنى أطرح عليك سؤالاً مباشراً.. منذ 3 سنوات وأنت تتحدث، على سبيل المثال، عن نيتك دخول الساحل الشمالي، وحتى الآن لم تدخل فعليًا هذه السوق، لماذا لم يتم هذا «الاقتحام»، رغم توسعك الواضح فى اتجاهات متعددة؟

عبدالله سلام: سؤال مهم، وسأكون صريحًا جدًا فى الإجابة، هناك عدة أسباب، أولاً، خلال الثلاث سنوات الماضية، كانت لدينا مهمة كبيرة جدًا داخل الشركة، وهى إعادة ترتيب البيت من الداخل، كما يُقال، أعدنا هيكلة الكثير من الأمور داخليًا، سواء فى الموارد البشرية أو المالية أو حتى فى ملاءة الشركة وقدرتها على التوسّع، لأن إدارة النمو أمر بالغ الأهمية... أحيانًا تأتيك فرص كثيرة جدًا، ولكن الأهم هو حسن اختيارها والتعامل معها بعقلانية.

لكن السبب الثاني، وهو مهم جدًا، أن اقتناء الأراضى فى الساحل الشمالى يشهد منافسة شديدة للغاية، أو دعنى أكن أكثر دقة، «حرب ضروس» بكل معنى الكلمة.

هناك مطورون لهم باع طويل فى هذه السوق، منذ عشرات السنين، لديهم أسماء قوية وقاعدة عملاء مستقرة، ولذلك يتنافسون بشراسة على أى قطعة أرض تُطرح هناك.

عند قراءة القوائم المالية المُعلنة فى البورصة، تستطيع أن ترى كل شيء، ستجد أن بعض الشركات مبيعات الساحل لديها تمثل %60 وأحيانًا %70 من حجم أعمالها، بل ربما أكثر، خصوصًا أن بعض الشركات لا تفصح عن نتائجها بدقة، لكن السوق يعرفها.

فتخيل أن مصدر الدخل الرئيسى لشركة معينة يعتمد بنسبة %70 على منطقة واحدة.. من الطبيعى أن تقاتل وتنافس بشراسة غير عادية على كل قطعة أرض هناك، لأنها تؤثر على مستقبل الشركة بالكامل، ودعنى أوضح ما يميّزنا أننا ما زلنا حتى الآن لسنا معتمدين على مبيعات الساحل الشمالي، وهذه ميزة وفى الوقت نفسه تحدٍ.

نحن – والحمد لله – أصبحنا من ضمن أكبر 10 مطورين عقاريين فى مصر، ونحقق مبيعات تقارب الـ50 مليار جنيه سنويًا، من دون أن يكون لدينا مشروع واحد فى الساحل.

● حازم شريف: خطوة جريئة جدًا لأن معظم كبار المطورين يعتبرون الساحل ركيزة أساسية.

عبدالله سلام: بالفعل. دعنى أخبرك أننى كنت أستخدم «طلعت مصطفى» كمثال حينما يسألنى أحد: لماذا تأخرتم فى دخول الساحل؟ «طلعت مصطفى» كان أكبر مطور عقارى فى السوق، ومع ذلك لم يكن له وجود فى الساحل الشمالى لسنوات.

وحين دخل الساحل أخيرًا، النقلة التى حدثت لم تكن للساحل فقط، بل للشركة ككل.

نحن نسعى لذلك أيضًا، دخولنا للساحل الشمالى هدف استراتيجي، ونحن نعمل عليه بكل ما أوتينا من جهد.

● حازم شريف: وبحسب ما تراه.. هل تعتقد أن دخولكم الساحل يمكن أن ينقلكم إلى «الخمسة الكبار”؟

عبدالله سلام: هذا تقديرى الشخصي، نعم، الأرقام تشير إلى ذلك، ونحن بالفعل أنهينا عام 2024 ونحن من ضمن الخمسة الكبار فى السوق، ولذلك لا أحب الحكم على الأمور من مجرد نتائج فصل واحد، بل أُقيّم الأداء السنوى ككل.

● حازم شريف: من الخمسة الكبار بحسب تقييمك؟

عبدالله سلام: بحسب الأرقام عندي، «طلعت مصطفى» فى الصدارة، ثم «بالم هيلز» أو «أورا»، وبعدهما «إعمار» و«سوديك»، ونحن كنا معهم فى النطاق نفسه، أعتقد أن «سوديك» حققت نحو 50 مليارًا، و«إعمار» 49، ونحن 47، فنحن نلعب فى المنطقة نفسها مع كبار السوق، والحمد لله، وأرى أن اسم «مدينة مصر» يستحق أن يُقال عنه إنه من الكبار.

نحن الوحيدون من بين هذه الأسماء الكبرى الذين يحققون %100 من مبيعاتنا من شرق القاهرة، لقد تمكنا من تحقيق مبيعات تُضاهى مبيعات شركات كبرى، رغم أن هذه الشركات تنتشر مشاريعها فى شرق القاهرة وغربها، بل وفى الساحل الشمالى بكثافة، أما أنا، فكل مبيعاتى تقريبًا تحققت من منطقة واحدة فقط، وهى شرق القاهرة، وهذا يُعد مصدر قوة كبيرا لنا؛ أن ننافس بهذه القوة فى سوق محدودة جغرافيًا.

● حازم شريف: لقد تحدثت عن الساحل الشمالى وتحدثت عن الخليج ولم يحدث أى تغييرات بشأن هذه التوسعات وأنا بشكل شخصى منتظر كمراقب للسوق.

عبدالله سلام: أحيانًا أقول بعض العبارات التى قد لا تكون مريحة للبعض، لكن هناك أمورًا لا تزال قيد الدراسة، وكما تعلمون، لا يمكننى الإفصاح عن أى تفاصيل إلا حينما تصبح الأمور مؤكدة وواقعية، ويُعلن عنها بشكل رسمى لا أرغب فى الخوض فى التفاصيل الآن، ولكن ما يمكننى التأكيد عليه أننى دائمًا حريص على التحدث فى الوقت المناسب.

بالنسبة للساحل الشمالي، نحن بالفعل ندرس عدة فرص هناك، ونسأل الله التوفيق فيما هو خير لنا، وأود أن أؤكد أن دخول شركة «مدينة مصر» إلى سوق الساحل الشمالي، متى تم فى الوقت المناسب، سيكون له بصمة مختلفة تمامًا.

نحن نسمع هذا الطلب باستمرار من عملائنا، لدينا قاعدة كبيرة من العملاء، بحكم أن الشركة تعمل منذ أكثر من 66 عامًا عملاؤنا يطلبون باستمرار: «متى ستتوجهون إلى الساحل؟ نحن لا نرغب فى الشراء إلا من خلالكم» هؤلاء العملاء يعرفون منتجنا جيدًا، ويثقون فى جودة التصميمات والابتكارات التى نقدمها، ولهذا أعدهم بأنه حينما ندخل هذه السوق، سنقدم منتجًا مميزًا وفريدًا بإذن الله.

فيما يخص المملكة العربية السعودية، فهى على رأس الأسواق التى ندرسها بعناية فى إطار التوسع الإقليمي، وفى الحقيقة، خلال فترة العام ونصف الماضية، قمت بزيارات متعددة لعدد كبير من الدول العربية لدراسة فرص التوسع، حتى إنه لم تَكد تمر فترة دون أن أكون فى بلد مختلف: الإمارات، ثم عُمان، وبعدها البحرين، العراق، وهكذا، الدول التى شملتها الدراسة تضمنت: السعودية، العراق، البحرين، عُمان، قطر، الإمارات، الجزائر، وليبيا.

لكن يجب التأكيد على أن إدارة النمو تتطلب الحكمة والتدرج؛ فلا يمكننا التوسع فى كل هذه الأسواق دفعة واحدة، لذا فإننا نعمل على اختيار سوقين أو ثلاثة نركز عليها خلال العامين المقبلين خارج مصر.

● حازم شريف: حسنًا، ما الأقرب إذن؟ أعني، بعد كل هذا، ما الذى تتجهون نحوه بالفعل؟ دعنى أوضح سؤالي.. مثلًا، خلال الفترة الماضية لاحظنا حالة من الاندفاع الشديد نحو السوق السعودية، لكن النتيجة؟ لم تكن كما توقّع البعض، بل على العكس، عاد كثيرون وهم يشعرون بالإحباط، دعنى أكن صريحًا معك.. الأشخاص الذين تحدثت معهم، بصورة أو بأخرى، أوضحوا أن الوضع ليس كما كنا نتصور، المسألة أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه، وليست بالسهولة التى قد نتخيلها، بعد الجولة التى قمت بها، دعنى أسألك بشكل مباشر: ما السوق الأقرب من حيث التنفيذ؟ لا من حيث التصنيف أو التقييم النظري، بل من حيث الجاهزية الفعلية للعمل؟

عبدالله سلام: لكن قبل أن أجيب عن هذا السؤال، أود التعليق على جزئية النتيجة والانطباعات عن دخول السوق السعودية، فى الواقع، الصورة ليست سلبية كما يُشاع على العكس، هناك تجارب ناجحة تُحتذى.

خذ مثلًا تجربة شركة «طلعت مصطفى» – هى نموذج بارز لتجربة ناجحة فى الخروج من السوق المحلية نحو السعودية، السعوديون أنفسهم يشيدون بهذه التجربة.

وهذا هو ما نحاول تحقيقه: أن نترك بصمة حقيقية، لا أن نكرر ما هو قائم، «طلعت مصطفى» لم يدخل السوق لينسخ ما يُقدَّم هناك، بل أضاف قيمة متميزة، وكان ذلك واضحًا من خلال إشادة المؤسسات والمطورين السعوديين بتجربته.

وأعتقد أن شركات أخرى دخلت كذلك، مثل «ماونتن فيو» و«بالم هيلز»، و«بالم هيلز» تحديدًا، إن لم تخنى الذاكرة، أطلقت حملتها التسويقية، وقد رأيتهم فى معرض «سيتى سكيب جلوبال» بالرياض فى نوفمبر الماضي، وكان لهم حضور مشرف بالفعل.

وأعلنوا فى المعرض نفسه عن شراكة مع مجموعة «دلة»، كما عينوا الأستاذ ماجد شريف كعضو منتدب لـ”بالم هيلز السعودية»، وهذا يدل على أنهم جادون فى توجههم، و«بالم هيلز» ليست شركة يُستهان بها، لا فى خبرتها ولا فى قدرتها على التطوير.

لذلك، أرى أننا أحيانًا نتعجل فى إصدار الأحكام، ولكن خلال 5 سنوات من الآن، أعتقد أننا سنُشيد بتجربة دخول المطورين المصريين إلى السوق السعودية.

خصوصًا أننا نتحدث عن سوق ضخمة، لها مستهدفات نمو سكانى واضحة، وتستقطب جنسيات متعددة للعمل والإقامة، إلى جانب استضافتها لفعاليات ضخمة كـ”إكسبو» و«كأس العالم».

كل هذه المعطيات تؤكد أن السوق السعودية واعدة للغاية فى السنوات المقبلة، لكن كما قلت، نحن فى مصر اعتدنا انتظار النتائج بسرعة، بينما طبيعة هذه الأسواق تتطلب نَفَسًا طويلاً، فمن لحظة إعلان المنتج، إلى إطلاقه وبيعه وتنفيذه وتسليمه، قد تمر 3 أو 4 سنوات على الأقل.

● حازم شريف: هل أنتم ضمن المطورين الذين سيتركون بصمة حقيقية فى السوق السعودية؟ هل هناك اتفاقات مع شركات هناك؟

عبدالله سلام: لا أستطيع الجزم الآن، لكن نعم، هناك اتفاقات جادة جدًا، ونسأل الله أن يُوفقنا للإعلان عن شيء قريبًا بإذن الله.

أما فيما يخص الأسواق الأخرى، فنحن ندرس عددًا من الأسواق، ونفاضل بينها، ونتوقع أن نختار سوقين إضافيين نركّز عليهما إلى جانب السعودية.

لدينا الآن من 4 إلى 5 أسواق محل دراسة دقيقة، وسنختار منها سوقًا واحدة على الأرجح.

وأنا أقول دائمًا: الخروج إلى محافظة جديدة داخل مصر ليس أمرًا بسيطًا، فكيف بالخروج إلى بلد جديد بالكامل؟ البعض يظن أن النجاح فى السوق المحلية يعنى بالضرورة النجاح خارجه، لكن الواقع مختلف، وحتى الشركات العالمية تواجه التحدى نفسه.

نحن اليوم نعيش فى عالم أكثر انفتاحًا، وأصعب منافسة، حتى الصناعات التى كانت حكرًا على دول بعينها أصبحت متاحة للجميع، بفضل التطور الصناعى فى الصين، اليوم، أى أحد يمكنه أن يصنّع، فبالتالى المنافسة من المنتجات المحلية أصبحت أكثر ضراوة، وينطبق ذلك أيضًا على قطاع العقارات.

الدخول إلى سوق جديدة ليس بالأمر السهل، ولكن دعنى أقل فى نهاية هذه الفقرة بنبرة تفاؤلية: المطورون العقاريون المصريون يملكون خبرات قوية، ونموذجًا ناجحًا فى التطوير العقاري، وهذا النموذج يحظى بإشادة واضحة من أسواق مثل الإمارات والسعودية.

● حازم شريف: هل لو نظرت إلى الشركة هذه السنة 2025 أو بداية 2026، وراجعت خارطة التوسع، أجدها موجودة فى شرق القاهرة وفى الساحل الشمالي، وفى السعودية وسوقين أخريين، هل ترى نفسك ستدخل ضمن الخمسة الأوائل هذه السنة؟

عبدالله سلام: هذا كما قلت لك، الأمر ليس بسيطاً، نعم، هدفى أن نكون أعظم شركة، بالعكس، أنت تعلم جيداً رؤية الشركة، لقد تحدثت لكم عن الرسالة، وعن الرؤية التى تحدد إلى أين نحن ذاهبون، إن «مدينة مصر» تسعى لأن تكون ضمن أكبر 500 شركة فى العالم خلال العشر سنوات المقبلة.

الموضوع بالنسبة لى ليس فقط أن أكون «رقم 1» فى السوق المصرية، بل أن أكون شركة عالمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فى البداية، كان البعض يعتبرنى مجنوناً عندما أعلنت هذا الهدف داخل الشركة، واليوم أصبحت معظم الشركة تؤمن بهذه الرؤية، قد نكون من بين 20 شركة فى مصر تستحق المنافسة، لأننا لسنا أكبر شركة فى مصر حتى الآن.

رؤيتنا هى أن نكون من أكبر 500 شركة عالمياً، وليس مجرد الوجود ضمن الخمسة أو العشرة الأوائل فى مصر، لنكن واقعيين.

● حازم شريف: سؤال أخير هل تعرف نسبة العوائد الإيجارية فى مدينة نصر؟ الناس تتحدث كثيراً عن أهمية هذه النسبة، كيف ترى الوضع الحالي؟ وإلى أين تأمل أن تصل به؟

عبدالله سلام: النسبة لا تزال ضعيفة جداً، رغم أن حلمنا كبير فى هذا المجال، وهناك محوران رئيسيان سيحققان هذا الحلم، أولاً، الشركة نفسها، بكل صراحة، فى الفترات السابقة، لم تكن الشركة مهتمة كثيراً بالعقارات المدرة للدخل أو العقارات غير السكنية، أو الاستثمارات المملوكة للشركة، رغم أنها تمتلك أراضى فى مناطق مميزة جداً، وبترخيص يسمح لها بالقيام بكل ما يلزم.

بالعكس، كان لدينا الإمكانيات، ولكن لم يُبذل مجهود كبير فى هذا المجال سابقاً، منذ سنتين أو 3، بدأنا نعمل عليه بشكل جاد و«بأيدينا وأسناننا»، لكن بالطبع، لبناء قاعدة من الأصول المدرة للدخل يحتاج تمويلا ضخما جداً.

نحن طورنا نموذجاً جديداً، والحمد لله نجح، وبدأ يظهر على الأرض، حيث توجد بالفعل أصول مؤجرة حالياً، لكن كما ذكرت فى البداية، حجم هذه الأصول لا يزال صغيراً جداً مقارنة بإجمالى إيرادات الشركة.

النموذج الذى طورناه هو حل لمشكلة التمويل فى بناء هذه الأصول، فى البداية، عندما عرضت الفكرة على مجلس الإدارة، قابلوها بحذر، قلت لهم: «أنا لا أريد بيع أى عقار غير سكني، أريد أن أبنيه كله وأؤجره بالكامل:، قالوا لى إن هذا حلم كبير، وسألوني: كيف ستتمكن من تنفيذه؟ التمويل كيف سيكون؟

فأوضحت لهم أننى أفكر فى طريقة جديدة، فى السوق السكنية، نحن نبيع على الخريطة، حيث نعرض للعميل خطة المشروع، ويشاهد شكل الوحدة التى سيشتريها، ثم يبدأ فى دفع الأقساط، ويأخذ المطور تمويل من البنك لتغطية الفجوة التمويلية، ويتم تسليم الوحدة بعد البناء، مع استمرار الدفع بعد التسليم، فكرت، لماذا لا نطبق نموذجا مشابها فى السوق التجارية؟ عادة، عندما تبنى مولاً تجارياً، تذهب وتعرض المساحات المتاحة على المستثمرين والمستأجرين المحتملين، ويختارون ما يناسبهم.

لكننى قررت أن ألعب على فكرة «الإيجار على الخريطة»، حيث لدى قطعة أرض مرخصة تجارياً فى موقع مميز جداً، حولتها إلى ميزة للمستأجر.

أبدأ بالذهاب إلى علامات تجارية كبيرة، وأقول لهم: تخيلوا محل أحلامكم، أو مبنى إداريا خاصا بكم، تصميمه كيف تريدونه، وسأصممه خصيصاً لكم، ولو أردتم سقفاً أعلى أو تجهيزات خاصة، سأنفذها لكم.

نذهب إلى العميل التجارى ونقول له: احلم معنا، لكن على شرط أن يوقع عقد إيجار لمدة 7 أو 9 سنوات، ويبدأ بدفع الإيجار من الآن، على الأرض التى لم تُبنَ بعد.

الأهم أن هذا النموذج أتاح لى أن أبدأ فى تحقيق تدفقات نقدية حقيقية من عقارات لم تُبْنَ بعد أصبحت أصولاً مستقبلية مدرّة للدخل، لكنها بدأت تُمول نفسها الآن.

جرّبنا هذا النموذج مرتين أو ثلاثًا حتى الآن، والحمد لله بعض المشاريع بالفعل تم تنفيذها وأصبحت مؤجرة بالكامل ومع ذلك، أؤكد أن نسبة العائد منها لا تزال بسيطة مقارنة بإجمالى إيرادات الشركة، لكنها خطوة فى الطريق الذى نطمح له: تقليل الاعتماد على بيع الوحدات، وتعظيم الأصول المؤجرة التى تبقى فى ملكيتنا.

هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فأنا ذكرت سابقاً أن لدينا ما نطلق عليه فى الشركة «المدينة الأصلية»، وهى منطقة حى مدينة نصر أصل الشركة وتاريخها.

فى هذه المنطقة نمتلك أصولاً قائمة بالفعل، لكن بعضها مؤجر بنظام الإيجار القديم، وهذه الأصول حالياً لا تُدر دخلاً يُذكر، بالرغم من أنها فى مواقع مميزة وقيمتها السوقية كبيرة جداً.

الحمد لله، مع التغيرات الأخيرة فى القوانين، وبفضل مجهودات الدولة فى هذا الملف، أصبح لدينا أمل كبير أن تتحول هذه العقارات خلال السنوات القليلة القادمة إلى أصول مدرة للدخل بشكل مجدٍ.

● حازم شريف: كم عدد الأمتار التى لديكم؟

عبدالله سلام: تحديداً، نحن نملك ما يقارب 50 ألف متر مربع من المساحات التجارية والإدارية المؤجرة بنظام الإيجار القديم، رقم ليس بالقليل، وبمجرد انتهاء هذه التعاقدات القديمة، أو تعديلها وفقاً للقانون الجديد، ستكون هذه الأصول ركيزة إضافية قوية ترفع العائدات الإيجارية للشركة بشكل واضح.

● حازم شريف: فى الآونة الأخيرة، شهدت السوق العقارية المصرية عروضًا متعددة من شركات كبرى، من أبرزها ما يُعرف بنظام «صفر مقدم والتقسيط حتى 12 سنة بدون فوائد»، فهل شركة «مدينة مصر» اتبعت هذا النهج؟ وإن لم تفعل، فما رأيكم فيه؟ وإن كانت قد اتبعته، فكيف تم تطبيقه؟ وهل هو نموذج مستدام بالفعل؟

عبدالله سلام: فى الوقت الراهن، نعم، لدينا منتج عقارى يُباع بنظام تقسيط يمتد حتى 12 عامًا، إلا أننا بصدد مراجعة هذا النموذج وتعديله، وسأوضح الأسباب، فى رأيي، هذا النوع من الطروحات ليس أمرًا سلبيًا على الإطلاق، بل أراه انعكاسًا لقدرة المطورين على التكيف مع التغيرات المتسارعة فى السوق، فالسوق العقارية ليست ثابتة، بل تتغير وفقًا للظروف الاقتصادية والمعيشية.

فى السابق، كان الحد الأقصى لفترات السداد لا يتجاوز 4 سنوات. ثم تطور تدريجيًا إلى 6، ثم 8، فـ10 سنوات، ثم وصل إلى 12، بل ورأينا عروضًا لمدة 14 سنة أحيانًا.

لكن جوهر المسألة لا يكمن فى الرقم ذاته، بل فى مدى واقعية الطرح واستدامته.

حين يقول لى أحدهم «صفر مقدم وتقسيط على 12 سنة بدون فوائد»، أقول له بلطف: هذا عرض جميل، ولكن.. منطقياً، أين التكلفة؟

الحقيقة أن التكلفة موجودة بالطبع، لكنها مضمّنة غالبًا فى سعر الوحدة أو موزعة بطريقة غير مباشرة. وبالتالي، من يقول «بدون فوائد» قد لا يكون دقيقًا تمامًا، لأنه لا يمكن تجاهل تكلفة التمويل، سواء صرّحنا بها أم أخفيناها.

أما عن مدى طبيعية هذا النموذج، فأؤكد أنه أمر شائع عالميًا، نحن فى مصر من الدول القليلة التى لا تزال تعتمد فى كثير من الحالات على الشراء النقدى (الكاش) أو على فترات سداد قصيرة.

بينما فى الدول ذات الاقتصاديات الأكثر نضوجًا، من الطبيعى أن يشترى المواطن بيته بنظام تمويل يمتد إلى 20، أو 25، أو حتى 30 سنة، وهذا ليس أمرًا غريبًا، فلماذا لا نصفهم بالمجانين؟!

لو تأملنا فى الأمر قليلًا.. أنا رغم خبرتى فى هذا المجال ما زلت حتى اليوم أعتبر هذا الأمر لغزًا، من أين نأتى نحن المصريين بكل هذه الأموال؟ كيف نمتلك القدرة على شراء عقارات تُقسط على عشر سنوات؟ بل بالمناسبة، نحن نتحدث اليوم عن فترات سداد تمتد لعشر سنوات أو حتى اثنتى عشرة سنة.

دعونا نأخذ مثالًا بسيطًا: إذا افترضنا أن العقار سعره 10 ملايين جنيه، وهذا رقم بات شائعًا جدًا، فبقسمة هذا المبلغ على عشر سنوات، يصبح القسط السنوى مليون جنيه.

من لديه القدرة على توفير فائض بهذا الحجم مليون جنيه سنويًا من دخله، بعد أن يغطى التزاماته ومسؤولياته اليومية؟ نحن نتحدث عن الأكل، الشرب، المواصلات، التعليم، الرعاية الصحية، الدواء، الكهرباء، وسائر الاحتياجات الأساسية، من يستطيع توفير مليون جنيه كفائض سنويًا؟ بصراحة، ما زال هذا الأمر لغزًا بالنسبة لى حتى اليوم.

● حازم شريف: لكن ما أريده هنا، هو أن نحاول حل هذا اللغز معًا، ليس لغز من يمتلك المليون جنيه، بل لغز النظام نفسه، دعونا نأخذ المثال ذاته: الشخص الذى يريد أن يشترى عقارًا قيمته 10 ملايين جنيه، وسيدفعه على أقساط سنوية بمعدل مليون جنيه، دون دفعة مقدمة، ما هو السعر الفعلى لهذه الوحدة؟

عبدالله سلام: الآن اسمح لى أن أوضح لك كيف يمكننا تفكيك هذا اللغز ولنبدأ بالسؤال الجوهري: كيف نقوم بتسعير الوحدة العقارية؟، لنفترض على سبيل التبسيط أن تكلفة الشقة بالنسبة لى كمطور عقارى هى 700 ألف جنيه، وأنا مستعد لبيعها بمليون جنيه، محققًا بذلك ربحًا قدره 300 ألف جنيه، هذا فى حال افترضنا أن لديّ العصا السحرية التى تضمن لى أن العميل سيدفع المليون جنيه بالكامل الآن، وسأسلمه الوحدة غدًا، وسأبدأ فى البناء فورًا بتكلفة 700 ألف جنيه على أسعار اليوم لكن هذا هو السيناريو المثالى أو «المدينة الفاضلة»، والذى لا يعكس الواقع المعقد.

فى الواقع، العميل يرغب فى التعاقد على الشقة اليوم، على أن يتسلمها بعد 4 سنوات، والمطور لم يبدأ فى بنائها بعد، وسيستمر العميل فى الدفع على مدار تلك السنوات، فى هذه الحالة، نبدأ نحن بالتفكير فى كيفية التعامل مع مبلغ المليون جنيه، هل نحمله بتكاليف إضافية أم نعيد تقدير قيمته؟

فى هذه المرحلة، أبدأ بوضع بعض الافتراضات، أول ما أفترضه هو أن هذا العميل سيدفع المبلغ على 4 سنوات، وهنا ندخل فى مجال من مجالات المالية يُعرف بالقيمة الحالية للنقود التى سيتم دفعها أو استلامها فى المستقبل.

ما الفرق بين القيمة الحالية والقيمة المستقبلية؟ ببساطة، لو دفعت مليون جنيه اليوم، فهى قيمتها مليون جنيه فعلًا، لكن إن دفعتها غدًا أو بعد سنة، فإن لها قيمة مختلفة.

الفكرة أن هناك دائمًا زيادة مستمرة فى الأسعار، سواء فى مواد البناء أو غيرها من مدخلات الإنتاج لذلك، أستعين ببيانات تاريخية عن متوسط التضخم فى البلاد، أو أضع فى اعتبارى الظروف الاستثنائية مثل تقلبات سعر العملة أو تغييرات اقتصادية حادة.

بناءً على ذلك، أبدأ بإضافة عوامل مثل معدل الفائدة، وعامل المخاطرة، والتكاليف المتوقعة مستقبلاً، لنصل إلى تقدير عادل لقيمة الشقة فى المستقبل، فعلى سبيل المثال، إذا كنا نبيع الشقة اليوم بمليون جنيه نقدًا، فربما نبيعها بالتقسيط على عدة سنوات مقابل 3 ملايين جنيه.

وهنا تأتى المفارقة التى قد تُخدع بها بعض الإعلانات، حيث يقول لك: «شقة بـ3 ملايين جنيه بالتقسيط وبدون فوائد!»، والحقيقة أن السعر ليس خاليًا من الفوائد، بل هو سعر مستقبلى محمل بتضخم وتكاليف متوقعة ومخاطر.

من هنا، نفهم لماذا تقدم الشركات خصومات كبيرة فى حالة الدفع النقدي، والتى يظن البعض أنها خسارة، كأن يقول: «خصم %50 ؟ كيف يربحون؟»، فى الواقع، هذا الخصم يعكس القيمة الحقيقية للنقود الحالية مقارنة بقيمتها المستقبلية، ولا يعنى بالضرورة أن الشركة تخسر.

● حازم شريف: فى هذه الحالة التقسيط يبدو الخيار الأفضل ولكنك لم تجبنى على سؤالى حتى الآن، لنفترض أن الشقة تُباع بمبلغ 10 ملايين جنيه بالتقسيط على 10 سنوات، فبكم يمكن بيعها نقدًا اليوم؟

بشكل عام، الخصومات على الكاش فى السوق اليوم تتراوح بين %30 إلى %60 وذلك حسب توقيت التسليم، وحالة السوق، والموقف المالى لكل مطور.

بعض الشركات قد لا تُقدم أى خصم حتى لو دفعت نقدًا، لأن اسمها كبير أو لأنها تملك سيولة كافية ولا تحتاج لتمويل إضافي، وقد يكون لديها أهداف إستراتيجية تجعلها متمسكة بسعر معين، أو تفضل البيع على مراحل.

الأمر فى النهاية يعتمد على ما يُسمى «الهندسة المالية»، حيث يقوم المطور بإعداد دراسات مالية دقيقة للمشروع، تشمل حساب التدفقات النقدية، والالتزامات، والقيمة الحالية للمبالغ التى ستُدفع على فترات زمنية، ثم يتم بناء القوائم المالية للمشروع بناءً على هذه الحسابات.

طالما أن التدفقات النقدية تغطى التزامات الشركة، وتحقق أرباحًا فى النطاق المستهدف، سواء كانت 28 أو 30 أو %32 فالمطور يعتبر المشروع ناجحًا.

● حازم شريف: بالعودة إلى ما ذكرته عن المشروع الذى طرح بنظام تقسيط يصل إلى 12 سنة بدون مقدم، ثم قررت إيقاف هذا العرض فلماذا؟

عبدالله سلام: لأننا ببساطة كنا قد حققنا الأهداف المرجوة منه، فى هذه المرحلة تحديدًا، كنا نطلق مشروعًا جديدًا «ذا بترفلاي» فى مدينة المستقبل، وكان هدفنا من البداية هو إطلاقه بقوة وتسويق أول دفعة منه بشكل جذاب، لذلك قدمنا عرضًا لفترة محدودة، وبكمية محدودة من الوحدات، لتوليد سيولة فورية تُستخدم فى دعم المرحلة التالية من المشروع.

كنا نعلم أننا نوفر مثلًا %10 من حجم الوحدات لهذا العرض، وأن الكاش الناتج سيتحقق من خلال هذه النسبة، بينما تُعوض الربحية من مصادر أخرى فى وقت لاحق، وبالفعل ما زلنا نبيع بنظام 12 سنة، لكن بشروط مختلفة، مثل مقدم %5.

وليس كل مشروع نطرحه يُوفر خطة الـ12 سنة، وليس كل عميل يطلبها أصلًا، بل إننى أتلقى رسائل من أصدقاء ومعارف يقولون فيها: «نريد أن نشترى منكم، لكن بشرط ألا تتجاوز فترة السداد 5 سنوات، لأننا لا نحبذ المديونية الطويلة، ولا نعلم كيف ستكون تدفقاتنا المالية خلال السنوات القادمة».

وهذا واقع، الناس تبحث عن الأمان المالي، وتُفكّر فى التزاماتها المستقبلية بواقعية، لذلك يختارون الحلول الوسط دائمًا، ومن هنا، نُدرك أن العروض التى تبدو «مُثيرة» من الناحية النظرية، قد لا تُستخدم كما هى تمامًا على أرض الواقع.

ابتكرنا مفهومًا جديدًا فى شركتنا تحت اسم «طوبة»، وهو ليس مجرد اسم، بل وحدة قياس رمزية طوّرنا حولها نظامًا رقميًا متكاملًا عبر تطبيق على الهاتف المحمول.

بدأنا تطبيق هذا المفهوم فى مشروع محدد، ونعمل حاليًا على تعميمه فى مشروعاتنا الأخرى بإذن الله.

نفترض مثلًا أن إحدى الوحدات السكنية تُقدر بـ 10 آلاف طوبة، وقيمة كل طوبة هى 200 جنيه، أى أن سعر الوحدة وفقًا لهذا النظام هو 2 مليون جنيه، وهذا هو سعر الشقة الحقيقى «بسعر اليوم»، فى حال رغبتَ فى شرائها بالكامل نقدًا، أما إذا اشتريتها بالطرق التقليدية، عبر الأقساط والشيكات على 10 أو 12 عامًا، فقد يصل السعر إلى 4 ملايين جنيه بسبب الأعباء التمويلية.

الميزة الأساسية أنك تستطيع التعاقد على الوحدة بدفع %15 فقط من عدد الطوب، أى 1500 طوبة مثلًا، لتُصبح الشقة محجوزة باسمك، ثم تبدأ السداد على راحتك، تستطيع أن تشترى طوبة واحدة كل يوم، أو عشر طوبات فى الشهر، وإن حصلت على مبلغ مالى كبير، يمكنك سداد دفعة ضخمة تُغطى قيمة سنتين مسبقًا، كل شيء يتم من خلال التطبيق، حيث يظهر لك سعر الطوبة يوميًا بشكل مباشر، لتعرف بدقة تكلفة الوحدة، ومدة السداد، وتُحدد بنفسك طريقة الدفع التى تناسبك.

الاحتياج ما زال قائمًا، بل موجود بشدة، لكن القدرة على الشراء أصبحت التحدى الأكبر، وهذا ما يدفع الكثيرين للتساؤل: إلى أين تتجه السوق؟ ولماذا تبدو السوق راكدة؟ الحقيقة أن الاحتياج الحقيقى فى مصر لم يختفِ، لكن القدرة الشرائية تواجه تحديات متزايدة، وهى ما ينعكس على حركة السوق.

● حازم شريف: أنا أحب استخدام كلمة «تحديات»، لأنها تُلطّف الكثير من الحقائق الصعبة، من وجهة نظرك ما هى التحديات؟

عبدالله سلام: دعونا إذن نبدأ بتحديد هذه التحديات من منظور اقتصادى شامل، قبل التطرق إلى تأثيرها على الصناعات المختلفة، الاقتصاد المصرى شهد، فى السنوات الخمس الماضية، تغيرات كبيرة لا تخفى على أحد، قبل أزمة كورونا، كان الاقتصاد يسير فى اتجاه صاعد، وحقق معدلات نمو مبشرة، لكن فجأة، واجهنا أزمات متتالية، لم تكن فى الحسبان، وأثّرت بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني.

أولًا: الحرب بين روسيا وأوكرانيا، قد لا يتصور البعض أن صراعًا يدور فى منطقة بعيدة كهذه قد يؤثر على مصر بهذا الشكل، لكن الواقع أثبت العكس، روسيا وأوكرانيا تمثلان معًا ما يقرب من %33 من حجم السياحة الوافدة إلى مصر، كما نعتمد على استيراد القمح من أوكرانيا، والوقود أو الغاز من روسيا، ومع اندلاع الحرب، تلقّى الاقتصاد المصرى ضربة شديدة، رغم أننا لسنا طرفًا فيها.

ثانيًا: جائحة كورونا، كجائحة عالمية، أثّرت كورونا على سلاسل الإمداد والتوريد، وتسببت فى اضطرابات اقتصادية عالمية، هذه الظروف، مع الحرب، أدخلت العالم فى موجة تضخمية عنيفة، حيث شهدت دول مثل الولايات المتحدة معدلات تضخم وصلت إلى 6 و%7 وهى أرقام ضخمة بالمعايير الأمريكية.

انعكاس هذه الأزمات على الاقتصاد المصري، ما حدث هو ضغط شديد على العملة المصرية والاحتياطى النقدي، مما اضطر الدولة إلى اتخاذ قرارات بتحرير سعر الصرف أكثر من مرة، فى فترات متقاربة، هذا أدى إلى حالة من التضخم المتسارع أو ما يُعرف بالـ Hyperinflation – وهو ما جعل المواطنين يشعرون بالغربة تجاه عملتهم، لم نعد ندرك ما إذا كانت الأسعار مرتفعة أم منخفضة، لأن العملة نفسها فقدت جزءًا كبيرًا من قيمتها فى وقت قصير جدًا.

أنا لا أقول هذا من باب التشاؤم، بل هو توصيف دقيق للواقع، وكل ما ذكرته حقائق موثقة وليست تنبؤات، الناس أصبحت تصرخ من هول ما يحدث! تخيل أن شقة سكنية باتت تُباع بمبلغ 7 ملايين جنيه.

لقد وقع خلل واضح، بين قيمة السلع والخدمات وبين الدخول المتاحة، لم نعد نفهم كيف حدث هذا التفاوت، أحيانًا حين يتحدث الناس عن الارتفاع الجنونى فى أسعار العقارات، أقول لهم: هل الأمر يقتصر على العقارات فقط؟ ماذا عن السيارات؟ ألم ترتفع أسعارها أيضًا بشكل مبالغ فيه؟ بل وحتى أسعار البيض والدجاج؟!

الأمر لم يعد مجرد ارتفاع فى الأسعار، بل أصبح مضاعفات مهولة، وأحيانًا تتجاوز حتى نسب زيادة أسعار العقارات نفسها، هناك نكتة منتشرة، لكنها تعكس الواقع: لو أنك استثمرت فى البصل خلال السنوات الثلاث الماضية، لربحت أكثر من الاستثمار فى الذهب أو النفط أو حتى البورصة!

ببساطة، هناك سلع غذائية ارتفعت أسعارها بشكل غير مسبوق.

● حازم شريف: هذا يدفعنا لفهم التحدى الحقيقي: الأسعار ارتفعت بعنف، والاحتياجات لا تزال قائمة، لكن الدخول لم تواكب هذه القفزات، وهنا تظهر كلمة محورية: «المواءمة» أو «التوافق» بين الدخل والأسعار، وهو أمر مفقود حاليًا.

عبدالله سلام: وقد شهدنا مثل هذه الأزمات سابقًا، ولسنا بكبار السن كثيرًا، ولكننا عايشنا لحظات مشابهة، أتذكر بوضوح أزمة تحرير سعر الصرف عام 2003 فى عهد عاطف عبيد، وكنت حينها حديث الزواج، فوجئنا بصدمة اقتصادية مباشرة بعد الزواج، ولم أعد قادرًا حتى على حساب مصروف المنزل، وبعدها جاءت أزمة عام 2016، ثم ما حدث مجددًا فى العامين الأخيرين من تغيرات حادة فى سعر الصرف.

● حازم شريف: هل تستطيع حاليًا تقدير مصاريف بيتك؟!

عبدالله سلام: زوجتي، حفظها الله، أصبحت تتولى هذا العبء.

● حازم شريف: كنت ترسلها إلى السوق ومعها مبلغ معين، الآن تحتاج إلى عشرة أضعافه لتشترى الأشياء نفسها.

عبدالله سلام: فكيف عن التعافي؟ كيف تجاوزنا صدمة 2003؟ وكيف تخطينا 2016؟ التعافى يحدث حين تبدأ الدخول تواكب الأسعار، لكن كما ذكرنا، المواءمة لم تحدث بعد، وغالبًا ما يستغرق هذا التوازن وقتًا، بعد أزمة 2003، احتجنا قرابة سنتين حتى بدأت الأجور تتكيف مع الأسعار.

هذه الدورة تأخذ وقتًا طويلاً، وأحيانًا سنوات، والمشكلة اليوم أن تلك الأزمات تتكرر بوتيرة سريعة، والنسب ضخمة، لذلك أصبح التأقلم معها أصعب وأطول.

● حازم شريف: ولحين حدوث التوازن بين الدخول والأسعار، ما دورك أنت؟ وماذا يمكن أن تفعل؟

عبدالله سلام: هنا يأتى دور ما نسميه «الهندسة المالية»، والتى هدفها الأساسى هو تيسير الأمر على الفرد، لا تعقيده، أنا دائمًا أقول للناس: فى الخارج، حين يشترى أحدهم منزلًا، لا ينظر لقيمته الإجمالية التى تُدفع مرة واحدة، بل يفكر فى الأمر على مدى 30 عامًا سأقولها هنا بصيغة مبالغة قليلًا كى تصل الفكرة: لا يهمهم سعر البيت بالكامل، بل ما يهم هو: كم سأدفع شهريًا؟

هناك نقطة أود التأكيد عليها قبل الانتقال لموضوع آخر، وهى أن نسبة تملّك العقارات فى الخارج أقل بكثير من مثيلتها عندنا، وهذا يدل على أن السوق العقارية هناك أكبر بكثير من حيث فرص التأجير.

الإيجار فى حد ذاته يُعدّ حلاً، رغم أن كثيرًا من الناس هناك يدفعون أقساطاً على مدى ثلاثين عاماً، لكنهم فى كثير من الأحيان لا يعرفون تفاصيل التمويل أو فائدته بالكامل، الفائدة هناك قد لا تتجاوز %5 وأحيانًا تكون أقل من ذلك بكثير، لأن النظام المالى يسمح بذلك، والمواطن هناك عادة ما يكون ملتزماً بالسداد.

المواطن فى الخارج يعيش حياة تعتمد على تقسيم دخله الشهرى بطريقة منظمة؛ جزء لقسط السيارة، جزء لقسط المنزل، جزء لفاتورة الهاتف، جزء للكهرباء، وهكذا، لا أحد هناك ينتظر حتى يدخر 2 أو 3 ملايين جنيه دفعة واحدة ليشترى سيارة، هذا النموذج فى التفكير خاص بنا، وليس معمولًا به فى الخارج.

● حازم شريف: والآن دعنى أسألك سؤالًا متعلقًا بالاستثمار العقاري: هل الأفضل أن أستثمر فى المناطق الجديدة، أم القديمة؟

عبدالله سلام: فى مصر، الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة، بل معقدة بعض الشيء، هناك مقولة عالمية شهيرة فى سوق العقارات، لا أذكر قائلها تحديدًا، لكنها تقول: «لا تنتظر لتشترى العقار، بل اشترِ العقار وانتظر»، بمعنى آخر، فى معظم الأسواق العقارية الطبيعية، النصيحة الذهبية هي: اشترِ فى المناطق الجديدة وانتظر، لأن القيمة عادة ما ترتفع مع الوقت.

أحيانًا يختلط الأمر على الناس؛ فيعتقدون أن الاستثمار يجب أن يحقق ربحًا سريعًا خلال ثلاثة أشهر مثلًا، ولكن هذا التفكير قصير المدى لا يتمشى مع طبيعة الاستثمار العقاري، ومع أن هناك استثناءات يمكن فيها تحقيق أرباح سريعة، فإن القاعدة العامة تظل كما هي: اشترِ وانتظر.

فى الوضع الطبيعي، أن تختار منطقة جديدة للاستثمار ليس بالأمر السيئ، بشرط أن يكون المطور العقارى جديرًا بالثقة، والتصميم جيدًا، والمشروع مدروسًا من حيث الجدول الزمنى للتسليم، ونوعية المجتمع المتوقع فى المنطقة، إلى جانب جودة التنفيذ.

● حازم شريف: إذا طبّقنا هذا الكلام على منطقة الساحل الشمالي، فإن الاستثمار فى منطقة مثل «رأس الحكمة» مع مطوّر موثوق قد يكون خيارًا ممتازًا، بشرط الصبر.

عبدالله سلام: نحن نتحدث هنا عن مستثمرين، وليس عن مستهلكين يبحثون عن الاستخدام الفوري، لكن فى مصر، هناك ما يُزعجنى شخصيًا فى هذا الموضوع، وهو أن السوق عندنا مركّبة ومعقدة، خذ مثلًا تاريخ المصايف فى مصر، لعقود طويلة، كانت الإسكندرية هى المصيف الأساسى للمصريين.

ثم بدأت حركة النزوح نحو مناطق أخرى مثل «العجمي»، ثم ظهرت «مارينا» و«الساحل الطيب»، وصولًا إلى «الساحل الشرير»، والآن نتحدث عن «رأس الحكمة» ومناطق أبعد واقتربنا من مرسى مطروح.

لكن ما يُحزننى أننا فى مصر نخالف القاعدة المتعارف عليها عالميًا، وهى أن المناطق القديمة عادة ما تزداد قيمتها بمرور الزمن، فى العواصم العالمية مثل لندن وباريس ونيويورك، وسط المدينة غالبًا ما يكون الأرقى والأغلى.

أما عندنا، فالمشكلة تكمن فى ثقافة الصيانة، المبانى لا تتم صيانتها بالشكل المناسب، مما يؤدى إلى تدهورها سريعًا، وتُضاف إلى ذلك مشكلة تغيير استخدام العقارات؛ فعمارة سكنية تُحوّل فجأة إلى عيادات أو مكاتب دون مراعاة لبنية المكان أو تخطيطه، مما يسرّع من التهالك.

ومع مرور الوقت، تبدأ المناطق القديمة تعانى من الزحام، وتفقد الكثير من عناصر الراحة والجاذبية، تصبح الشوارع مكتظة، ومواقف السيارات شحيحة، وضغط المرافق – كالمياه مثلًا – لا يتحمله السكان، وتنهار البنية التحتية تدريجيًا، كل هذه العوامل تجعل المنطقة طاردة، فيبدأ الناس بالبحث عن بدائل «أرقى» فى أماكن جديدة.

فى الحالة المثالية، هذه المناطق كان يجب أن ترتقى وتصبح الأغلى سعرًا فى البلد، أما المناطق الجديدة، فهى غالبًا ما تكون مجرد «فرص» مؤقتة بأسعار معقولة، لكنها مع الزمن تنضج، وتتحول إلى مجتمعات متكاملة لها جاذبيتها.

لكن للأسف، فى واقعنا، يحصل العكس، ومع أن هذا الوضع مؤلم، فإن ما يبعث على التفاؤل هو أننا بدأنا ننتبه إليه أخيرًا، هناك جهود حقيقية تُبذل حاليًا لإعادة إحياء وسط البلد مثل ما تقوم به الدولة بالتعاون مع الصندوق السيادى المصري، من تطوير مبانى الوزارات القديمة، ومجمع التحرير، ومبانٍ تاريخية أخرى حيث يتم تحويلها لفنادق عالمية أو مبانٍ إدارية راقية، كما يليق بها.

وعودة إلى معادلة الاستثمار العقاري، فإن ما يحدث لدينا يجعل دورة الاستثمار أقصر من المعتاد، ففى الوضع الطبيعي، تستثمر فى منطقة جيدة، تحتفظ بها، وتكسب منها على المدى الطويل، لكن عندنا، بسبب تهالك المناطق بمرور الزمن، يتحول المستثمر إلى باحث دائم عن وجهة جديدة.

● حازم شريف: بالمناسبة، هل سأل أحد عبدالله سلام يومًا: «ساكن فين؟ عشان نسكن جنبه؟» عندما نتكلم عن ارتباط الناس بـ«البراند» أو المشروع العقاري، هل يسأل الناس المطور نفسه أين يسكن؟!

عبدالله سلام: أنا شخصيًا، قليل جدًا ما يسألنى أحد هذا السؤال، ربما فقط من المقربين داخل الشركة، والمفاجأة أنهم يجدوننى لا أسكن فى الكمباوندات التى أشارك فى تطويرها!

أنا فى الحقيقة... ضد فكرة الكمباوندات، رغم أنى أشارك فى صناعتها، وأروّج لها، وأنا واعٍ أن هناك من قد يستاء من هذا الكلام، لكننى أقول الحقيقة، أنا عاشق لفكرة بناء مجتمعات عمرانية راقية، فيها أفضل الخدمات والتخطيط، لكن مشكلتى ليست مع التخطيط، بل مع الأسوار.

أنا أرى أن واحدة من أكبر الشقوق المجتمعية التى حدثت فى مصر المعاصرة كانت نتيجة هذه الأسوار التى أغلقت المجتمع، فكرة «من يدخل؟ ومن لا يدخل؟»، و«هو أحسن منى فى إيه؟»، خلقت حالة من العزلة والانفصال، وحتى من الغيرة الطبقية.

إذا كنت ميسور الحال، فهذه نعمة من الله، لكنها لا تعنى أنك تعيش منفصلًا، بل يجب أن تتعاطف، وتساعد، وربما تتعلم من الآخرين، قد تتعلم من شخص بسيط جدًا درسًا فى الرضا، لا يمكنك أن تتعلمه حتى فى أربعين سنة من الجهد والعمل والدراسة.

المفارقة أن الدول التى نظن أننا استوردنا منها فكرة الكمباوندات... لا تعيش بهذه الطريقة أصلًا!، فى أمريكا، كندا، وأوروبا، المجتمعات أكثر انفتاحًا بكثير، نعم، قد يكون هناك مجتمعات لها طابع خاص، لكنك تستطيع أن تمر بسيارتك، أو تمشى فيها، وهى ليست مغلقة بأسوار وبوابات صارمة كما يحدث عندنا.

هذه الظاهرة، ظاهرة «السكن المغلق»، ظهرت فى منطقتنا أكثر من الغرب، ربما لأن عندنا تحديات أمنية أو اجتماعية مشابهة لدول أخرى مثل جنوب أفريقيا أو بعض دول أمريكا اللاتينية، لكن النموذج الصحيح – من وجهة نظرى – هو الانفتاح المجتمعي.

● حازم شريف: أوافقك الرأي، والأسوار، مع الوقت، تتحول إلى رموز يجب كسرها وهى خطر اجتماعي، فأنا أضم صوتى إلى من ينادى بكسر هذه العزلة.

عبدالله سلام: وأنا هنا أتحدث بمنتهى الجدية، لقد وضعت هذا الهدف نصب عيني، وسأعمل على تحقيقه، ولكن بطريقة مدروسة لا تُثير قلق الناس، بل على العكس، الطريقة التى سننفذ بها هذه الفكرة ستجعل الناس تندهش وتقول: «كيف كنا نعيش بهذه الطريقة؟».

أنا لا أنكر أننا ما زلنا بحاجة إلى أسوار فى بعض الأماكن، خاصة مع اعتبارات الأمن والسلامة، لكن الفكرة هى أن يكون السور أكثر جمالًا، وأكثر شفافية، بحيث يشعر الطرفان، من فى الداخل ومن فى الخارج، بالتواصل البصرى والإنساني.

فكرة أن يعتاد الناس على رؤية مشهد مفتوح وجميل، ستحفزهم مع الوقت لقبول هذا النموذج، وسنبدأ تدريجيًا بتقصير الأسوار، حتى نصل فى يوم من الأيام إلى مدن ومناطق راقية، لكنها ليست مغلقة، وليست منفصلة عن محيطها.

● حازم شريف: الموضوع عميق، وله أبعاد تتجاوز العقارات والتخطيط العمراني، إنه مرتبط بعلم الاجتماع، والإعلام، والثقافة المجتمعية ككل، ولهذا، أنا أرى أن ما ناقشناه اليوم فى هذه الحلقة ليس مجرد حديث عقاري، بل حديث عن رؤية مجتمعية، الحلقة كانت غنية جدًا بالمواضيع المتداخلة أو كما نقول باللهجة العامية: «كومبو«!، يمكننى أن أتحدث معك فى مئات الموضوعات، وهذه ميزة.

عبدالله سلام: شكرًا جزيلًا

● حازم شريف: وفى الختام، أشكرك جزيل الشكر، المهندس عبدالله سلام، الرئيس التنفيذى لشركة مدينة مصر للتطوير العقاري، على تشريفك لنا فى بودكاست «CEO Level».

لا أريد أن تنسب إلي المشروعات بدلا من اسم المؤسسة التى تمثل الجميع

لم نعد نختار صناعة المحتوى بل أصبحت ضرورة حتمية لكل شركة

السعودية ليست حلمًا بل خطوة نخطط لها بعقلانية وعمق

العلامة التجارية القوية تفتح لك الأبواب قبل أن تتحدث

تغيير الاسم تصحيح لمسار ذهنى قديم ولم يكن إجراءً شكليًا

نحن لا نبيع وحدات فقط ولكن نؤسس علاقة طويلة المدى مع المجتمع

ظهورى ليس هدفًا بل مسؤولية وكل كلمة تُحسب

لم نعد ننافس على الأسعار فقط بل على الانتباه والثقة والانطباع الأول

كل فكرة نطرحها نُسقطها على رسالتنا

نجحنا فى تحقيق نمو بنسبة %300 فى حجم الأعمال خلال 3 سنوات مقابل %200 فقط للسوق

لا أؤمن بالشركات التى ترتبط بشخص وإنما بالعلامات التى تبقى بعد الأفراد

كل توسع ندرسه يُبنى على تقييم المخاطر والفرص بدقة وليس على الحماس

هدفنا أن نكون من أكبر 500 شركة فى العالم خلال 10 سنوات

نحن لا نبيع عقارات فقط... وإنما نبنى مجتمعات تنمو وتستدام

دخلنا سباق صناعة الوعي.. لا سباق المبيعات فقط

المحتوى القوى لا يباع بل يُشعرك أن العلامة التجارية تفهمك

كل مشروع نطرحه يجب أن يعكس رؤيتنا وليس مجرد فرصة

حجم أعمالنا تضاعف عشرين مرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة

قيمة علامتنا التجارية اليوم تفوق ما كانت عليه سابقًا بمئة ضعف

نمتلك 50 ألف متر مربع مؤجرة «نظام قديم»

لدينا منتج يُقسّط حتى 12 عامًا.. لكننا نراجع هذا النموذج بعناية

وصلنا إلى قائمة العشرة الكبار دون أن يكون لدينا مشروع واحد فى الساحل الشمالى