Ad

أفكار نمطية

عندما أتكلم عن “أفكار نمطية” أقصد عدة أنواع من الأفكار وليس نوعا واحدا، هناك أفكار تضع قواعد عامة، تكون صحيحة فى أغلب أو فى عدد كبير من الأحوال، ولكنها ليست دائما حقيقية أو صالحة، وهنا يجب تحذير من يبنى عليها حسابات من تصور يرى أنها صحيحة فى كل مكان وزمان.

وهناك أفكار تبدو حقيقية ومعقولة لأنها مبنية على منطق قوى، مقنع، ولكن الممارسة التاريخية ودراسات الحالة تثبت أنها خاطئة، لأن المتغيرات والمحددات فى الواقع أكثر وأكثر تعقيدا من الفرضيات التى بنيت عليها هذه الأفكار.

وفى المقابل هناك أفكار تبدو وكأنها درس من دروس التاريخ، وقد تكون فعلا كذلك، ولكن من يتبناها لا يرى أن الواقع اليوم مختلف اختلافا كليا عن الماضى.

وهناك أفكار مصدرها تفسير دينى، مما يمنحها حجية قوية، ولكن المتبحرين فى علوم الدين يعلمون أنها ليست فهما صحيحا للدين – أيًا كان، ولكن إزاحة هذه الأفكار من وجدان القادة والعامة أمر بالغ الصعوبة لا يقدر عليه كبار رجال الدين مهما بذلوا من جهد وشرح. وهناك طبعا أفكار مصدرها عقائدى، أو حزبى، ينطبق عليها ما أسلفناه.

وهناك أفكار مبنية على ثنائيات “إما .. أو”، لا تنتبه إلى وجود طريق ثالث ورابع وخامس.

وهناك أفكار هى ببساطة شديدة التفاهة لا علاقة لها بالواقع، لا الأمس، لا اليوم، ولكنها مقبولة على نطاق واسع لأنها تأتى على هوى الناس، أو لأنها مريحة للغاية.

ومن الضرورى الاعتراف بأن التنديد بالأفكار النمطية... فكرة نمطية بامتياز، تهمل أهمية تلك الأفكار، وهى أهمية متعددة الجوانب، أذكر منها أن الحسابات – الفردية والجماعية، النخبوية والشعبية- تعتمد حتما فى شق منها على فرضيات تتسم بالعمومية، وإلا لاتسمت عملية اتخاذ القرار – مؤسسية كانت أم شخصية- ببطء عواقبه وخيمة. وإلى جانب هذا الأفكار المسبقة تلعب دورا محمودا فى دعم التجانس والترابط وفى “إنتاج إجماع”، ولكن مزايا هذه الأفكار الحقيقية والمتنوعة لا تعنى أنها ليست خطيرة.

أود أن أشير إلى أن تأثير الأفكار النمطية بحلوه ومُرِّه ظاهرة عالمية، وليس حكرا على الدول المتخلفة، أو على دول الحزب الواحد صاحب أيديولوجية صارمة يفرضها على الكل، أو على حكام ضيقى الأفق لا يطيقون أى جدل، هناك طبعا من هو أكثر عرضة من غيره للتأثير السيئ للأفكار النمطية، ولكن الظاهرة ظاهرة عالمية.

الدول الغربية – ومصر- دول مؤسسات، وعندما نقر بهذا نقول إن القرار رشيد تسبقه فى أغلب الأحوال دراسات وجمع معلومات والتفكير فى خيارات وحساب التكلفة وتنظيم تنسيق بين عدة جهات وتكليف فريق بالإشراف، ولكن “المؤسسات” أيا كانت لها ثقافة وعقيدة ومصالح مؤسسية وعادات وأدوات ومعارف ومهارات معينة ونقاط قوة ونقاط ضعف، لا توجد مؤسسة قادرة على التخلص الكامل من البيروقراطية لأن البيروقراطية هى الوجه الآخر للعمل المؤسسى.

البيروقراطية فى أى مؤسسة فى أى دولة فى العالم تقوم بفلترة الأفكار، أى بقتل ودفن عدد كبير منها، قد تكون الأفكار التى يتم التخلص منها أفكار لوزير أو لكادر صغير، والحق يقال، أغلب الأفكار التى يتم قتلها أفكار جانبها الصواب وربما تافهة، ولكن البيروقراطية تقتل أحيانا أفكارا جيدة وضرورية، وعلى صاحب الفكرة الجديدة أن يقاتل بضراوة لينجح فى فرضها على جدول الأعمال.

تقدم عدد من الخبراء باقتراحات لتقليل مخاطر الأفكار المسبقة، منها الحرص على إشراك المعترضين على التوجه السائد فى الاجتماعات، و الحرص على ألا يتم تهميشهم أو إقصاؤهم لأنهم عبروا عن اعتراضهم على مذهب ورأى أغلبية الحضور، ولكننى لا أعرف قائدا قادرًا على تحمل لانهائى لاعتراضات على خطه وكلامه، كما لا أعرف كادرا قادرًا على التعبير دون كلل ولا ملل عن اعتراضاته لا سيما إن لم يجد إذنا صاغية.

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية